كتاب : عيون الأخبار ابن قتيبة الدينوري
كتاب السلطان
محل السلطان وسيرته وسياسته
للنبي صلى الله عليه وسلم في الإمارةحدّثنا محمد بن خالد بن خداش قال: حدّثنا سلابن قتيبة عن ابن أبي ذئب عن المقبريّ عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: " ستحرصون على الإمارة ثم تكون حسرةً وندامةً يوم القيامة فنعمت المرضعة وبئست الفاطمة " .
حدّثني محمد بن زياد الزيادي قال:حدّثنا عبد العزيز الدّاروردي قال: حدّثنا شريك عن عطاء بن يسار أن رجلاً قال عند النبي: بئس الشيء الإمارة. فقال النبي: " نعم الشيء الإمارة لمن أخذها بحقّها وحلها " .
حدّثني زيد بن أخزم الطائي قال: حدّثنا ابن قتيبة قال: حدّثنا أبو المنهال عن عبد العزيز ابن أبي بكرة عن أبيه قال: لما مات كسرى قيل ذلك للنبيّ فقال: " من استخلفوا؟ " فقالوا: ابنته بوران، قال: " لن يفلح قوم أسندوا أمرهم إلى امرأة " .
لابن عباس رضي اللّه عنهما
حدّثني زيد بن أخزم قال: حدّثنا وهب بن جرير قال: حدّثنا أبي قال: سمعت أيّوب يحدّث عن عكرمة عن ابن عباس أنه قدم المدينة زمن الحرّة فقال: من استعمل القوم؟ قالوا: على قريش عبد اللّه بن مطيع، وعلى الأنصار عبد اللّه بن حنظلة بن الراهب. فقال: أميران! هلك واللّه القوم.
للحسن عليه السلامحدّثنا محمد بن عبيد قال: حدّثنا معاوية بن عمرو عن أبي إسحاق عن هشام بن حسّان قال: كان الحسن يقول: " أربعة من الإسلام إلى السلطان الحكم والفيء والجمعة والجهاد " .
لكعب الأحباروحدّثني محمد قال: حدّثنا أبو سلمة عن حماد بن سلمة عن أيوب عن أبي قلابة قال: قال كعب: " مثل الإسلام والسلطان والناس مثل الفسطاط والعمود والأطناب والأوتاد، فالفسطاط الإسلام، والعمود السلطان، والأطناب والأوتاد الناس، لا يصلح بعضه إلا ببعض " .
كلمة لأبي حازم في السلطانحدّثني سهل بن محمد قال: حدّثني الأصمعيّ قال: قال أبو حازم لسليمان بن عبد الملك: " السلطان سوقٌ فما نفق عنده أتي به " .
لابن المقفعوقرأت في كتاب لابن المقفّع: " الناس على دين السلطان إلا القليل فليكن للبرّ والمروءة عنده نفاقٌ فسيكسد بذلك الفجور والدناءة في آفاق الأرض قرأت فيه أيضاً: " الملك ثلاثة ملك دين وملك حزم وملك هوى، فأما ملك الدين فإنه إذا أقام لأهله دينهم فكان دينهم هو الذي يعطيهم ما لهم ويلحق بهم ما عليهم، أرضاهم ذلك وأنزل الساخط منهم منزلة الراضي في الإقرار والتسليم. وأما ملك الحزم فإنه تقوم به الأمور ولا يسلم من الطعن والتسخّط ولن يضرّه طعن الضعيف مع حزم القوي. وأما ملك الهوى فلعب ساعة ودمار دهر " .
للرسولحدّثني يزيد بن عمرو عن عصمة بن صقير الباهلي قال: حدّثنا إسحاق بن نجيح عن ثور بن يزيد عن خالد بن معدان قال: قال رسول اللّه: " إن اللّه حرّاساً فحرّاسه في السماء الملائكة وحراسه في الأرض الذين يأخذون الدّيوان " .
حدّثني أحمد بن الخليل قال: حدّثني سعيد بن سلم الباهلي قال: أخبرني شعبة عن شرقيٍّ عن عكرمة في قول الله عز وجل: " له معقباتٌ من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر اللّه " قال: " الجلاوزة يحفظون الأمراء " .
" وقال الشاعر:
ألا ليت شعري هل أبيتنّ ليلةً ... خليًّا من اسم اللّه والبركات
يعني باسم اللّه، وفيه قول اللّه: " يحفظونه من أمر اللّه " أي بأمر اللّه.
وقرأت في كتاب من كتب الهند: " شرّ المال لا ينفق منه، وشر الأخوان الخاذل، وشر السلطان من خافه البرىء، وشر البلاد ما ليس فيه خصب ولا أمن " .
وقرأت فيه: " خير السلطان من أشبه النّسر حول الجيف لا من أشبه الجيفة حولها النسور " .
وهذا معنى لطيف وأشبه الأشياء به قول بعضهم: " سلطان تخافه الرعية خير للرعية من سلطان يخافها " .
كلمة في عدل الإمام وجورهحدّثني شيخ لنا عن أبي الأحوص عن ابن عمّ لأبي وائل عن أبي وائل قال: قال عبد اللّه بن مسعود: " إذا كان الإمام عادلاً فله الأجر وعليك الشكر، وإذا كان جائراً فعليه الوزر وعليك الصبر " .
قول عمر بن الخطاب في الفواقر
وأخبرني أيضاً عن أبي قدامة عن عليّ بن زيد قال: قال عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه: " ثلاثٌ من الفواقر: جار مقامةٍ إن رأى حسنة سترهم وإن رأى سيئة أذاعهم، وامرأة إن دخلت عليهم لسنتك وإن غبت عنها لم تأمنها، وسلطان إن أحسنت لم يحمدك وإن أسأت قتلك " .
من اليتيمة في منافع السلطان ومضارّه
وقرأت في اليتيمة " مثل قليل مضارٌ السلطان في جنب منافعه مثل الغيث الذي هو سقيا اللّه وبركات السماء وحياة الأرض ومن عليها، وقد يتأذى به السّفر ويتداعى له البنيان وتكون فيه الصواعق وتدرّ سيوله فيهلك الناس والدواب وتموج له البحار فتشتدّ البليّة منه على أهله فلا يمنع الناس، إذا نظروا إلى آثار رحمة اللّه في الأرض التي أحيا والنبات الذي أخرج والرزق الذي بسط والرحمة التي نشر، أن يعظموا نعمة ربهم ويشكروها وبلغوا ذكر خواصّ البلايا التي دخلت على خواصّ الخلق. ومثل الرياح التي يرسلهم اللّه نشرا بين يديّ رحمته فيسوق بهم السحاب ويجعلهم لقاحاً للثمرات و أرواحاً للعباد يتنسمون منها ويتقلبون فيهم، وتجري بهم مياههم، وتقد بها نيرانهم وتسير بهم أفلاكهم. وقد تضرّ بكثير من الناس في برّهم وبحرهم ويخلص ذلك إلى أنفسهم وأموالهم فيشكوها منهم الشاكون ويتأذّى بها المتأذّون ولا يزيلها ذلك عن منزلتها التي جعلها اللّه بهم وأمرها الذي سخرها له من قوام عباده وتمام نعمته. ومثل الشتاء والصيف اللذين جعل اللّه حرّهما وبردهما صلاحاً للحرث والنسل ونتاجاً للحب والثمر، يجمعهم البرد بإذن الّله ويحملها ويخرجها الحرّ باذن اللّه وينضجها مع سائر ما يعرف من منافعها، وقد يكون الأذى والضرّ في حرّهما وبردهما وسمائمهما وزمهريرهما وهما مع ذلك لا ينسبان إلا إلى الخير والصلاح. ومن ذلك الليل الذي جعله اللّه سكناً ولباساً وقد يستوحش له أخو القفر، وينازع فيه ذو البليّة والرّيبة وتعدو فيه السّباع وتنساب فيه الهوامّ ويغتنمه أهل الّسرق والسّلّة، ولا يزري صغير ضرره بكثير نفعه، ولا يلحق به ذمّا ولا يضع عن الناس الحقّ في الشكر اللّه على ما منّ به عليهم منه. ومثل النهار الذي جعله اللّه ضياء ونشوراً وقد يكون على الناس أذى الحرّ في قيظهم وتصبّحهم فيه الحروب والغارات ويكون فيه النّصب والشّخوص وكثير مما يشكوه الناس ويستريحون فيه إلى الليل وسكونه. ولو أن الدنيا كان شيءٌ من سرّائهم يعم عامة أهلهم بغير ضرر على بعضهم وكانت نعماؤهم بغير كدر وميسورها من غير معسور كانت الدنيا إذاً هي الجنة التي لا يشوب مسرتها مكروه ولا فرحها ترحٌ والتي ليس فيهم نصب ولا لغوب، فكل جسيم من أمر الدنيا يكون ضرّه خاصةً فهو نعمةٌ عامة، وكل شيء منه يكون نفعه خاصاً فهو بلاءٌ عام " .
وكان يقال: " السلطان والدين أخوان لا يقوم أحدهما إلا بالآخر " .
لبعض الملوكوقرأت في التاج لبعض الملوك: " هموم الناس صغار وهموم الملوك كبار وألباب الملوك مشغولة بكل شيء يجلّ وألباب السّوق مشغولة بأيسرالشيء، فالجاهل منهم يعذر نفسه بدعة ما هو عليه من الرّسلة ولا يعذر سلطانه مع شدّة ما هو فيه من المؤونة، ومن هناك يعزّر اللّه سلطانه ويرشده وينصره " .
سمع زياد رجلاً يسب الزمان فقال: " لو كان يدري ما الزمان لعاقبته، إنما الزمان هو السلطان كانت الحكماء تقول: " عدل السلطان أنفع للرعية من خصب الزمان "
كلمة لمعاوية في بني هاشم وجواب ابن عباس
وروىالهيثم عن ابن عيّاش عن الشّعبي قال: " أقبل معاوية ذات يوم على بني هاشم فقال: يا بني هاشم، ألاتحدّثوني عن ادعائكم الخلافة دون قريش بم تكون لكم أبالرضا بكم أم بالإجتماع عليكم دون القرابة أم بالقرابة دون الجماعة أم بهما جميعاً؟ فإن كان هذا الأمر بالرضا والجماعة دون القرابة فلا أرى القرابة أثبتت حقاً ولا أسّست ملكاً، وإن كان بالقرابة دون الجماعة والرضا فما منع العباس عمّ النبي ووارثه وساقي الحجيج وضامن الأيتام أن يطلبها وقد ضمن له أبو سفيان بني عبد مناف، وإن كانت الخلافة بالرضا والجماعة والقرابة جميعاً فإن القرابة خصلة من خصال الإمامة لا تكون الإمامة بها وحدها وأنتم تدّعونها بهم وحدها، ولكنا نقول: أحق قريش بهم من بسط الناس أيديهم إليه بالبيعة عليهم ونقلوا أقدامهم إليه الرغبة وطارت إليه أهواؤهم للثقة وقاتل عنها بحقها فأدركها من وجههم. إن أمركم لأمرٌ تضيق به الصدور، إذا سئلتم عمّن اجتمع عليه من غيركم قلتم حقٌّ. فإن كانوا اجتمعوا على حقّ فقد أخرجكم الحقّ من دعواكم. انظروا: فإن كان القوم أخذوا حقكم فاطلبوهم، وإن كانوا أخذوا حقّهم فسّلموا إليهم فإنه لا ينفعكم أن تروا لأنفسكم ما لا يراه الناس لكم. فقال ابن عباس: ندّعي هذا الأمر بحقّ من لولا حقّه لم تقعد مقعدك هذا، ونقول كان ترك الناس أن يرضوا بنا ويجتمعوا عليّنا حقًّا ضيعوه وحظًّا حرموه، وقد اجتمعوا على ذي فضل لم يخطىء الورد والصّدر، ولا ينقص فضل ذي فضلٍ فضل غيره عليه. قال اللّه عز وجل: " ويؤت كلّ ذي فضلٍ فضله " ، فأما الذي منعنا من طلب هذا الأمر بعد رسول الله فعهدٌ منه إلينا قبلنا فيه قوله ودنّا بتأويله، ولو أمرنا أن نأخذه على الوجه الذي نهم نا عنه لأخذناه أو أعذرنا فيه، ولا يعاب أحد على ترك حقه إنما المعيب من يطلب ما ليس له، وكل صواب نافع وليس كل خطأ ضارّاً، انتهت القضية إلى داود وسليمان فلم يفهّمهم داود وفهّمهم سليمان ولم يضرّ داود. فأما القرابة فقد نفعت المشرك وهي للمؤمن أنفع، قال رسول اللّه: " أنت عمّي وصنو أبي ومن أبغض العباس فقد أبغضني، وهجرتك آخر الهجرة كما أن نبوّتي آخر النبوّة وقال لأبي طالب عند موته: " يا عم قل لا إله إلا اللّه أشفع لك بهم غداً وليس ذاك لأحد من الناس. قال اللّه تعالى: " وليست التّوبة للّذين يعملون السّيّئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إنّي تبت الآن ولا الّذين يموتون وهم كفّارٌ أولئك أعتدنا لهم عذاباً أليماً " .
لكسرىحدّثنا الرياشيّ عن أحمد بن سلاّم مولى ذفيف عن مولى يزيد بن حاتم عن شيخ له قال: قال كسرى: " لا تنزل ببلد ليس فيه خمسة أشياء: سلطان قاهر، وقاض عادل، وسوق قائمة، وطبيب عالم، ونهرٌ جارٍ " .
وحدّثنا الرياشيّ قال: حدّثنا مسلم ابن ابراهيم قال: حدّثنا القاسم بن الفضل قال: حدّثنا ابن اخت العجاج عن العجاج قال: " قال لي أبو هريرة: ممن أنت؟ قال: قلت من أهل العراق. قال: يوشك أن يأتيك بقعان الشأم فيأخذوا صدقتك فإذا أتوك فتلقّهم بهم فإذا دخلوهم فكن في أقاصيهم وخلّ عنهم وعنهم. وإيّاك أن تسبّهم فإنك إن سببتهم ذهب أجرك وأخذوا صدقتك وإن صبرت جاءتك في ميزانك يوم القيامة " ، وفي رواية أخرى أنه قال: " إذا أتاك المصدّق فقل: خذ الحق ودع الباطل، فإن أبى فلا تمنعه إذا أقبل فلا تلعنه إذا أدبر فتكون عاصياً خفّف عن ظالم " .
وكان يقال: " طاعة السلطان على أربعة أوجه: على الرغبة، والرهبة، والمحبة، والديانة " .
كتاب من أردشير إلى جميع الطوائف من رعيتهوقرأت في بعض كتب العجم كتباً لأردشير بن بابك إلى الرعية، نسخته: " من أردشير الموبذ ذي البهاء ملك الملوك ووارث العظماء، إلى الفقهاء الذين هم حملة الدين، والأساورة الذين هم حفظة البيضة، والكتاب الذين هم زينة المملكة، وذوي الحرث الذين هم عمرة البلاد. السلام عليكم، فإنا بحمد اللّه صالحون وقد وضعنا على رعيتنا بفضل رأفتنا إتاوتها الموظّفة عليهم. ونحن مع ذلك كاتبون إليكم بوصية: لا تستشعروا الحقد فيدهمكم العدوّ، ولا تحتكروا فيشملكم القحط، وتزوّجوا في القرابين فإنه أمسّ للرحم وأثبت للنسب، ولا تعدّوا هذه الدنيا شيئاً فإنها لا تبقى على أحد ولا ترفضوها مع ذلك فإن الآخرة لا تنال إلا بها " .
نصيحة أرسطاطاليس إلى الاسكندر
وقرأت كتاباً من أرسطاطاليس إلى الاسكندر وفيه: " املك الرعية بالإحسان إليها تظفر بالمحبة منها، فإن طلبك ذلك منهم باحسانك هو أدوم بقاءً منه باعتسافك، واعلم أنك إنما تملك الأبدان فتخطّهم إلى القلوب بالمعروف، واعلم أن الرعية إذا قدرت على أن تقول، قدرت على أن تفعل، فاجهد ألا تقول تسلم من أن تفعل " .
كلمة لملك العجموقرأت في كتاب الآيين أن بعض ملوك العجم قال في خطبة له: " إني إنما أملك الأجساد لا النيات وأحكم بالعدل لا بالرضا وأفحص عن الاعمال لا عن السرائر " .
ونحوه قول العجم: " أسوس الملوك من قاد أبدان الرعية إلى طاعته بقلوبها " .
وقالوا: " لا ينبغي للوالي أن يرغب في الكرامة التي ينالهم من العامة كرهاً ولكن في التي يستحقهم بحسن الأثر وصواب الرأي والتدبير " .
حدّثنا الرياشيّ عن أحمد بن سلام عن شيخه له قال: " كان أنوشروان إذا ولّى رجلاً أمر الكاتب أن يدع في العهد موضع أربعة أسطر ليوقّع فيه بخطه فإذا أتي بالعهد وقّع فيه: سس خيار الناس بالمحبة وامزج للعامة الرغبة بالرهبة وسس سفلة الناس بالإخافة " .
قال المدائني: " قدم قادم على معاوية بن أبي سفيان فقال له معاوية: هل من مغرّبة خبر؟ قال: نعم، نزلت بماء من مياه الأعراب فبينا أنا عليه إذ أورد أعرابي إبله فلما شربت ضرب على جنوبهم وقال عليك زياداً. فقلت له: ما أردت بهذا؟ قال: هي سدًى، ما قام لي بهم راعٍ مذ ولي زياد. فسرّ ذلك معاوية وكتب به إلى زياد " .
كلمة لعبد الملك بن مروانقال عبد الملك بن مروان: " أنصفونا يا معشر الرعية، تريدون منا سيرة أبي بكر وعمر! ولا تسيرون فينا ولا في أنفسكم بسيرة رعية أبي بكر وعمر! نسأل اللّه أن يعين كلاً على كل " .
لعمر بن الخطاب ولابن عبد العزيزقال عمر بن الخطاب: " إن هذا الأمر لا يصلح له إلا اللّين في غير ضعف والقويّ في غير عنف " .
وقال عمر بن عبد العزيز: " إني لأجمع أن أخرج للمسلمين أمراً من العدل فأخاف أن لا تحتمله قلوبهم فأخرج معه طمعاً من طمع الدنيا، فإن فرت القلوب من هذا سكنت إلى هذا " .
لمعاوية في سياسة الرغبةقال معاوية: " لا أضع سيفي حيث يكفيني سوطي ولا أضع سوطي حيث يكفيني لساني، ولو أن بيني وبين الناس شعرةً ما انقطعت. قيل: وكيف ذاك؟ قال: كنت إذا مدّوها خلّيتها وإذا خلّوها مددتهم " .
للشعبي وعمر في معاويةونحو هذا قول الشّعبي فيه: " كان معاوية كالجمل الطّبّ، إذا سكت عنه تقدّم وإذا ردّ تأخروقول عمر فيه: " احذروا آدم قريش وابن كريمهم ، من لا ينام إلا على الرضا ويضحك في الغضب ويأخذ ما فوقه من تحته " .
وأغلظ له رجل فحلم عنه فقيل له: أتحلم عن هذا؟ فقال: " إني لا أحول بين الناس وبين ألسنتهم ما لم يحولوا بيننا وبين سلطاننا " .
كان يقال: " لا سلطان إلا برجال ولا رجال إلا بمال ولا مال إلا بعمارة ولا عمارة إلا بعدل وحسن سياسة " .
قال زياد: " أحسنوا إلى المزارعين فإنكم لا تزالون سماناً ما سمنوا " .
كتاب الحجاج إلى الوليد بن عبد الملك يشرح له سيرتهوكتب الوليد إلى الحجاج يأمره أن يكتب إليه بسيرته فكتب إليه: " إني أيقظت رأيي وأنمت هواي، فأدنيت السيد المطاع في قومه، ووليت الحرب الحازم في أمره، وقلّدت الخراج الموفرّ لأمانته، وقسمت لكل خصم من نفسي قسماً يعطيه حظّاً من نظري ولطيف عنايتي، وصرفت السيف إلى النّطف المسيء، والثواب إلى المحسن البريء فخاف المريب صولة العقاب، وتمسك المحسن بحظه من الثواب " .
وكان يقول لأهل الشام: " إنما أنا لكم كالظّليم الرائح عن فرخه: ينفي عنها القذر ويباعد عنها الحجر ويكنّها من المطر ويحميها من الضّباب ويحرسها من الذئاب. يا أهل الشأم أنتم الجنّة والرداء وأنتم العدّة والحذاء " .
رد معاوية على سليم مولى زيادفخر سليم مولى زياد بزياد عند معاوية فقال معاوية: " اسكت ما أدرك صاحبك شيئاً قطّ بسيفه إلا وقد أدركت أكثر منه بلساني " .
تعريف عبد الملك للسياسةوقال الوليد لعبد الملك: يا أبت ما السياسة؟ قال: " هيبة الخاصّة مع صدق مودّتها واقتياد قلوب العامة بالإنصاف لها واحتمال هفوات الصّنائع " .
وفي كتب العجم: " قلوب الرعية خزائن ملوكهم فما أودعتهم من شيء فلتعلم أنه فيها " .
ووصف بعض الملوك سياسته فقال: " لم أهزل في وعد ولا وعيد ولا أمر ولا نهي ولا عاقبت للغضب واستكفيت على الجزاء وأثبت على العناء لا الهوى، وأودعت القول هيبة لم يشبهم مقت وودّا لم تشبه جرأة وعمّمت بالقوت ومنعت الفضول " .
وصية أبرويز لابنه شيرويهوقرأت في كتاب التاج: قال أبرويز لابنه شيرويه وهو في حبسه: " لا توسعنّ على جندك فيستغنوا عنك ولا تضيقنّ عليهم فيضجّوا منك، أعطهم عطاء قصداً وامنعهم منعاً جميلاً ووسّع عليهم في الرجاء ولا توسّع عليهم في العطاء " .
ونحوه قول المنصور في مجلسه لقوّاده: صدق الأعرابي حيث يقول: أجع كلبك يتبعك. فقام أبو العباس الطّوسي فقال: يا أمير المؤمنين أخشى أن يلوّح له غيرك برغيف فيتبعه ويدعك.
وصية عمر للأشعريوكتب عمر إلى أبي موسى الأشعريّ: " أما بعد، فإن للناس نفرة عن سلطانهم فأعوذ باللّه أن تدركني وإياك عمياء مجهولة وضغائن محمولة، أقم الحدود ولو ساعة من نهار، وإذا عرض لك أمران: أحدهما اللّه، والآخر للدينا فآثر نصيبك من اللّه فإن الدنيا تنفد والآخرة تبقى، وأخيفوا الفسّاق وأجعلوهم يداً يداً ورجلاً رجلاً، وعد مرضى المسلمين واشهد جنائزهم وافتح لهم بابك وباشر أمورهم بنفسك فإنما أنت رجل منهم غير أن اللّه جعلك أثقلهم حملاً، وقد بلغني أنه قد فشا لك ولأهل بيتك هيئة في لباسك ومطعمك ومركبك ليس للمسلمين مثلهم ، فإياك يا عبد اللّه أن تكون بمنزلة البهيمة مرّت بوادٍ خصيب فلم يكن لهم همٌّ إلا السّمن وإنما حتفهم في السمن، واعلم أن العامل إذا زاغ زاغت رعيّته، وأشقى الناس من شقي الناس به، والسلام " .
لعبد اللّه بن زبير في معاوية
هشام بن عروة قال: " صلى يوماً عبد اللّه بن الزبير فوجم بعد الصلاة ساعة فقال الناس: لقد حدّث نفسه. ثم التفت إلينا فقال: لا يبعدنّ ابن هند! إن كانت فيه لمخارج لا نجدهم في أحد بعده أبدا. واللّه إن كنا لنفرّقه وما الليث الحرب على براثنه بأجرأ منه فيتفارق لنا. وإن كنا لنخدعه وما ابن ليلةٍ من أهل الأرض بأدهى منه فيتخادع لنا، واللّه لوددت أنّا متّعنا به ما دام في هذا حجر - وأشار إلى قبيس - لا يتخوّن له عقل ولا تنتقص له قوّة. قلنا: أوحش واللّه الرجل. قال: وكان يصل بهذا الحديث: وكان واللّه كما كان العذري:
ركوب المنابر وثّابهم ... معنٌّ بخطبته مجهر
نريع إليه هوادي الكلام ... إذا خطل النثر المهمر
حدّثني أبو حاتم قال: حدّثنا الأصمعيّ قال: حدّثنا جد سران، وسران عمّ الأصمعيّ قال: " كلم الناس عبد الرحمن بن عوف أن يكلم عمر بن الخطاب في أن يلين لهم فإنه قد أخافهم حتى إنه قد أخاف الأبكار في خدورهنّ. فقال عمر: إني لا أجد لهم إلا ذلك، إنهم لو يعلمون ما لهم عندي لأخذوا ثوبي من عاتقي " .
قال: وتقدمت إليه امرأة فقالت: " يا أبا عقر حفص، اللّه لك. فقال: ما لك أعقرت؟ أي دهشت، فقالت: صلعت فرقتك.
قال أشجع السلميّ في إبراهيم بن عثمان:
لا يصلح السلطان إلا شدّةٌ ... تغشى البريء بفضل ذنب المجرم
ومن الولاة مقحّمٌ لا يتّقى ... والسيف تقطر شفرتاه من الدم
منعت مهم بتكن النفوس حديثهم ... بالأمر تكرهه وإن لم تعلم
كان يقال: " شر الأمراء أبعدهم من القرّاء، وشر القرّاء أقربهم من الأمراء " .
كتب عامل لعمر بن عبد العزيز على حمص إلى عمر: " إن مدينة حمص قد تهدّم حصنهم ، فإن رأى أمير المؤمنين أن يأذن لي في إصلاحهفكتب إليه عمر: " أمّا بعد، فحصّنهم بالعدل، والسلام " .
لأعرابي في أميرٍ عادل
ذكر أعرابي أميراً فقال: " كان إذا ولي لم يطابق بين جفونه وأرسل العيون على عيونه، فهو غائب عنهم شاهد معهم، فالمحسن راج والمسيء خائف " .
كلمة لجعفر بن يحيىكان جعفر بن يحيى يقول: " الخراج عمود الملك وما استغزر بمثل العدل ولا استنزر بمثل الظلم " .
وصية أردشير لابنه
وفي كتاب من كتب العجم أن أردشير قال لابنه: " يا بني، إن الملك والدين أخوان لا غنى بأحدهما عن الآخر، فالدين أسٌّ والملك حارس، وما لم يكن له أسّ فمهدوم وما لم يكن له حارس فضائع. يا بني، اجعل حديثك مع أهل المراتب وعطيتك لأهل الجهاد وبشرك لأهل الدين وسرّك لمن عناه ما عناك من أرباب العقول " .
وكان يقال: " مهما كان في الملك فلا ينبغي أن تكون فيه خصال خمس: لا ينبغي أن يكون كذاباً فإنه إذا كان كذاباً فوعد خيراً لم يرج أو أوعد بشرٍّ لم يخف، ولا ينبغي أن يكون بخيلاً فإنه إن كان بخيلاً لم يناصحه أحد ولا تصلح الولاية إلا بالمناصحة، ولا ينبغي أن يكون حديداً فإنه إذا كان حديداً مع القدرة هلكت الرعية، ولا ينبغي أن يكون حسوداً فإنه إذا كان حسوداً لم يشرّف أحداً ولا يصلح الناس إلا على أشرافهم، ولا ينبغي أن يكون جباناً فإنه إذا كان جباناً ضاعت ثغوره واجترأ عليه عدوه " .
كلمة معاوية لابنة عثمانوقدم معاوية المدينة فدخل دار عثمان فقالت عائشة بنت عثمان: واأبتاه، وبكت. فقال معاوية: " يا ابنة أخي إنّ الناس أعطونا طاعة وأعطيناهم أماناً، وأظهرنا لهم حلماً تحته غضب وأظهروا لنا طاعة تحتهم حقد ومع كل إنسان سيفه وهو يرى مكان أنصاره، فإن نكثنا بهم نكثوا بنا ولا ندري أعليّنا تكون أم لنا،ولأن تكوني بنت عمّ أمير المؤمنين خيرٌ من أن تكوني آمرأة من عرض المسلمين
من عبد اللّه بن عباس إلى الحسن بن عليّ
كتب عبد اللّه بن عباس إلى الحسن بن عليّ: " إنّ المسلمين ولّوك أمرهم بعد عليّ فشمّر للحرب وجاهد عدوك ودار أصحابك وآشتر من الظّنين دينه بما لا يثلم دينك، وولّ أهل البيوتات والشرف تستصلح بهم عشائرهم حتى تكون الجماعة، فإن بعض ما يكره الناس، ما لم يتعدّ الحق وكانت عواقبه تؤدي إلى ظهور العدل وعز الدين، خيرٌ من كثير مما يحبون إذا كانت عواقبه تدعو إلى ظهور الجور ووهن الدين " .
حدّثني محمد بن عبيد عن معاوية بن عمرو عن أبي إسحاق عن الأعمش عن إبراهيم قال: " كان عمر إذا قدم عليه الوفد سألهم عن حالهم وأسعارهم وعمن يعرف من أهل البلاد وعن أميرهم هل يدخل عليه الضعيف؟ وهل يعود المريض؟ فإن قالوا نعم، حمد اللّه تعالى، وإن قالوا لا، كتب إليه أقبل " .
اختيار العمال
وصية أبو بكر الصديق عند وفاتهروي أن بكر الصديق رضي اللّه عنه لمّا حضرته الوفاة كتب عهداً فيه: " بسم اللّه الرحمن الرحيم، هذا ما عهد أبو بكر خليفة رسول الّله عند آخر عهده بالدنيا وأوّل عهده بالآخرة، في الحال التي يؤمن فيهم الكافر ويتّقي فيهم الفاجر: إني استعملت عمر بن الخطاب فإن برّ وعدل فذلك علمي به، وإن جار وبدّل فلا علم لي بالغيب، والخير أردت، ولكل امرىء ما اكتسب " وسيعلم الّذين ظلموا أيّ منقلب ينقلبون " .
من وصايا أبرويز إلى ابنه شيرويهوفي التاج أن أبرويز كتب إلى ابنه شيرويه من الحبس: " ليكن من تختاره لولايتك آمرأ كان في ضعة فرفعته، أوذا شرف وجدته مهتضماً فأصطنعته، ولاتجعله آمرأ أصبته بعقوبة فآتّضع عنهم ولا أطاعك بعد ما اذللته ولا أحداً ممن يقع في خلدك أن إزالة سلطانك أحبّ له من ثبوته،وإياك أن تستعمله ضرعاً غمراً كثر إعجابه بنفسه وقلت تجاربه في غيره، ولا كبيراً مدبراً قد أخذ الدهر من عقله كما اخذت السنّ من جسمه
شعر للقيطوقال لقيط في هذا المعنى:
فقّلدوا أمركم اللّه درّكم ... رحب الذراع بامر الحرب مضطلعاً
لا مترفا إن رخاء العيش ساعده ... ولا إذا عضّ مكروهٌ به خشعا
ما زال يحلب درّالدهر أشطره ... يكون متّبعاً يوماً ومتّبعا
حتى آستمرّت على شزرٍ مريريته ... مستحكم السنّ لا فخماً ولا ضرعاً
من الأمثال في الرجل المجرّب
و يقال في مثل: " رأي الشيخ خير من مشهد الغلام ومن أمثال العرب أيضاًفي المجرّب: " العوان لا تعلّم الخمرة
لبعض الخلفاء في الربيع بن زيادقال بعض الخلفاء: دلوني على رجل أستعمله على أمر قد أهمّني. قالوا: كيف تريده؟ قال: " إذا كان في القوم وليس أميرهم كان كأنه أميرهم وإذا كان أميرهم كان كأنه رجل منهم قالوا: لا نعلمه إلا الربيع بن زياد الحارثي. قال: صدقتكم، هو لها.
عبد الرحمن بن عبيد التميمي صاحب شرطة الحجاجو روى الهيثم عن مجالد عن الشّعبي قال: قال الحجاج: دلوني على رجل للشّرط. فقيل: أيّ الرجال تريد؟ فقال: " أريده دائم العبوس طويل الجلوس سمين الأمانة أعجف الخيانة لا يخفق في الحق على جرّةٍ يهون عليه سبال الإشراف في الشفاعة فقيل له: عليك بعبد الرحمن بن عبيد التميمي. فأرسل إليه يستعمله، فقال له: لست أقبلهم إلا أن تكنفيني عيالك وولدك وحاشيتك. قال: يا غلام، ناد في الناس: من طلب إليه منهم حاجة فقد برئت منه الذمة. قال الشعبي: فواللّه ما رأيت صاحب شرطة قطّ مثله، كان لا يحبس إلا في دين، وكان إذا أتي برجل قد نقب على قوم وضع منقبته في بطنه حتى تخرج من ظهره، وإذا أتي بنبّاش حفر له قبراً فدفنه فيه، وإذا أتي برجل قاتل بحديدة اوشهر سلاحاً قطع يده، وإذا اتي برجل قدأحرق على قوم منزلهم أحرقه، وإذا أتي برجل يشكّ فيه وقد قيل إنه لص ولم يكن منه شيء ضربه ثلاثمائة سوط. قال: فكان ربما أقام أربعين ليلة لا يؤتى بأحد فضم إليه الحجاج شرطة البصرة مع شرطة الكوفة.
نصيحة أبرويز إلى ابنه شيرويهوقرأت في كتاب أبرويز إلى ابنه شيرويه: " انتخب لخراجك أحد ثلاثة: إما رجلاً يظهر زهداً في المال ويدّعي ورعاً في الدين فإنّ من كان كذلك عدل على الضعيف وأنصف من الشريف ووفّر الخراج وأجتهد في العمارة، فإن هو لم يرع ولم يعفّ إبقاء على دينه ونظراً لأمانته كان حريّاً أن يخون قليلاً ويوفّر كثيراً آستسراراً بالرياء واكتتاماً بالخيانة، فإن ظهرت على ذلك منه عاقبته على ماخان ولم تحمده على ما وفّر، وإن هو جلّح في الخيانة وبارز بالرياء نكّلت به في العذاب واستنظفت ماله مع الحبس. أو رجلاً عالماً بالخراج غنياً في المال مأموناً في العقل فيدعوه علمه بالخراج إلى الاقتصاد في الحلب والعمارة للأرضين والرفق بالرعية، ويدعوه غناه إلى العفة ويدعوه عقله إلى الرغبة فيما ينفعه والرهبة مما يضره. أو رجلاً عالماً بالخراج مأموناً بالأمانة مقتراً من المال فتوسّع عليه في الرزق فيغتنم لحاجته الرزق ويستكنثر لفاقته اليسير، ويزجي بعلمه الخراج، ويعفّ بأمانته عن الخيانة " .
عمر بن عبد العزيز وأهل العذراستشار عمر بن عبد العزيز في قوم يستعملهم، فقال له بعض أصحابه: عليك بأهل العذر. قال: ومن هم؟ قال: الذين إن عدلوا فهو ما رجوت منهم، وإن قصّروا قال الناس: قد اجتهد عمر.
حديث عدي بن ارطأة مع إياس بن معاوية
فيمن يصلح للولاية من القراءقال عدي بت أرطاة لإياس بن معاوية: دلّني على قوم من القراء أولّهم. فقال له: القرّاء ضربان: فضرب يعملون للآخرة ولا يعملون لك، وضرب يعملون للدّنيا فما ظنّك بهم إذا أنت ولّيتهم فمكّنتهم منهم ؟ قال: فما أصنع؟ قال: عليك بأهل البيوتات الذين يستحيون لأحسابهم فولّهم.
بين الرشيد ورجل أراد توليته القضاءأحضر الرشيد رجلاً ليولّيه القضاء فقال له: إني لا أحسن القضاء ولا أنا فقيه.قال الرشيد: فيك ثلاث خلال: لك شرف والشرف يمنع صاحبه من الدناءة. ولك حلم يمنعك من العجلة، ومن لم يعجل قلّ خطؤه. وأنت رجل تشاور في أمرك ومن شاور كثر صوابه، وأما الفقه فسينضم إليك من تتفقّه به. فولي ماوجدوا فيه مطعناً.
حديث عمر بن هبيرة مع إياس بن معاوية
حين أراد ابن هبيرة توليتهحدّثني سهل بن محمد قال:حدّثنا الأصمعيّ قال: حدّثني صالح بن رستم أبو عامر الخزّار قال: قال لي إياس بن معاوية المزنيّ: أرسل إليّ عمر بن هبيرة فأتيته فساكتني فسكتّ، فلما أطلت قال: إيهٍ. قلت: سل عما بدا لك. قال: أتقرأ القرآن؟ قلت نعم. قال: هل تفرض الفرائض؟ قلت نعم. قال:فهل تعرف من أيام العرب شيئاً؟ قلت نعم. قال: فهل تعرف من أيام العجم شيئاً؟ قلت: أنا بهم أعلم. قال: إني أريد أن أستعين بك. قلت: إن فيّ ثلاثاً لا أصلح معهن للعمل. قال: ماهن؟ قلت: أنا دميم كما ترى، وأنا حديد، وأنا عيٌّ. قال: أما الدمامة فإني لا اريد أن أحاسن بك الناس، وأمّا العيّ فإني أراك تعبر عن نفسك، وأمّا سوء الخلق فيقوّمك السوط. قم، قد وليتك. قال: فولاني وأعطاني ألفي درهم فهما أول مال تموّلته.
من كتاب للهند في السلطان الحازم
قرأت في كتاب للهند: " السلطان الحازم ربما أحب الرجل فأقصاه وآطّرحه مخافة ضره، فعل الذي تلسع الحية إصبعه فيقطعهم لئلا ينتشر سمّها في جسده، وربما أبغض الرجل فأكره نفسه على توليته وتقريبه لغناء يجده عنده كنكاره المرء على الدواء البشع لنفعه " .
كلمة للمأمون في مدح الرجالحدّثني المعلّى بن أيوب قال: سمعت المأمون يقول: " من مدح لنا رجلاً فقد تضمّن عيبه " .
باب صحبة السلطان وآدابهم وتغير السلطان وتلوّنه
وصية العباس لابنه عبد اللّه
حدّثني محمد بن عبيد قال: حدّثنا أبو أسامة عن مجالد الشّعبي عن عبد اللّه بن عباس قال: قال لي أبي: " يا بنيّ إني أرى أمير المؤمنين يستخليك ويستشيرك ويقدّمك على الأكابر من أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، وإني أوصيك بخلال أربع: لا تفشينّ له سرّاً، ولا يجرّبنّ عليك كذباً، ولا تغتابن عنده أحداً، ولا تطو عنه نصيحةقال الشّعبي: قلت لابن عباس: كل واحد خير من الف. إي واللّه ومن عشرة آلاف.
كان يقال: " إذا جعلك السلطان أخا فاجعله أبا، وإن زادك فزده " .
نصيحة زياد لابنهقال زياد لابنه: " إذا دخلت على أمير المؤمنين فادع له ثم اصفح صفحاً جميلاً، ولا يرينّ منك تهلكاً عليه ولا انقباضاً عنه " .
كلمة لمسلم بن عمرو في خدمة السلطانقال مسلم بن عمرو: " ينبغي لمن خدم السلطان ألا يغترّ بهم إذا رضوا عنه ولا يتغير لهم إذا سخطوا عليه ولا يستثقل ما حمّلوه ولا يلحف في مسالتّهم " .
من كتاب للهند في صحبة السلطان ولزوم بابهوقرأت في كتاب للهند: " صحبة السلطان على ما فيهم من العز والثروة عظيمة الخطار، وإنما تشبّه بالجبل الوعر فيه الثمار الطيبة والسباع العادية، فالارتقاء إليه شديد والمقام فيه أشدّ، وليس يتكافأ خير السلطان وشره لأنّ خير السلطان لا يعدو مزيد الحال، وشر السلطان قد يزيل الحال ويتلف النفوس التي لها طلب المزيد، ولا خير في الشيء الذي سلامته مال وجاه وفي نكبته الجائحة والتلف " .
وقرأت فيه: " من لزم باب السلطان بصبر جميل وكظم للغيظ واطّرح للأنفة، وصل إلى حاجته " .
وقرأت فيه: " السلطان لا يتوخى بكرامته الأفضل فالأفضل ولكن الأدنى فالأدنى كالكرم لا يتعلق بأكرم الشجر ولكن بأدناهم منه " .
كلام العربوكانت العرب تقول: " إذا لم تكن من قربان الأمير فكن من بعدانه " .
لابن المقفع في صحبة السلطانوقرأت في آداب ابن المقفع: " لا تكوننّ صحبتك للسلطان إلا بعد رياضة منك لنفسك عن طاعتهم في المكروه عندك وموافقتهم فيما خالفك وتقدير الأمور على أهوائهم دون هواك، فإن كنت حافظاً إذا ولّوك، حذراً إذا قرّبوك، أميناً إذا ائتمنوك، تعلمهم وكأنك تتعلم منهم، وتؤدبهم وكأنك تتأدب بهم، وتشكر لهم ولا تكلفهم الشكر، ذليلاً إن صرموك، راضياً إن أسخطوك، وإلا فالبعد منهم كلّ البعد والحذر منهم كلّ الحذر. وإن وجدت عن السلطان وصحبته غنًى فاستغن به فإنه من يخدم السلطان بحقّه يحل بينه وبين لذة الدنيا وعمل الآخرة، ومن يخدمه بغير حقه يحتمل الفضيحة في الدنيا والوزر في الآخرة " .
وقال: " إذا صبحت السلطان فعليك بطول الملازمة في غير طول المعاتبة، وإذا نزلت منه منزلة الثقة فاعزل عنه كلام الملق ولا تكنثرن له في الدعاء إلا أن تكنلمه على رؤوس الناس ولا يكوننّ طلبك ما عنده بالمسألة ولا تستبطئنّه إن أبطأ. اطلبه بالاستحقاق ولا تخبرنه أن لك عليه حقاً وأنك تعتدّ عليه ببلاء. وإن استطعت ألا ينسى حقّك وبلاءك بتجديد النصح والاجتهم فافعل. ولا تعطينه المجهود كله في أوّل صحبتك له فلا تجد موضعاً للمزيد ولكن دع للمزيد موضعاً. وإذا سأل غيرك فلا تكن المجيب. واعلم أن استلابك للكلام خفةٌ بك واستخفاف منك بالسائل والمسؤول، فما أنت قائل إن قال لك السائل: ما إياك سألت، وقال لك المسؤول: اجب أيهم المعجب بنفسه المستخفّ بسلطانه؟ وقال: " مثل صاحب السلطان مثل راكب الأسد يهم به الناس وهو لمركبه أهيب " .
نصيحة عبد الملك بن صالح المؤدب ولده
وقال عبد الملك بن صالح لمؤدّب ولده بعد أن اختصه لمجالسته وحادثته: " كن على التماس الحظ بالسكوت أحرص منك على التماسه بالكلام فإنهم قالوا: إذا أعجبك الكلام فاصمت وإذا اعجبك الصمت فتكنلم. يا عبد الرحمن لا تساعدني على ما يقبح بي ولا تردّنّ عليّ الخطأ في مجلسي، ولا تكلّفني جواب التشميت والتّهنئة ولا جواب السؤال والتعزية، ودع عنك كيف أصبح الأمير وأمسى. وكلّمني بقدر ما استنطقتك واجعل بدل التقريظ لي حسن الاستماع مني، واعلم أن صواب الاستماع أقل من صواب القول، وإذا سمعتني أتحدّث فأرني فهمك في طرفك وتوقّفك ولا تجهد نفسك في تطرية صوابي، ولا تستدع الزيادة من كلامي بما تظهر من استحسان ما يكون مني، فمن أسوأ حالاً ممن يستكدّ الملوك بالباطل فيدلّ على تهاونه، وما ظنك بالملك وقد أحلّك محلّ المعجب بما تسمع منه وقد أحللته محل من لا يسمع منه؟ وأقل من هذا يحبط إحسانك ويسقط حقّ حرمةٍ إن كانت لك. إني جعلتك مؤدّباً بعد أن كنت معلّماً وجعلتك جليساً مقرّباً بعد أن كنت مع الصبيان مباعداً ومتى لم تعرف نقصان ما خرجت منه لم تعرف رجحان ما دخلت فيه، ومن لم يعرف سوء ما يولّى لم يعرف حسن ما يبلى " .
بين أبي مسلم الخراساني والسفاحدخل أبو مسلم على أبي العباس وعنده أبو جعفر فسلّم على أبي العباس فقال له: يا أبا مسلم، هذا أبو جعفر! فقال: يا أمير المؤمنين، هذا موضع لا يقضى فيه إلا حقك.
للفضل بن الربيع في مسألة الملوكقال الفضل بن الربيع: " مسألة الملوك عن أحوالهم من تحيات النّوكى، فإذا أردت أن تقول: كيف أصبح الأمير، فقل: صبّح اللّه الأمير بالكرامة. وإذا أردت أن تقول: كيف يجد الأمير نفسه، فقل: أنزل اللّه على الأمير الشفاء والرحمة، فإن المسألة توجب الجواب، فإن لم يجبك اشتدّ عليك وإن اجابك اشتدّ عليه " .
لابن المقفع في ما يجب سلوكه مع السلطانوقرأت في آداب ابن المقفع: " جانب المسخوط عليه والظّنين عند السلطان ولا يجمعنك وإياه مجلس ولا منزل ولا تظهران له عذراً ولا تثن عليه عند أحد، فإذا رأيته قد بلغ في الانتقام ما ترجو أن يلين بعده فاعمل في رضاه عنك برفق وتلطّف، ولا تسارّ في مجلس السلطان أحداً، ولا تومىء إليه بجفنك وعينك فإن السّرار يخيّل إلى كل من رآه من ذي سلطان وغيره أنه المراد به، وإذا كلّمك فاصغ إلى كلامه ولا تشغل طرفك عنه بنظر ولا قلبك بحديث نفس " .
من كتاب الهند في آداب الوزير مع السلطانوقرأت في كتاب للهند أنه أهدي لملك الهند ثياب وحلي، فدعا بامرأتين له وخيّر أحظاهما عنده بين اللباس والحلية، وكان وزيره حاضراً، فنظرت المرأة إليه كالمستشيرة له فغمزها باللباس تغضيناً بعينه، ولحظه الملك، فاختارت الحلية لئلا يفطن للغمزة، ومكث الوزير أربعين سنة كاسراً عينه لئلا تقرّ تلك في نفس الملك وليظنّ أنه عادة أو خلقة، وصار اللباس للأخرى فلما حضرت الملك الوفاة قال لولده: توصّ بالوزير خيراً فإنه اعتذر من شيء يسير أربعين سنة.
لشبيب بن شيبة فيمن يخدم السلطانقال شبيب بن شيبة: " ينبغي لمن ساير خليفة أن يكون بالموضع الذي إذا أراد الخليفة أن يسأله عن شيء لم يحتج إلى أن يلتفت، ويكون من ناحية إن التفت لم تستقبله الشمس. وإن سار بين يديه أن يحيد عن سنن الريح التي تؤدّي الغبار إلى وجهه " .
نصيحة ناسك لآخرقال رجل من النساك لآخر: " إن ابتليت بأن تدخل إلى السلطان مع الناس فأخذوا في الثناء فعليك بالدعاء " .
بين المأمون ويحيى بن أكثمقال ثمامة: كان يحيى بن أكثم يماشي المأمون يوماً في بستان موسى والشمس عن يسار يحيى والمأمون في الظل وقد وضع يده على عاتق يحيى وهما يتحادثان حتى بلغ حيث أراد ثم كرّ راجعاً في الطريق التي بدأ فيهم فقال ليحيى: كانت الشمس عليك لأنك كنت على يساري وقد نالت منك فكن الآن حيث كنت وأتحوّل أنا حيث كنت. فقال يحيى: واللّه يا أمير المؤمنين لو أمكنني أن أقيك هول المطلع بنفسي لفعلت. فقال المأمون: لا واللّه لابدٌّ من أن تأخذ الشمس مني مثل ما أخذت منك. فتحوّل يحيى وأخذ من الظل مثل الذي أخذ منه المأمون.
وقال المأمون: " أوّل العدل أن يعدل الرجل على بطانته ثم على الذين يلونهم حتى يبلغ العدل الطبقة السفلى " .
للأحنف في الانقباض على السلطانالمدئني قال: قال الأحنف: " لا تنقبضوا عن السلطان ولا تهالكوا عليه فإنه من أشرف للسلطان أذراه، ومن تضرّع له أحظاه " .
؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟لحذيفة بن اليمان في التعرض لسلطان اللّه في الأرض
حدّثني يزيد بن عمرو وقال: حدّثني محمد بن عمرو الرومي قال: حدّثنا زهير بن معاوية عن أبي إسحاق عن زيد بن يثيع، قال: قال حذيفة بن اليمان: " ما مشى قوم قطّ إلى سلطان اللّه في الأرض ليذلّوه إلا أذلّهم اللّه قبل أن يموتوا " .
لهشام بن عبد الملك في صحبة السلطان؟؟؟وفي أخبار خالد بن صفوان أنه قال: دخلت على هشام بن عبد الملك فاستدناني حتى كنت أقرب الناس منه فتنفّس ثم قال: يا خالد، لربّ خالدٍ قعد مقعدك هذا أشهى إليّ حديثاً منك. فعلمت أنه يعني خالد بن عبد اللّه. فقلت: يا أمير المؤمنين، أفلا تعيده؟ فقال: إن خالداً أدلّ فأملّ وأوجف فأعجف ولم يدع لراجع مرجعاً، على أنه ما سألني حاجة. فقلت: يا أمير المؤمنين، ذاك أحرى. فقال: هيهات.
إذا لنصرفت نفسي عن الشيء لم تكن ... إليه بوجهٍ آخر الدهر تقبل
بين منكة الهندي ويحيى بن خالد البرمكيحدّثنا الفضل بن محمد بن منصور بمعنى هذا الحديث، وببعضه نهيك: اعتل يحيى بن خالد فبعث إلى منكة الهندي فقال له: ما ترى في هذه العلة؟ فقال منكة: داؤك كبير ودواؤه يسير وأيسر منه الشكر. وكان متفنناً. فقال له يحيى: ربما ثقل على السمع خطرة الحقّ به، فإذا كان ذلك كانت الهجرة له ألزم من المفاوضة فيه. قال منكة: صدقت ولكني أرى في الطوالع أثراً والأمد فيه قريب وأنت قسيم في المعرفة وقد نبهت، وربما تكون صورة الحركة للكوكب عقيمة ليست بذات نتاج ولكن الأخذ بالحزم أوفر حظ الطالبين. قال يحيى: للأمور منصرف إلى العواقب وما حتم لا بد من أن يقع، والمنعة بمسالمة الأيام نهزة فاقصد لما دعوتك له من هذا الأثر الموجود بالمزاج. قال منكة: هي الصفراء مازجتهم مائيةٌ من البلغم فحدّث لهم بذلك ما يحدّث اللّهب عند مماسّته رطوبة المادة من الاشتعال فخذ ماء رمّانتين فدقّهما بإهليلجة سوداء تنهضك مجلساً أو مجلسين وتسكّن ذلك التوقد الذي تجد إن شاء اللّه.
فلما كان من حديثهم الذي كان، تلّطف منكة حتى دخل على يحيى في الحبس فوجده جالساً على لبد ووجد الفضل بين يديه يمهن أي يخدم، فاستعبر منكة وقال: قد كنت ناديت لو أعرت الإجابة. قال له يحيى: أتراك علمت من ذلك شيئاً جهلته؟ كلا ولكنه كان الرجاء للسلامة بالبراءة من الذنب أغلب من الشّفق وكان مزايلة القدر الخطير عبئاً قلّما تنهض به الهمة. وبعد فقد كانت نعمٌ أرجو أن يكون أوّلهم شكراً وآخرهم أجراً. فما تقول في هذا الداء؟ قال له منكة: ما أرى له دواء أنجع من الصبر، ولو كان يفدي بمال أو مفارقة عضو كان ذلك مما يجب لك. قال يحيى: قد شكرت لك ما ذكرت فإن أمكنك تعهدنا فافعل. قال منكة: لو أمكنني تخليف الروح عندك ما بخلت بذلك، فإنما كانت الأيام تحسن لي بسلامتك. قال الفضل كان يحيى يقول: دخلنا في الدنيا دخولاً أخرجنا منهم .
من كتاب الهند في قلة وفاء السلطان لأصحابهوقرأت في كتاب للهند: " إنما مثل السلطان في قلة وفائه للأصحاب وسخاء نفسه عمن فقد منهم مثل البغيّ والمكتّب، كلما ذهب واحد جاء بآخر " .
للعرب في وصف السلطانوالعرب تقول: " السلطان ذو عدوانٍ وذو بدوانٍ وذو تدرٍأ " ، يريدون أنه سريع الإنصراف كثير البدوات هجومٌ على الأمور " .
لأبي مسلم الخرساني في أن المعرفة لا تقدرعلى دفع المقدّر المحتوم
قال معاذ بن مسلم: رأيت أبا جعفر وأبا مسلم دخلا الكعبة فنزع أبو جعفر نعله فلما أراد الخروج قال: يا عبد الرحمن، هم ت نعليّ. فجاء بهم ، فقال: يا معاذ ضعهم في رجلي. فألبسته إياهم فحقد ذلك أبو مسلم. ووجّه أبو جعفر يقطين بن موسى إلى أبي مسلم لإحصاء الأموال فقال أبو مسلم: أفعلهم ابن سلامة الفاعلة؟ لا يكّني. فقال يقطين: عجّلت أيهم الأمير، قال: وكيف؟ قال: أمرني أن أحصي الأموال ثم أسلّمهم إليك لتعمل فيهم برأيك. ثم قدم يقطين على المنصور فأخبره. فلما قدم أبو مسلم المدائن في اليوم الذي قتل فيه جعل يضرب بالسوط معرفة برذونه ويقول بالفارسية كلاماً معناه: ما تغني المعرفة إذا لم يقدر على دفع المحتوم. ثم قال: جارّة ذيلهم. تدعو يا ويلهم ، بدجلة أو حولهم ، كأنا بعد ساعة،قد صرنا في دجلة.
من كلام أبي جعفر المنصورقال المنصور: " ثلاث كنّ في صدري شفى الله منهم: كتاب أبي مسلم إليّ وأنا خليفة: عافانا اللّه وإياك من السوء. ودخول رسوله عليّنا وقوله: أيكم ابن الحارثيّة؟ وضرب سليمان بن حبيب ظهري بالسياط " .
بين المنصور وسلم بن قتيبة في قتل أبي مسلم الخراسانيقال المنصور لسلم بن قتيبة: ما ترى في قتل أبي مسلم؟ فقال سلم: " لو كان فيهما آلهة إلا اللّه لفسدتافقال: حسبك يابا أميّة.
شعر لأبي دلامةقال أبو دلامة:
أبا مجرم ماغيّر اللّه نعمة ... على عبد ه حتى يغيّرهم العبد
أفي دولة المهديّ حاولت غدرة ... ألا إن أهل الغدر آباؤك الكرد
أبا مجرم خوفتني القتل فانتحى ... عليك بما خوفتني الأسد الورد
بين مروان بن محمد و عبد الحميد الكاتبقال مروان بن محمد لعبد الحميد حين أيقن بزوال ملكه: " قد احتجت إلى أن تصير مع عدوّي وتظهر الغدر بي، فإن إعجابهم بأدبك وحاجتهم إلى كتابك تدعوهم إلى حسن الظن بك، فإن استطعت أن تنفعني في حياتي وإلا لم تعجز عن حفظ حرمتي بعد وفاتيفقال عبد الحميد: إن الذي أمرتني به أنفع الأمرين لك وأقبحهما بي وما عندي إلا الصبر معك حتى يفتح الله لك أو أقتل معك. وقال:
أسرّ وفاء ثم اظهر غدرة ... فمن لي بعذرٍ يوسع الناس ظاهره
المشاورة والرأي
عن الحسن في مشاورة النبي صلى الله عليه وسلم النساءحدّثنا الزّياديّ قال: حدّثنا حماد بن زيد عن هشان عن الحسن قال: " كان النبيّ يستشير حتى المرأة فتشير عليه بالشيء فيأخذ به
من كتاب التاج في استشارة الملكوقرأت في التاج أن بعض ملوك العجم استشار وزراءه، فقال أحدهم: " لا ينبغي للملك أن يستشير منا أحداً إلا خالياً به، فإن أموت للسر وأحزم للرأي وأجدر بالسلامة وأعفى لبعضنا من غائلة بعض. فإن إفشاء السر إلى رجل واحد أوثق من إفشائه إلى اثنين، وإفشاءه إلى ثلاث كإفشائه إلى العامّة لأن الواحد رهن بما أفشي إليه، والثاني يطلق عنه ذلك الرهن والثالث علاوة فيه، وإذا كان سر الرجل عند واحد كان أحرى ألا يظهره رهبةً منه ورغبة إليه، وإذا كان عند اثنين دخلت على الملك الشبهة واتسعت على الرجلين المعاريض، فإن عاقبهما عاقب اثنين بذنب واحد، وإن آتهمهما اتهم بريئاً بجناية مجرم، وإن عفا عنهما كان العفو عن أحدهما ولا ذنب له وعن الآخر ولا حجة معه
أيضاً من كتاب الهند في الاستشارة
وقرأت في كتاب للهند أن ملكاً استشار وزراء له، فقال أحدهم: " الملك الحازم يزداد برأي الوزراء الحزمة كما يزداد البحر بموادّه من الأنهم ر، وينال بالحزم والرأي مالايناله بالقوّة و الجنود، وللأسرار منازل: منهم ما يدخل الرهط فيه، ومنهم ما يستعان فيه بقوم، ومنهم ما يستغنى فيه بواحد. وفي تحصين السر الظّفر بالحاجة والسلامة من الخلل. والمستشير وإن كان أفضل رأياً من المشير، فإنه يزداد برأيه رأياً كما تزداد النار بالسّليط ضوءاً. وإذا كان الملك محصّناً لسره بعيداً من أن يعرف ما في نفسه متخيّراً للوزراء مهيباً في أنفس العامة كافياً بحسن البلاء لا يخافه البريء ولا يأمنه المريب مقدّراً لما يفيد وينفق، كان خليقاً لبقاء ملكه. ولا يصلح لسرّنا هذا إلا لسانان وأربع آذان. ثم خلا به
من كتاب إلى بعض السلاطين
قال أبو محمد: كتبن إلى بعض السلاطين كتاباً وفي فصل منه: " لم يزل حزمة الرجال يستحلون مرارة قول النصحاء ويستشهدون العيوب ويستثيرون صواب الرأي من كلٍّ حتى الأمة الوكعاء، ومن احتاج إلى إقامة دليل على ما يدّعيه من مودّته ونقاء طويّته فقد أغناني اللّه عن ذلك بما أوجبه الاضطرار إذ كنت أرجو بدوام نعمتكن وارتفاع درجتكن وانبساط جاهك ويدك زيادة الحال ؟؟؟؟؟؟؟؟؟وفي فصل آخر: " وقد تحملت في هذا الكتاب بعض العتب وخالفت ما أعلم إذ عرضت بالرأي ولم أستشر وأحللت نفسي محل الخواصّ ولم أحل ونزعت بي النفس، حين جاشت وضاقت بما تسمع، عن طريق الصواب لهم إلى طريق الصواب لك، وحين رأيت لسان عدوّك منبسطاً بما يدّعيه عليك وسهامه نافذة، ورأيت وليّك معكوماً عن الاحتجاج إذ لا يجد العذر ورأيت عوامّ الناس يخوضون بضروب الأقاويل في أمرك، ولا شيء أضرّ على السلطان في حال ولا أنفع في حال منهم. وبما يجريه اللّه على ألسنتهم تسير الركبان وتبقى الأخبار ويخلد الذكر على الدهر وتشرف الأعقاب، وظاهر الخبر عندهم أعدل من شهم دة العدول الثقات وفي فصل منه: " وسائس الناس ومدبر أمورهم يحتاج إلى سعة الصدر واستشعار الصبر واحتمال سوء أدب العامّة وإفهام الجاهل وإرضاء المحكوم عليه والممنوع مما يسأل بتعريفه من أين منع، والناس لا يجمعون على الرضا إذا جمع لهم كل أسباب الرضا فكيف إذا منعوا بعضهم ، ولايعذرون بالعذر الواضح فكيف بالعذر الملتبس، وأخوك من صدقك وآرتمض لك، لا من تابعك على هواك ثم غاب عنك بغير ما أحضرك
لزياد يشاور رجلاً
قال زياد لرجل يشاوره: " لكل مستشير ثقة ولكل سر مستودع، وإن الناس قد ابدعت بهم خصلتان: إضاعة السر، وإحراج النصيحة. وليس موضع السر إلا أحد رجلين: رجل آخرة يرجو ثواب اللّه، أو رجل دنيا له شرف في نفسه وعقل يصون به حسبه، وقد عجمتهما لك " .
لبعض الكتّاب في النّصح والغشّ
وكتب بعض الكتّاب: " اعلم أن الناصح لك المشفق عليك من طالع لك وراء العواقب برؤيته ونظره، ومثّل لك الأحوال المخوفة عليك، وخلط لك الوعر بالسهل من كلامه ومشورته ليكون خوفك كفئاً لرجائك وشكرك إزاء النعمة عليك. وأن الغاشّ لك الحاطب عليك من مدّ لك في الاغترار ووطّأ لك مهاد الظلم وجرى معك في عنانك منقاداً لهواك " .
وفي فصل: " إني وإن كنت ظنيناً عندك في هذا الحال ففي تدبرك صفحات هذه المشورة ما دلك على أن مخرجهم عن صدق وإخلاص " .
لعبيد اللّه بن عمر في المشورة، ثم لنصر بن مالك
إبراهيم بن المنذر قال: استشار زياد بن عبيد اللّه الحارثي عبيد اللّه بن عمر في أخيه أبي بكر أن يوليه القضاء، فأشار عليه به، فبعث إلى أبي بكر فامتنع عليه، فبعث زياد إلى عبيد اللّه يستعين به على أبي بكر، فقال أبو بكر لعبيد اللّه: أنشدك باللّه أترى لي أن آلي القضاء؟ قال: اللهم لا. قال زياد: سبحان اللّه! استشرتك فأشرت عليّ به ثم أسمعك تنهاه! قال: أيها الأمير استشرتني فاجتهدت لك رأيي ونصحتك، واستشارني فاجتهدت له رأيي ونصحته.
كان نصر بن مالك على شرط أبي مسلم، فلما جاءه إذن أبي جعفر في القدوم عليه استشاره فنهاه عن ذلك وقال: لا آمنه عليك. قال له أبو جعفر لما صار إليه: استشارك أبو مسلم في القدوم عليّ فنهيته؟ قال: نعم. قال: وكيف ذلك؟ قال: سمعت أخاك ابراهيم الإمام يحدّث عن أبيه محمد بن عليّ قال: " لايزال الرجل يزاد في رأيه ما نصح لمن استشاره " وكنت له كذلك وأنا اليوم لك كم كنت له.
لمعاوية في الحلمقال معاوية: " لقد كنت ألقى الرجل من العرب أعلم أن في قلبه عليّ ضغنا فأستشيره، فيثير إليّ منه بقدر ما يجده في نفسه فلا يزال يوسعني شتماً وأوسعه حلماً حتى يرجع صديقاً أستعين به فيعينني وأستنجده فينجدني
نصيحة ابرويز لابنه في المشورة
وقرأت في كتاب أبرويز إلى ابنه شيرويه وهو في حبسه: " عليك بالمشورة فإنك واحد في الرجال من ينضج لك الكيّ ويحسم عنك الداء ويخرج لك المستكن ولا يدع لك في عدوّك فرصة إلا انتهزهم ولا لعدوّك فيك فرصة إلا حصّنها، ولا يمنعك شدّة رأيك في ظنك ولا علوّ مكانك في نفسك من أن تجمع إلى رأيك رأي غيرك فإن أحمدت اجتنيت وإن ذممت نفيت، فإن في ذلك خصالاً: منهم أنه إن وافق رأيك ازداد رأسك شدّة عندك، وإن خالف رأيك عرضته على نظرك، فإن رأيته معتلياً لما رأيت قبلت، وإن رأيته متّضعاً عنه استغنيت، ومنهم أنه يجدّد لك النصيحة ممن شاورت وإن أخطأ ويمحض لك مودّته وإن قصّر " .
من كتاب الهند في المشورةوفي كتاب للهند: " من التمس من الأخوان الرخصة عند المشورة ومن الأطباء عند المرض ومن الفقهاء عند الشبهة، أخطأ الرأي وازداد مرضاً وحمل الوزر " .
من كلام ابن المقفعوفي آداب ابن المقفع: " لا يقذفن في روعك أنك إن استشرت الرجال ظهر للناس منك الحاجة إلى رأي غيرك، فيقطعك ذاك عن المشاورة، فإنك لا تريد الرأي للفخر به ولكن للانتفاع به. ولو أنك أردت الذكرى كان أحسن الذكر عند الألبّاء أن يقال: لا ينفرد برأيه دون ذوي الرأي من إخوانه.
قول لعمر بن الخطاب في الرأيقال عمر بن الخطاب: " الرأي الفرد كالخيط السّحيل، والرأيان كالخيطان المبرمين، والثلاثة مرار لا يكاد ينتقض " وقال أشجع:
رأيٌ سرى وعيون الناس هاجعةٌ ... ما أخر الحزم رأيٌ قدّم الحذرا
قول المهلب للحجاج في الرأيكتب الحجاج إلى المهلّب يستعجله في حرب الأزارقة، فكتب إليه المهلب: " إن من البلاء أن يكون الرأي لمن يملكه دون من يبصره " .
من كلام عبد اللّه بن وهب يوم عقدت له الخوارج
وقيل لعبد اللّه بن وهب الراسبيّ يوم عقدت له الخوارج: تكلم. فقال: ما أنا والرأي الفطير والكلام القضيب. وقال أيضاً: خمير الرأي خير من فطيره، ورب شيء غابّه خير من طريّه، وتأخيره خير من تقديمه. وقيل لآخر: تكلّم. فقال: ما أشتهي الخبز إلا بائتاً.
لابن هبيرة في الصحبةكان ابن هبيرة يقول: " اللهم إني أعوذ بك من صحبة من غايته خاصة نفسه والإنحطاط في هوى مستشيره، وممن لا يلتمس خالص مودّتك إلا بالتأتّي لموافقة شهوتكن، ومن يساعدك على سرور ساعتك ولا يفكر في حوادث غدك " .
وكان يقال: " من أعطي أربعاً لم يمنع أربعاً:من أعطي الشكر لم يمنع المزيد، ومن أعطي التوبة لم يمنع القبول، ومن أعطي المشورة لم يمنع الصواب، ومن أعطي الاستخارة لم يمنع الخيرة " .
فيمن يستشار من أصناف الناسوكان يقال: لا تستشر معلّماًولا راعي الغنم ولا كثير القعود مع النساء.
وكان يقال: لاتشاور صاحب حاجة يريد قضاءها ولا جائعاً ولا حاقن بول. وقالوا: " لا رأي لحاقن ولا لحازق " وهو الذي ضغطه الخف " ولا لحاقب " وهو الذي يجد رزّا في بطنه.
وقالوا أيضاً: لا تشاور من لا دقيق عنده.
لبعض ملوك العجم في خطأ الرأيوكان بعض ملوك العجم إذا شاور مرازبته فقصّروا في الرأي دعا الموكّلين لأرزاقهم فعاقبهم، فيقولون: تخطىء مرازبتك وتعاقبنا! فيقول: نعم، إنهم لم يخطئوا إلا لتعلّق قلوبهم بأرزاقهم وإذا اهتموا أخطأوا.
وكان يقال: إنّ النفس إذا أحرزت " قوتهم " ورزقهم اطمأنت.
لكعب فيمن يستشاروقال كعب: لا تستشيروا الحاكة فإن اللّه سلبهم عقولهم ونزع البركة من كسبهم.
شعر في المشاورةقال الشاعر:
وأنفع من شاروت من كان ناصحاً ... شفيقاً فأبصر بعدهم من تشاور
وليس بشافيك الشفيق ورأيه ... عزيب ولا ذو الرأي والصدر واغر
ويقال: علامة الرشد أن تكون النفس مشتاقة وقال آخر:
إذا بلغ الرأي النصيحة فاستعن ... برأي نصيح أو نصيحة حازم
ولا تحسب الشّورى عليك غضاضة ... فإن الخوافي رافدات القوادم
وخلّ الهوينا للضعيف ولا تكن ... نؤوماً فإن الحزم ليس بنائم
وأدن من القربى المقرّب نفسه ... ولا تشهد الشورى أمرأ غير كاتم
وما خير كفّ أمسك الغلّ أختها ... وما خير سيفٍ لم يؤيّد بقائم
فإنك لم تصطرد الهمّ بالمنى ... ولن تبلغ العليّا بغير المكارم
؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
لأعرابي في المشاورةقال أعرابي: ما غبنت قط حتى يغبن قومي. قيل: وكيف ذلك؟ قال: لا أفعل شيئاً حتى أشاورهم.
قول لعبسيّ في الحزم والطاعة
قيل لرجل من بني عبس: ما أكثر صوابكم! فقال: نحن ألف رجل وفينا حازم واحد ونحن نطيعه، فكأنا ألف حازم. ويقال: " ليس بين الملك وبين أن يملك رعيته أو تملكه إلا حزم أو توانٍ " .
شعر للقطامي، ثم للرياشي، في معصية الناصحوقال القطامي في معصية الناصح:
ومعصية الشفيق عليك مما ... يزيدك مرّة منه استماعاً
وخير الأمر ما استقبلت منه ... وليس بأن تتبّعه اتّباعاً
كذلك وما رأيت الناس إلا ... إلى ما جرّ غاويهم سراعاً
تراهم يغمزون من استركّوا ... ويجتنبون من صدق المصاعا
وقال آخر: أنشدنيه الرياشيّ:
ومولًى عصاني واستبدّ برأيه ... كما لم يطع بالبقّتين قصير
فلمّا رأى أن غبّ أمري وأمره ... وولّت بأعجاز الأمور صدور
تمنّى بئيساً أن يكون أطاعني ... وقد حدّثت بعد الأمور أمور
كلام سبيع لأهل اليمامةوقال سبيع لأهل اليمامة: " يا بني حنيفة بعدا كما بعدت عاد وثمود، أما واللّه لقد أنبأتكم بالأمر قبل وقوعه كأني أسمع جرسه وأبصر غيبه ولكنّكم أبيتم النصيحة فاجتنيتم الندم، وأصبحتم وفي أيديكم من تكذيبي التصديق ومن تهمتي الندامة، وأصبح في يدي من هلاككم البكاء ومن ذلّكم الجزع، وأصبح ما فات غير مردود وما بقي غير مأمون. وإني لمّا رأيتكم تتّهمون النصيحة وتسفّهون الحليم استشعرت منكم اليأس وخفت عليكم البلاء. واللّه ما منعكم اللّه التوبة ولا أخذكم على غرّة ولقد أمهلكم حتى ملّ الواعظ وهن الموعوظ وكنتم كأنما يعنى بما أنتم فيه غيركم " .
قول صديق لآخر نصحهوأشار رجل على صديق له برأي، فقال له: " قد قلت ما يقول الناصح الشفيق الذي يخلط حلو كلامه بمرّه وحزنه بسهله ويحرّك الاشفاق منه ما هو ساكن من غيره، وقد وعيت النصح فيه وقبلته إذ كان مصدره من عند من لا يشكّ في مودته وصافي غيبه، وما زلت بحمد اللّه إلى كل خير طريقاً منهجاً ومهيعاً واضحاً " .
كتاب الخليفة عثمان حين أحيط به إلى عليّ رضي اللّه عنهما
وكتب عثمان إلى عليّ حين أحيط به: " أما بعد فإنه قد جاوز الماء الزّبى وبلغ الحزام الطّبيين وقد تجاوز الأمر بي قدره.
فإن كنت مأكولاً فكن خير آكل ... وإلا فأدركني ولمّا أمزق "
شعر لأوس بن حجر في المشورةوقال أوس بن حجر:
وقد أعتب ابن العم إن كنت ظالماً ... وأغفرعنه الجهل إن كان أجهلا
وإن قال لي ماذا ترى؟ يستشيرني ... يجدني ابن عمّ مخلط الأمر مزيلا
أقيم بدار الحزم ما دام حزمهم ... وأحر إذا حالت بأن أتحوّلا
وأستبدل الأمر القويّ بغيره ... إذا عقد مأفون الرجال تحلّلا
قول في الأناةوكان يقال: " أناة في عواقبهم درك، خير من معاجلة في عواقبهم فوت " .
وأنشدني الرياشيّ:
وعاجز الرأي مضياع لفرصته ... حتى إذا فات أمرٌ عاتب القدر
وكان يقال: " روّ بحزم فإذا استوضحت فاعزم " .
الإصابة بالظن والرأي
لابن الزبير في الاستدلال بالرأيكان ابن الزبير يقول: " لا عاش بخير من لم ير برأيه ما لم ير بعينه " .
لبعض الحكماء في العقلوسئل بعض الحكماء: ما العقل؟ فقال: " الإصابة بالظن ومعرفة ما لم يكن بما كان وكان يقال: " كفى مخبراً عما مضى ما بقي، وكفى عبراً لأولي الألباب ما جرّبوا " .
وكان يقال: " كل شيء محتاج إلى العقل، والعقل محتاج إلى التجارب " .
ويقال: " ما لم ينفعك ظنه لم ينفعك يقينه " .
لأوس بن حجر، وغيرهوقال أوس بن حجر:
الألمعي الذي يظن بك ال ... ظن كأن قد رأى وقد سمعا
وقال آخر:
وأبغي صواب الظنّ أعلم أنه ... إذا طاش ظنّ المرء طاشت مقادره
للإمام عليّ بن أبي طالب في عبد اللّه بن عباس رضي اللّه عنهما
وقال عليّ بن أبي طالب صلوات اللّه عليه في عبد اللّه بن عباس: " إنه لينظر إلى الغيب من ستر رقيق " .
قول في الظنويقال: " ظن الرجل قطعةٌ من عقلهويقال: " الظنون مفاتيح اليقين " .
وقال بعض الكتاب:
أصونك أن أظنّ عليك ظناً ... لأن الظن مفتاح اليقين
شعر للكميت ولغيره في التدبّر
وقال الكميت:
مثل التدبر في الأمر ائتنافكه ... والمرء يعجز في الأقوام لا الحيل
وقال آخر:
وكنت متى تهزز لخطب تغشه ... ضرائب أمضى من رقاق المضارب
تجلّلته بالرأي حتى أريته ... به ملء عينيه مكان العواقب
ولآخر يصف عاقلاً
وقال آخر يصف عاقلاً:
بصير بأعقاب الأمور كأنما ... يرى بصواب الرأي ما هو واقع
وقال آخر في مثله:
عليّم بأعقاب الأمور برأيه ... كأنّ له في اليوم عيناً على الغد
وقال آخر يصف عاقلاً:
عليّم بأعقاب الأمور كأنّما ... يخاطبه من كل أمر عواقبه
لجثامة بن قيس يهجو قوماً
وقال جثامة بن قيس يهجو قوماً:
أنتم أناس عظام لا قلوب لكم ... لا تعلمون أجاء الرشد أم غاب
وتبصرون رؤوس الأمورمقبلةً ... ولا ترون وقد ولّين أذنابا
وقلّما يفجأ المكروه صاحبه ... إذا رأى لوجوه الشر أسباباً
وقال آخر:
فلا يحذرون الشرّ حتى يصيبهم ... ولا يعرفون الأمر إلا تدبّرا
ويقال: " ظن العاقل كهانة " .
من كتاب الهند في طبائع الناسوفي كتاب للهند: " الناس حازمان وعاجز، فأحد الحازمين الذي إذا نزل به البلاء لم يبطر وتلقّاه بحيلته و رأيه حتى يخرج منه، وأحزم منه العارف بالأمر إذا أقبل فيدفعه قبل وقوعه، والعاجز في تردّد وتثنٍّ حائرٌ بائرٌ لا يأتمر رشداً ولا يطيع مرشداً " .
لشاعر في الظن الجميلوقال الشاعر:
وإني لأرجو اللّه حتى كأنّني ... أرى بجميل الظن ما اللّه صانع
وقال آخر:
وغرّة مرّةٍ من فعل غرّ ... وغرّة مرّتين فعال موق
فلا تفرح بأمر قد تدنّى ... ولا تأيس من الأمر السّحيق
فإن القرب يبعد بعد قرب ... ويدنو البعد بالقدر المسوق
ومن لم يتق الضّحضاح زلّت ... به قدماه في البحر العميق
وما اكتسب المحامد طالبوهم ... بمثل البشر والوجه الطّليق
بين مروان بن الحكم وحبيش بن دلجةوقال مروان بن الحكم لحبيش بن دلجة: أظنك أحمق. قال: " أحمق ما يكون الشيخ إذا عمل بظنّه " .
ونقش رجل على خاتمه: " الخاتم خير من الظن ومثله: " طينةٌ خير من ظنّة " .
اتباع الهوىلعامر بن الظّرب في غلبة الرأي الهوى
كان يقال: الهوى شريك العمى.
و قال عامر بن الظّرب: الرأي نائم والهوى يقظان، ولذلك يغلب الرأي الهوى.
وقال ابن عباس: " الهوى إله معبود " وقرأ " أفرأيت من اتّخذ إلهه هواه " .
شعر لهشام بن عبد الملكوقال هشام بن عبد الملك، ولم يقل غيره:
إذا أنت لم تعص الهوى قادك الهوى ... إلى بعض ما فيه عليك مقال
لبزرجمهر في النهي عن اتباع الهوىوقال بزرجمهر: " إذا اشتبه عليك أمران فلم تدر في أيهما الصواب، فانظر أقربهما إلى هواك فاجتنبه " .
ولعمرو بن العاصكان عمرو بن العاص صاحب عمارة بن الوليد إلى بلاد الحبشة ومع عمرو امرأته فوقعت في نفس عمارة فدفع عمراً في البحر فتعلق بالسفينة وخرج، فلما ورد بلاد الحبشة سعى عمرو بعمارة إلى النّجاشيّ وأخبره أنه يخالف إلى بعض نسائه فدعا النّجاشي بالسواحر فنفخن في إحليله فهام مع الوحش، وقال عمرو في ذلك:
تعلّم عمارا أن من شرّ شيمة ... لمثلك أن يدعى ابن عم له ابنما
وإن كنت ذا بردين أحوى مرجّلا ... فلست براءٍ لابن عمك محرما
إذا المرء لم يترك طعاماً يحبّه ... ولم يعص قلباً غاوياً حيث يمّما
قضى وطراً منه يسيراً وأصبحت ... إذا ذكرت أمثاله تملأ الفما
؟ومثله لحاتم طيّء ولآخر وقال حاتم طيّء في مثله:
وإنك إن أعطيت بطنك سؤله ... وفرجك نالا منتهى الذمّ أجمعا
وقال آخر:
جار الجنيد عليّ محتكماً ... جهلا ولست بموضع الظلم
أكل الهوى حججي وربّ هوى ... مما سيأكل حجّة الخصم
؟لأعرابي في الهوى قال أعرابي: " الهوى هوان، ولكن غلظ باسمه " .
؟
للزبير بن عبد المطلب وللبريق الهذليوقال الزبير بن عبد المطّلب:
وأجتنب المقاذع حيث كانت ... وأترك ما هويت لما خشيت
وقال البريق الهذلي:
ابن لي ما ترى والمرء تأبى ... عزيمته ويغلبه هواه
فيعمى ما يرى فيه عليه ... ويحسب ما يراه لا يراه
؟
قول في الأخوةوكان يقال: " أخوك من صدقك وأتاك من جهة عقلك لا من جهة هواك؟
؟
السر وكتمانه وإعلانه
للرسول صلى الله عليه وسلم في الكتمانحدّثني أحمد بن الخليل قال: حدّثنا محمد بن الحصيب قال: حدّثني أوس بن عبد اللّه بن بريدة عن أخيه سهل عن بريدة قال: قال رسول اللّه: " استعينوا على الحرائج بالكتمان فإنّ كلّ ذي نعمة محسود " ..
للحكماء والعرب في السرّ وكانت الحكماء تقول: " سرّك من دمك والعرب تقول: " من ارتاد لسره موضعاً فقد أذاعه " .
بين ابن أبي محجن ومعاويةحدّثني عبد الرحمن بن عبد اللّه بن قريب عن عمه الأصمعيّ قال: أخبرني بعض أصحابنا قال: دخل ابن أبي محجن الثقفي على معاوية، فقال له معاوية: أبوك الذي يقول:
إذا متّ فادفنّي إلى أصل كرمة ... تروّي عظامي بعد موتي عروقهم
ولا تدفننّي في الفلاة فإنّني ... أخاف وراء الموت أن لاأذوقهم
فقال ابن أبي محجن: لو شئت ذكرت أحسن من هذا من شعره. فقال معاوية: وما ذاك؟ قال قوله:
لا تسألي القوم ما مالي وما حسبي ... وسائلي القوم ما حزمي وما خلقي
القوم أعلم أني من سراتهم ... إذا تطيش يد الرّعديدة الفرق
أعطي السّنان غداة الرّوع حصّته ... وعامل الرّمح أرويه من العلق
قد أركب الهول مسدولاً عساكره ... وأكتم السر فيه ضربة العنق
؟؟شعر للصّلتان العبدي
وأنشدني للصّلتان العبدي:
وسرّك ما كان عند امرىء ... وسرّ الثلاثة غير الخفي ؟
الإمام عليّ رضي اللّه عنه وافشاء السر
وكان عليّ بن أبي طالب رضي اللّه عنه يتمثّل بهذين البيتين:
ولا تفش سرّك إلّا إليك ... فإن لكلّ نصيح نصيحا
فإني رأيت غواة الرجا ... ل لا يتركون أديما صحيحا
شعر في كتمان الهوىوقال الشاعر:
ومراقبين تكاتما بهواهما ... جعلا القلوب لما تجنّ قبورا
يتلاحظان تلاحظا فكأنّما ... يتناسخان من الجفون سطورا
وقال مسكين الدّارمي:
أواخي رجلا لست أطلع بعضهم ... على سر بعض غير أني جماعهم
يظلّون شتّى في البلاد وسرّهم ... إلى صخرة أعيا الرّجال انصداعهم
مما قيل في كتمان السروقال:
ولو قدرت على نسيان ما اشتملت ... مني الضّلوع من الأسرار والخبر
لكنت أوّل من ينسى سرائره ... إذ كنت من نشرهم يوماً على خطر
أسرّ رجلٌ إلى صديق له حديثاً فلما استقصاه قال له: أفهمت؟ قال: لا، بل نسيت.
قيل لأعرابي: كيف كتمانك للسر؟ قال: " ما قلبي له إلا قبر " .
وقيل لمزبد: أيّ شيء تحت حضنك؟ فقال: يا أحمق لم خبّأته. وقال الشاعر:
إذا ما ضاق صدرك عن حديث ... فأفشته الرجال فمن تلوم
إذا عاتبت من أفشى حديثي ... وسرّي عنده فأنا الظّلوم
وإني حين أسأم حمل سرّي ... وقد ضمّنته صدري سؤوم
قيل لرجل: كيف كتمانك للسر؟ قال: " أجحد المخبر وأحلف للمستخبر " .
وكان يقال: " من وهي الأمر إعلانه قبل إحكامهوقال الشاعر:
إذا أنت حمّلت الخؤون أمانة ... فإنك قد أسندتهم شرّ مسند
لعمرو بن العاصوقال عمرو بن العاص: " ما استودعت رجلاً سرّاً فأفشاه فلمته، لأني كنت أضيق صدراً حين أستودعته وقال:
إذا أنت لم تحفظ لنفسك سرّهم ... فسرّك عند الناس أفشى وأضيع
وكان يقال: " من ضاق قلبه اتسع لسانه " .
بين الوليد بن عتبة وأبيهوقال الوليد بن عتبة لأبيه: إن أمير المؤمنين أسرّ إلي حديثاً ولا أراه يطوي عنك ما يبسطه لغيرك، أفلا أحدّثك به؟ قال: لا يا بني " إنه من كتم سره كان الخيار له، ومن أفشاه كان الخيار عليه، فلا تكون مملوكاً بعد أن كنت مالكاً قال: قلت: وإن هذا ليجري بين الرجل وأبيه؟ قال: لا، ولكني أكره أن تذلل لسانك بأحاديث السر. فحدّثت به معاوية فقال: يا وليد؟ أعتقك أخي من رقّ الخطأ.
؟
لبعض ملوك فارسوفي كتب العجم أن بعض ملوك فارس قال: " صونوا أسراركم فإنه لا سر لكم إلا في ثلاثة مواضع: مكيدة تحاول أو منزلة تزاول أو سريرة مدخولة تكتم، ولا حاجة لأحد منكم في ظهور شيء منهم عنه " .
وكان يقال: " ما كنت كاتمه من عدوك فلا تظهر عليه صديقك " .
لجميل بن معمر ثم لابن أبي ربيعةوقال جميل بن أبي معمر:
أموت و ألقى اللّه يا بثن لم أبح ... بسرّك والمستخبرون كثيرون
وقال عمر بن أبي ربيعة المخزومي:
ولما تلاقينا عرفت الذي بهم ... كمثل الذي بي حذوك النعل بالنعل
فقالت وأرخت جانب السّتر إنما ... معي فتكلّم غير ذي رقبة أهلي
فقلت لهم ما بي لهم من ترقّب ... ولكنّ سرّي ليس يحمله مثلي
يريد أنه ليس يحمله أحد مثلي في صيانته وستره، أي فلا أبديه لأحد.
لزهير بن أبي سلمىوقال زهير:
السّتر دون الفاحشات ولا ... يلقاك دون الخير من ستر
وقال آخر:
فسرّي كإعلاني وتلك خليقتي ... وظلمة ليلي مثل ضوء نهم ريا
وقال آخر لأخٍ له وحدّثه بحديث: اجعل هذا في وعاء غير سرب. والسّرب السائل.
وكان يقال: " للقائل على السامع جمع البال والكتمان وبسط العذر " .
وكان يقال: " الرّعاية خير من الاسترعاء " .
بين عبيد اللّه بن زياد وابن همام السلولي
أتى رجل عبيد اللّه بن زياد فأخبره: أن عبد اللّه بن همّام السلّولي سبّه. فأرسل إليه فأتاه فقال: يا بن همام إن هذا يزعم أنك قلت: كذا وكذا. فقال ابن همّام:
فأنت امرؤ إمّا ائتمنتك خالياً ... فخنت، وإمّا قلت قولاً بلا علم
وإنك في الأمر الذي قد أتيته ... لفي منزل بين الخيانة والإثم
وقال آخر:
اخفض الصّوت إن نطقت بليل ... والتفت بالنهار قبل الكلام
لبعض الأعراب في كتم السر، ولأبي الشيصوقال بعض الأعراب:
ولا أكتم الأسرار لكن أنمّها ... ولا أدع الأسرار تغلي على قلبي
وإن قليل العقل من بات ليله ... تقلّبه الأسرار جنباً إلى جنب
وقال أبو الشيص:
لا تأمنن على سرّي وسرّكم ... غيري وغيرك أو طيّ القراطيس
أو طائرٍ سأحلّيه وأنعته ... ما زال صاحب تنقير وتأسيس
سودٌ براثنه ميلٌ ذوائبه ... صفرٌ حمالقه في الحسن مغموس
قد كان همّ سليمان ليذبحه ... لولا سعايته يوماً ببلقيس
وقال أيضاً:
أفضى إليك بسرّه قلمٌ ... لو كان يعرفه بكى قلمه
لمسلم بن الوليدوقال مسلم بن الوليد: في الكتاب يأتيك فيه السر.
الحزم تخريقه إن كنت ذا حذر ... وإنما الحزم سوء الظنّ بالناس
إذا أتاك وقد أدّى أمانته ... فاجعل صيانته في بطن أرماس
وقال آخر:
سأكتمه سرّي وأحفظ سرّه ... ولا غرّني أني عليه كريم
حليمٌ فينسى أو جهولٌ يشيعه ... ومن الناس إلا جاهل وحليم
الكّتاب والكتابة
للرسول عليه الصلاة والسلامحدّثنا إسحاق بن راهويه عن وهب بن جرير عن أبيه عن يونس بن عبيد عن الحسن عن عمرو بن ثعلب عن النبيّ قال: " من أشراط الساعة أن يفيض المال ويظهر القلم وتفشو التجارقال عمرو: إن كنا لنلتمس في الحواء العظيم الكاتب، ويبيع الرجل البيع فيقول: حتى استأمن تاجر بني فلان.
للرسول عليه الصلاة والسلام في القلم
حدّثنا أحمد بن الخليل عن اسماعيل بن آبان عن عنبسة بن عبد الرحمن القرشيّ عن محمد بن زاذان عن أمّ سعد عن زيد بن ثابت قال: دخلت على رسول اللّه وهو يملي في بعض حوائجه فقال: " ضع القلم على أذنك فإنه أذكر للمملى به " .
عن وهب قال ادريس عليه السلام أول من خط بالقلموحدّثني عبد الرحمن بن عبد المنعم عن أبيه عن وهب قال: " كان إدريس النبيّ عليه السلام أوّل من خطّ بالقلم وأوّل من خاط الثياب ولبسهم وكان من قبله يلبسون الجلود " .
بين عمر بن الخطاب وأبي موسى الأشعريّ
حدّثنا إسحاق بن راهويه قال: أخبرنا جرير عن يزيد بن أبي زياد عن عياض بن أبي موسى أن عمر بن الخطّاب قال لأبي موسى: ادع لي كاتبك ليقرأ لنا صحفاً جاءت من الشأم.
فقال أبو موسى: إنه لا يدخل المسجد. قال عمر: أبه جنابة؟ قال: لا، ولكنّه نصراني. قال: فرفع يده فضرب فخذه حتى كاد يكسرهم ثم قال: ما لك! قاتلّك اللّه! أما سمعت قول اللّه عز وجل " ياأيّها الّذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنّصارى أولياء " ! ألا اتخذت رجلاً حنيفياً! فقال أبو موسى: له دينه ولي كتابته. فقال عمر: " لا أكرمهم إذ أهانهم اللّه ولا أعزّهم إذ أذلّهم اللّه ولا أدنيهم إذ أقصاهم اللّه " .
لعمر بن الخطاب في عدم اتخاذ بطانة من دون المؤمنينحدّثنا إسحاق بن راهويه قال: أخبرنا عيسى بين يونس قال: حدّثنا أبو حيّان التّيمي عن أبي زنباع عن أبي الدّهقانة قال: ذكر لعمر بن الخطّاب غلام كاتب حافظ من أهل الحيرة وكان نصرانياً، فقيل له: لو اتخذته كاتباً. فقال " لقد اتخذت إذاً بطانةً من دون المؤمنين " .
أول من وضع كتابة العربيةحدّثني أبو حاتم قال: مرامر بن مروة من أهل الأنبار وهو الذي وضع كتابة العربيّة، ومن الأنبار انتشرت في الناس.
بين الرسول صلى الله عليه وسلم والزبير بن العوامحدّثني أبو سهل عن الطّنفاسي عن المنكدر بن محمد عن أبيه محمد بن المنكدر قال: جاء الزّبير بن العوّام إلى النبيّ فقال: كيف أصبحت؟ جعلني اللّه فداك! قال: " ما تركت أعرابيّتك بعد " .
وصية عبد الملك بن مروان لأخيه عبد العزيزقال عبد الملك بن مروان لأخيه عبد العزيز حين وجّهه إلى مصر: " تفقّد كاتبك وحاجبك وجليسك، فإن الغائب يخبّره عنك كاتبك، والمتوسّم يعرفك بحاجبك، والداخل عليك يعرفك بجليسك " .
بين عمر بن عبد العزيز وعبد الحميد بن الخطابابن أبي الزّناد عن أبيه قال: كنت كاتباً لعمر بن عبد العزيز فكان يكتب إلى عبد الحميد ابن عبد الرحمن بن زيد بن الخطّاب في المظالم فيراجعه، فكتب إليه: " إنه ليخيّل إلي أني لو كتبت إليك أن تعطي رجلاً شاة لكتبت إليّ: أضأن أم ماعز، ولو كتبت إليك بأحدهما لكتبت: أذكر أم أنثى، ولو كتبت إليك بأحدهما لكتبت: أصغير أم كبير. فإذا أتاك كتابي هذا فلا تراجعني في مظلمة " .
بين أبي جعفر المنصور
وسلم بن قتيبة في صفات الكاتبوكتب أبو جعفر إلى سلم بن قتيبة يأمره بهدم دور من خرج مع إبراهيم وعقر نخلهم. فكتب إليه: بأي ذلك نبدأ بالنخل أم بالدّور؟ فكتب إليه أبو جعفر: " أما بعد، فإني لو أمرتك بإفساد ثمرهم لكتبت إليّ تستأذن في أيّه تبدأ أبالبرنيّ أم بالشّهريز؟ " وعزله، وولى محمد بن سليمان. وكان يقول: " للكاتب على الملك ثلاثة، رفع الحجاب عنه، واتّهم م الوشاة عليه، وإفشاء السرّ إليه " .
للعجم في صفات الكاتبكانت العجم تقول: " من لم يكن عالماً بإجراء المياه وبحفر فرض الماء والمسارب وردم المهاوي ومجاري الأيام في الزيادة والنقصان واستهلال القمر وأفعاله ووزن الموازين وذرع المثلّث والمربّع والمختلف الزّوايا ونصب القناطر والجسور والدّوالي والنواعير على المياه وحال أدوات الصنّاع ودقائق الحساب كان ناقصاً في حال كتابته " .
لميمون بن ميمونقال ميمون بن ميمون: " إذا كانت لك إلى كاتب حاجةٌ فليكن رسولك إليه الطمع وقال: " إذا آخيت الوزير فلا تخش الأمير " .
من كتاب الهند في الوزيروفي كتاب للهند: " إذا كان الوزير يساوي الملك في المال والهيبة والطاعة من الناس فليصرعه الملك، وإن لم يفعل فليعلم أنه هو المصروع " .
بين عبيد اللّه بن زياد وكاتب أبيه
المدائني قال: خلا زياد يوماً في أمر ينظر فيه وعنده كاتب له يكتب وابنه عبيد اللّه، فنعس زياد فقال لعبيد اللّه: تعهّد هذا لا يكتب شيئاً. ونام، فوجد عبيد اللّه مسّا من البول فكره أن يوقظ أباه وكره أن يخلّي الكاتب فشدّ إبهاميه بخيط وختمه وقام لحاجته.
قال أبو عبّاد الكاتب: ما جلس أحد قط بين يدي إلا تخيّل إليّ أني جالس بين يديه.
نصيحة أبرويز لكاتبهوقرأت في التاج أن أبرويز قال لكاتبه: " أكتم السرّ واصدق الحديث واجتهد في النصيحة واحترس بالحذر، فإن لك عليّ أن ألا أعجل بك حتى أستأني لك ولا أقبل عليك قولاً حتى أستقين ولا أطمع فيك أحداً فيغتالك. واعلم أنك بمنجاة رفعة فلا تحطّنهم وفي ظل مملكة فلا تستزيلنه، وقارب الناس مجاملة عن نفسك وباعد الناس مشايحةً من عدوّك واقصد إلى الجميل ادّراعاً لغدك وتحصّن بالعفاف صوناً لمروءتك وتحسّن عندي بما قدرت عليه من حسن ولا تشرعنّ الألسنة فيك ولا تقبّحنّ الأحدوثة عنك. وصن نفسك صون الدّرّة الصافية وأخلصهم إخلاص الفضّة البيضاء وعاتبهم معاتبة الحذر المشفق وحصّنهم تحصين المدينة المنيعة. لا تدعنّ أن ترفع إليّ الصغير، فإنه يدل على الكبير، ولا تكتمنّ الكبير فإنه ليس شاغلي عن الصغير. هذّب أمورك ثم القني بهم وأحكم لسانك ثم راجعني به ولا تجترئنّ عليّ فأمتعض ولا تنقبض مني فأتّهم ولا تمرّضنّ ما تلقاني به ولا تخدجنّه. وإذا فكرت فلا تعجل وإذا كتبت فلا تعذر، ولا تستعينن بالفضول فإنهم علاوة على الكفاية ولا تقصرن عن التحقيق فإنهم هجنة بالمقالة ولا تلبسنّ كلاماً بكلام ولا تباعدنّ معنى عن معنى. أكرم كتابك عن ثلاث: خضوع يستخفّه، وانتشار يثبّجه، ومعانٍ تقعد به، واجمع الكثير مما تريد في القليل مما تقول، وليكن بسطة كتابك على السّوقة كبسطة ملك الملوك على الملوك، ولا يكن ما تملك عظيماً وما تقول صغيراً فإنما كلام الكاتب على مقدار الملك فاجعله عالياً كعلوّه وفائقاً كفوقه. واعلم أن جمّاع الكلام كله خصال أربع: سؤالك الشيء، وسؤالك عن الشيء، وأمرك بالشيء، وخبرك عن الشيء. فهذه الخلال دعائم المقالات إن التمس لهم خماس لم يوجد وإن نقص منهم رابع لم تتم، فإذا أمرت فأحكم وإذا سألت فأوضح وإذا طلبت فأسجح وإذا أخبرت فحقّق فإنك إذا فعلت ذلك أخذت بحزامير القول كله فلم يشتبه عليك وارده ولم يعجزك منه صادره. أثبت في دواوينك ما أدخلت وأحص فيهم ما أخرجت وتيقّظ لما تأخذ وتجرّد لما تعطي، لا يغلبنك النسيان عن الإحصاء ولا الأناة عن التقدّم ولا تخرجنّ وزن قيراط في غير حقّ، ولا تعظّمن إخراج الكثير في الحق، وليكن ذلك كله عن مؤامرتي " .
لرجل في زيّ الكتّاب
قال رجل لبنيه: " يا بني تزيّوا بزي الكتاب فإن فيهم أدب الملوك وتواضع السّوقة " .
بين أعرابي والكسائيقال الكسائي: " لقيت أعرابياً فجعلت أسأله عن الحرف بعد الحرف وعن الشيء بعد الشيء أقرنه بغيره فقال: يا اللّه! ما رأيت رجلاً أقدر، على كلمة إلى جنب كلمة أشبه شيء بهم وأبعد شيء منهم ، منك! " .
لابن الأعرابيوقال ابن الأعرابي: " رآني أعرابي وأنا أكتب الكلمة بعد الكلمة من ألفاظه فقال إنك لحتف الكلمة الشرود " .
ولرجل من أهل المدينة في بغداديينوقال رجل من أهل المدينة: " جلست إلى قوم ببغداد فما رأيت أوزن من أحلامهم ولا أطيش من أقلامهم " .
من كاتب إلى صديق لهوكتب بعض الكتاب إلى صديق له: " وصل إليّ كتابك فما رأيت كتاباً أسهل فنوناً ولا أملس متوناً ولا أكثر عيوناً ولا أحسن مقاطع ومطالع ولا أشّد على كل مفصل حزًّا منه. أنجزت فيه عدة الرأي وبشرى الفراسة وعاد الظن بك يقيناً والأمل فيك مبلوغاً " .
ويقال: " عقول الرجال في أطراف أقلامهم " .
ويقال: " القلم أحد اللسانين وخفة العيال أحد اليسارين وتعجيل اليأس أحد الظّفرين وإملاك العجين أحد الريّعين وحسن التقدير أحد الكاسبين واللّبن أحد اللحمين وقد يقال: المرق أحد اللحمين.
في الكتابة، وفي وصف الكتّاب
قيل لبعضهم: إن فلاناً لا يكتب، فقال: تلك الزّمانة الخفية.
وقرأت في بعض كتب العجم أن موبذان موبذ وصف الكتّاب فقال: " كتّاب الملوك عيبتهم المصونة عندهم وآذانهم الواعية وألسنتهم الشاهدة، لأنه ليس أحد أعظم سعادة من وزراء الملوك إذا سعدت الملوك، ولا أقرب هلكة من وزراء الملوك إذا هلكت الملوك، فترفع التّهمة عن الوزراء إذا صارت نصائحهم للملوك نصائحهم لأنفسهم، وتعظم الثقة بهم حين صار اجتهادهم لأنفسهم فلا يتّهم روح على جسده ويتهم جسد على روحه لأن زوال ألفتهما زوال نعمتهما، وأن التئام ألفتهما صلاح خاصّتهما " .
وقال:
لئن ذهبت إلى الحجّاج يقتلني ... إني لأحمق من تخدي به العير
مستحقباً صحفاً تدمى طوابعهم ... وفي الصحائف حيّات مناكير
لبعض الشعراء في القلموقال بعض الشعراء في القلم:
عجبت لذي سنّين في الماء نبته ... له أثر في كل مصرٍ ومعمر
وقال بعض المحدّثين في القلم:
ضئيل الرّواء كثير الغناء ... من البحر في المنصب الأخضر
كمثل أخي العشق في شخصه ... وفي لونه من بني الأصفر
يمر كهيئة مرّ الشجا ... ع في دعص محنيةٍ أعفر
إذا رأسه صحّ لم ينبعث ... وجاز السبيل ولم يبصر
وإن مديةٌ صدعت رأسه ... جرى جري لا هم ئب مقصر
يقضّي مآربه مقبلاً ... ويحسمهم هيئة المدبر
تجود بكفّ فتى كفّه ... تسوق الثّراء إلى المعسر
لأبي تمام يصف القلموقال حبيب الطائي يصف القلم:
لك القلم الأعلى الذي بشباته ... يصاب من الأمر الكلى والمفاصل
لعاب الأفاعي القاتلات لعابه ... وأري الجنى اشتارته أيدٍ عواسل
له ريقه طلٌّ ولكنّ وقعهم ... بآثاره في الشرق والغرب وابل
فصيح إذا استنطقته وهو راكبٌ ... وأعجم إن خاطبته وهو راجل
إذا ما امتطى الخمس اللطاف وأفرغت ... عليه شعاب الفكر وهي حوافل
أطاعته أطراف القنا وتقوّضت ... لنجواه تقويض الخيام الجحافل
تراه جليلاً شأنه وهو مرهفٌ ... ضنًى وسمينا خطبه وهو ناحل
أيضاً لمحمد عبد الملك في وصف القلم
وقال محمد عبد الملك بن صالح الهاشمي يصف القلم:
وأسمر طاوي الكشح أخرس ناطقٍ ... له ذملانٌ في بطون المهارق
إذا استعجلته الكفّ أمطر خاله ... بلا صوت إرعادٍ ولا ضوء بارق
كأنّ اللآلي والزبرجد نطفه ... ونور الخزامى في بطون الحدائق
في مدح كاتبوقال بعض المحدّثين يمدح كاتباً:
وإذا تألق في النديّ كلامه ال ... منظوم خلت لسانه من عضبه
وإذا دجت أقلامه ثم انتجت ... برقت مصابيح الدّجى في كتبه
باللفظ يقرب فهمه في بعده ... منا ويبعد نيله في قربه
حكم فسائحهم خلال بنانه ... متدفق وقليبهم في قلبه
كالروض مؤتلف بحمرة نوره ... وبياض زهرته وخضرة عشبه
لسعيد بن حميد يصف العود، وللطائي في دواةوقال سعيد بن حميد يصف العود:
وناطق بلسان لا ضمير له ... كأنه فخذ نيطت إلى قدم
يبدي ضمير سواه في الكلام كما ... يبدي ضمير سواه منطق القلم
بعث الطائي إلى الحسن بن وهب بدواة ابنوس وكتب إليه:
قد بعثنا إليك أمّ المنايا ... والعطايا زنجيّة الأحساب
في حشاهم من غير حرب حرابٌ ... هي أمضى من مرهفات الحراب
في وصف الدواة والقلموقال ابن أبي كريمة يصف الدواة والقلم:
ومسودّة الأرجاء قد خضت ماءهم ... وروّيت من قعر لهم غير منبط
خميص الحشا يروى على كل مشرب ... أميناً على سر الأمير المسلّط
في تسمية الديوانوقال بعض أهل الأدب: إنما قيل " ديوان " لموضع الكتبة والحسّاب لأنه يقال: للكتّاب بالفارسية " ديوان " أي شياطين، لحذقهم بالأمور ولطفهم، فسمّي موضعهم باسمهم.
في معنى الوزيروقال آخر: إنما قيل لمدير الأمور عن الملك " وزير " من الوزر وهو الحمل، يراد أن يحمل عنه من الأمور مثل الأوزار وهي الأحمال، قال اللّه عز وجل: " ولكنّا حمّلنا أوزاراً من زينة القوم " أي أحمالاً من حليهم، ولهذا قيل للأثم: وزر، شبّه بالحمل على الظهر، قال اللّه تبارك وتعالى: " ووضعنا عنك وزرك الذّي أنقض ظهرك " .
شعر لأبي نواس وغيره في كاتبوكان الناس يستحسنون لأبي النواس قوله:
يا كاتباً كتب الغداة يسبنّي ... من ذا يطيق براعة الكتّاب
لم ترض بالاعجام حين سببتني ... حتى شكلت عليه بالإعراب
وأردت إفهامي فقد أفهمتني ... وصدقت فيما قلت غير محابي
وقال آخر:
يا كاتباً تنثر أقلامه ... من كفّه درجاً على الأسطر
وقال عديّ بن الرّقاع:
صلى الاله على امرىء ودعته ... وأتم نعمته عليه وزادهم
ومنه أخذ الكتّاب: وأتم نعمته عليك وزاد فيهم عندك.
للطائيّ، ثم لجرير
وقال حاتم طيء في معنى قولهم متّ قبلك:
إذا ما أتى يوم يفرّق بيننا ... بموت فكنت أنت الذي تتأخر
وقال جرير في معناه:
ردّي فؤادي وكوني لي بمنزلتي ... يا قبل نفسك لاقى نفسي التف
لبعض الكتاب إلى ملكٍ رداً على كتابه
كتب بعض الملوك إلى بعض الكتّاب كتاباً دعا له فيه بأمتع اللّه بك، فكتب إليه ذلك الكاتب:
أحلت عما عهدت من أدبك ... أم نلت ملكاً فتهت في كتبك
أم هل ترى أن في التواضع لل ... أخوان نقصاً عليك في حسبك
أم كان ما كان منك عن غضب ... فأيّ شيء أدناك من غضبك
إنّ جفاء كتاب ذي مقة ... يكتب في صدره: وأمتع بك
للأصمعي في البرامكةوقال الأصمعيّ في البرامكة:
إذا ذكر الشرك في مجلس ... أنارت وجوه بني برمك
وإن تليت عندهم آية ... لأتوا بالأحاديث عن مروك
وقال آخر:
إن الفراغ دعاني ... إلى ابتناء المساجد
وإن رأيي فيهم ... كرأي يحيى بن خالد
لابن المقفع في بيت النارمرّ عبد اللّه بن المقفع ببيت النار، فقال:
يا بيت عاتكة الذي أتعزّل ... حذر العدا وبه الفؤاد موكّل
لدعبل في أبي عبّاد
وقال دعبل في أبي عبّاد:
أولى الأمور بضيعة وفساد ... أمر يدبّره أبو عبّاد
حنق على جلسائه بدواته ... فمرمّل ومضمّخ بمداد
وكأنه من دير هرقل مفلتٌ ... حردٌ يجرّ سلاسل الأقياد
خيانات العمال
لعمربن الخطاب في النهي عن الهداياحدّثنا إسحاق بن راهويه قال: ذكر لنا أن امرأة من قريش كان بينها وبين رجل خصومة فأراد أن يخاصمها إلى عمر فأهدت المرأة إلى عمر فخذ جزور ثم خاصمته إليه فوجّه القضاء عليهم ، فقالت: ياأمير المؤمنين، افصل القضاء بيننا كما يفصل فخذ الجزور. فقضى عليهم عمر وقال: إياكم والهدايا. وذكر القصة.
للمغيرة بن عبد اللّه الثقفي
قال إسحاق: كان الحجاج استعمل المغيرة بن عبد اللّه الثقفي على الكوفة فكان يقضي بين الناس، فأهدى إليه رجل سراجاً من شبهٍ،وبلغ ذلك خصمه فبعث إليه ببغلة. فلما اجتمعا عند المغيرة جعل يحمل على صاحب السراج وجعل صاحب السراج يقول: إن أمري أضوأ من السراج. فلما أكثر عليه قال: ويحك إن البغلة رمحت السراج فكسرته.
بين الربيع بن زياد الحارثي وعمرحدّثنا إسحاق قال: حدّثنا روح بن عبادة قال: حدّثنا حمّاد بن سلمة عن الجريري عن أبي بصرة عن الربيع بن زياد الحارثي أنه وفد إلى عمر فأعجبته هيئته ونحوه، فشكا عمر طعاماً غليظاً يأكله. فقال الربيع: يا أمير المؤمنين، إن أحق الناس بمطعم طيّب وملبس ليّن ومركب وطيء لأنت. فضرب رأسه بجريدة وقال: واللّه ما أردت بهذا إلا مقاربتي، وإن كنت لأحسب أن فيك خيراً. ألا أخبرك بمثلي ومثل هؤلاء، إنما مثلنا كمثل قوم سافروا فدفعوا نفقاتهم إلى رجل منهم وقالوا أنفقهم عليّنا. فهل له يستأثر عليهم بِشيء؟ قال الربيع:لا.
لأمير المؤمنين عمر في الأمانة
حدّثني محمد بن عبيد قال: حدّثنا سفيان بن عيينة عن ابن أبي نجيح قال: لما أتي عمر بتاج كسرى وسواريه جعل يقلبه بعود في يده ويقول: واللّه إن الذي أدى إلينا هذا لأمين. فقال رجل: يا أمير المؤمنين أنت أمين اللّه يؤدّون إليك ماأدّيت إلى اللّه فإذا رتعت رتعوا. قال: صدقت.
لعليّ رضي اللّه عنه في القناعة
حدّثني أبو حاتم قال: حدّثنا الأصمعيّ قال: لما أتي عليّ عليه السلام بالمال أقعد بين يديه الوزّان والنّقاد فكوّم كومةً من ذهب وكومة من فضة وقال: يا حمراء ويا بيضاء احمرّي وابيضّي وغرّي غيري. وأنشد:
هذا جناي وخياره فيه ... إذ كل جانٍ يده إلى فيه
لعمر بن الخطاب رضي اللّه عنه
حدّثني محمد بن عبيد عن معاوية بن عمرو عن أبي إسحاق عن إسماعيل بن أبي خالد عن عاصم قال: كان عمر بن الخطاب إذا بعث عاملاً يشترط عليه أربعاً: ألّا يركب البراذين، ولا يلبس الرقيق، ولا يأكل النقي، ولا يتخذ بوّاباً. ومر ببناء يبني بحجارة وجصٍّ فقال: لمن هذا؟ فذكروا عاملاً له على البحرين فقال: " أبت الدراهم إلا أن تخرج أعناقهم " وشاطره ماله. وكان يقول: " لي على كل خائن أمينان الماء والطين
؟
كتاب عمر بن عبد العزيز إلى واليهحدّثني إسحاق بن إبراهيم بن حبيب بن الشهيد قال: حدّثنا قريش بن أنس عن سعيد عن قتادة قال: جاء كتاب عمر بن عبد العزيز إلى واليه: أن دع لأهل الخراج من أهل الفرات ما يتختمون به الذهب ويلبسون الطيالسة ويركبون البراذين وخذ الفضل؟؟.
؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
بين عمر وأبي هريرة في الأمانةحدّثنا محمد بن عبيد عن هوذة عن عوف عن ابن سيرين وإسحاق عن النضر بن شميل عن ابن عون عن ابن سيرين بمعناه قال: لما قدم أبو هريرة من البحرين قال له عمر: يا عدوّ اللّه وعدوّ كتابه، أسرقت مال اللّه؟ قال أبو هريرة: لست بعدوّ اللّه ولاعدوّ كتابه ولكني عدوّ من عاداهما ولم أسرق مال اللّه. قال: فمن أين اجتمعت لك عشرة آلاف درهم؟ قال: خيلي تناسلت وعطائي تلاحق وسهامي تتابعت فقبضتها منه. قال أبو هريرة: فلما صليت الصبح استغفرت لأمير المؤمنين ثم قال لي عمر بعد ذلك: ألا تعمل؟ فقلت: لا. قال: قد عمل من هو خير منك يوسف. فقلت: يوسف نبيّ ابن نبيّ وأنا ابن أميمة أخشى ثلاثاً واثنتين. قال: فهلا قلت خمساً؟ قلت: أخشى أن أقول بغير علم، وأحكم بغير حلم، وأخشى أن يضرب ظهري، ويشتم عرضي، وينزع مالي.
؟
قول مالك بن دينار لبلال بن أبي بردةحدّثنا محمد بن داود عن نصر بن قديد عن إبراهيم بن المبارك عن مالك بن دينار أنه دخل على بلال بن أبي بردة وهو أمير البصرة فقال: أيها الأمير، إني قرأت في بعض الكتب: " من أحمق من السلطان ومن أجهل ممن عصاني ومن أعزّ ممن أعزّني. أيا راعي السوء دفعت إليك غنماً سماناً سحاحاً فأكلت اللحم وشربت اللبن وائتدمت بالسمن ولبست الصوف وتركتها عظاماً تتقعقع
موعظة لعمر بن الخطابحدّثني محمد بن شبابة عن القاسم بن الحكم العرني القاضي قال: حدّثني إسماعيل بن عيّاش عن أبي محمد القرشي عن رجاء بن حيوة عن ابن مخرمة قال: إني لتحت منبر عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه بالجابية حين قام في الناس فحمد اللّه وأثنى عليه ثم قال: " أيهم الناس، اقرأوا القرآن تعرفوا به واعملوا به تكونوا من أهله. إنه لن يبلغ ذو حق في حقه أن يطاع في معصية اللّه. ألا إنه لن يبعّد من رزق اللّه ولن يقرّب من أجلٍ أن يقول المرء حقاً وأن يذكّر بعظيم. ألا وإني ما وجدت صلاح ما ولاني اللّه إلا بثلاث: أداء الأمانة، والأخذ بالقوة، والحكم بما أنزل اللّه. ألا وإني ما وجدت صلاح هذا المال إلا بثلاث: أن يؤخذ من حق، ويعطى في حق، ويمنع من باطل. ألا وإنما أنا في مالكم هذا كوالي اليتيم إن استغنيت استعففت، وإن افتقرت أكلت بالمعروف، تقرّم البهمة " .
لزياد في الولاية
بلغني عن محمد بن صالح عن بكر بن خنيس عن عبد اللّه بن عبيد عن أبيه قال: " كان زياد إذا ولى رجلاً قال له: خذ عهدك وسر إلى عملك واعلم أنك مصروفٌ رأس سنتك وأنك تصير إلى أربع خلال فاختر لنفسك: إنا إن وجدناك أميناً ضعيفاً استبدلنا بك لضعفك وسلّمتك من معرّتنا أمانتك، وإن وجدناك خائناً قوياً استهنّا بقوّتك وأحسنّا على خيانتك أدبك فأوجعنا ظهرك وأثقلنا غرمك، وإن جمعت عليّنا الجرمين جمعنا عليك المضرّتين، وإن وجدناك أميناً قوياً زدناك في عملك ورفعنا لك ذكرك وكثرنا مالك وأوطأنا عقبك " .
أيضاً لعمر في الأمانة
قال العتبي: بعث إلى عمر بحلل فقسمها فأصاب كل رجل ثوب فصعد المنبر وعليه حلة، والحلة ثوبان، فقال: أيهم الناس ألا تسمعون. فقال سليمان: لا نسمع. قال: ولم يا أبا عبد اللّه؟ قال: لأنك قسمت عليّنا ثوباً ثوباً وعليك حلة. قال: لا تعجل يا أباعبد اللّه. ثم نادى: يا عبد اللّه. فلم يجبه أحد، فقال: يا عبد اللّه بن عمر. قال: لبيك يا أمير المؤمنين. قال: نشدتكن باللّه، الثوب الذي اتّزرت به هو ثوبك؟ قال: اللهم نعم. فقال سليمان رضي اللّه عنه: أما الآن فقل نسمع.
نصيحة شداد بن عمرو بن أوس لمعاويةبلغني عن حفص بن عمران الرازي عن الحسن بن عمارة عن المنهال بن عمرو قال: قال معاوية لشداد بن عمرو بن أوس: قم فاذكر عليّاً فتنقّصه. فقام شدّاد فقال: " الحمد اللّه الذي افترض طاعته على عباده وجعل رضاه عند أهل التقوى أثر من رضا غيره. على ذلك مضى أوّلهم وعليه يمضي آخرهم. أيهم الناس إن الآخرة وعد صادق يحكم فيهم ملك قادر، وإن الدنيا عرض حاضر يأكل منهم البرّ والفاجر، وإن السامع المطيع لا حجة عليه وإن السامع العاصي لا حجة له. وإن اللّه جل وعز إذا أراد بالناس صلاحاً عمّل عليهم صلحاءهم وقضّى بينهم فقهاءهم وجعل المال في سمحائهم، وإذا أراد بالعباد شراً عمّل عليهم سفهاءهم وقضّى بينهم جهلاءهم وجعل المال عند بخلائهم. وإن من صلاح الولاة أن يصلح قرناؤهم. نصحك يا معاوية من أسخطك بالحق وغشّك من أرضاك بالباطل فقال له معاوية: اجلس. وأمر له بمال، وقال: ألست من السمحاء؟ فقال: إن كان مالك دون مال المسلمين تعمّدت جمعه مخافة تبعته فأصبته حلالاً وأنفقته إفضالاً، فنعم. وإن مما شاركك فيه المسلمون فاحتجنته دونهم، أصبته اقترافاً وأنفقته إسرافاً، فإن اللّه عز وجل يقول: " إنّ المبذّرين كانوا إخوان الشّياطين وكان الشّيطان لرّبه كفوراً
؟
لعمرو بن عبيد في سارقمرّ عمرو بن عبيد بجماعة عكوفٍ، فقال: ما هذا؟ قالوا: سارق يقطع. فقال: لا إله إلا اللّه، سارق السر يقطعه سارق العلانية.
لابن شبرمة في الاتصال السلطانومر طارقٌ صاحب شرطةٌ خالد القسري بابن شبرمة، وطارق في موكبه فقال ابن شبرمة:
أراهم وإن كانت تحبّ كأنهم ... سحابة صيف عن قريب تقشّع
اللهم لي ديني ولهم دنياهم. فاستعمل ابن شبرمة بعد ذلك على القضاء، فقال له ابنه: أتذكر يوم مرّ بك طارق في موكبه وقلت ما قلت؟ فقال: يا بني، إنهم يجدون مثل أبيك ولا يجد مثلهم أبوك. إن أباك أكل من حلوائهم وحط في أهوائهم.
ولعبد الرحمن بن قيسولي عبد الرحمن بن الضحاك بن قيس المدينة سنتين فأحسن السيرة وعفّ عن أموال الناس ثم عزل فاجتمعوا إليه فأنشد لدرّاج الضّبابي:
فلا السجن أبكاني ولا القيد شفّني ... ولا أنني من خشية الموت أجزع
؟ولكن أقواماً أخاف عليهم إذا متّ أن يعطوا الذي كنت أمنع ثم قال: واللّه ما أسفت على هذه الولاية ولكني أخشى أن يلي هذه الوجوه من لا يرعى لهم حقهم .
من كتاب لعليّ بن أبي طالب إلى ابن عباس
ووجدت في كتاب لعليّ بن أبي طالب كرم اللّه وجهه إلى ابن عباس حين أخذ من مال البصرة ما أخذ: " إني أشركتك في أمانتي ولم يكن رجل من أهلي أوثق منك في نفسي، فلما رأيت الزمان على ابن عمك قد كلب، والعدوّ قد حرب قلبت لابن عمك ظهر المجنّ بفراقه مع المفارقين وخذلانه مع الخاذلين واختطفت ما قدرت عليه من أموال الأمة اختطاف الذئب الأزل دامية المعزىوفي الكتاب: " ضحّ رويداً فكأن قد بلغت المدى وعرضت عليك أعمالك بالمحل الذي به ينادي المغترّ بالحسرة ويتمنى المضيّع التوبة والظالم الرجعة " .
من كتاب عمر بن عبد العزيز لعديّ بن أرطأة
وفي كتاب لعمر بن عبد العزيز إلى عديّ بن أرطأة: " غرّني منك مجالستك القرّاء وعمامتك السوداء فلما بلوناك وجدناك على خلاف ما أمّلناك، قاتلكم اللّه! أما تمشون بين القبور " .
لابن أحمد يذكر عمال الصدقةقال ابن أحمد يذكر عمال الصدقة:
إن العياب التي يخفون مشرجة ... فيهم البيان ويلوي عندك الخبر
فابعث اليهم فحاسبهم محاسبة ... لا تخف عين على عين ولا أثر
هل في الثماني من السبعين مظلمة ... وربّهم بكتاب الله مصطبر
وقال عبد اللّه بن همّام السلّولي:
أقلّي عليّ اللوم يا أم مالك ... وذمّي زماناً ساد فيه الفلاقس
وساعٍ مع السلطان ليس بناصح ... و " محترس من مثله وهو حارس "
قدم بعض عمال السلطان من عمل فدعا قوماً فأطعمهم وجعل يحدّثهم بالكذب، فقال بعضهم: نحن كما قال اللّه عزو جل: " سمّاعون للكذب أكّالون للسّحت " قال بعض الشعراء:
ما ظنّكم بأناس خير كسبهم ... مصرّح السحت سمّوه الإصابات
لأبي نواس في إسماعيل بن صبيحوقال أبو نواس في إسماعيل بن صبيح:
بنيت بما خنت الإمام سقاية ... فلا شربوا إلا أمرّ من الصبر
فما كنت إلا مثل بائعة استهم ... تعود على المرضى به طلب الأجر
وله أيضاً
وقال فيه أيضاً لمحمد الأمين:
ألست أمين اللّه سيفك نقمة ... إذا ماق يوماً في خلافك مائق
فكيف بإسماعيل يسلم مثله ... عليك ولم يسلم عليك منافق
أعيذك بالرحمن من شرّ كاتب ... له قلم زان وآخر سارق
وقال فبه أيضاً:
ألا قل لإسماعيل إنك شارب ... بكأس بني ما هم ن ضربة لازم
أتسمن أولاد الطريد ورهطه ... بإهزال آل اللّه من نسل هاشم
وتخبر من لاقيت أنك صائم ... وتغدو بفرج مفطر غير صائم
فإن يسر إسماعيل في فجراته ... فليس أمير المؤمنين بنائم
لأنس الدؤلي في حارثة بن بدرولي حارثة بن بدر " سرّق " فكتب إليه أنس الدؤلي:
أحار بن بدر قد وليت ولاية ... فكن جرذاً فيهم تخون وتسرق
وبار تميماً بالغنى إن للغنى ... لساناً به المرء الهيوبة ينطق
فإن جميع الناس إما مكذّب ... يقول بما يهوى وإما مصدّق
يقولون أقوالاً ولا يعلمونهم ... وإن قيل هم توا حقّقوا لم يحقّقوا
ولا تحقرن يا حار شيئاً أصبته ... فحظّك من ملك العراقين سرّق
فلما بلغت حارثة قال: لا يعمى عليك الرشد.
في الأمانة والخيانةحدّثني أبو حاتم عن الأصمعيّ عن جويرية بن أسماء قال: قال فلان: " إن الرجل ليكون أميناً فإذا رأى الضّياع خان " .
نصيحة أبرويز لابنهقرأت في كتاب أبرويز إلى ابنه شيرويه: " اجعل عقوبتك على اليسير من الخيانة كعقوبتك على الكثير منهم، فإذا لم يطمع منك في الصغير لم يجترأ عليك في الكبير. وأبرد البريد في الدرهم ينقص من الخراج، ولا تعاقبن على شيء كعقوبتك على كسره ولا ترزقنّ على شيء كرزقك على إزجائه، واجعل أعظم رزقك فيه وأحسن ثوابك عليه حقن دم المزجي وتوفير ماله من غير أن يعلم أنك أحمدت أمره حين عفّ واعتصم من أن يهلك " .
قول ابرويز لصاحب بيت المالوقرأت في " التاج " أن أبرويز قال لصاحب بيت المال: " إني لا أحتملك على خيانة درهم ولا أحمدك على حفظ ألف ألف درهم، لأنك إنما تحقن بذلك دمك وتعمر به أمانتك فإنك إن خنت قليلاً خنت كثيراً. واحترس من خصلتين: النقصان فيما تأخذ، والزيادة فيما تعطي. واعلم أني لم أجعل أحداً على ذخائر الملك وعمارة المملكة والعدّة على العدوّ إلا وأنت آمن عندي من موضعه الذي هو فيه وخواتيمه التي هي عليها، فحقّق ظني في اختياري إيّاك أحقق ظنك في رجائك لي، ولا تتعوّض بخير شراً ولا برفعة ضعة ولا بسلامة ولا بأمانة خيانة " .
وكان يقال: " كفى بالمرء خيانة أن يكون أميناً للخونة " .
قول معاذ بن جبل لأبي بكر
قدم معاذ من اليمن بعد وفاة رسول اللّه على أبي بكر رضي اللّه عنه فقال له: ارفع حسابك. فقال: أحسابان، حساب من اللّه وحساب منكم؟ لاو اللّه لا ألي لكم عملاً أبداً.
قول أعرابي في الخونةذكر أعرابي رجلاً خائناً فقال: إن الناس يأكلون أماناتهم لقما، وإن فلاناً يحسوها حسواً.
نصيحة سلطان لعامل لهقال بعض السلاطين لعامل له: " كل قليلاً تعمل طويلاً والزم العفاف يلزمك العمل، وإياك والرّشا يشتد ظهرك عند الخصام
القضاء
صفات القاضيحدّثنا إسحاق بن راهويه قال: أخبرنا بشر المفضّل بن لاحق قال: حدّثنا المغيرة بن محمد عن عمر بن عبد العزيز قال: " لا ينبغي للرجل أن يكون قاضياً حتى تكون فيه خمس خصال: يكون عالماً قيل أن يستعمل، مستشيراً لأهل العلم، ملقياً للرّثع، منصفاً للخصم، محتملاً للائمة " .
حدّثني عليّ بن محمد قال: حدّثنا إسماعيل بن إسحاق الأنصاري عن عبد اللّه بن لهيعة عن عبد اللّه بن هبيرة عن عليّ عليه السلام أنه قال: " ذمتي رهينة وأنا به زعيم لمن صرحت له العبر ألّا يهلك على التقوى زرع قوم ولا يظمأ على التقوى سنخ أصل. ألا وإن أبغض خلق اللّه إلى اللّه رجل قمش جهلاً، غارًّا بأغباش الفتنة، عمياً بما في عقد الهدنة، سمّاه أشباهه من الناس عالماً ولم يغن في العلم يوماً سالماً. بكّر فاستكثر، ما قلّ منه فهو خير مما كثر حتى إذا ما ارتوى من آجن واكتنز من غير طائل قعد بين الناس قاضياً لتخليص ما التبس على غيره، إن نزلت به إحدى المبهمات هيأ حشوا رثّاً من رأيه، فهو من قطع الشبهات في مثل غزل العنكبوت. لا يعلم إذا أخطأ، لأنه لا يعلم أأخطأ أم أصاب. خبّاط عشوات ركّاب جهم لات، لا يعتذر مما لا يعلم فيسلم ولا يعضّ في العلم بضرس قاطع. يذرو الرواية ذرو الريح الهشيم، تبكي منه الدماء وتصرخ منه المواريث ويستحلّ بقضائه الفرج الحرام. لا ملىءٌ واللّه بإصدار ما ورد عليه ولا أهلٌ لما قرّظ به " .
لابن شبرمة في القضاءقال ابن شبرمة:
ما في القضاء شفعة لمخاصم ... عند اللبيب ولا الفقيه الحاكم
أهون عليّ إذا قضيت بسنة ... أو بالكتاب برغم أنف الراغم
وقضيت فيما لم أجد أثراً به ... بنظائر معروفة ومعالم
بين شريح والحجاج في توليه القضاءالهيثم عن ابن عيّاش عن الشّعبي قال: كان أوّل قاضي قضى لعمر بن الخطاب بالعراق سلمان بن ربيعة الباهلي، ثم شهد القادسية وكان قاضياً بهم ، ثم قضى بالمدائن، ثم عزله عمر واستقضى شرحبيل على المدائن، ثم عزله واستقضى أبا قرّة الكندي، وهو اسمه، فاختط الناس الكوفة وقاضيهم أبو قرّة. ثم استقضى شريح بن الحارث الكندي فقضى خمساً وسبعين سنة إلا أن زياداً أخرجه مرة إلى البصرة واستقضى مكانه مسروق بن الأجدع سنة حتى قدم شريح فأعاده ولم يزل قاضياً حتى أدرك الفتنة في زمن ابن الزبير فقعد ولم يقض في الفتنة. فاستقضى عبد اللّه ابن الزبير رجلاً مكانه ثلاث سنين فلما قتل ابن الزبير أعيد شريح على القضاء فلقي رجل شريحاً في الطريق فقال: يا أبا أميةقضيت واللّه بجور. قال: وكيف ذاك؟ ويحك! قال: كبرت سنّك واختلط عقلك وارتشى ابنك. فقال شريح: لاجرم لا يقولهم أحد بعدك. فأتى الحجاج فقال: واللّه لا أقضي بين اثنين. قال: واللّه لا أعفيك أو تبغيني رجلاً.فقال شريح: عليك بالعفيف الشريف أبي بردة بن أبي موسى. فاستقضاه الحجاج وألزمه سعيد بن جبير كاتباً و وزيراً.
بين علقمة بن مرثد ومحارب بن دثاروروى الثوري عن علقمة بن مرثد أنه لقي محارب بن دثار وكان على القضاء فقال له: يا محارب، إلى كم تردّد الخصوم؟ فقال له: إني والخصوم كما قال الأعشى:
أرقت وما هذا السّهاد المؤرّق ... وما بي من سقم وما بي معشق
ولكن أراني لا أزل بحادث ... أغادي بما لم يمس عندي وأطرق
رد إياس بن معاوية على رجل سأله عن مسألة فطوّل فيهم
حدّثني إسحق بن إبراهيم بن حبيب بن الشهيد عن قريش بن أنس عن حبيب ابن الشهيد قال: كنت جالساً عند إياس بن معاوية فأتاه رجل فسأله عن مسألة فطوّل فيهم ، فقال إياس: إن كنت تريد الفتيا فعليك بالحسن معلمي ومعلم أبي، وإن كنت تريد القضاء فعليك بعبد الملك ابن يعلى - وكان على قضاء البصرة يومئذ - وإن كنت تريد الصلح فعليك بحميد الطويل، وتدري ما يقول لك؟ يقول لك: حطّ شيئاً، ويقول لصاحبك: زده شيئاً حتى نصلح بينكما.، وإن كنت تريد الشغب فغليك بصالح السّدوسي، وتدري ما يقول لك؟ يقول لك: اجحد ما عليك. ويقول لصاحبك: ادّع ما ليس لك وادع بيّنةً غيّباً.
من صفات الحاكم وخصائص القضاء الحققرأت في الآيين: " ينبغي للحاكم أن يعرف القضاء الحقّ العدل والقضاء العدل غير الحق والقضاء الحق غير العدل ويقايس بتثبّت وروية ويتحفّظ من الشبهةوالقضاء الحق العدل عندهم قتل النفس بالنفس، والقضاء العدل غير الحق قتل الحرب بالعبد ، والقضاء الحق غير العدل الدية على العاقلة.
قول أعرابي في الحقحدّثني عبد الرحمن بن عبد اللّه بن أخي الأصمعيّ قال: قال أعرابي لقوم يتنازعون: هل لكم في الحق أو فيما هو خير من الحق؟ فقيل: وما يكون خيراً من الحق؟ قال: التحاطّ والهضم فإن أخذ الحق كله مرٌّ.
حكم الهوىحدّثني أبو حاتم عن الأصمعيّ قال: اختلف رجلان في شيء فحكّما رجلاً له في المخطىء همى، فقال للمخطىء: من يقول بقولك أكثر.
الهيثم بن عدي قال: تقدّمت كلثم بنت سريع مولى عمرو بن حريث وأخوها الوليد إلى عبد الملك بن عمير وهو قاضي الكوفة، وكان ابنه عمرو بن عبد الملك يرمى بهما فقضى لهم ، فقال هذيل الأشجعي:
أتاه رفيق بالشهود يسوقهم ... على ما ادّعت من صامت المال والخول
فأدلى وليدٌ عند ذاك بحقه ... وكان وليد ذا مراء وذا جدل
ففتّنت القبطيّ حتى قضى لهما ... بغير قضاء اللّه في السّور الطّول
فلو كان من في القصر يعلم علمه ... لما استعمل القبطيّ فينا على عمل
له حين يقضي للنساء تخاوصٌ ... وكان ما منه التخاوص والحول
إذا ذات دلٍّ كلمته لحاجة ... فهمّ بأن يقضي تنحنح أو سعل
وبرّق عينيه ولاك لسانه ... يرى كل شيء ما خلا شخصهم جلل "
فكان عبد الملك بن عمير يقول: واللّه لربما جاءتني السعلة أو التنحنح وأنافي المتوضّأ فأكفّ عن ذلك.
؟
لابن مناذر في خالد بن طلق القاضيوقال ابن مناذر قي خالد بن طليق وكان قد ولي قضاء البصرة:
قل لأمير المؤمنين الذي ... من هاشم في سرّها واللباب
إن كنت للسّخطة عاقبتنا ... بخالد فهو أشدّ العقاب
كان قضاة الناس فيما مضى ... من رحمة اللّه وهذا عذاب
يا عجباً من خالد كيف لا ... يخطىء فتيا مرةً بالصواب
وقال فيه:
جعل الحاكم يا للنّ ... اس من آل طليق
ضحكةٌ يحكم في النا ... س برأي الجاثليق
أي قاض أنت في النق ... ص وتعطيل الحقوق
يا أبا الهيثم ما أن ... ت لهذا بخليق
لا ولا أنت لما حمّ ... لت منه بمطيق
؟رد بكر بن عبد اللّه المزني
على عدي ابن أرطاة لما أراد توليته القضاءأراد عديّ بن أرطاة بكر بن عبد اللّه المزني على القضاء فقال له بكر: واللّه ما أحسن القضاء، فإن كنت كاذباً أو صادقاً فما يحلّ لك أن توليني.
؟؟؟؟؟
من قضاء ابن شبرمة
وروى عبد الرزاق عن معمر قال: لما عزل ابن شبرمة عن القضاء قال له والي اليمن: اختر لنا رجلاً نوليه القضاء. فقال له ابن شبرمة: ما أعرفه. فذكر له رجل من أهل صنعاء فأرسل إليه فجاء، فقال له ابن شبرمة: هل تدري لم دعيت؟ قال: لا. قال: إنك قد دعيت لأمر عظيم، للقضاء. قال: ما أيسر القضاء! فقال له ابن شبرمة: فنسئلك عن شيء يسير منه. قال: سل. قال له ابن شبرمة: ما تقول في رجل ضرب بطن شاة حامل فألقت ما في بطنهم؟ فسكت الرجل، فقال له ابن شبرمة: أنا بلونك فما وجدنا عندك شيئاً. فقيل له ما القضاء فيهم؟ قال ابن شبرمة: تقوّم حاملاً وتقوّم حائلاً ويغرم قدر ما بينها.
امتحان يحيى بن أكثم لمن يريد القضاءحدّثني عبد اللّه بن محمد؟ الخلنجي قال: كان يحيى بن أكثم يمتحن من يريدهم للقضاء، فقال الرجل: ما تقول في رجلين زوّج كل واحد منهما الآخر أمّه فولد لكل واحد من امرأته ولد، ما قرابة ما بين الولدين؟ فلم يعرفهم ، فقال له يحيى: كل واحد من الولدين عمّ الآخر لأمه.
بين عبد الملك بن مروان وحميد بن بحدلودخل رجل من أهل الشأم على عبد الملك بن مروان فقال: إني تزوجت امرأة وزوجت ابني أمّهم ولا غنى بنا عن رفدك. فقال له عبد الملك: إن أخبرتني ما قرابة ما بين أولادكما إذا أولدتما، فعلت. قال: يا أمير المؤمنين، هذا حميد بن بحدل قد قلدته سيفك ووليته ما وراء بابك فسله عنهم ، فإن أصاب لزمني الحرمان، وإن أخطأ اتسع لي العذر. فدعا بالبحدلي فسأله، فقال: يا أمير المؤمنين، إنك ما قدمتني على العلم بالأنساب ولكن على الطعن بالرّماح، أحدهما عمّ الآخر والآخر خاله.
رفض ابن أبي حذيفة تولي القضاءقال ابن سيرين: كنا عند أبي عبيد ة بن أبي حذيفة في قبّة له وبين يديه كانون له فيه نار فجاءه رجل فجلس معه على فراشه فسارّه بشيء لا ندري ما هو، فقال له أبو عبيد ة: ضع لي إصبعك في هذه النار. فقال له الرجلك سبحان اللّه! تأمرني أن أضع لك أصبعي في هذه النار! فقال له أبو عبيد ة: أتبخل عليّ بأصبع من أصابعك في نار الدنيا وتسألني أن أضع لك جسدي كله في نار جهنم! قال: فظننا أنه دعاه إلى القضاء.
صفات القاضي الكامل وغير الكاملكان يقال: " ثلاث إذا كنّ في القاضي فليس بكامل: إذا كره اللوائم، وأحبّ المحامد، وكره العزل. وثلاث إذا لم تكن فيه غليس بكامل: يشاور وإن كان عالماً، ولا يسمع شكيّة من أحد حتى يكون معه خصمه، ويقضي إذا علم " .
قالوا: " ويحتاج القاضي إلى العدل في لحظه ولفظه وقعود الخصوم بين يديه وألا يقضي وهو غضبان ولا يرفع صوته على أحد الخصمين ما لا يرفعه على الآخر " .
بين الشعبي وشريح في ترك الأخذ بالظواهرقال الشعبي: حضرت شريحاً ذات يوم وجاءته امرأة تخاصم زوجهم فأرسلت عينيهم فبكت فقلت: يا أبا أمية ما أظنهم إلا مظلومة. فقال: يا شعبي، إن أخوة يوسف جاءوا أباهم عشاء يبكون.
كتاب عمر بن الخطابإلى أبي موسى الأشعريّ في القضاء
بلغني عن كثير بن هشام عن جعفر بن برقان قال: كتب عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه إلى أبي موسى الأشعريّ كتاباً فيه: " بسم اللّه الرحمن الرحيم، من عبد اللّه عمر أمير المؤمنين إلى عبد اللّه بن قيس. سلام عليك، أما بعد فإن القضاء فريضة محكمة وسنة متبعة، فأفهم إذا أدلي إليك، فإنه لا ينفع تكنلّم بحق لا نفاذ له. آس بين الناس في مجلسك ووجهك حتى لا يطمع شريف في حيفك ولا ييأس ضعيف من عدلك. البيّنة على من ادّعى واليمين على من أنكر، والصلح جائز بين الناس إلا صلحاً أحلّ حراماً أو حرّم حلالاً، ولا يمنعنّك قضاء قضيته بالأمس فراجعت فيه نفسك وهديت لرشدك أن ترجع إلى الحق فإن الحق لا يبطله شيء. واعلم أن مراجعة الحق خير من التمادي في الباطل. الفهم الفهم فيما يتلجلج في صدرك مما ليس فيه قرآن ولا سنة، واعرف الأشباه والأمثال ثم قس الأمور عند ذلك ثم اعمد لأحبّهم إلى اللّه وأشبههم بالحق فيما ترى. اجعل لمن ادّعى حقاً غائباً أمداً ينتهي إليه فإن أحضر بينة أخذ بحقه وإلا استحللت عليه القضاء. والمسلمون عدول في الشهم دة إلامجلوداً في حدّ أو مجرّباً عيه شهم دة زور أو ظنينا في ولاء أو قرابة. إن اللّه عزّ وجل تولّى منكم السرائر ودرأ عنكم بالبينات والإيمان. وإياك والقلق والضجر والتإذي بالخصوم في مواطن الحق التي يوجب اللّه بهم الأجر ويحسن الذخر، فإنه من صلحت سريرته فيما بينه وبين اللّه أصلح اللّه ما بينه وبين الناس، ومن تزيّن للدنيا بغير ما يعلم اللّه منه شانه اللّه، والسلام " .
لشعر لسلمة بن الخرشب بشأن الرهن التي وضعت
على يدي سبيع التغلبي في قتلى عبس وذبيانوقال سلمة بن الخرشب لسبيع التغلبي في شأن الرّهن التي وضعت على يديه في قتلى عبس وذبيان:
أبلغ سبيعا وأنت سيدنا ... قدما وأوفى رجالنا ذمما
أن بغيضاً وأن أخوتهم ... ذبيان قد ضرّموا الذي اضطرما
نبّئت أن حكّموك بينهم ... فلا تقولنّ بئس ما حمك
إن كنت ذا عرفة بشأنهم ... تعرف ذا حقّهم ومن ظلما
وتنزل الأمر في منازله ... حكما وعلما وتحضر الفهما
فاحكم فأنت الحكيم بينهم ... لن يعدموا الحقّ بارداً صمتا
واصدع أديم السواء بينهم ... على رضى من رضا ومن رغما
إن كان مالا فمثل عدّته ... مالٌ بمال وإن دماً فدما
هذا وإن لم تطق حكومتهم ... فانبذ إليهم أمورهم سلما
إعجاب عمر بن الخطاب من علم زهير بن أبي سلمىوأنشد عمر بن الخطاب شعر زهير بن أبي سلمى، فلما بلغ قوله:
فإن الحق مقطعه ثلاث ... يمينٌ أو نفارٌ أو جلاء
جعل عمر يتعجب من علمه بالحقوق وتفصيله بينهم ويقول كلا يخرج الحق من إحدى ثلاث إما يمين أو محاكمةٌ أو حجةٌ.
شعر لابن أبي ليلى الفقيه في القاضي ابن شبرمةوقال ابن أبي ليلى الفقيه في عبد اللّه بن شبرمة:
وكيف ترجّى لفصل القضاء ... ولم تصب الحكم في نفسكا
وتزعم أنك لابن الجلاح ... وهيهم ت دعواك من أصلكا
شعر العلاء بن المنهم ل في شريك القاضيعبد اللّه بن صالح العجلي قال: خرج شريك وهو على القضاء يتلقى الخيزران وقد أقبلت تريد الحج، فأتى، " شاهي " ، فأقام بهم ثلاثاً ولك تواف فخفّ زاده وما كان معه من الخبز فجعل يبلّه بالماء وي أكله بالملح، فقال العلاء بن المنهم ل الغنوي:
فإن كان الذي قد قلت حقاً ... بأن قد أكرهوك على القضاء
فما لك موضعاً في كل يوم ... تلقّى من يحجّ من النساء
مقيماً في قرى شاهي ثلاثا ... بلا زاد سوى كسرٍ وماء
يزيد الناس خيراً كلّ يوم ... فترجع يا شريك إلى وراء
وقال فيه أيضاً:
فليت أبا شريك كان حيا ... فيقصر حين يبصره شريك
ويترك من تدرّيه عليّنا ... إذا قلنا له هذا أبوك
شعر في بعض الحكام غير العدولوأنشد لبعض الشعراء في بعض الحكام:
أبكي وأندب بهجة الإسلام ... إذ صرت تقعد مقعد الحكّام
إن الحوادث ما علمت كثيرة ... وأراك بعض حوادث الأيام
حدّثني يزيد بن عمرو قال: حدّثني القاسم بن الفضل قال: حدّثني رجل من بني جرير أن رجلاً منهم خاصم رجلاً إلى سوّار بن عبد اللّه فقضى على الجريري، فمر سوّار ببني جرير فقام إليه الجريري فصرعه وخنقه وجعل يقول:
رأيت أحلاماً فعبّرتهم ... وكنت للأحلام عبّارا
رأيتني أخنق ضبًّا على ... حجر وكان الضبّ سوّارا
في الشهم دات
أقوال في الشهم دةحدّثني أبو حاتم قال: حدّثنا الأصمعيّ قال لي أيوب: إن من أصحابي من أرجو دعوته ولا أجيز شهم دته. قال: وقال سوّار: ما أعلم أحداً أفضل من عطاء السّلمي، ولو شهد عندي على فلسين لم أجز شهم دته. يذهب إلى أنه ضعيف الرأي ليس بالحازم، لا أنه يطعن عليه في دينه وأمانته.
قال: وشهد أبو عمرو بن العلاء عند سوّار على نسب فقال سوار: وما يدريك أنه ابنه؟ قال: كما أعلم أنك سوّار بن عبد اللّه بن عنزة بن نقب.
قال: وشهد رجل عند سوار في دار قد ادّعاهم رجل قال: أشهد أنهم من الماء إلى السماء.
وشهد آخر فقال للكاتب: اكتب شهم دتهما. فقال: أيّ شي ء أكتب؟ فقال: كلّ شيء يخرج الدار من يد هذا ويجعلهم في ملك هذا فاكتبه.
قال أبو حاتم: بلغني أنه إنما قيل شهم دة عربية وما أشبهه.
قال: وشهد رجل عند سوار، فقال له: ما صناعتكن؟ قال: أنا مؤدّب. قال: فإنّا لا نجيز شهم دتكن. قال: ولم؟ قال: لأنك تأخذ على تعليّم القرآن أجراً. قال: وأنت تأخذ على القضاء بين المسلمين أجراً. قال إني أكرهت على القضاء. قال: يا هذا، القضاء أكرهت عليه فهل أكرهت على أخذ الرزق؟ قال: هلمّ شهم دتكن. فأجازهم .
قال:وشهد الفرزدق عند بعض القضاة فقال: قد أجزنا شهم دة أبي فراس، وزيدونا. فقيل له حين انصرف: إنه واللّه ما أجاز شهم دتكن. قال: وما يمنعه من ذلكوقد قذفت ألف محصنة.
شعر لأبي دلامة في شهم دته عند ابن أبي ليلىوجاء أبو دلامة ليشهد عند ابن أبي ليلى فقال في مجلسه ذلك:
إن القوم غطّوني تغطيت دونهم ... وإن بحثوا عني ففيهم مباحث
وإن حفروا بئري حفرت بئارهم ... ليعلم ما تخفيه تلك النّبائت
فأجاز شهم دته وحبس المشهود عليه عنده وأعطاه قيمة الشيء.
من قضاء ابن شبرمةأتى رجل ابن شبرمة بقوم يشهدون له على قراح فيه نخل، فشهدوا وكانوا عدولاً فسألهم: كم في القراح من نخلة؟ قالوا: لا نعلم. فردّ شهم دتهم. فقال له رجل منهم: أنت تقضي في هذا المسجد منذ ثلاثين سنة، فأعلمنا: كم فيه من أسطوانة؟ فأجازهم.
شعر في خصومة القاضيوقال بعض الشعراء:
والخصم لا يرتجى النجاة له ... يوماً إذا كان خصمه القاضي
قول لزياد في الحقوق إلى ذوي الخاصّة منه
قدم رجلاً خصماً له إلى زياد في حق له عليه، فقال: إن هذا الرجل يدلّ بخاصّة ذكر أنهم له منك. قال: نعم. وسأخبرك بما ينفعه عندي من خاصّته: إن يكن الحقّ له عليك آخذك أخذاً عنيفاً، وإن يكن الحق لك عليه أقضىلا عليه ثم أقض عنه.
في الحكم إلى الأخوانوقال أبو اليقظان: كان عبيد اللّه بن أبي بكرة قاضياً وكان يميل في الحكم إلى إخوانه. فقيل له في ذلك. فقال: وما خير رجل لا يقطع من دينه لإخوانه؟
قول عمرو بن العاص لطلحة بن عبيد اللّه والزبير
قال المدائني: كان بين طلحة بن عبيد اللّه والزبير مدارأة في واد بالمدينة. قال: فقالا: نجعل بيننا عمرو بن العاص، فأتياه فقال لهما: أنتما في فضلكما وقديم سوابقكما ونعمة اللّه عليكما تختلفان! وقد سمعتما من رسول اللّه مثل ما سمعت وحضرتما من قوله مثل الذي حضرت فيمن اقتطع شبرا من أرض أخيه بغير حق أنه يطوّقه من سبع أرضين! والحكم أحوج إلى العدل من المحكوم عليه وذلك أن الحكم إذا جار رزيء دينه والمحكوم عليه إذا جير عليه رزيء عرض الدنيا " إن شئتما فأدليا بحجتكنما " وإن شئتما فأصلحا ذات بينكما. فاصطلحا وأعطى كل واحد منهما بصاحبه بالرضا.
فيمن كان السندي لا يقبل شهم دتهموكان السّنديّ بن شاهك لا يستحلف المكاري ولا الحائك ولا الملّاح ويجعل القول قول المدّعي مع يمينه، ويقول: اللهم إني أستخيرك في الجمّال ومعلّم الصبيان.
فيمن لاتقبل شهم دته في الباديةوقال أبو البيداء: سمعت شيخاً من الأعراب يقول: نحن بالبادية لا نقبل شهم دة العبد ولا شهم دة العذيوط ولا المغذّى ببوله. قال أبو البيداء: فضحكت واللّه حتى كدت أبول في ثوبي.
لعبيد اللّه بن الحسن في عدم إجازة شهم دة الأحمق
وقيل لعبيد اللّه بن الحسن العنبري: أتجيز شهم دة رجل عفيف تقيّ أحمق؟ قال: لا، وسأريكم. ادعوا لي أبا مودود حاجبي. فلما جاء قال له: اخرج حتى تنظر ما الريح؟ فخرج ثم رجع فقال: شمال يشوبهم شيء من الجنوب. فقال: أتروني كنت مجيزاً شهم دة مثل هذا؟
بين الأعمش ومحارب بن دثار
في ولاية القضاء والعزل عنهقال الأعمش: قال لي محارب بن دثار: وليت القضاء فبكى أهلي وعزلت عنه فبكوا، فما أدري مم ذاك؟ فقلت له: وليت القضاء فكرهته وجزعت منه فبكى أهلك، وعزلت عنه فكرهت العزل وجزعت منه فبكى أهلك. فقاتل: إنه لكما قلت.
بين إياس بن معاوية وقاضٍ لعبد اللّه بن مروان
قدم إياس بن معاوية الشأم وهو غلام فقدّم خصما له إلى قاض لعبد الملك بن مروان وكان خصمه شيخاً كبيراً. فقال له القاضي: أتقدّم شيخاً كبيراً؟ فقال له إياس الحق أكبر منه. قال: اسكت. قال: فمن ينطق بحجتي؟ قال: ما أظنك تقول حقاً حتى تقوم. قال: أشهد أن لا إله إلا اللّه. فقام القاضي فدخل على عبد الملك فأخبره بالخبر فقال: اقض حاجته وأخرجه من الشأم لا يفسد عليّ الناس.
قول أعرابي لخصمٍ له
قال أعرابي لخصم له: " واللّه لئن هملجت إلى الباطل إنك عن الحق لقطوف " .
باب الأحكام
قضاء رسول الله في الطرق أنهم سبع أذرعحدّثني عبد ة بن عبد الله قال: حدّثنا وهب بن جرير قال: حدّثني أبي قال: سمعت الزبير بن الحارث يحدّث عن عكرمة عن أبي هريرة قال: " قضى رسول اللّه إذا اختلف الناس في الطرق أنهم سبع أذرع " .
كفالة النبي رجلاً في تهمة
حدّثني يزيد بن عمرو عن محمد بن موسى عن أبراهيم بن حنتم عن غزال بن مالك الغفاري عن أبيه عن جدّه قال: " كفل النبي عليه السلام رجلاً في تهمة " .
من أحكام النبيّ
قال: وحدّثني أيضاً عن إبراهيم بن حنتم عن غزال بن مالك عن أبيه عن جدّه قال: قال أبو هريرة: " حبس النبي في اللّهمة حبساً يسيراً حتى استبرأ حدّثني يزيد قال: حدّثني الوليد عن جرير بن حازم عن الحسن: " أنّ رسول اللّه صلب رجلاً على جبل يقال له: رباب " وقال لي رجل بالمدينة: هو ذو رباب.
حدّثني أحمد بن خليل عن سليمان بن حرب عن جرير عن يعلى بن حكيم عن أبيه عن ابن عباس قال: " أتى ماعز بن مالك النبي فقال: إني زنيت يا رسول اللّه. فقال: لعلك مسست أو لمست أو غمزت. فقال: لا. بل زنيت. فأعادهم عليه ثلاثاً، فلما كان في الرابعة رجمه " .
من أحكام أبي الدرداءحدّثني شبابة عن القاسم بن الحكم عن الثوري عن عليّ بن الأقمر عن يزيد بن أبي كبشة أن أبا الدرداء أتي بامرأة سرقت، فقال: أسرقت؟ قولي: لا.
بين زياد والأحنفحدّثني سهل بن محمد قال: حدّثني الأصمعيّ قال: جاءوا زياداً بلصّ وعنده جماعة فيهم، الأحنف فانتهروه وقالوا: اصدق الأمير. فقال الأحنف: إن الصدق أحياناً معجزة. فأعجب ذلك زياداً وقال: جزاك اللّه خيراً.
لابن عباس في جزّ الرأس واللحية
حدّثني شبابة عن القاسم بن الحكم عن إسماعيل بن عيّاش عمن حدّثه عن ابن عباس قال: " جزّ الرأس واللّحية لا يصلح في العقوبة لاأن اللّه عز وجل جعل حلق الرأس نسكاً لمرضاته " .
لعمر بن عبد العزيز في المثلة في العقوبةحدّثني شبابة عن القاسم عن الأوزاعي أن عمر بن عبد العزيز قال: " إياكم والمثلة في العقوبة جزّ الرأس واللحية " .
من أحكام مروان بن الحكمحدّثني مجمد بن خالد بن خداش قال: حدّثنا سلابن قتيبة قال: حدّثنا يونس عن أبي بكر ابن حفص بن عمر قال: كان مروان بن الحكم أمير المدينة فقضى في رجل فزّع رجلاً فضرط بأربعين درهماً.
لابن مسعودحدّثني محمد بن عبيد عن معاوية بن عمرو عم أبي إسحاق عن جوبير عن الضحاك عن ابن مسعود قال: " لا يحل في هذه الأمة غلٌّ ولا صفدٌ ولا تجريد ولامدٌّ
حدّثني عبد الرحمن عن الأصمعيّ قال: كان عامر بن الظّرب العدواني حكم العرب، فنزل به قوم يستفتونه في خنثى وله جارية يقال لهم خصيلة. وربما لامهم في الإبطاء في الرعي وفي الشيء يجده عليهم. فقال: يا خصيلة لقد حبست هؤلاء القوم وريّثتهم حتى أسرعت في غنمي.
قالت: وما يكن عليك من ذلك؟ أتبعه مباله. فقال لهم: " مسّي خصيل بعدهم أو روّحي " .
؟؟؟؟؟؟؟؟
حكم جابر بن زيد في تحديد صفة إنسانقال: وأتي ابن زياد بإنسان له قبل وذكر ولا يدري كيف يورّث. فقال: من لهذا؟ فقالوا: أرسل إلى جابر بن زيد. فأرسل إليه، فجاء يرسف في قيوده فقال: ما تقول: في هذا؟ فقال: ألزقه بالجدار فإن بال عليه فهو ذكر، وغن بال في رجليه فهو أنثى.
رفض شريح بالقضاء في الطنبورحدّثني محمد بن خالد بن خداش قال: حدّثنا سلابن قتيبة قال: حدّثنا قيس بن الربيع عن أبي حصين أن لرجلاً كسر طنبوراً لرجل فخاصمه إلى شريح، فقال شريح: لا أقضي في الطنبور بشيء.
بين أبي العجاج وأبي الأصمعيّ
حدّثني أبو حاتم عن الأصمعيّ عن أبيه قال: قال لي أبو العجاج: يا بن أصمع واللّه لئن أقررت لألزمنّك. أي لاتقر.
؟
حكم إياس بن معاوية في رد جارية حمقاءحدّثني أبو حاتم عن الأصمعيّ عن أبيه عن معمر قال: ردّ رجل على رجل جارية اشتراهم منه، فخاصمه إلى إياس بن معاوية، فقال له: بم تردّهم ؟ قال له: بالحمق. فقال لهم إياس: أيّ رجليك أطول؟ فقالت: هذه. فقال: أتذكرين ليلة ولدت؟ قالت: نعم. فقال إياس: ردّ ردّ.
قضاء الشعبي وهو على جلد أسدحدّثني أبو الخطاب قال: حدّثنا أبو داود عن قيس عن أبي حصين قال: رأيت الشّعبيّ يقضي على جلد أسد.
الظلم
كلام المظلوم ووجه الظالأحدّثني عبد الرحمن بن عبد اللّه بن قريب قال: حدّثني الأصمعيّ قال: أخبرنا بعض أشياخ البصرة أن رجلاً وامرآته اختصما إلى أمير من أمراء العراق وكانت المرأة حسنة المتنقّب قبيحة المسفر، وكان لهم لسان فكأن العامل مال معهم فقال: يعمد أحدكم إلى المرأة الكريمة فيتزوّجهم ثم يسيء إليهم !؟؟؟؟ فأهوى زوجهم إلى النّقاب فألقاه عن وجههم فقال العامل: عليك اللعنة؟ كلام مظلومٍ ووجه ظالمٍ.
وأنشد الرياشيّ في نحو هذا:
رأيت أبا الحجناء في الناس جائراً ... ولون أبي الحجناء لون البهم ئم
تراه على ما لاحه من سواده ... وإن كان مظلوماً له وجه ظالأ
في الظالأ المعتدي أبو حاتم عن الأصمعيّ عن أبي عمرو بن العلاء قال: كان رجل من العرب في الجاهلية إذا رأى رجلاً يظلم ويعتدي يقول: فلان لا يموت سويًّا. فيرون ذلك حتى مات رجل ممن قال ذلك فيه فقيل له: مات فلان سوياً. فلم يقبل حتى تتابعت الأخبار. فقال: إن كنتم صادقين إن لكم دارا سوى هذه تجاوزن فيهم.
رسالة كاتب إلى السلطانكتب رجل من الكتّاب إلى سلطان: " أعيذك باللّه من أن تكون لاهياً عن الشكر محجوباً بالنعم صارفاً فضل ما أوتيت من السلطان إلى ما تقلّ عائدته وتعظم تبعته من الظلم والعدوان، وأن يستزلّك الشيطان بخدعه وغروره وتسويله فيزيل عاجل الغبطة وينسيك مذموم العاقبة، فإن الحازم من يذكر في يومه المخوف من عواقب غده ولم يغرّه طول الأمل وتراخي الغاية ولم يضرب في غمرة من الباطل ولا يدري ما تتجلّى به مغبّتهم. هذا إلى ما يتبع الظالأمن سوء المنقلب وقبيح الذكر الذي لا يفنيه كرّ الجديدين واختلاف العصرين حدّثني يزيد بن عمرو قال: حدّثنا معاوية بن عمرو قال: حدّثنا أبو إبراهيم السقّاء عن ليث عن مجاهد قال: " يؤتى بمعلم الصبيان يوم القيامة فإن كان عدل بين الغلمان وإلا أقيم مع الظلمة " .
؟
لمعاوية في الظلموكان معاوية يقول: " إني لأستحي أن أظلم " من لا يجد عليّ ناصراً إلا اللّه " .
وقال بلال: " إني لأستحي أن أظلم " وأحرج أن أظلموكان يقال: إذا أراد اللّه أن يتحف عبد اً قيّض له من يظلمه.
كتب رجل إلى سلطان: " أحق الناس بالإحسان من أحسن اللّه إليه وأولاهم بالإنصاف من بسطت بالقدرة يداه " .
في أن الظّلم يخرب الديار
ذكر الظالأفي مجلس ابن عباس فقال كعب: إني لا أجد في كتاب اللّه المنزّل أن الظلم يخرب الديار. فقال ابن عباس أنا أوجدكه في القرآن، قال اللّه عز وجل " فتلك بيوتهم خاويةٌ بما ظلموا " .
القوة في الحقحدّثني سهل بن محمد عن الأصمعيّ قال:كان فرعان وهو من بني تميم لا يزال يغير على إبل الناس فيأخذ منهم ثم يقاتلهم عليهم إلى أن أغار على رجل فأصاب له جملاً، فجاء الرجل فأخذ بشعره فجذبه فبرك، فقال الناس: كبرت واللّه يا فرعان. فقال: لاواللّه ولكن جذبني جذبة محقٍّ.
وكان سديف بن ميمون مولى اللّهبين يقول: اللهم قد صار فيئنا دولة بعد القسمة وإمارتنا غلبة بعد المشورة وعهدنا ميراثاً بعد الاختيار للأمة. واشتريت الملاهي والمعازف بسهم اليتيم والأرملة وحكّم في أبشار المسلمين أهل الذمة وتولى القيام بأمورهم فاسق كلّ محلّة. اللهم وقد استحصد زرع الباطل وبلغ نهم يته واجتمع طريده. اللهم فأتح له يداً من الحق حاصدة تبدّد شمله وتفرّق أمره ليظهر الحق في أحسن صوره وأتم نوره.
بين أعرابي واليهود في ديّة المسيح
ولي أعرابي بعض النواحي فجمع اليهود في عمله وسألهم عن المسيح فقالوا: قتلناه وصلبناه. فقال: فهل أديتم ديته؟ قالوا:لا. قال: فواللّه لا تخرجون أو تؤدّوهم. فلم يبرحوا حتى أدّوهم .
بين أبي العاج ونصرانيكان أبو العاج على جوالي البصرة فأتي برجل من النصارى، فقال: ما اسمك؟ فقال: بنداذ شهر بنداذ. فقال: اسم ثلاثةٍ وجزية واحدٍ! لا واللّه العظيم. قال: فأخذ منه ثلاث جزًى.
حكم أعرابيولي أعرابي " تبالة " فصعد المنبر فما حمد اللّه ولا أثنى عليه حتى قال: إن الأمير أعزنا اللّه وإياه ولّاني بلادكم هذه، وإني واللّه ما أعرف من الحق موضع سوطي، ولن أوتى بظالأولا مظلوم إلا أوجعتهما ضرباً. فكانوا يتعاملون بالحق بينهم ولا يرتفعون إليه.
شعر في الظلمقال بعض الشعراء:
بني عمّنا لا تذكروا الشعر بعد ما ... دفنتم بصحراء الغمير القوافيا
فلسنا كمن كنتم تصيبون سلّة ... فنقبل ضيما أو نحكّم قاضيا
ولكن حكم السيف فيكم مسلّط ... فنرضى إذا ما أصبح السيف راضياً
فإن قلتم إنا ظلمنا فلم نكن ... ظلمنا ولكنّا أسأنا التقاضيا
" وقال آخر:
تفرح أن تغلبني ظالماً ... والغالب المظلوم لو تعلم "
دعاء في الوقاية من ظلم السلطانوكانوا يتوقّون ظلم السلطان إذا دخلوا عليه بأن يقولوا: " بسم اللّه إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقياً " " آخسئوا فيهم ولا تكنلّمونأخذت سمعك وبصرك بسمع اللّه وبصره. أخذت قوّتكن بقوّة اللّه. بيني وبينك ستر النبوّة الذي كانت الأنبياء تستتر به من سطوات الفراعنة. جبريل عن يمينك وميكائيل عن يسارك ومحمد أمامك واللّه مطلع عليك ويحجزك عني ويمنعني منك " .
في ظلم الأمراء وأولي الأمروقال بعض الشعراء:
ونستعدي الأمير إذا ظلمنا ... فمن يعدي إذا ظلم الأمير
" وقال آخر:
إذا كان الأمير عليك خصما ... فلا تكنثر فقد غلب الأمير "
وكتب رجل إلى صديق له: قد كنت أستعديك ظالماً على غيرك فتحكم لي وقد استعديتكن عليك مظلوماً فضاق عني عدلك، وذكّرني قول القائل:
كنت من كربتي أفرّ إليهم ... فهم كربتي فأين الفرار
" ونحوه:
والخصم لا يرتجى النجاح له ... يوماً إذا خصمه القاضي "
للأصمعي في إباء العدلحدّثني سهل بن محمد عن الأصمعيّ قال:كان يقال: ما أعطي أحد قط النّصف فأباه إلا أخذ شراً منه. قال: وقال الأحنف: ما عرضت النّصفة قطّ على أحد فقبلهم إلا دخلتني له هيبةٌ ولا ردّهم إلا اختبأتهم في عقله.
شعر للبعيثوقال البعيث:
وإني لأعطي النّصف من لو ظلمته ... أقرّ وطابت نفسه لي بالظّلم
للطائيّ ثم للعباس بن عبد المطلب
وقال الطائي:
يرى العلقم المأدوم بالعزّ أريةً ... يمانيةً والأري بالضيم علقما
إذا فرشوه النّصف نامت شذاته ... وإن رتعوا في ظلمه كان أظلما
وقال العباس بن عبد المطلب:
أبى قومنا أنى ينصفونا فأنصفت ... قواطع في أيماننا تقطر الدما
تركناهم لا يستجلّون بعدهم ... لذي رحمٍ يوماً من الدهر محرما
كتاب عمر بن عبد العزيز
إلى بعض عماله يحثه على العدل وترك الظلمبلغنا عن ضمرة عن ثور بن يزيد قال: كتب عمر بن عبد العزيز إلى بعض عمّاله: أما بعد إذا دعتكن قدرتكن على الناس إلى ظلمهم فاذكر قدرة اللّه عليك وفناء ما تؤتي إليهم وبقاء ما يؤتون إليك، والسلام.
بين ابن سيرين وآخر يدعو على من ظلمهسمع ابن سيرين رجلاً يدعو على من ظلمه، فقال: أقصر يا هذا، لايربح عليك ظالمك.
قولهم في الحبسشكاية يوسف عليه السلام إلى اللّه تعالى طول الحبس
" في الحديث المرفوع: " شكا يوسف عليه السلام إلى اللّه عزّ وجلّ طول الحبس فأوحى اللّه إليه: من حبسك يا يوسف، أنت حبست نفسك حيث قلت " ربّ السّجن أحبّ إليّ ممّا يدعونني إليه " ولو قلت: العافية أحبّ عليّ لعوفيت " .
دعاء يوسف عليه السلام لأهل السجنحدّثني عبد الرحمن بن عبد المنعم عن أبيه عن وهب قال: " إن يوسف عليه السلام دعا لأهل السجن دعوةً لم تزل تعرف لهم إلى اليوم، قال: اللهم اعطف عليهم قلوب الأخيار ولا تعم عليهم الأخبار " فيقال: أنهم أعلم الناس بكل خبر في كل بلد.
ما كتب على باب سجينوكتب على باب السجن: " هذه منازل البلوى وقبور الأحياء وتجربة الصديق وشماتة الأعداء " .
شعر للرياشي في السجنأنشدني الرياشيّ:
ما يدخل السجن إنسانٌ فتسأله ... ما بال سجنك إلا قال مظلوم
ولأعرابي، ثم لأحد المساجينوقال أعرابي:
ولمّا دخلت السجن كبّر أهله ... وقالوا أبو ليلى الغداة حزين
وفي الباب مكتوبٌ على صفحاته ... بأنك تنزو ثمّ سوف تلين
ويقال: إنّ قولهم " تنزو وتلين " زؤي مكتوباً على باب حبس فضربه الناس مثلا.
وقال بعض المسجونين:
وبتّ بأحصنهم منزلاً ... ثقيلاً على عنق السالك
ولست بضيف ولا في كرا ... ولا مستعير ولا مالك
وليس بغصبٍ ولا كالرّهون ... ولا يشبه الوقف عن هم لك
ولي مسمعان فأدناهما ... يغنّي ويسمع في الحالك
وأقصاهما ناظرٌ في السما ... ء عمداً وأوسخ من عارك
المسمع الأوّل قيده والثاني صاحب الحرس. ونحوه قول الآخر:
ولي مسمعان وزمّارة ... وظلٌّ مديد وحصن أمق
الزمّارة الغلّ، وأصل الزمّارة السّاجور.
بين بلال بن أبي بردة وخالد بن صفوانقال أبو عبيد ة: اختصم خالد بن صفوان مع رجل إلى بلال بن أبي بردة، فقضى للرجل على خالد، فقام خالد وهو يقول: سحابة صيف عن قليل تقشّع فقال بلال: أما إنهم لا تقشّع حتى يصيبك منهم شؤبوب برد. وأمر به إلى الحبس، فقال خالد: علام تحبسني؟ فواللّه ما جنيت جناية ولا خنت خيانة. فقال بلال: يخبرك عن ذلك بابٌ مصمت وأقيادٌ ثقال وقيّمٌ يقال له حفص.
بين الحجاج والغضبان بن القبعثريقال الحجاج للغضبان بن القبعثري ورآه سميناً: ما أسمنك؟ قال: القيد والرّتعة، ومن كان في ضيافة الأمير سمن.
خروج الكميت الشاعر متنكرا من السجن وشعر لهكان خالد بن عبد اللّه حبس الكميت الشاعر فزاراته امرأته في السجن فلبس ثيابهم وخرج ولم يعرف فقال:
ولما أحلّوني بصلعاء صيلمٍ ... بإحدى زبى ذي اللّبدتين أبي الشّبل
خرجت خروج القدح قدح ابن مقبلٍ ... على رغم آناف النوابح والمشلي
عليّ ثياب الغانيات وتحتهم ... عزيمة مرءٍ أشبهت سلّة النصل
شعر للفرزدقوكان خالد بن عبد اللّه حبس الفرزدق فقال:
وأني لأرجو خالداً أن يفكّني ... ويطلق عني مقفلات الحدائد
فإن يك قيدي ردّ همّي فربما ... تناولت أطراف الهموم الأباعد
وما من بلاء غير كلّ عشية ... وكل صباح زائرٍ غير عائد
يقول لي الحداد هل أنت قائم ... وما أنا إلا مثل آخر قاعد
لبعضهم في خالد بن عبد اللّه القسري حين حبس
وقال بعض الشعراء في خالد بن عبد اللّه القسري حين حبس:
لعمري لقد أعمرتم السجن خالداً ... وأوطأتموه وطأة المتثاقل
إن تحبسوا القسريّ لا تحبسوا اسمه ... ولا تستجنوا معروفه في القبائل
وقال بعض المسجّنين:
أسجنٌ وقيد واغتراب وعسرة ... وفقد حبيب! إن ذا لعظيم
وإن آمرأ تبقى مواثيق عهده ... على كل هذا، إنه لكريم
وقال آخر مثله:
إلى اللّه أشكو إنه موضع الشكوى ... وفي يده كشف المصيبة والبلوى
خرجنا من الدنيا ونحن من آهلهم ... فلسنا من الأحياء فيهم ولا الموتى
إذا جاءنا السجّان يوماً لحاجة ... عجبنا وقلنا جاء هذا من الدنيا
وتعجبنا الرؤيا فجلّ حديثنا ... إذا نحن أصبحنا الحديث عن الرؤيا
فإن حسنت لم تأت عجلي وأبطأت ... وإن قبحت لم تحتبس وأتت عجلى
وقال يزيد بن المهلّب وهو في الحبس: يا لهفي على طلبة بمائة ألف وفرحٍ في جبهة أسد.
بين الفرزدق والمهلب وهو محبوسودخل الفرزدق على المهلب وهو محبوس فقال:
أصبح في قيدك السماحة وال ... جود وحملٌ لمضلع الأثقال
فقال له: أتمدحني على هذه الحال؟ فقال: أصبتكن رخيصاً فاشتريتكن.
بين أبي العتاهية والرشيد وقد كتب إليه من الحبس شعراً
وحبس الرشيد أبا العتاهية فكتب إليه من الحبس بأبيات منهم :
تفديك نفسي من كل ما كرهت ... نفسك إن كنت مذنباً فاغفر
يا ليت قلبي مصوّر لك ما ... فيه لتستقين الذي أضمر
فوقّع الرشيد في رقعته: لا بأس عليك. فأعاد عليه رقعة أخرى فيهم :
كأنّ الخلق ركّب فيه روح ... له جسد وأنت عليه رأس
أمين اللّه إن الحبس بأسٌ ... وقد وقّعت " ليس عليك بأس "
فأمر بإطلاقه.
الحجاب
بين عبد العزيز بن زرارةومعاوية، وقد حجبه عنه يوماً، وشعر له في ذلك
أبو حاتم عن العتبي عن أبيه أن عبد العزيز بن زرارة الكلابي وقف على باب معاوية فقال: من يستأذن لي اليوم فأدخله غداً؟ وهو في شملتين، فلما دخل على معاوية قال: هززت ذوائب الرحال إليك إذ لم أجد معوّلاً إلا عليك. أمتطي الليل بعد النهم ر وأسم المجاهل بالآثار. يقودني نحوك رجاء وتسوقني إليك بلوى، والنفس مستبطئة والاجتهم د عاذر. فأكرمه وقرّبه. فقال في ذلك:
دخلت على معاوية بن حرب ... وذلك إذ يئست من الدخول
وما نلت الدخول عليه حتّى ... حللت محلّة الرجل الذليل
وأغضبت الجفون على قذاهم ... ولم أسمع إلى قالٍ وقيل
فأدركت الذي أمّلت فيه ... بمكثٍ والخطا زاد العجول
وقال غير العتبي: لما دخل عبد العزيز بن زرارة على معاوية قال له: " إني رحلت إليك بالأمل واحتملت جفوتكن بالصبر، ورأيت ببابك أقواماً قدّمهم الحظّ، وآخرين باعدهم الحرمان. وليس ينبغي للمتقدم أن يأمن ولا للمتأخر أن ييأس. وأول المعرفة الاختبار فابل وآختبر " .
شعر لعبد العزيز بن
زرارة في حجاب معاوية إياهوفي حجاب معاوية إياه يقول شاعر مضرّ:
من يأذن اليوم لعبد العزيز ... يأذن له عبد عزيزٍ غداً
قال أبو اليقظان: كان عبد العزيز بن زرارة فتى العرب.
رد أبي سفيان على حجب عثمان إياهأستأذن أبو سفيان على عثمان فحجبه. فقيل له: حجبك أمير المؤمنين؟ فقال: لاعدمت من قومي من إذا شاء حجبني.
قول أبي الدرداء في حجب معاوية لهوحجب معاوية أبا الدرداء فقال أبو الدرداء: من يغش سدد السلطان يقم ويقعد، ومن صادف باباً عنه مغلقاً وجد إلى جانبه باباً فتحا، إن دعا أجيب وإذا سأل أعطي.
وظيفة الحاجب ودوره
قال رجل لحاجبه: إنك عين أنظر بهم وجنّة أستنيم إليهم ، وقد ولّيتكن بابي، فما تراك صانعاً برعيتي؟ قال: أنظر إليهم بعينك وأحملهم على قدر منازلهم عندك وأضعهم في إبطائهم عن زيارتكن ولزومهم خدمتكن مواضع استحقاقهم وأرتّبهم حيث وضعهم ترتيبك وأحسن إبلاغك عنهم وإبلاغهم عنك. قال: قد وفّيت ما لك وما عليك إن صدّقته بفعل. و كان يقال: حاجب الرجل حارس عرضه.
قول أبرويز لحاجبه يحدد دورهوقرأت في التاج أن أبرويز قال لحاجبه: " لا تقدّمن مستغيثاً ولا تضعنّ ذا شرف بصعوبة حجاب ولا ترفعنّ ذا ضعة بسهولته. وضع الرجال مواضع أخطارهم، فمن كان مقدّماً له الشرف ممن آزدرعه ولم يهدمه من بعد بنائه فقدّمه على شرفه الأوّل وحسن رأيه الآخر، ومن كان له شرف مقدّم فلم يصن ذلك إبلاغاً به ولم يزدرعه تثميراً له فألحق بآبائه مهلة سبقهم في خواصهم، وألحق به في خاصته ما ألحق بنفسه. لا تأذن له إلا دبرا ولا تأذن له إلا سراراً. وإذا ورد عليك كتاب عامل من عمّالي فلا تحبسه عني طرفة عين إلا أن أكون على حال لا تستطيع الوصول إليّ فيهم ، وإن أتاك مدّع لنصيحة فاستكنتبهم سرّاً ثم أدخله بعد أن تستأذن له. حتى إذا كان مني بحيث أراه فادفع إليّ كتابه، فإن أحمدت قبلت وإن كرهت رفضت، ولا ترفعنّ إليّ طلبة طالب إن منعته بخّلني وإن أعطيته آزدراني، إلا بمؤامرة مني من غير أن تعلمه أنك قد أعلمتني وإن أتاك عالأيستأذن عليّ لعلم يزعم أنه عنده فاسأله: ما علمه ذلك؟ ثم أستأذن له فإن العلم كاسمه، ولا تحجبن سخطةً ولا تأذنن رضاً، اخصص بذلك الملك ولا تخصّ به نفسك " .
قول خالد بن عبد اللّه لحاجبه
الهيثم قال: قال خالد بن عبد اللّه لحاجبه: " لا تحجبني عنّي أحداً إذا أخذت مجلسي، فإن الوالي لا يحجب إلا عن ثلاث: عيٍّ يكره أن يطّلع عليه منه، أو ريبة، أو بخل فيكره أن يدخل عليه من يسأله " .
شعر لمحمود الورّاق في احتجاب الوالي
ومنه أخذ ذلك محمود الورّاق فقال:
إذا آعتصم الوالي باغلاق بابه ... وردّ ذوي الحاجات دون حجابه
ظننت بهم حدى ثلاث وربّما ... نزعت بظنٍّ واقعٍ بصوابه
فقلت به مسٌّ من العيّ ظاهرٌ ... ففي إذنه للناس إظهم ر ما به
فإن لم يكن عيّ اللسان فغالبٌ ... من البخل يحمي ما له عن طلابه
فإن لم يكن هذا ولاذا فريبةٌ ... يصرّ عليهم عند إغلاق بابه
لبعض الشعراء في أن عرض الملك حاجبهوقال بعض الشعراء:
أعلمن إن كنت تعلمه ... أن عرض الملك حاجبه
فبه تبدو محاسنه ... وبه تبدو معايبه
شعر في الحاجبوقال أخر:
كم من فتى تحمد أخلاقه ... وتسكن الأحرار في ذمّته
قد كثّر الحاجب أعداءه ... وسلّط الذمّ على نعمته
قول جماعة على باب عمر بن الخطابحضر باب عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه جماعةٌ منهم سهيل بن عمرو وعيينة بن حصن والأقرع بن حابس فخرج الآذن فقال: أين صهيب؟ أين عمّار؟ أين سلمان؟ فتمع0ّرت وجوه القوم. فقال واحد منهم: لم تتمعّر وجوهكم؟ دعوا ودعينا فأسرعوا وأبطأنا، ولئن حسدتموهم على باب عمر لما أعدّ اللّه لهم في الجنة أكثر.
شعر في حاجبوقال بعض الشعراء:
سأترك هذا الباب ما دام إذنه ... على ما أرى حتى يخفّ قليلا
إذا لم نجد للاذن عندك موضعا ... وجدنا إلى ترك المجيء سبيلا
وقال آخر لحاجب:
سأترك باباً أنت تملك إذنه ... وإن كنت أعمى عن جميع المسالك
فلو كنت بوّاب الجنان تركتهم ... وحوّلت رحلي مسرعا نحو مالك
وكتب أبو العتاهية إلى أحمد بن يوسف:
لئن عدت بعد اليوم إني لظالم ... سأصرف وجهي حيث تبغى المكارم
متى ينجح الغادي إليك بحاجة ... ونصفك محجوب ونصفك نائم؟
وقال آخر:
ولست بمتّخذ صاحبا ... يقيم على بابه حاجبا
إذا جئت قال له حاجةٌ ... وإن عدت ألفيته غائبا
ويلزم إخوانه حقه ... وليس يرى حقّهم واجبا
فلست بلاقيه حتى الممات ... إذ أنا لم ألقه راكبا
وقال عبد اللّه بن سعيد في حاجب الحجاج وكان يحجبه دائماً:
ألا ربّ نصح يغلق الباب دونه ... وغشٍّ إلى جنب السرير يقرّب
وقال آخر:
ما ضاقت الأرض على راغب ... يطّلب الرزق ولا هم رب
بل ضاقت الأرض على طالب ... أصبح يشكو جفوة الحاجب
كتاب رجل حجب عن باب السلطانوحجب رجل عن باب السلطان فكتب إليه: " نحن نعوذ باللّه من المطامع الدنيّة والهمم القصيرة وابتذال الحرّية، فإن نفسي والحمد اللّه أبيّة ما سقطت وراء همة ولا خذلهم صبر عند نازلة ولا استرقّهم طمع ولا طبعت على طبع وقد رأيتكن ولّيت عرضك من لا يصونه و وصلت ببابك من يشينه وجعلت ترجمان عقلك من يكثر من أعدائك وينقص من أوليائك " ويسيء العبارة عنك ويوجه وفد الذم إليك " ويضغن قلوب إخوانك عليك إذ كان لايعرف لشريف قدراً ولا لصديق منزلة، ويزيل المراتب عن جهل بهم وبدرجاتهم فيحطّ العليّ إلى مرتبة الوضيع ويرفع الدنيّ إلى مرتبة الرفيع، ويحتقر الضعيف لضعفه وتنبو عينه عن ذي البذاذة، ويميل إلى ذي اللباس والزينة ويقدّم على الهوى ويقبل الرّشا " .
شعر لبشاروقال بشار، وقيل هو لغيره:
تأبى خلائق خالد وفعاله ... إلا تجنّب كلّ أمر عائب
فإذا أتيت الباب وقت غدائه ... أذن الغداء برغم أنف الحاجب
اشعار في الحاجب والحجابوهذا ضد قول الآخر:
إذا تغدّى فر بوابه ... وآرتدّ من غير يدٍ بابه
ومات من شهوة ما يحتسي ... عياله طرًّا وأصحابه
وقال آخر:
يا أميرا على جريب من الأر ... ض له تسعة من الحجّاب
قاعداً في الخراب يحجب عنه ... ما سمعنا بحاجب في خراب!
وقال آخر:
على أي باب أطلب الاذن بعد ما ... حجبت عن الباب الذي أنا حاجبه
وقال الطائي:
يا أيهم الملك النائي برؤيته ... وجوده لمراعي جوده كثب
ليس الحجاب مقصٍ عنك لي أملا ... إن السماء ترجّى حين تحتجب
وقال أيضاً:
ومحجّبٍ حاولته فوجدته ... نجماً عن الركب العفاة شسوعا
أعدمته لما عدمت نواله ... شكري فرحنا معدمين جميعا
وقال آخر:
قد أطلنا بالباب أمس القعودا ... وجفينا به جفاء شديدا
وذممنا العبيد حتى إذا نح ... ن بلونا المولى عذرنا العبيد ا
وحجب رجل فكتب:
أبا جعفر إن الولاية إن تكن ... منبّلة قوماً فأنت لهم نبل
فلا ترفع عنا لشيء وليته ... كما لم يصغّر عندنا شأنك العزل
كتاب رجل إلى صديق له حجب نفسهوكتب رجل من الكتاب في هذا المعنى إلى صديق له: " إن كان ذهولك عنا لدينا أخضلت عليك سماؤهم وأرتبت بك ديمهم إن أكثر ما يجري في الظن بك بل في اليقين منك أنك أملك ما تكون لعنانك أن يجمح بك ولنفسك أن تستعليّ عليك إذا لانت لك أكنافهم " وآنقاد في كفّك زمامهم لأنك لم تنل ما نلت خلساً ولا خطفا، ولا عن مقدار جرف إليك غير حقك وأمال نحوك سوى نصيبك. فإن ذهبت إلى أن حقك قد يحتمل في قوّته وسعته أن تضمّ إليه الجفوة والنّبوة فيتضائل في جنبه ويصغر عن كبيره فغير مدفوع عن ذلك. وآيم اللّه لولا ما بليت به النفس من الضّنّ بك وأنّ مكانك منهم لايسدّه غيرك نسخت عنك وذهلت عن إقبالك وإدبارك ولكان في جفائك ما يردّ من غرتهم ويبرد من غرّتهم ، ولكنه لما تكناملت النعمة لك تكناملت الرغبة فيك " .
بين معاوية وحضين بن المنذرأبو حاتم عن العتبيّ قال: قال معاوية لحضين بن المنذر وكان يدخل عليه في أخريات الناس: يا أبا ساسان كأنه لا يحسن إذنك. فانشأ يقول:
كل خفيف الشأن يسعى مشمّرا ... إذا فتح البوّاب بابك إصبعا
ونحن الجلوس الماكثون رزانةً ... وحلماً إلى أن يفتح الباب أجمعا
شعر في بشر بن مروانوقال بعض الشعراء في بشر بن مروان:
بعيد مردّ العين ما ردّ طرفه ... حذار الغواشي باب دار ولا ستر
ولو شاء بشر كان من دون بابه ... طماطم سودٌ أو صقالبةٌ حمر
ولكن بشرا يسّر الباب للتي ... يكون له في غبّهم الحمد والأجر
وقال بشر:
فلا تبخلا بخل ابن قرعة إنه ... مخافة أن يرجى نداه حزين
إذا جئته في العرف اغلق بابه ... فلم تلقه إلا وأنت كمين
فقل لأبي يحيى متى تدرك العلا ... وفي كل معروف عليك يمين
مدح لابن هرمةوقال ابن هرمة يمدح:
هشٌّ إذا نزل الوفود ببابه ... سهل الحجاب مؤدّب الخدّام
وإذا رأيت شقيقه وصديقه ... لم تدر أيّهما أخو الأرحام
وكتب رجل إلى بعض الملوك:
إذا كان الجواد له حجاب ... فما فضل الجواد على البخيل
فكتب إليه الآخر:
إذا كان الجواد قليل مال ... ولم يعذر تعلّل بالحجاب
وقال عبيد اللّه بن عكراش " :
وإني لأرثي للكريم إذا غدا ... على طمع عند اللئيم يطالبه
وأرثي له من مجلس عند بابه ... كمرثيتي للطّرف والعلج راكبه
وكتب عبد اللّه بن أبي عيينة إلى صديق له:
أتيتكن زائراً لقضاء حق ... فحال السّتر دونك والحجاب
ولست بصساقطٍ في قدر قوم ... وإن كرهوا كما يقع الذّباب
شعر لأعرابي على باب الفضل بن الربيعأبو حاتم عن عبد اللّه بن مصعب الزبيري قال: كنا بباب الفضل بن الربيع وهم يأذنون لذوي الهيئات والشارات وأعرابي يدنو فكلما دنا طرح. فقام ناحية وأنشأ يقول:
رأيت آذننا يعتام بزّتنا ... وليس للحسب الزاكي بمعتام
ولو دعينا على الأحساب قدّمني ... مجدٌ تليد وجدّ راجح نامي
متى رأيا الصقور الجدل يقدمهم ... خلطان من رخمٍ قرع ومن هم م
بين معاوية وشريك الحارثيدخل شريك الحارثي على معاوية فقال له معاوية: من أنت؟ فقال له: يا أمير المؤمنين ما رأيت لك هفوة قبل هذه. مثلك ينكر مثلي من رعيته! فقال له معاوية: إن معرفتكن متفرقة، أعرف وجهك إذا حضرت في الوجوه، وأعرف آسمك في الأسماء إذا ذكرت، ولا أعلم أن ذلك الاسم هو هذا الوجه، فاذكر لي اسمك تجتمع معرفتكن.
في آداب الدخول على الملوكاستأذن رجلان على معاوية فأذن لأحدهما وكان أشرف منزلة من الآخر، ثم أذن للأخر فدخل عليه فجلس فوق صاحبه. فقال معاوية: إن اللّه قد ألزمنا تأديبكم كما ألزمنا رعايتكنم، وإنا لم نأذن له قبلك ونحن نريد أن يكون مجلسه دونك. فقم لا أقام اللّه لك وزناً.
دخول أبي مجلز على عمر بن عبد العزيزدخل أبو مجلز على عمر بن عبد العزيز حين أقدمه من خراسان، فلم يقبل عليه. فلما خرج قال له بعض من حضر المجلس: هذا أبو مجلز. فردّه واعتذر إليه وقال: إني لم أعرفك. قال: يا أمير المؤمنين فهلا أنكرتني.
أشجع السلمي يذكر باب المنصور بن زيادقال أشجع السلمي يذكر باب المنصور بن زياد:
على باب ابن منصورٍ ... علاماتٌ من البذل
جماعاتٌ وحسب البا ... ب فضلاً كثرة الأهل
وكانت العرب تتعوّذ باللّه من قرع الفناء ومن قرع المراح.
وقال بعض الشعراء:
ما لي أرى أبوابهم مهجورة ... وكأنّ بابك مجمع الأسواق
ألجوك أم خافوك أم شاموا الحيا ... بحراك فانتجعوا من الآفاق
وقال آخر:
يزدحم الناس على بابه ... والمشرع العذب كثير الزحام
وقال آخر: إن النّدى حيث ترى الضّغاطا يعني الزحام.
شعر لبشاروقال بشار:
ليس يعطيك للرجاء ولا الخو ... ف ولكن يلذّ طعم العطاء
يسقط الطير حيث ينتثر الح ... بّ وتغشى منازل الكرماء
بين عمر بن عبد العزيز وطارق مجهولدقّ رجل على عمر بن عبد العزيز الباب فقال عمر: من هذا؟ قال: أنا. قال عمر: ما نعرف أحداً من إخواننا يسمّى أنا.
قول شبيب بن شيبة عند خروجه من دار الخلافةخرج شبيب بن شيبة من دار الخلافة يوماً فقال له قائل: كيف رأيت الناس؟ فقال: رأيت الداخل راجياً ورأيت الخارج راضياً.
شعر لأبي العتاهية، وغيرهقال أبو العتاهية:
إذا آشتدّ دوني حجاب آمرىء ... كفيت المؤونة حجّابه
حجب أعرابيّ على باب السلطان فقال:
أهين لهم نفسي لأكرمهم بهم ... ولا يكرم النفس الذي لايهينهم
وقال جرير:
قوم إذا حضر الملوك وفودهم ... نتفت شواربهم على الأبواب
وقال آخر:
فلما وردت الباب أيقنت أننا ... على اللّه والسلطان غير كرام
وقال أبو القمقام الأسدي:
أبلغ أبا مالك عني مغلغلة ... وفي العتاب حياةٌ بين أقوام
أدخلت قبلي قوماٌ لم يكن لهم ... من قبل أن يلجوا الأبواب قدّامي
لو عدّ بيتٌ وبيتٌ كنت أكرمهم ... بيتاً وأبعدهم من منزل الذام
فقد جعلت إذا ما حاجتي نزلت ... بباب دارك أدلوهم بأقوام
التلطف في مخاطبة السلطان
و إلقاء النصيحة إليه
بين الوليد وعمرو بن عتبة في النصيحةالعتبي قال: قال عمرو بن عتبة للوليد حين تنكّر له الناس: يا أمير المؤمنين إنك تنطقني بالأنس بك وأنا أكفت ذلك بالهيبة لك. وأراك تأمن أشياء أخافهم عليك، أ فأسكت مطيعاً؟ أم أقول مشفقاً؟ فقال: كلٌّ مقبول منك، واللّه فينا علم غيب نحن صائرون إليه. ونعود فنقول: فقتل بعد أيام.
من كتاب للهند في نصيحة السلطانوفي إلقاء النصيحة إليه: قرأت في كتاب للهند أن رجلاً دخل على بعض ملوكهم فقال له: أيهم الملك نصيحتكن واجبة في الحقير الصغير بله الجليل الخطير ولولا الثقة بفضيلة رأيك واحتمالك ما يسوء موقعه من الأسماع والقلوب في جنب صلاح العاقبة وتلافي الحادث قبل تفاقمه لكان خرقاً مني أن أقول، وإن كنا إذا رجعنا إلى أن بقاءنا " موصول " ببقائك وأنفسنا معلقة بنفسك لم أجد بدّاً من أداء الحق إليك وإن أنت لم تسألني " أو خفت ألّا تقبل مني " فإنه يقال: من كتم السلطان نصحه والأطباء مرضه والإخوان بثّه فقد خان نفسه.
الخفوت في طاعته
بين جرير بن يزيد وأحد الخلفاءقال بعض الخلفاء لجرير بن يزيد: إني قد أعددتكن لأمر. قال: يا أمير المؤمنين، إن اللّه قد أعدّ لك منّي قلباً معقوداً بنصيحتكن ويداً مبسوطة بطاعتكن وسيفاً مشحوذاً على عدوّك فإذا شئت فقل.
وفي مثله: قال إسحاق بن إبراهيم: قال لي جعفر بن يحيى: آغد عليّ غدا لكذا. فقلت: أنا والصبح كفرسي رهم ن.
وفي مثله: أمر بعض الأمراء رجلاً بأمر فقال له: أنا أطوع لك من اليد وأذل لك من النّعل.
وقال آخر: أنا أطوع لك من الرّداء وأذلّ لك من الحذاء.
التلطّف في مدحه
خالد القسريّ يمدح عمر بن عبد العزيز
قال خالد بن عبد اللّه القسري لعمر بن عبد العزيز: من كانت الخلافة زانته، فإنك قد زنتهم ، ومن كانت شرفته فإنك قد شرفتهم ، فأنت كما قال القائل:
وإذا الدّرّ زان حسن وجوه ... كان للدّر وجهك زينا
فقال عمر: أعطي صاحبكم مقولا ولم يعط معقولا.
نصيحة أديب لوزيروكتب بعض الأدباء إلى بعض الوزراء: " إن أمير المؤمنين منذ استخلصك لنفسه فنظر بعينك وسمع بأذنك ونطق بلسانك وأخذ وأعطى بيدك وأورد وأصدر عن رأيك، وكان تفويضه إليك بعد امتحانك وتسليطه الرأي على الهوى فيك بعد أن ميّل بينك وبين الذين سموا لرتبتكن وجروا إلى غايتكن فأسقطهم مضمارك وخفّوا في ميزانك ولم يزدك رفعةً إلا آزددت اللّه تواضعاً، ولا بسطا وإيناساً إلا ازددت له من العامة قربا. ولا يخرجك فرط النصح للسلطان عن النظر لرعيته، ولا إيثار حقّه عن الأخذ لهم بحقّهم عنده، ولا القيام بما هو له عن تضمّن ما عليه، ولا تشغلك جلائل الأمور عن التفقّد لصغارهم ، ولا الجذل بصلاحهم واستقامتهم عن استشعار الحذر وإمعان النظر في عواقبهم
بين الرشيد والعماني الراجز
وفي مدحه: دخل العماني الراجز على الرشيد لينشده وعليه قلنسوة طويلة وخفّ ساذج، فقال له الرشيد: يا عماني، إياك أن تنشدني إلا وعليك عمامة عظيمة الكور وخفّان دلقمان فبكّر إليه من الغد وقد تزيّا بزيّ الأعراب ثم أنشده وقبّل يده وقال: يا أمير المؤمنين قد واللّه أنشدت مروان ورأيت وجهه وقبّلت يده وأخذت جائزته ثم يزيد بن الوليد وإبراهيم بن الوليد ثم السّفاح ثم المنصور ثم المهدي. كلّ هؤلاء رأيت وجوههم وقبّلت أيديهم وأخذت جوائزهم، إلى كثير من أشباه الخلفاء وكبار الأمراء والسادة والرؤساء، واللّه مارأيت فيهم أبهى منظراً ولا أحسن وجهم ولا أنعم كفّاً وأندى راحةً منك يا أمير المؤمنين. فأعظم له الجائزة على شعره وأضعف له على كلامه وأقبل عليه فبسطه حتى تمنى جميع من حضر أنه قام ذلك المقام.
كتاب الفضل بن سهل إلى أخيه الحسن ينصحهوفي المديح: كتب الفضل بن سهل إلى أخيه الحسن بن سهل فقال: " إن اللّه قد جعل جدّك عالياً وجعلك في كل خير مقدماً وإلى غاية كل فضل سابقاً وصيّرك، وإن نأت بك الدار، من أمير المؤمنين وكرامته قريباً، وقد جدّد لك من البرّ كيت وكيت. وكذا يحوز اللّه لك من الدين والدنيا والعز والشرف أكثره وأشرغه إن شاء اللّه " .
بين الرشيد وبعض الشعراءوفي مدحه: قال الرشيد يوماً لبعض الشعراء: هل أحدّثت فينا شيئاً؟ فقال: يا أمير المؤمنين المديح فيك دون قدرك والشعر فيك فوق قدري، ولكنّي أستحسن قول العتّابيّ:
ماذا يرى قائلٌ يثني عليك وقد ... ناداك في الوحي تقديسٌ وتطهير
فتّ المدائح إلا أن ألسننا ... مستنطقات بما تخفي الضمائير
" في عترة لم تقم إلا بطاعتهم ... من الكتاب ولك تقض المشاعير
هذي يمينك في قرباك صائلة ... وصارمٌ من سيوف الهند مأثور "
رسالة إلى أميروفي مدحه: كتب بعض الكتاب إلى بعض الأمراء: " إن من النعمة على المثني عليك أنه لا يخاف الإفراط ولا يأمن التقصير ولا يحذر أن تلحقه نقيصة الكذب ولا ينتهي به المدح إلى غاية إلا وجد في فضلك عوناً على تجاوزهم. ومن سعادة جدّك أن الداعي لك لا يعدم كثرة المشايعين ومساعدة النيّة على ظاهر القول " .
وإلى وزيروفي مثله كتب بعض الأدباء إلى الوزير: " مما يعين على شكرك كثرة المنصتين له، ومما يبسط لسان مادحك أمنه من تحمّل الإثم فيه وتكنذيب السامعين له " .
لعمرو بن يزيد يمدح يزيد بن معاويةوفي مثل ذلك: لمّا عقد معاوية البيعة ليزيد قام الناس يخطبون فقال لعمرو بن سعيد: قم يا أبا أمية. فقام فحمد اللّه وأثنى عليه، ثم قال: " أما بعد فإن يزيد بن معاوية أملٌ تأملونه وأجل تأمنونه، إن آستضفتم إلى حلمه وسعكم، وإن آحتجتم إلى رأيه أرشدكم، وإن افتقرتم إلى ذات يده أغناكم، جذعٌ قارحٌ سوبق فسبق وموجد فمجد وقورع فخرج فهو خلف أمير المؤمنين ولا خلف منهفقال معاوية: أوسعت يا أبا أمية فاجلس.
في مدح الحسن بن سهلوفي مثل ذلك: قال رجل للحسن بن سهل: " يا أيهم الأمير، أسكتني عن وصفك تساوي أفعالك في السوود وحيّرني فيهم كثرة عددهم فليس إلى ذكر جميعهم سبيل، وإن أردت ذكر واحدة اعترضت أختهم إذ لم تكن الأولى أحق بالذكر منهم ، فلست أصفهم إلا بإظهم ر العجز عن صفتهم " .
في مدح محمد بن عبد الملكوفي مثل ذلك: كتب آخر إلى محمد بن عبد الملك: " إن مما يطعمني في بقاء النعمة عليك، ويزيدني بصيرة في العلم بدوامهم لديك أنك أخذتهم بحقهم واستوجبتهم بما فيك من أسبابهم ، ومن شأن الأجناس أن تتواصل وشأن الأشكال أن تتقاوم، والشيء يتغلغل في معدنه ويحنّ إلى عنصره، فإذا صادف منبته ولزّ في مغرسه ضرب بعرقه وسمق بفرعه وتمكّن تمكّن الإقامة وثبت ثبات الطبيعة " .
في مدح وزيروفي مثل ذلك: كتب آخر إلى بعض الوزراء: " رأيتني فيما أتعاطى من مدحك كالمخبر عن ضوء النهم ر الباهر والقمر الزاهر الذي لايخفى على ناظر، وأيقنت أني حيث انتهى بي القول منسوبٌ إلى العجز مقصرٌ عن الغاية فانصرفت عن الثناء عليك إلى الدعاء لك، ووكلت الإخبار عنك إلى علم الناس بك " .
العتّابي يمدح خالد بن يزيد
وفي مثله كتب العتابي إلى خالد بن يزيد: " أنت أيهم الأمير وارث سلفك وبقية أعلام أهل بيتكن، المسدود بك ثلمهم والمجدّد بك قديم شرفهم والمنبّه بك أيام صيتهم والمنبسط بك " آمالنا والصائر بك أكالنا والمأخوذ بك " حظوظنا، فإنه لم يخمل من كنت وارثه، ولا درست آثار من كنت سالك سبيله ولا آمّحت معاهد من خلفته في مرتبته " .
في شكر الملك وحمدهقرأت في التاج قال بعض الكتاب للملك: " الحمد اللّه الذي أعلقني سبباً من أسباب الملك ورفع خسيستي بمخاطبته وعزّز ركني من الذّلة به وأظهر بسطتي في العامّة وزيّن مقاومتي في المشاهدة وفقأ عني عيون الحسدة وذلّل لي رقاب الجبابرة وأعظم لي رغبات الرعيّة وجعل لي به عقبا يوطأ يعظّم ومزية تحسن، والذي حقّق فيّ رجاء من كان يأملني وظاهر به قوة من كان ينصرني وبسط به رغبة من كان يسترفدني، والذي أدخلني من ظلال الملك في جناح سترني، وجعلني من أكنافه في كنف آتسع عليّ " .
في شكر أردشير وتعداد نعمهوفي شكره وتعداد نعمه: قرأت في سير العجم أن أردشير لما استوسق له أمره جمع الناس وخطبهم خطبة بليغة حضهم فيهم على الألفة والطاعة وحذرهم المعصية وصنّف الناس أربعة أصناف، فخرّ القوم سجّدا وتكنلّم متكنلّمهم مجيباً فقال: " لا زلت أيهم الملك محبّوا من اللّه بعزّة النصر ودرك الأمل ودوام العافية وحسن المزيد، ولا زلت تتابع لديك النعم وتسبغ عندك الكرامات والفضل حتى تبلغ الغاية التي يؤمن زوالهم ولا تنقطع زهرتهم في دار القرار التي أعدّهم اللّه لنظرائك من أهل الزّلفى عنده والحظوة لديه، ولا زال ملكك وسلطانك باقيين بقاءالشمس والقمر زائدين زيادة البحور والأنهم ر حتى تستوي أقطار الأرض كلهم في علوّك عليهم ونفاذ أمرك فيهم ، فقد أشرق عليّنا من ضياء نورك ما عمّنا عموم ضياء الشمس ووصل إلينا من عظيم رأفتكن ما اتصل بأنفسنا اتصال النسيم، فجمعت الأيدي بعد افتراقهم والكلمة بعد اختلافهم وألّفت بين القلوب بعد تباغضهم وأذهبت الإحن والحسائك بعد آستعار نيرانهم ، وأصبح فضلك لا يدرك بوصف ولا يحدّ بتعداد، ثم لم ترض بما عمّمتنا به من هذه النّعم وظاهرت من هذه الأيادي حتى أحببت توطيدهم والاستيثاق منهم وعملت لنا في دوامهم كعملك في إقامتهم وكفلت من ذلك ما نرجو نفعه في الخلوف والأعقاب، وبلغت همّتكن لنا فيه حيث لا تبلغ همم الآباء للأولاد، فجزاك اللّه الذي رضاه تحرّيت وفي موافقته سعيت أفضل ما التمست ونويت " .
قول خالد بن صفوان لوا لٍ دخل عليه
وفي مثله: قال خالد بن صفوان لوا لٍ دخل عليه: " قدمت فأعطيت كلاً بقسطه من نظرك ومجلسك وصلاتكن وعدلك حتى كأنك متن كل أحد أو كأنك لست من أحد " .
شكر وزيركتب بعض الكتاب إلى الوزير يشكر له: " من شكر لك عن درجة رفعته إليهم أو ثروة أفدته إياهم فإن شكري إياك على مهجة أحييتهم وحشاشة تبقيتهم ورمقٍ أمسكت به وقمت بين التلف وبينه " .
مثله في الشكرقرأت في كتاب: " ولكل نعمة من نعم الدنيا حدّ تنتهي إليه ومدًى توقف عنده وغاية في الشكر يسمو إليهم الطّرف خلا هذه النعمة التي فاتت الوصف وطالت الشكر وتجاوزت كل قدر وأتت من وراء كل غاية وجمعت من أمير المؤمنين مننا جمّة أبقت للماضين منّا وللباقين فخر الأبد وردّت عنا كيد العدوّ وأرغمت عنا أنف الحسود وبسطت لنا عزّاً نتداوله ثم نخلفه للأعقاب فنحن نلجأ من أمير المؤمنين إلى ظلّ ظليل وكنف كريم وقلب عطوف ونظر رؤوف، فكيف يشكر الشاكر منا وأين يبلغ اجتهم د مجتهدنا ومتى نؤدّي ما يلزمنا ونقضي المفترض عليّنا وهذا كتاب أمير المؤمنين الذي لو لم تكن له ولآبائه الراشدين عند من مضى منا ومن غيرنا إلا ما ورد من صنوف كرامته وأياديه ولطيف ألفاظه ومخاطبته، لكان في ذلك ما يحسّن الشكر ويستفرغ المجهود " .
التلطف في مسألة العفو
يوشت المغني يسأل كسرى العفوقال كسرى ليوشت المغنيّ وقد قتل فهلوذ حين فاقه وكان تلميذه: " كنت أستريح منه إليك ومنك إليه فأذهب شطر تمتّعي حسدك ونغل صدركثم أمر أن يلقى تحت أرجل الفيلة فقال: أيهم الملك إذا قتلت أنا شطر طربك وأبطلته وقتلت أنت شطره الآخر وأبطلته، أليس تكون جنايتكن على طربك كجنايتي عليه؟ قال كسرى: دعوه، ما دلّه على هذا الكلام إلا ما جعل له من طول المدّة.
وفي العفو أيضاً
قال رجل للمنصور: " الانتقام عدل والتجاوز فضل ونحن نعيذ أمير المؤمنين باللّه من أن يرضى لنفسه بأوكس النصيبين دون أن يبلغ أرفع الدرجتين " .
وفي العفوجلس الحجاج يقتل أصحاب عبد الرحمن، فقام إليه رجل منهم فقال: أيهم الأمير إن لي عليك حقاً. قال: وماحقك عليّ؟ قال: سبّك عبد الرحمن يوماً فرددت عنك. قال: ومن يعلم ذاك؟ فقال الرجل: أنشد اللّه رجلاً سمع ذاك إلا شهد به. فقام رجل من الأسرى فقال: قد كان ذاك أيهم الأمير. فقال: خلّوا عنه. ثم قال للشاهد: فما منعك أن تنكر كما أنكر؟ قال: لقديم بغضي إياك. قال: ويخلّى هذا لصدقه.
وفي العفوأسر معاوية يوم صفّين رجلاً من أصحاب عليّ صلوات اللّه عليه، فلما أقيم بين يديه قال: الحمد اللّه الذي أمكن منك. قال: لا تقل ذاك فإنهم مصيبة. قال: وأيّة نعمة أعظم من أن يكون اللّه أظفرني برجل قتل في ساعة واحدة جماعة من أصحابي. اضربا عنقه. فقال: اللهم اشهد أن معاوية لم يقتلني فيك ولا لأنك ترضى قتلي، ولكن قتلني في الغلبة على حطام هذه الدنيا، فإن فعل فافعل به ما هو أهله، وإن لم يفعل فافعل به ما أنت أهله. فقال: قاتلك اللّه! لقد سببت فأوجعت في السب ودعوت فأبلغت في الدعاء. خلّيا سبيله.
وفي مثلهأخذ عبد الملك بن مروان سارقاً فأمر بقطع يده فقال:
يدي يا أمير المؤمنين أعيذهم ... بعفوك أن تلقى نكالا يشينهم
فلا خير في الدنيا وكانت حبيبةً ... إذا ما شمالي فارقتهم يمينهم
فأبى إلاّ قطعه، فدخلت عليه أمه فقالت: يا أمير المؤمنين، واحدي وكاسبي. فقال: بئس الكاسب! هذا حدّ من حدود اللّه. فقالت: اجعله من الذنوب التي تستغفر اللّه منهم. فعفا عنه.
وفي مثلهأخذ عبد اللّه بن عليّ أسيراً من أصحاب مروان فأمر بضرب عنقه فلما رفع السيف ليضرب به ضرط الشأمي فوقع العمود بين يدي الغلام ونقرت دابة عبد اللّه فضحك وقال: اذهب فأنت عتيق آستكن. فالتفت إليه وقال: أصلح اللّه الأمير! رأيت ضرطة قطّ أنجت من الموت غير هذه؟ قال: لا، " قال " : هذا واللّه الإدبار. قال: وكيف ذاك؟ قال: ما ظنك بنا وكنا ندفع الموت بأسنّتنا فصرنا ندفعه اليوم بأستاهنا.
وفي مثلهخرج النعمان بن المنذر في غبٍّ سماء فمرّ برجل من بني يشكر جالساً على غدير ماء، فقال له: أتعرف النعمان؟ قال اليشكري؟ أليس ابن سلمى؟ قال: نعم. قال: واللّه لربما أمررت يدي على فرجهم. قال له: ويحك، النعمان بن المنذر! قال: قد خبرتكن. فما انقضى كلامه حتى لحقته الخيل وحيّوه بتحية الملك. فقال له: كيف قلت؟ قال: أبيت اللعن، إنك واللّه ما رأيت شيخاً أكذب ولا ألأم ولا أوضع ولاأعضّ ببظر أمه من شيخ بين يديك. فقال النعمان: دعوه، فأنشأ يقول:
تعفو الملوك عن العظي ... م من الذنوب لفضلهم
ولقد تعاقب في اليسي ... ر وليس ذاك لجهلهم
إلا ليعرف فضلهم ... ويخاف شدّة نكلهم
إبراهيم بن المهدي يستعطف المأمون ليعفو عنهلمّا أخذ المأمون إبراهيم بن المهدي استشار أبا إسحاق والعباس في قتله فأشارا به، فقالله المأمون: قد أشارا بقتلك. فقال إبراهيم: أما أن يكونا قد نصحا لك في عظم الخلافة وما جرت به عادة السياسة فقد فعلا، ولكنك تأبى أن تستجلب النصر إلا من حيث عودّك اللّه. وكان في اعتذاره إليه أن قال: إنه وإن بلغ جرمي استحلال دمي فحلم أمير المؤمنين وفضله يبلغانني عفوه، ولي بعدهما شفعة الإقرار بالذنب وحقّ الأبوة بعد الأب. فقال المأمون: لو لم يكن في حق سببك حقّ الصفح عن جرمك لبلّغك ما أمّلت حسن تنصّلك ولطف توصّلك. وكان إبراهيم يقول بعد ذلك: واللّه ماعفا عني المأمون صلةً لرحمي ولا محبة لاستحيائي ولا قضاءً لحق عمومتي، ولكن قامت له سوقٌ في العفو فكره أن يفسدهم بي.
شعر في طلب العفوومن أحسن ما قيل في مثله قول العتّابي:
رحل الرجاء إليك مغتربا ... حشدت عليه نوائب الدهر
ردّت إليك ندامتي أملي ... وثنى إليك عنانه شكري
وجعلت عتبك عتب موعظة ... ورجاء عفوك منتهى عذري
وقول عليّ بن الجهم للمتوكل:
عفا اللّه عنك ألا حرمة ... تعوذ بعفوك أن أبعدا
لئن جلّ ذنب ولم أعتمده ... لأنت أجلّ وأعلى يدا
ألم تر عبد اً عدا طوره ... ومولّىً عفا ورشيدا هدى
ومفسد أمر تلافيته ... فعاد فأصلح ما أفسدا
أقلني أقالك من لم يزل ... يقيك ويصرف عنك الردى
وجد بعض الأمراء على رجل فجفاه وآطّرحه حيناً ثم دعا به ليسأله عن شيء فرآه ناحلاً شاحباً. فقال: متى اعتللت؟ فقال:
ما مسّني سقمٌ ولكنني ... جفوت نفسي إذ جفاني الأمير
فعاد له وقال آخر:
ألا إن خير العفو عفوٌ معجّل ... وشر العقاب ما يجاز به القدر
وكان يقال: بحسب العقوبة أن تكون على مقدار الذنب.
وفي العفو: قال بعضهم: إن عاقبت جازيت وإن عفوت أحسنت والعفو أقرب للتقوى.
ونحوه: قال رجل لبعض الأمراء: أسألك بالذي أنت بين يديه أذلّ مني بين يديك، وهو على عقابك أقدر منك على عقابي إلاّ نظرت في أمري نظر من برئي أحبّ إليه من سقمي وبراءتي أحبّ إليه من جرمي.
ونحوه قول آخر: قديم الحرمة وحديث التوبة يمحقان ما بينهما من الإساءة.
وفي مثله: أتى الأحنف ابن قيس مصعب بن الزبير فكلّمه في قوم حبسهم، فقال: أصلح اللّه الأمير، إن كانوا حبسوا في باطل فالحق يخرجهم، وإن كانوا حبسوا في حق فالعفو يسعهم. فخلاّهم.
وفي مثله: أمر معاوية بعقوبة روح بن زنباع فقال له روح: أنشدك اللّه يا أمير المؤمنين أن تضع مني خسيسة أنت رفعتهم أو تنقض مني مرّة أنت أبرمتهم أو تشمت بي عدواً أنت وقمته وإلاّ أتى حلمك وعفوك على جهلي وإساءتي. فقال معاوية: خلّيا عنه. ثم أنشد: إذا اللّه سنّى عقد أمرٍ تيسرا وفي مثله: أمر عمر بن عبد العزيز بعقوبة رجل قد كان نذر إن أمكنه اللّه منه ليفعلنّ به وليفعلن. فقال له رجاء بن حيوة: قد فعل اللّه ما تحب من الظفر فافعل ما يحب اللّه من العفو.
وفي مثله: قال ابن القرّيّة للحجاج في كلام له: أقلني عثرتي وأسغني ريقي فإنه لا بد للجواد من كبوة ولا بد للسيف من نبوة ولا بد للحليم من هفوة. فقال الحجاج: كلاّ، واللّه حتى أوردك جهنم. ألست القائل برستقباذ: تغدّوا الجدي قبل أن يتعشّاكم.
وفي مثله: أمر عبد الملك بن مروان بقتل رجل فقال: يا أمير المؤمنين، إنك أعزّ ما تكون أحوج ما تكون إلى اللّه، فاعف له فإنك به تعان وإليه تعود. فخلّى سبيله.
وفي مثله: قال خالد بن عبد اللّه لسليمان بعد أن عذبه " بما عذّبه به " : إن القدرة تذهب الحفيظة وقد جلّ قدرك عن العتاب ونحن مقرّون بالذنب، فإن تعف فأهل العفو وإن تعاقب فبما كان منا. فقال: " أولى لك " أمّا حتّى تأتي الشأم راجلاً فلا عفو.
وفي مثله: ضرب الحجاج أعناق أسارى أتي بهم، فقال رجل منهم: واللّه لئن كنا أسأنا في الذنب فما أحسنت في المكافأة. فقال الحجاج: أفٍّ لهذه الجيف! أما كان فيهم أحد يحسن مثل هذا! وكفّ عن القتل.
وفي مثله بين مصعب بن الزبير ورجل من أصحاب المختار الثقفيأخذ مصعب بن الزبير رجلاً من أصحاب المختار فأمر بضرب عنقه. فقال: أيهم الأمير ما أقبح بك أن أقوم يوم القيامة إلى صورتكن هذه الحسنة ووجهك هذا الذي يستضاء به فأتعلق بأطرافك وأقول أي ربّ سل مصعباً فيم قتلني. قال: أطلقوه. قال: اجعل ما وهبت لي من حياتي في خفض. قال: أعطوه مائة ألف. قال: بأبي أنت وأمي، أشهد اللّه أن لابن قيس الرّقيات منهم خمسين ألفاً. قال: ولم؟ قال: لقوله فيك:
إنما مصعبٌ شهم ب من الل ... ه تجلّت عن وجهه الظلماء
ملكه ملك رحمة ليس فيه ... جبروتٌ يخشى ولا كبرياء
يتقي اللّه في الأمور وقد أف ... لح من كان همّه الاتقاء
فضحك مصعب، وقال: أرى فيك موضعاً للصنيعة. وأمرو بلزومه وأحسن إليه فلم يزل معه حتى قتل.
وفي مثله بين عبد الملك بن مروان وعبد الملك بن الحجاجقال عبد الملك بن الحجاج التغلبي لعبد الملك بن مروان: هربت إليك من العراق.
قال: كذبت، ليس إلينا هربت، ولكنك هربت من دم الحسين وخفت على دمك فلجأت إلينا.
ثم جاء يوماً آخر فقال:
أدنو لترحمني وترتق خلّتي ... وأراك تدفعني فأين المدفع
ونحوه قول الآخر:
كنت من كربتي أفرّ إليهم ... فهم كربتي فأين الفرار
وفي مثله: قنّع الحجاج رجلاً في مجلسه ثلاثين سوطاً وهو في ذلك يقول:
وليس بتعزيز الأمير خزايةٌ ... عليّ إذا ما كنت غير مريب
ونحوه:
وإن أمير المؤمنين وفعله ... لكالدهر، لا عارٌ بما فعل الدهر
وفي مثله للحسن البصريمر الحسن البصري برجل يقاد منه. فقال للوليّ: يا عبد اللّه، إنك لا تدري لعل هذا قتل وليّك وهو لا يريد قتله، وأنت تقتله متعمداً، فانظر لنفسك. قال: قد تركته للّذه.
وفي مثله: حدّثني أبو حاتم عن الأصمعيّ عن عيسى بن عمر قال: رمي الحجاج فقال: انظروا من هذا؟ فأوما رجل بيده ليرمي. فأخذ فأدخل عليه وقد ذهبت روحه. قال عيسى بصوت ضعيف يحكي الحجاج: أنت الرّامينا منذ الليلة؟ قال: نعم أيهم الأمير. قال: ما حملك على ذلك؟ قال: العيّ واللّه واللؤم. قال: خلّوا عنه. وكان إذا صدق انكسر.
وفي مثله بين الحجاج وعثمان الشحامحدّثني أبو حاتم عن الأصمعيّ عن عثمان الشحام قال: أتي الحجاج بالشّعبي فقال له: أخرجت عليّنا يا شعبي؟ قال: أجدب بنا الجناب وأحزن بنا المنزل واستحلسنا الخوف واكتحلنا السهر وأصابتنا خزية لم نكن فيهم بررةً أتقياءولا فجرة أقوياء. فقال الحجاج: اللّه أبوك. ثم أرسله.
وفي مثله: أتي موسى بن المهدي برجل كان قد حبسه فجعل يقرّعه بذنوبه، فقال الرجل: يا أمير المؤمنين، اعتذاري مما تقرّعني به ردٌ عليك وإقراري بما تعتدّه عليّ يلزمني ذنباً لم أجنه، ولكني أقول:
فإن كنت ترجو بالعقوبةً راحةً ... فلا تزهدن عند المعافاة في الأجر
وفي مثله: قال الحسن بن سهل لنعيم بن حازم وقد اعتذر إليه من ذنب عظّمه: على رسلك أيهم الرجل، تقدّمت لك طاعةٌ وتأخرت لك توبة، وليس لذنب بينهما مكان، وما ذنبك في الذنوب بأعظم من عفو أمير المؤمنين في العفو.
في الدعاء للسلطانقال رجل لبعض الأمراء: " إني لو كنت أعرف كلاماً يجوز أن ألقى به الأمير غير ما جرى على ألسن الناس، لأحببت أن أبلغ ذلك فيما أدعو به له وأعظّم من أمره، غير أني أسأل اللّه الذي لا يخفى عليه ما تحتجب به الغيوب من نيات القلوب أن يجعل ما يطلّع عليه مما تبلغهنيته في إرادته للأمير أدنى ما يؤتيه إياه من عطاياه ومواهبه وفي الدعاء له: قرأت في كتاب رجل من الكتاب: " لا زالت أيامك ممدودة بين أمل لك تبلغه وأملٍ فيك تحقّقه حتى تتملّى من الأعمار أطولهم وترقى من الدرجات أفضلهم " .
وفي الدعاء أيضاً
دخل محمد بن عبد الملك بن صالح على المأمون حين قبضت ضياعه فقال: السلام عليك أمير المؤمنين. محمد بن عبد الملك سليل نعمتكن وابن دولتكن وغصن من أغصان دوحتكن، أتأذن له في الكلام؟ قال: نعم. فتكنلّم بعد حمد اللّه والثناء عليه. فقال: " نستمتع اللّه لحياطة ديننا ودنيانا ورعاي أدنانا وأقصانا ببقائك يا أمير المؤمنين ونسأله أن يزيد في عمرك من أعمارنا وفي أثرك من آثارنا ويقيك الأذى بأسماعنا وأبصارنا. هذا مقام العائذ بظلّك الهم رب إلى كنفك وفضلك الفقير إلى رحمتكن وعدلك " ثم تكنلّم في حاجته.
وفي شكر السلطان وفي حمدهقدم رجل على سليمان بن عبد الملك في خلافته فقال له: ما أقدمك عليّ؟ فقال: يا أمير المؤمنين ما أقدمني عليك رغبة ولا رهبة. قال: وكيف ذاك؟ قال: أما الرغبة فقد وصلت إلينا وفاضت في رحالنا وتناولهم الأقصى والأدنى منّا، وأما الرّهبة فقد أمنّا بعدلك يا أمير المؤمنين عليّنا وحسن سيرتكن فينا من الظلم، فنحن وفد الشكر.
وفي حمدهكتب بعض الكتاب إلى وزير: " كلّ مدى يبلغه القائل بفضلك والواصف لأيامك والشاكر للنعمة الشاملة بك قصدٌ أممٌ عند الفضائل الموفورة لك والمواهب المقسومة للرعية بك، فواجبٌ على من عرف قدر النعمة بك أن يشكرهم وعلى من أظله عزّ أيامك أن يستديمه وعلى من حاطته دولتكن أن يدعو اللّه ببقائهم ونمائهم ، فقد جمع اللّه بك الشّتات وأصلح بهم الفساد وقبض الأيدي الجائرة وعطف القلوب النافرة، فأمّنت سرب البرىء وخفضت جأشه وأخفت سبل الجاني وأخذت عليه مذاهبه ومطالعه ووقفت بالخاصّة والعامة على قصد من السيرة أمنوا بهم من العثار والكبوة " .
وفي حضّه على شكر اللّه عز وجل
قال شبيب بن شيبة للمهدي: إن اللّه عز وجل لم يرض أن يجعلك دون أحد من خلقه، فلا ترض بأن يكون أحد أشكر له منك، والسلام.
تم كتاب السلطان، ويتلوه في الجزء الثاني كتاب الحرب
كتاب الحرب
آداب الحرب ومكائدهمللرسول في عدم تمني لقاء العدو قال أبو محمد عبد اللّه بن مسلابن قتيبة: حدّثني محمد بن عبيد ة قال: حدّثنا معاوية بن عمرو عن أبي إسحاق عن هشام والأوزاعيّ عن يحيى بن أبي كثير قال: قال رسول اللّه: " لا تمنّوا لقاء العدوّ فعسى أن تبتلوا بهم ولكن قولوا اللهم اكفنا وكفّ عنا بأسهم، وإذا جاءوكم يعزفون ويزحفون ويصيحون فعليكم الأرض جلوساً، ثم قولوا: اللهم أنت ربنّا وربّهم، ونواصينا ونواصيهم بيدك، فإذا غشوكم فثوروا في وجوههم " .
لأبي الدرداء في القتال بالأعمالحدّثني محمد بن عبيد عن معاوية عن أبي إسحاق عن سعيد بن عبد العزيز عمن حدّثه أنّ أبا الدرداء قال: أيهم الناس، عملٌ صالح قبل الغزو فانما تقاتلون بأعمالكم.
لعمر بن الخطاب عند عقده الألوية لأمراء الجيوشحدّثنا القاسم بن الحسن عن الحسن بن الربيع عن ابن مبارك عن حيوة بن شريح قال: كان عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه إذا بعث أمراء الجيوش أوصاهم بتقوى اللّه العظيم، ثم قال عند عقد الألوية: بسم اللّه وعلى عون اللّه وامضوا بتأييد اللّه بالنصر وبلزوم الحق والصبر، فقاتلوا في سبيل اللّه من كفر باللّه ولا تعتدوا إن اللّه لا يحب المعتدين. لا تجنبوا عند اللقاء ولا تمثّلوا عند القدرة ولا تسرفوا عند الظهور ولا تقتلوا هرماً ولا امرأة ولا وليداً. وتوقّوا قتلهم إذا التقى الزّحفان وعند حمّة النّهضات وفي شنّ الغارات. ولا تغلّوا عند الغنائم ونزّهوا الجهم د عن عرض الدنيا وأبشروا بالرّباح في البيع الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم.
وصية أكثم بن صيفي لقوم استشاروه في حرباستشار قوم أكثم بن صيفيّ في حرب قوم أرادوهم وسألوه أن يوصيهم فقال: أقلّوا الخلاف على أمرائكم، واعلموا أن كثرة الصّياح من الفشل والمرء يعجز لا محالة. تثبّتوا فإن أحزم الفريقين الرّكين، وربّت عجلةٍ تعقب ريثا، وآتزروا للحرب وادّرعوا الليل فإنه أخفى للويل، ولا جماعة لمن اختلف عليه.
وقال بعض الحكماء: قد جمع اللّه لنا أدب الحرب في قوله تعالى: " يأيّهم الّذين آمنوا إذا لقيتم فئةً فاثبتوا وآذكروا اللّه كثيراً لعلّكم تفلحون وأطيعوا اللّه ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم و آصبروا إنّ اللّه مع الصّابرين " .
قول عتبة بن ربيعة لأصحابه يوم بدرحدّثني محمد بن عبيد قال: حدّثنا معاوية بن عمرو عن أبي إسحاق عن الأوزاعيّ قال: قال عتبة بن ربيعة يوم بدر لأصحابه: ألا ترونهم - يعني أصحاب النبي - جثيًّا على الرًكب كأنهمخرسٌ يتلمًظون تلمًظ الحيًات. قال: وسمعتهم عائشة يكّبرون يوم الجمل فقالت: لا تكنثروا الصياح فإن كثرة التكنبير عند اللقاء من الفشل.
وصية أبو بكر ليزيد بن أبي سفيانوذكر أبو حاتم عن العتبيّ عن أبي إبراهيم قال: أوصى أبو بكر رضي اللّه عنه يزيد بن أبي سفيلن حين وجّهه إلى الشام فقال: يا يزيد سر على بركة اللّه. إذا دخلت بلاد العدوّ فكن بعيداً من الحملة فإنة لا آمن عليك الجولة. وآستظهر بالزاد وسر بالأدلاّء ولا تقاتل بمجروح فإنّ بعضه ليس منه، وآحترس من البيات فإنّ في العرب غرّة، وأقلل من الكلام فإنما لك ما وعي عنك. وإذا أتاك كتابي فأنفذه فإنما أعمل على حسب إنفاذه. وإذا قدمت عليك وفود العجم فأنزلهم معظم عسكرك وأسبغ عليهم النفقة و امنع الناس عن محادثتهم ليخرجوا جاهلين كما دخلوا جاهلين. ولا تلحّن في عقوبة " فإن أدناهم وجع " ولا تسرعنّ إليهم وأنت تكنتفي بغيرهم. واقبل من التاس علانيتهم وكلهم إلى اللّه في سرائرهم. ولا تجسّس عسكرك فتفضحه ولا تهمله فتفسده. وأستودعك اللّه الذي لا تضيع ودائعه.
وصية أبو بكر لعكرمة حين وجهه إلى عمان
" قال بو بكر لعكرمة حين وجهه إلى عمان: يا عكرمة سر على بركة اللّه ولا تنزل على مستأمن ولا تؤمّنن على حق مسلم وأهدر الكفر بعضه ببعض. وقدّم النّذر بين يديك. ومهما قلت إني فاعل فافعله ولا تجعل قولك لغواً في عقوبة ولا عفو. ولا ترج إذا أمّنت زلا تخافنّ إذا خوّفت ولكن انظر متى تقول وما تقول. ولا تعدنّ معصية بأكثر من عقوبتنا فإن فعلت أثمت وإن تركت كذبت. ولاتؤمّنن شريفاً دون أن يكفل بأهله ولا تكنفلنّ ضعيفاً أكثر من نفسه. واتق اللّه فإذا لقيت فاصبر " .
وصية عبد الملك بن صالح إلى أمير سرية إلى بلاد الروموأوصى عبد الملك بن صالح أمير سريّة إلى بلاد الروم فقال: أنت تاجر اللّه لعباده فكن كالمضارب الكيّس الذي إن وجد ربحاً تجر، وإلا احتفظ برأس المال. ولا تطلب الغنيمة حتى تحوز السلامة. وكن من احتيالك على عدوّك أشدّ حذراً من احتيال عدوّك عليك.
وصية رسول اللّه إلى عمرو بن العاص أو زيد بن حارثة
وحدّثني محمد بن عبيد عن ابن عيينة قال: أخبرني رجل من أهل المدينة أنّ رسول اللّه قال ليزيد بن حارثة أو لعمرو بن العاص: " إذا بعثتكن في سرية فلا تتنقّهم واقتطعهم فإن اللّه ينصر القوم بأضعفهم " .
فيمن لا يخرج إلى الغزوحدّثني محمد بن عبيد " عن ابن عيينة " عن عمرو بن دينار عن عبيد بن عمير قال: غزا نبي من الأنبياء أو غير نبي فقال: " لا يغزونّ معي رجل بنى بناء لم يكمله، ولا رجل تزوّج امرأة لم يبن بهم ، ولا رجل زرع زرعاً ثم لم يحصده " .
كلام عليّ رضي اللّه عنه لأصحابه يوم صفين
" وذكر ابن عباس عليّاً فقال: ما رأيت رئيساً يوزن به. لرأيته يوم صفّين وكأنّ عينيه سراجا سليط وهو يحمّس أصحابه إلى أن انتهى إليّ وأنا في كثفٍ فقال: معشر المسلمين، استشعروا الخشية وعنّوا الأصوات وتجلببوا السكينة وأكملوا اللّؤم وأخفوا الخون وقلقلوا السيوف في أغمادهم قبل السّلّة والحظوا الشّزر واطعنوا النّبر ونافحوا بالظّبا و صلوا السيوف بالخطا والرماح بالنّبل وامشوا إلى الموت مشياً سجحا. وعليكم بهذا السواد الأعظم والرّواق المطنّب فاضربوا ثبجه فإن الشيطان راكد في كسره نافج خصييه مفترش ذراعيه قد قدّم للوثبة يداً وأخّر للنّكوص رجلاً " .
بين يزيد بن معاوية وسلابن زيادولما ولّى يزيد بن معاوية سلابن زياد خراسان قال هل: إن أباك كفى أخاه عظيماً، وقد استكنفيتكن صغيراً فلا تتكنلنّ على عذر مني فقد اتكنلت على كفاية منك. وإياك منّي أن أقول إياي منك، فإنّ الظن إذا أخلف فيك أخلف منك. وأنت في أدنى حظك فاطلب أقصاه، وقد أتعبك أبوك فلا تريحنّ نفسك، وكن لنفسك تكن لك، واذكر في يومك أحاديث غدك ترشد إن شاء اللّه.
لأم جبغويه ملك طخارستان فيما ينبغي للأميرقال الأصمعيّ: قالت أم جبغويه ملك طخارستان لنصر بن سيّار الليثي: ينبغي للأمير أن تكون له ستة أشياء: وزير يثق به ويفشي إليه سرّه، وحصن يلجأ إليه إذا فزع فينجيه - يعني فرساً - وسيف إذا نازل به الأقران لم يخف خونه، وذخيرة خفيفة المحمل إذا نابته نائبة أخذهم ، وامرأة إذا دخل عليهم أذهبت همّه، وطباخ إذا لم يشته الطعام صنع لم ما يشتهيه.
للرسول عليه الصلاة والسلاموبلغني عن عبّاد بن كثير عن عقيل " بن خالد " عن الزّهري عن عبيد اللّه بن عبد اللّه عن ابن عباس قال: قال رسول اللّه: " خير الأصحاب أربعة وخير السرايا أربعمائة وخير الجيوش أربعة الاف وما غلب قوم قطّ يبلغون اثني عشر ألفاً إذا اجتمعت كلمتهم " وقال رجل يوم حنين: لن نغلب اليوم عن قلّة. وكانوا اثني عشر ألفاً فهزم المسلمون يومئذ وأنزل اللّه عزو جل " ويوم حنينٍ إذ أعجبتكنم كثرتكنم " الآية "
ثلاث من كنّ فيه كنّ عليه
وقالوا كان يقال: ثلاث من كنّ فيه كنّ عليه: البغي، قال اللّه تعالى: " يأيّهم النّاس إنما بغيكم على أنفسكم " ، والمكر، قال اللّه تعالى: " ولا يحيق المكر السّيّء إلا بأهله " والنّكث، قال عز وجل: " فمن نكث فإنّما ينكث على نفسه " .
من كتاب للهند
وقرأت في كتاب للهند: لاظفر مع بغي، ولا صحّة مع نهم، ولا ثناء مع كبر، ولا صداقة مع خبّ، ولا شرف مع سوء أدب، ولا برّ مع شحٍّ، ولا اجتناب محرّم مع حرص، ولا محبة مع زهو، ولا ولاية حكم مع عدم فقه، ولا عذر مع إصرار، ولا سلامة مع ريبة، ولا راحة قلب مع حسد، ولا سؤدد مع انتقام، ولا رئاسة مع غرارة وعجب، ولا صواب مع ترك المشاورة، ولا ثبات ملك مع تهم ون وجهم لة وزراء.
لقتيبة بن مسلم في صفة المحاربخرجت خارجة بخراسان على قتيبة بن مسلم فأهمّه ذلك فقيل له: ما يهمّك منهم؟ وجّه إليهم وكيع بن أبي سود فإنه يكفيكهم. فقال:لا، إنّ وكيعاً رجل به كبر يحتقر أعداءه، ومن كان هكذا قلّت مبالاته بعدوّه فلم يحترس منه فيجد عدوّه منه غرّة.
لأحد ملوك العجم في المكيدة بالحربوقرأت في بعض كتب العجم أنّ ملكاً من ملوكهم سئل: أيّ مكائد الحرب أحزم؟ فقال: إذكاء العيون واستطلاع الأخبار وإفشاء الغلبة وإظهم ر السرور وإماتة الفرق والاحتراس من البطانة من غير إقصاء لمن يستنصح ولا استنصاح لمن يستغشّ ولا تحويل شيء عن شيء إلا بسدّ ناحية من المراتب وحسن مجاملة الظنون وإشغال الناس عما هم فيه من الحرب بغيره.
وسئل عن وثائق الحزم في القتال فقال: مخاتلة العدوّ عن الرّيف وإعداد العيون على الرّصد وإعطاء المبلّغين على الصدق ومعاقبة المتوصّلين بالكذب وألا تحرج هم رباً إلى قتال ولا تضيّق أماناً على مستأمن ولا تشبّ عن أصحابك للبغية و لا تشدهنّك الغنيمة عن المحاذرة.
من كتاب للهندوقرأت في كتاب للهند: الحازم يحذر عدوّه على كل حال. يحذر المواثبة إن قرب، والغارة إن بعد، والكمين إن انكشف، والاستطراد إن ولّى، والمكر إن رآه وحيداً، ويكره القتال ما وجد بدّاً لأن النفقة فيه من الأنفس والنفقة في غيره من المال.
من كتاب الآيين في فن المحاربة
و قرأت في الآيين: قد جرت السنة في المحاربة أن يوضع من مكان من الجند أعسر في الميسرة ليكون لقاؤه يسراً ورميه شزراً وأن يكون اللقاء من الفرسان قدماً وترك ذلك على حال ممايلة أو مجانبة وأن يرتاد للقلب مكاناً مشرفاً ويلتمس وضعه فيه فإن أصحاب الميمنة والميسرة لا يقهرون ولا يغلبون وإن زالتا بعض الزوال ما ثبت المادّتان فإن زالت المادّتان لم ينتفع بثبات الميمنة والميسرة. " وإذا عيّ الجند فليناوش أهل الميمنة والمادّتان فأما الميسرة " فلا يشذنّ منهم أحد إلاّ أن يبادر إليهم من العدوّ من يخاف بائقته فيردّون عاديتهم مع أنّ أصحاب الميمنة والمادّتين لا يقدرون على لقاء من يناوشهم والرجوع إلى أصحابهم عاطفين، وأصحاب الميسرة لا يقدرون على مناوشة إلا مائلين ويعجزهم الرجوع عاطفين. ولا يألونّ صاحب الجيش على حال من الحال أن يستدبر جنده عين الشمس والريح، ولا يحاربنّ جنداً إلا على أشدّ الضرورة وعلى حال لا يوجد معهم من المحاربة بدٌّ، فإذا كان كذلك فليجهد صاحب الجيش أن يدفع بالحرب إلى أخر النهم ر. وينبغي على كل حال أن يخلّى بين المنهزمين وبين الذهم ب ولا يحبسوا. وإن كان الجند قد نزلوا على ماء وأراد العدوّ أن ينالوا من الماء فليس من الرأي أن يحال بينهم وبينه لئلا يحرجوا إلى الجدّ في محاربتهم. وإن كان العدو قد نزلوا بماء وأراد الجند غلبتهم عليه فإن وقت طلب ذلك عند ريّ العدوّ من الماء وسقيهم دوابّهم منه وعند حاجة الجند إليه، فإن أسلس ما يكون الإنسان عن الشيء عند استغنائه عنه وأشدّ ما يكون طلباً للشيء عند حاجنه إليه. ولتسر الطلائع في قرار من الأرض ويقفوا على التّلاع ولا يجوزوا أرضاً لم يستقصوا خبرهم. وليكمن الكمين في الخمر والأماكم الخفية. وليطرح الحسك في المواضع التي يتخوّف فيهم البيات. وليحترس صاحب الجيش من انتشار الخبر عنه فأن في انتشاره فساد العسكر وانتقاضه.وإذا كان أكثر من في الجند من المقاتلة مجرّبين ذوي حنكة وبأس فبدار العدوّ الجند إلى الوقعة خير للجند.وإذا كان أكثرهم أغماراً ولم يكن من القتال بدّ فبدار الجند إلى مقاتلة العدوّ أفضل للجند. وليس ينبغي للجند أن يقاتلوا عدوّاً إلا أن تكون عدّتهم أربعة أضعاف عدّة العدوّ أو ثلاثة أضعافهم، فإن غزاهم عدوّهم لزمهم أن يقاتلوهم بعد أن يزيدوا على عدّة العدو مثل نصف عدّتهم. وأن توسط العدوّ بلادهم لزمهم أن يقاتلوهم وإن كانوا أقل منهم، وينبغي أن ينتخب للكمين من الجند أهل جرأة وشجاعة وتيقّظ وصرامة وليس بهم أنين ولا سعال ولا عطاس ويختار لهم من الدواب ما لايصهل ولا يغنث، ويختار لكمونهم مواضع لا تغشى ولا تؤتى، قريبة من الماء حتى ينالوا منه إن طال مكثهم، وأن يكون إقدامهم بعد الرويّة والتشاور والثقة بإصابة الفرصة، ولا يخيفوا سباعاً ولا طيراً ولا وحشاً. وأن يكون إيقاعهم كضريم الحريق، وليجتنبوا الغنائم ولينهضوا من المكمن متفرقين إذا ترك العدوّ الحراسة وإقامة الرّمايا، وإذا أونس من طلائعهم توانٍ وتفريطٌ وإذا أمرجوا دوابّهم في الرعي، وأشدّ ما يكون البرد في الشتاء وأشدّ ما يكون الحر في الصيف. وأن يرفضّوا ويفترقوا إذا ثاروا من مكمنهم بعد أن يستخير بعضهم بعضاً وأن يسرعوا الإيقاع بعدوّهم ويتركوا التلبّث والتلفّت. وينبغي للمبيّتين أن يفترصوا البيات إذا هبّت ريح أو أونس من نهر قريب منهم خريرٌ فإنه أجدر ألا يسمع لهم حسّ. وأن يتوخّى بالوقعة نصف الليل أو أشدّ ما يكون إظلاماً. وأن يصير جماعة من الجند وسط عسكر العدوّ وبقيتهم حوله، ويبدأ بالوقعة من يصير منهم في الوسط ليسمع بالضجّة والضوضاء من ذلك الموضع لا من حوله، وأن يشرّد قبل الوقعة الأفره فالأفره من دوابّهم ويقطّع أرسانهم وتهمز بالرماح في أعجازهم حتى تتحيرّ وتعير ويسمع لهم ضوضاء، وأن يهتف هم تف ويقول: يا معشر أهل العسكر النّجاء النجاء فقد قتل قائدكم فلان وقتل خلق وهرب خلق. ويقول قائل: أيهم الرجل أستحيني اللّه. ويقول آخر: العفو العفو. وآخر: أوّه أوّه، ونحو هذا من الكلام. وليعلم أنه إنما يحتاج في البيات إلى تحيير العدوّ وإخافته وليجتنبوا التقاط الأمتعة واستياق الدوابّ وأخذ الغنائم.
ما ينبغي في محاصرة الحصون
قال: وينبغي في محاصرة الحصون أن يستمال من يقدر على استماللّه من أهل الحصن والمدينة ليظفر منهم بخصلتين: إحداهما استنباط أسرارهم، والأخرى إخافتهم وإفزاعهم بهم، وأن يدسّ منهم من يصغر شأنهم ويؤيسهم من المدد ويخبرهم أن سرّهم منتشر في مكيدتهم،وأن يفاض حول الحصن ويشار إليه بالأيدي كأن فيه مواضع حصينة وأخر ذليلة وموضع ينصب المجانيق عليهم ومواضع تهيّأ العرّادات لهم ومواضع تنقب نقباً ومواضع توضع السّلالأعليهم ومواضع يتسوّر منهم ومواضع يضرم النار فيهم ليلأهم ذلك رعباً، ويكتب على نشّابة: إياكم أهل الحصن والاغترا وإغفال الحراسة، عليكم بحفظ الأبواب فإن الزمان خبيث وأهله أهل غدر فقد خدع أكثر أهل الحصن واستميلوا، ويرمى بتلك النّشابة في الحصن ثم يدسّ لمخاطبتهم المنطيق المصيب الدّهيّ الموارب المخاتل فير المهذار ولا المغفّل. وتؤخّر الحرب ما أمكن ذلك فإن في المحاربة جرأة منهم على من حاربهم ودليلاً على الحيلة والمكيدة، فإن كان لابد من المحاربة فليحاربوا بأخفّ العدّة وأيسر الآلة. وينبغي أن يغلب العدوّ على الأرض ذات الخمر والشجر والأنهم ر للمعسكر ومصافّ الجنود ويخلّى بين العدوّ وبين بساط الأرض ودكادكهم .
من أشد الأمور تدريباً للجنود
وفي بعض كتب العجم أن بعض الحكماء سئل عن أشدّ الأمور تدريباً للجنود وشحذاً لهم ، فقال: استعادة القتال وكثرة الظّفر، وأن تكون لهم موادّ من ورائهم وغنيمة فيما أمامهم ، ثم الإكرام للجيش بعد الظّفر والإبلاغ بالمجتهدين بعد المناصبة، والتشريف للشجاع على رؤوس الناس.
صفات القائدقال المدائني: " قال نصر بن سيّار " : كان عظماء الترك يقولون: القائد العظيم ينبغي أن تكون فيه خصال من أخلاق الحيوان: شجاعة الديك، وتحنّن الدجاجة، وقلب الأسد، وحملة الخنزير، " وروغان الثعلب، وختل الذئب. وكان يقال في صفة الرجل الجامع: له وثبة الأسد، وروغان الثعلب، وختل الذئب " وجمع الذّرّة، وبكور الغراب.
وكان يقال: أصلح الرجال للحرب المجرّب الشجاع الناصح.
لعمرو بن معاوية في ضبطه الطوائفحدّثني أبو حاتم عن الأصمعيّ عن أبي الأصمّ قال: قيل لعمرو بن معاوية العقيلي وكان صاحب صوائف: بم ضبطت الصوائف؟ أي الثغور، قال: بسمانة الظهر وكثرة الكعك والقديد. وفي كتاب الآيين: ليكن أوّل ما تحمله معك خبزاً ثم خبزاً ثم خبزاً. وإياك والمفارش والثياب.
أبو اليقظان قال: قال شبيب الحارجي: الليل يكفيك الجبان ونصف الشجاع. وكان إذا أمسى قال لأصحابه: أتاكم المدد، يعني الليل. وقيل لبعض الملوك: بيّت عدوّك. قال: أكره أن أجعل غلبتي سرقة.
حكمة ملك الرومالمدائني قال: لما اشتغل عبد الملك بمحاربة مصعب بن الزبير اجتمع وجوه الروم إلى ملكهم فقالوا: قد أمكنتكن الفرصة من العرب بتشاغل بعضهم ببعض، فالرأي أن تغزوهم في بلادهم. فنهم هم عن ذلك وخطّأ رأيهم، ودعا بكلبين فأرّش بينهما فاقتتلا قتالاً شديداً، ثم دعا بثعلب فخلاّه بينهما، فلما رأى الكلبان الثعلب تركا ما كانا فيه وأقبلا على الثعلب حتى قتلاه، فقال لهم ملك الروم: هذا مثلنا ومثلهم. فعرفوا صدقه وحسن رأيه ورجعوا عن رأيهم.
وصية حكيم لملكوأوصى بعض الحكماء ملكاً فقال: لا يكن العدوّ الذي قد كشف لك عن عدواته بأخوف عندك من الظّنين الذي يستتر لك بمخاتلته، فإنه ربما تخوّف الرجل السّمّ الذي هو أقتل الأشياء وقتله الماء الذي يحيي الأشياء، وربما تخوّف أن يقتله الملوك التي تملكه ثم قتلته العبيد التي يملكهم. فلا تكن للعدوّ الذي تناصب بأحذر منك للطعام الذي تأكل. وأنا لكل أمر أخذت منه نذيرك وإن عظم آمن منّي من كل أمر عرّيته من نذيرك وإن صغر. واعلم أن مدينتكن حرز من عدوّك، ولا مدينة تحرّز فيهم من طعامك وشرابك ولباسك وطيبك، وليست من هذه الأربع واحدة إلا وقد تقتل بهم الملوك.
حنكة خالد بن برمك وفراسته
وذكر عبد الملك بن صالح الهم شمي أن خالد بن برمك، حين فصل مع قحطبة من خراسان، بينما هو على سطح بيت في قرية قد نزلاهم وهم يتغدّون نظر إلى الصحراء فرأى أقاطيع ظباء قد أقبلت من جهة الصحارى حتى كادت تخالط العسكر، فقال لقحطبة: أيهم الأمير ناد في الناس: يا خيل اللّه اركبي، فإن العدوّ قد نهد إليك وحثّ، وغاية أصحابك أن يسرجوا ويلجموا قبل أن يروا سرعان الخيل. فقام قحطبة مذعوراً فلم ير شيئاً يروعه ولم يعاين غبارا، فقال لخالد: ما هذا الرأي؟ فقال خالد: أيهم الأمير لا تتشاغل بي وناد في الناس. أما ترى أقاطيع الوحش قد أقبلت وفارقت مواضعهم حتى خالطت الناس! إن وراءهم لجمعا كثيفاً. قال: فواللّه ما أسرجوا ولا ألجموا حتى رأوا ساطع الغبار فسلموا، ولولا ذلك لكان الجيش قد اصطلم.
نصيحة حكيم لبعض الملوكوقال بعض الحكماء لبعض الملوك: آمركم بالتقدّم والأمر ممكن، وبالإعداد لغد من قبل دخولك في غد كما تعدّ السلاح لمن تخاف أن يقاتلك وعسى ألا يقاتلك، وكما تأخذ عتاد البناء من قبل أن تصيبه السماء وأنت لاتدري لعلهم لا تصيبه، بل كما تعدّ الطعام لعدد الأيام وأنت لا تدري لعلك لا تا:له. وكان يقال: كل شيء طلبته في وقته فقد مضى وقته.
بين ملك الهياطلة وفيروز بن يزدجرد ملك فارس
وقرأت في كتاب سير العجم أن فيروز بن يزدجرد بن بهرام لمّا ملك سار بجنوده نحو خراسان لغزو أخشنوار ملك الهياطلة ببلخ، فلما انتهى إلى بلاده اشتدّ رعب أخشنوار منه وحذره له، فناظر أصحابه ووزراءه في أمره، فقال له رجل منهم: أعطني موثقاً وعهداً تطمئن إليه نفسي أن تكنفيني أهلي وولدي وتحسن إليهم وتخلفني فيهم، ثم اقطع يديّ ورجليّ وألقني على طريق فيروز حتى يمرّ بي هو وأصحابه فأكفيك مؤونتهم وشوكتهم وأورّطهم مورّطاً تكون فيه هلكتهم. فقال له أخشنوار: وما الذي تنتفع به من سلامتنا وصلاح حالنا إذا أنت قد هلكت ولم تشركنا في ذلك؟ قال: إني قد بلغت ما كنت أحب أن أبلغه من الدنيا وأنا موقن بأن الموت لا بد منه وإن تأخر أياماً قلائلا، فأحب أن أختم عمري بأفضل ما تختم به الأعمار من النصيحة لأخواني والنكاية في عدوّي فيشرف بذلك عقبي وأصيب سعادة وحظوة فيما أمامي. ففعل به ذلك وأمر به فألقي حيث وصف له. فلما مرّ به فيروز سأله عن أمره فأخبره أن أخسنوار فعل ذلك به وأنه احتال حتى حمل إلى ذلك الموضع ليدلّه على عورته وغرّته وقال: إني أدلك على طريق هو أقرب من هذا الذي تريدون سلوكه وأخفى، فلا يشعر أخشنوار حتى تهجموا عليه فينتقم اللّه لي منه بكم، وليس في هذا الطريق من المكروه ألا تفويز يومين ثم تفضون إلى كل ما تحبون. فقبل فيروز قوله بعد أن أشار عليه وزراؤه بالاتهم م له والحذر منه وبغير ذلك، فخالفهم وسلك الطريق حتى انتهى بهم إلى موضع من الفازة لا صدر عنه، ثم بيّن لهم أمره فتفرقوا في المفازة يميناً وشمالاً يلتمسون الماء فقتل العطش أكثرهم ولم يخلص مع فيروز منهم إلا عدّة يسيرة فإنهم انطلقوا معه حتى أشرفوا على أعدائهم وهم مستعدّون لهم فواقعهم على تلك الحالة وعلى ما بهم من الضر والجهد فاستمكنوا منهم وأعظموا النكاية فيهم، ثم رغب فيروز إلى أخشنوار وسأله أن يمنّ عليه وعلى من بقي من أصحابه على أن يجعل لهم عهد اللّه وميثاقه ألا يغزوه أبداً فيما يستقبل من عمره وعلى أنه يحدّ فيما بينه وبين مملكته حدّاً لا تجاوزه جنوده، فرضي أخشنوار بذلك وخلّى سبيله وانصرف إلى مملكته، فمكث فيروز برهة من دهره كئيباً ثم حمله الأنف على أن يعود لغزوه ودعا أصحابه إلى ذلك فردّوه عنه وقالوا: إنك قد عاهدته ونحن نتخوّف عليك عاقبة البغي والغدر مع ما في ذلك من العار وسوء المقالة. فقال لهم: إني إنما شرطت له ألاّ أجوز الحجر الذي جعلته بيني وبينه فأنا آمر بالحجر ليحمل على عجلة أمامنا. فقالوا له: أيهم الملك، إنّ العهود والمواثيق التي يتعاطاهم الناس بينهم لا تحمل على ما يسرّ المعطي لهم ولكن على ما يعلن المعطي، وإنك إنما جعلت له عهد اللّه وميثاقه على الأمر الذي عرفه لا على أمر لم يخطر بباله. فأبى فيروز ومضى في غزاته حتى انتهى إلى الهياطلة وتصافّ الفريقان للقتال فأرسل أخشنوار إلى فيروز يسأله أن يبرز فيما بين صفّيهم ليكلمه، فخرج إليه فقال له أخشنوار: قد ظننت أنه لم يدعك إلى غزونا إلا الأنف مما أصابك. ولعمري لئن كنّا احتلنا لك بما رأيت، لقد كنت التمست منّا أعظم منه، وما ابتدأناك ببغي ولا ظلم ولا أردنا إلا دفعك عن أنفسنا وعن حريمنا، ولقد كنت جديراً أن تكون، من سوء مكافأتنا بمنّنا عليك وعلى من معك من نقض العهد والميثاق الذي وكّدت على نفسك، أعظم أنفاً وأشدّ امتعاضاً مما نالك منّا، فإنّا أطلقناكم وأنتم أسرى ومننّا عليكم وأنتم مشرفون على الهلكة وحقنّا دماءكم و بنا قدرة على سفكهم ، وإنا لم نجبرك على ما شرطت لنا بل كنت أنت الراغب إلينا فيه والمريد لنا عليه ففكّر في ذلك وميّل بين هذين الأمرين فانظر أيّهما أشدّ عاراً وأقبح سماعاً، إن طلب رجل أمراً فلم يتح له وسلك سبيلاً فلم يظفر فيهم ببغيته واستمكن منه عدوّه على حال جهد وضيعة منه وممن معه، فمّن عليهم وأطلقهم على شرط شرطوه وأمر اصطلحوا عليه فاضطّر لمكروه القضاء واستحيا من النّكث والغدر أن يقال امرؤ نكث العهدوختر الميثاق. مع أني قد ظننت أنه يزيدك نجاحاً ما تثق به من كثرة جنودك وما ترى من حسن عدّتهم وطاعتهم لك، وما أجدني أشكّ أنهم أو أكثرهم كارهون لما كان من شخوصك بهم عارفون بأنك قد حملتهم على غير الحق ودعوتهم إلى مايسخط اللّه، فهم في حربنا غير مستبصرين ونيّاتهم في مناصحتكن اليوم
مدخولة، فانظر ما قدر غناء من يقاتل على مثل هذه الحال، وما عسى أن تبلغ نكايته في عدوّه إذا كان عارفاً بأنه إن ظفر فمع عار وإن قتل فإلى النار، فأنا أذكّرك اللّه الذي جعلته على نفسك كفيلاً ونعمتي عليك وعلى من معك بعد يأسكم من الحياة وإشفائكم على الممات، وأدعوك إلى ما فيه حظّك ورشدك من الوفاء بالعهد والاقتداء بآبائك الذين مضوا على ذلك في كل ما أحبوه أو كرهوه، فأحمدوا عواقبه وحسن عليهم أثره، ومه ذلك إنك لست على ثقة من الظّفر بنا والبلوغ لنهمتكن فبنا وإنما تلتمس منا أمراً نلتمس منك مثله وتناوىء عدوّاً لعله يمنح النصر عليك فقد بالغت في الاحتجاج عليك وتقدّمت في الإعذار إليك ونحن نستظهر باللّه الذي اعتززنا به ووثقنا بما جعلته لنا من عهده إذا استظهرت بكثرة جنودك وازدهتكن عدّة أصحابك، فدونك هذه النصيحة فواللّه. ما كان أحد من نصحائك ببالغ لك أكثر منهم ولا زائد لك عليهم ، ولا يحرمنّك منفعتهم مخرجهم مني فإنّه لا يزري بالمنافع عند ذوي الرأي أن كانت من قبل الأعداء كما لا يحبّب المضارّ إليهم أن تكون على أيدي الأولياء. واعلم أنه ليس يدعوني إلى ما تسمع من مقالتي ضعف أحسّه من نفسي ولا قلةٌ من جنودي، ولكني أحببت أن أزداد بذلك حجّة واستظهم راً، وأزداد به من اللّه للنصر والمعونة استيجاباً ولا أوثر على العافية والسلامة شيئاً ما وجدت إليهما سبيلاً. فأبى فيروز إلا تعلّقاً بحجّته في الحجر الذي جعله حدّاُ بينه وبينه وقال: لست ممن يردعه عن الأمر يهمّ به وعيدٌ ولا يقتاده اللّهدّد والترهيب، " ولو كنت أرى ما أطلبك غدراً مني ما كان أحد أنظر ولا أشدّ اتقاءً مّني على نفسي فلا يغرّنك منا الحال التي صادفتنا عليهم في المرّة الأولى من القلّة والجهد والضعف " . فانظر ما قدر غناء من يقاتل على مثل هذه الحال، وما عسى أن تبلغ نكايته في عدوّه إذا كان عارفاً بأنه إن ظفر فمع عار وإن قتل فإلى النار، فأنا أذكّرك اللّه الذي جعلته على نفسك كفيلاً ونعمتي عليك وعلى من معك بعد يأسكم من الحياة وإشفائكم على الممات، وأدعوك إلى ما فيه حظّك ورشدك من الوفاء بالعهد والاقتداء بآبائك الذين مضوا على ذلك في كل ما أحبوه أو كرهوه، فأحمدوا عواقبه وحسن عليهم أثره، ومه ذلك إنك لست على ثقة من الظّفر بنا والبلوغ لنهمتكن فبنا وإنما تلتمس منا أمراً نلتمس منك مثله وتناوىء عدوّاً لعله يمنح النصر عليك فقد بالغت في الاحتجاج عليك وتقدّمت في الإعذار إليك ونحن نستظهر باللّه الذي اعتززنا به ووثقنا بما جعلته لنا من عهده إذا استظهرت بكثرة جنودك وازدهتكن عدّة أصحابك، فدونك هذه النصيحة فواللّه. ما كان أحد من نصحائك ببالغ لك أكثر منهم ولا زائد لك عليهم ، ولا يحرمنّك منفعتهم مخرجهم مني فإنّه لا يزري بالمنافع عند ذوي الرأي أن كانت من قبل الأعداء كما لا يحبّب المضارّ إليهم أن تكون على أيدي الأولياء. واعلم أنه ليس يدعوني إلى ما تسمع من مقالتي ضعف أحسّه من نفسي ولا قلةٌ من جنودي، ولكني أحببت أن أزداد بذلك حجّة واستظهم راً، وأزداد به من اللّه للنصر والمعونة استيجاباً ولا أوثر على العافية والسلامة شيئاً ما وجدت إليهما سبيلاً. فأبى فيروز إلا تعلّقاً بحجّته في الحجر الذي جعله حدّاُ بينه وبينه وقال: لست ممن يردعه عن الأمر يهمّ به وعيدٌ ولا يقتاده اللّهدّد والترهيب، " ولو كنت أرى ما أطلبك غدراً مني ما كان أحد أنظر ولا أشدّ اتقاءً مّني على نفسي فلا يغرّنك منا الحال التي صادفتنا عليهم في المرّة الأولى من القلّة والجهد والضعف " .
قال أخشنوار: لا يغرّنك ما تخدع به نفسك من حملك الحجر أمامك، فإنّ الناس لو كانوا يعطون العهود على ما تصف من إسرار أمرٍ وإعلان آخر، إذاً ما كان ينبغي لأحد أن يغترّ بأمانٍ ولا يثق بعهدٍ، وإذاً لما قبل الناس شيئاً مما يعطونه من ذلك، ولكنّه وضع على العلانية وعلى نية من تعقد العهود والشروط له. فانصرفا يومهما ذلك فقال فيروز لأصحابه: لقد كان أخشنوار حسن المحاورة، وما رأيت للفرس الذي كان تحته نظيراً في الدواب فإنه لم يزل قوائمه ولم يرفع حوافره عن موضعهم ولا صهل ولا أحدّث شيئاً يقطع به المحاورة في طول ما تواقفنا. وقال أخشنوار لأصحابه: لقد واقفت فيروز كما علمتم وعليه السلاح كلّه فلم يحرّك رأسه ولم ينزع رجله من ركابه ولا حنا ظهره ولا التفت يميناً ولا شمالاً، ولقد تورّكت أنا مراراً وتمطيت على فرسي وتلفّتّ إلى من خلفي ومددت بصري في أمامي وهو منتصبٌ ساكن على حاله، ولولا محاورته إياي لظننت أنه لا يبصرني. وإنما أرادا بما وصفا من ذلك أن ينتشر هذان الحديثان في أهل عسكريهما فيشغلوا بالإفاضة فيهما عن النظر فيما تذاكراه. فلما كان في اليوم الثاني أخرج أخشنوار الصحيفة التي كتبهم لهم فيروز، فرفعهم على رمح لينظر إليهم أهل عسكر فبروز فيعرفوا غدره وبغيه ويخرجوا من متابعته، فانتقض عسكر فيروز واختلفوا وما لبثوا إلا يسيراً حتى انهزموا وقتل منهم خلقٌ كثير وهلك فيروز، فقال أخشنوار: لقد صدق الذي قال: لا رادّ لما قدّر، ولا أشدّ إحالةً لمنافع الرأي من الهوى واللّجاج، ولا أضيع من نصيحة يمنحهم من لا يوطّن نفسه على قبولهم والصبر على مكروههم ، ولا أسرع عقوبة ولا أسوأ عاقبة من البغي والغدر، ولا أجلب لعظيم العار والفضوح من إفراط الفخر والأنفة.
بين شبيب الخارجي والحجاجوقال أبو اليقظان: لما خرج شبيب بن يزيد نعيم الخارجيّ بالموصل بعث إليه الحجّاج قائداً فقتله كذلك حتى أتى على خمسة قوّاد قتلهم وهزم جيوشهم وكان أحد القوّاد موسى بن طلحة بن عبيد اللّه، ثم خرج شبيب من الموصل يريد الكوفة وخرج الحجّاج من البصرة يريد الكوفة فطمع شبيب أن يلقى الحجاج قبل أن يصل إلى الكوفة فأقحم الحجاج خيله فدخل الكوفة قبله، ومرّ شبيب بعتّاب بن ورقاء فقتله ومرّ بعبد الرحمن بن محمد بن الأشعث فهرب منه، وقدم شبيبٌ الكوفة آلى ألاّ يبرح عنهم أو يلقى الحجاج فيقتله أو يقتل دونه، فخرج الحجاج إليه في خيله، فلما قرب منه عمد إلى سلاحه فألبسه أبا الورد مولاه وحمله على الدّابة التي كان عليهم ، فلما تواقفا قال شبيب: أروني الحجاج، فأومأوا له إلى أبي الورد فحمل عليه فقتله، ثم خرج من الكوفة يريد الأهواز فغرق في دجيل وهو يقول: " ذلك تقدير العزيز العليّم " .
الأوقات التي تختار للسفر والحربللزهريّ عن الرسول
قال: حدّثني محمد بن عبيد قال: حدّثنا يزيد بن هم رون عن محمد بن إسحاق عن عبد اللّه بن أبي بكر عن الزهريّ قال: كان أحبّ الأيام إلى رسول اللّه أن يعقد فيه رايته يوم الخميس، وكان أحبّ إلى رسول اللّه أن يسافر فيه يوم الخميس.
وقالت العجم: أخّر الحرب ما استطعت فإن لم تجد بدّاً فاجعل ذلك آخر النهم ر.
وحدّثني محمد بن عبيد عن معاوية بن عمرو عن أبي إسحاق عن ابن عون عن محمد بن سيرين أنّ النعمان بن مقرّن قال لأصحابه: إني لقيت مع رسول اللّه فكان من أحبّ ما يلقى فيه إذا لم يلق في أوّل النهم ر إذا زالت الشمس و حلّت الصلاة وهبّت الرياح ودعا المسلمون.
ويروي قوم عن عليّ بن أبي طالب رضي اللّه عنه أنه كان يكره الحجامة والابتداء بعمل في محاق القمر وفي حلوله في برج العقرب. " وقال بعضهم: كنت مع عمر بن عبد العزيز فوق سطح وهو يريد الركوب، فنظرت فإذا القمر بالدّبران فقلت: انظر إلى القمر ما أحسن استواءه! فرفع رأسه ثم نظر فرأى منزلته فضحك، وقال: إنما أردت أن ننظر إلى منزلته، وإنّا لا نقيم لشمس ولا لقمر ولكنا نسير باللّه الواحد القهم ر " .
ما كان يقال عن أيام الأسبوعوكان يقال: يوم السبت يوم مكر وخديعة، ويوم الأحد يوم غرس وبناء، ويوم الأثنين يوم سفر وابتغاء رزق، ويوم الثلاثاء يوم حربٍ ودمٍ، ويوم الأربعاء يوم الأخذ و الإعطاء، ويوم الخميس يوم دخول على الأمراء وطلب الحوائج، ويوم الجمعة يوم خطب ونكاح.
الدعاء عند اللقاء
للنبي عند الضيقةحدّثني محمد بن عبيد قال: حدّثنا معاوية عن أبي إسحاق عن أبي رجاء قال: كان النبيّ يقول إذا اشتدّت حلقة البلاء وكانت الضّيقة: " تضيّقي تفرّجي " ثم يرفع يديه فيقول: بسم اللّه الرحمن الرحيم لا حول ولا قوّة إلا باللّه العليّ العظيم اللهم إياك نعبد وإياك نستعين اللهم كفّ عنا بأس الذين كفروا إنك أشدّ بأساً وأشدّ تنكيلاً " فما يخفض يديه المباركتين حتى ينزل اللّه النصر.
وحدّثني محمد بن عبيد عن معاوية عن أبي إسحاق عن موسى بن عقبة عن سالأأبي النضر مولى عمر بن عبيد اللّه وكان كاتباً له، قال: كتب عبد اللّه بن أبي أوفى حين خرج إلى الحرورية أنّ النبي في بعض أيامه التي لقي فيهم العدوّ انتظر حتى مالت الشمس ثم قام في الناس فقال: " لا تتمنّوا لقاء العدوّ واسألوا اللّه العافية، فإذا لقيتموهم فاثبتوا واصبروا واعلموا أنّ الجنّة تحت ظلال السيوف " ثم قال: اللهمّ منزل الكتاب ومجري السحاب وهم زم الأحزاب اهزمهم وانصرنا عليهموقال أبو النضر: وبلغنا أ،ه دعا في مثل ذلك فقال: " اللهمّ أنت ربّنا وربّهم وهم عبيد ك ونحن عبيد ك ونواصينا ونواصيهم بيدك فاهزمهم وانصرنا عليهم " .
بين قتيبة بن مسلم ومحمد بن واسعحدّثني محمد بن عبيد قال: لما صافّ قتيبة بن مسلم التّرك وهم له أمرهم سأل عن محمد ابن واسع ما يصنع؟ قالوا: هو في أقصى الميمنة جانح على سية قوسه ينضنض بأصبعه نحو السماء. فقال قتيبة: تلك الإصبع الفاردة أحبّ إليّ من مائة ألف سيف شهير وسنان طرير. فلما فتح اللّه عليهم قال لمحمد: ما كنت تصنع؟ قال: كنت آخذ لك بمجامع الطرق.
الصبر وحضّ الناس يوم اللّقاء عليه
بين الفرزدق وعاصم بن الحدّثان
حدّثني سهل بن محمد قال: حدّثنا الأصمعيّ قال: كان عاصم بن الحدّثان رجلاً من العرب عالماً قديماٌ وكان رأس الخوارج بالبصرة، وربما جاءه الرسول منهم من الجزيرة يسأله عن بعض الأمر يختصمون فيه، فمرّ به الفرزدق فقال لابنه: أنشد أبا فراس فأنشده:
وهم إذا كسروا الجفون أكارمٌ ... صبر وحين تحلّل الأزرار
يغشون حومات المنون وإنهم ... في اللّه عند نفوسهم لصغار
يمشون في الخطّي لا يثنيهم ... والقوم إذ ركبوا الرماح تجار
فقال له الفرزدق: ويحك! اكتم هذا لا يسمعه النسّاجون فيخرجوا عليّنا بحفوفهم. فقال عاصم: يا فرزدق، هذا شاعر المؤمنين وأنت شاعر الكافرين.
في وصف بني يربوعحدّثنا سهل قال: حدّثنا الأصمعيّ قال: قال سليط بن سعد: قال بسطام بن قيس لقومه: تردون على قوم آثارهم آثار نساء وأصواتهم أصوات صردان ولكنهم صبر على الشرّ. يعني بني يربوع. وفي هؤلاء يقول معاوية: لو أنّ النجوم تناثرت لسقط قمرهم في حجور بني يربوع. قال الأصمعيّ قلت لسليط: أكان عتيبة بن الحارث ضخماً؟ قال: لاولا من قوم ضحام.
يعني بني يربوع.
بين عمر بن الخطاب وبني عبس" وقال عمر بن الخطاب لبني عبس: كم كنتم يوم الهباءة؟ فقال: كنا مائةً كالذهب، لم نكثر فنتواكل ولم نقلّ فنذلّ. قال: فكيف كنتم تقهرون من ناوأكم ولستم بأكثر منهم عدداً ولا مالاً؟ قال: كنا نبصر بعد اللقاء هنيهة. قال: فلذلك إذاً.
لعنترة بن شداد يصف بني عبس يوم الفروققيل لعنترة العبسيّ: كم كنتم يوم الفروق؟ قال: كنا مائة لم نكثر فنفشل ولم نقلّ فنذلّ " .
وكان يقال: النصر مع الصبر.
شعر لنهشل بن حريّ بن ضمرة ولغيره في الصبر
ومن أحين ما قيل في الصبر، قول نهشل بن حرّيّ بن ضمرة:
ويومٍ كأن المصطلين بحرّه ... وإن لم تكن نارٌ قيامً على الجمر
صبرنا له حتى يبوخ وإنما ... تفرّج أيام الكريهة بالصبر
ومثله قول الآخر:
بكى صاحبي لما رأى الموت فوقنا ... مطلاًّ كإطلال السحاب إذا اكفهر
فقلت له لاتبك عينك إنما ... يكون غداً حسن الثناء لمن صبر
فما أخرّ الإحجام يوماً معجّلا ... ولا عجّل الإقدام ما أخّر القدر
فآسى على حالٍ يقلّ بهم الأسى ... وقاتل حتى استبهم الورد والصّدر
وكرّ حفاظاً خشية العار بعد ما ... رأى الموت معروضاً على منهج المكرّ
قول أبو بكر الصديق إلى خالد بن الوليدوقال أبو بكر الصدّيق رضي اللّه عنه لخالد بن الوليد حين وجّهه: احرص على الموت توهب لك الحياة.
قول العرب في الشجاعةوتقول العرب: الشجاع موقًّى.
وقالت الخنساء:
نهين النفوس وهون النفو ... س يوم الكريهة أوقى لهم
وقال يزيد بن المهلب:
تأخّرت أستبقي الحياة فلم أجد ... لنفسي حياةً مثل أن أتقدّما
وقال قطريّ بن الفجاءة:
وقولي كلّما جشأت وجاشت ... من الأبطال ويحك لا تراعي
فإنّك لو سألت حياة يوم ... سوى الأجل الذي لك لم تطاعي
لمعاوية بن أبي سفيان متمثلاً
" وقال معاوية بن أبي سفيان: شجّعني على عليّ بن أبي طالب قول عمرو بن الإطنابة:
أبت لي عفتي وأبى بلائي ... وأخذي الحمد بالثمن الرّبيح
وإقدامي على المكروه نفسي ... وضربي هم مة البطل المشيح
وقولي كلّما جشأت نفسي ... مكانك تحمدي أو تستريحي
لأدفع عن مآثر صالحاتٍ ... وأحمي بعد عن عرض صحيح
أبت لي أن أقضّي في فعالي ... وأن أغضي على أمر قبيح
وقال ربيعة بن مقروم:
ودعوا نزال فكنت أوّل نازل ... وعلام أركبه إذا لم أنزل "
لخالد بن الوليدوكان خالد بن الوليد يسير في الصفوف يذمّر الناس ويقول: يا أهل الإسلام، إنّ الصبر عزّ وإنّ الفشل عجز وإنّ النصر مع الصبر.
وقال بعض أبطال العرب:
إن الشّواء والنّشيل والرّغف ... والقينة الحسناء والكأس الأنف
للضاربين الخيل والخيل قطف
ولأعرابي في الشجاعةوقال أعرابي: اللّه يخلف ما أتلف الناس، والدهر يتلف ما جمعوا، وكم من ميتة علّتهم طلب الحياة، وحياة سببهم التعرّض للموت.
ومثله قول أبي بكر الصديق لخالد: احرص على الومت توهب لك الحياة.
بين هرقل ورجاله" قدمت منهزمة الروم على هرقل وهو بأنطاكية، فدعا رجالاً من عظمائهم فقال: ويحكم! أخبروني ما هؤلاء الذين تقاتلوهم؟ أليسوا بشراً مثلكم؟ قالوا: بلى. يعني العرب. قال: فأنتم أكثر أم هم؟ قالوا: بل نحن أكثر منهم أضعافاً في كلّ موطن. قال: ويلكم! فما بالكم تنهزمون كلّما لقيتموهم؟ فسكتوا، فقال شيخ منهم: أنا أخبرك أيهم الملك من أين تؤتون. قال: أخبرني. قال: إذا حملنا عليهم صبروا وإذا حملوا عليّنا صدقوا، ونحمل عليهم فنكذب ويحملون عليّنا فلا نصبر. قال: ويلكم فما بالكم كما تصفون وهم كما تزعمون؟ قال الشيخ: ما كنت أراك إلا وقد علمت من أين هذا؟ قال له: من أين هو؟ قال: لأنّ القوم يصومون بالنهم ر ويقومون بالليل ويوفون بالعهد ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ولا يظلمون أحداً ويتناصفون بينهم، ومن أجل أنّا نشرب الخمر ونزني ونركب الحرام وننقض الهد ونغضب ونظلم ونأمر بما يسخط اللّه وننهى عما يرضي اللّه ونفسد في الأرض. قال: صدقتني، واللّه لأخرجنّ من هذه القرية فما لي في صحبتكنم خير وأنتم هكذا. قالوا: نشهدك اللّه أيهم الملك. تدع سورية وهي جنة الدنيا وحولك من الروم عدد الحصى والتراب ونجوم السماء ولم يؤت عليهم " .
ذكر الحرب
شعر للكميت في ذكر الموتقالت العرب: الحرب غشوم، لأنهم تنال غير الجاني.
وقال الكميت:
الناس في الحرب شتّى وهي مقبلةٌ ... ويستوون إذا ما أدبر القبل
كلٌّ بأمسيّهم طبٌّ مولّيةً ... والعالمون بذي غدويّهم قلل
بين عمر بن الخطاب وعمرو بن معد يكربوقال عمر بن الخطاب رحمه اللّه لعمرو بن معد يكرب: أخبرني عن الحرب. قال: مرّة المذاق إذا قلصت عن ساق، من صبر فيهم عرف ومن ضعف عنهم تلف. وهي كما قال الشاعر:
الحرب أوّل ما تكون فتيةٌ ... تسعى بزينتهم لكلّ جهول
حتى إذا استعرت وشبّ ضرامهم ... عادت عجوزاً غير ذات خليل
شمطاء جزّت رأسهم وتنكّرت ... مكروهةً للّثم والتقبيل
شعر لنصر بن سيار
كان يزيد بن عمر بن هبيرة يحب أن يضع من نصر بن سيار فكان لا يمدّه بالرجال ويرفع ما يرد عليه من أخبار خراسان، فلما كثر ذلك على نصر قال:
أرى خلل الرماد وميض جمرٍ ... ويوشك أن يكون له ضرام
فإنّ النار بالعودين تذكى ... وإنّ الحرب أوّلهم الكلام
فإن لم يطفهم عقلاء قوم ... يكون وقودهم جثثٌ وهم م
فقلت من التعجب ليت شعري ... أأيقاظٌ أميّة أم نيام
ونحو قوله: " الحرب أوّلهم الكلام " قول حذيفة: إن الفتنة تلقح بالنجوى وتنتج بالشكوى.
قول عليّ بن أبي طالب لابنه الحسن
العتبيّ عن أبيه قال: قال عليّ بن أبي طالب رضي اللّه عنه لابنه الحسن: يا بني لا تدعونّ أحداً إلى البراز، ولا يدعونّك أحد إليه إلا أجبته فإنه بغى.
في العدّة والسلاح
حدّثني محمد بن عبيد قال: حدّثنا سفيان بن عيينة عن يزيد بن خصيفة عن السائب بن يزيد - فيما حفظت إن شاء اللّه - أن النبي كان عليه درعان يوم أحد.
قيل لعبّاد بن الحصين وكان أشدّ رجال أهل البصرة: في أيّ عدّة تحبّ أن تلقى عدوك؟ قال: في أجلٍ مستأخر.
حدّثني زياد بن يحيى قال: حدّثنا بشر بن المفضّل قال: حدّثنا داود بن أبي هند عن عكرمة قال: لما كانت ليلة الأحزاب قالت الجنوب للشّمال: انطلقي بنا نمدّ رسول اللّه.
فقالت الشمال: إنّ الحرّة لا تسري بالليل. فكانت الريح التي أرسلت عليهم الصّبا.
حدّثني سهل بن محمد قال: حدّثنا الأصمعيّ قال: حدّثنا ابن أبي الزّناد قال: ضرب الزبير بن العوّام يوم الخندق عثمان بن عبد اللّه بن المغيرة فقطّه إلى القربوس فقالوا: ما أجود سيفك! فغضب، يريد أنّ العمل ليده لا لسيفه.
للبحتري يصف السيفوقال الوليد بن عبيد البحتريّ يصف سيفاً:
ماضٍ وإن لم تمضه يد فارس ... بطلٍ ومصقولٌ وإن لم يصقل
متوقٍّد يفري بأوّل ضربة ... ما أدركت ولو أنهم في يذبل
وقال آخر:
وما السيف إلا بزّ غادٍ لزينة ... إذا لم يكن أمضى من السيف حامله
للجرّاح بن عبد اللّه في المظاهرة بين درعين
رؤي الجرّاح بن عبد اللّه في بعض الحروب وقد ظاهر بين درعين، فقيل له في ذلك. فقال: إني لست أقي بدني وإنما أقي صبري.
ليزيد بن حاتم في أدرع اشتراهمواشترى يزيد بن حاتم أدرعا وقال: إني لم اشتر أدراعا إنما اشتريت أعمارا.
لحبيب بن المهلّب وفضيلة السلاح
وقال حبيب بن المهلّب: ما رأيت رجلاً في الحرب مستلئما إلا كان عندي رجلين، ولا رأيت حاسرين إلا كانا عندي واحداً. فسمع هذا الحديث بعض أهل المعرفة فقال: صدق، إنّ للسلاح فضيلة. أما تراهم ينادون عند الصّريخ: السلاح السلاح ولا ينادون: الرجال الرجال.
وللمهلب يوصي بنيه" قال المهلب لبنيه: يا بنيّ لا يقعدنّ أحد منكم في السوق، فإن كنتم لا بدّ فاعليّن فإلى زراد أو سرّاج أو ورّاق " .
بين عمر بن الخطاب وابن معد يكرب في وصف السلاحوقال عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه لعمرو بن معد يكرب: أخبرني عن السلاح. قال: سل عما شئت منه. قال: الرمح؟ قال: أخوك وربما خانك. قال: النّبل؟ قال: منايا تخطىء وتصيب. قال: التّرس؟ قال: ذاك المجنّ وعليه تدور الدّوائر. قال: الدرّع؟ قال: مثقلة للراجل متعبة للفارس، وإنّهم لحصن حصين. قال: السيف؟ قال: ثمّ، قارعتكن أمّك عن الثّكل. قال عمر: بل أمّك. قال " الحمّى أضرعتني لك " .
للطائي ودعبل وصف الرماحوقال الطائي يصف الرّماح:
مثقّفات سلبن الروم زرقتهم ... والعرب سمرتهم والعاشق القضفا
وقال دعبل يصف الرّمح:
وأسمرٍ في رأسه أزرقٌ ... مثل لسان الحيّة الصادي
ولآخر في السيفوقال الشاعر:
تلمّظ السيف من شوق إلى أنسٍ ... فالموت يلحظ والأقدار تنتظر
أظلّه منك حتف قد تجلّله ... حتى يؤامر فيه رأيك القدر
أمضى من السيف إلا عند قدرته ... وليس للسيف عفو حين يقتدر
وقال آخر:
متى تلقني يعدو ببزّي مقلّصٌ ... كميتٌ بهيمٌ أو أغرّ محجّل
تلاقي امرأ إن تلقه فبسيفه ... تعلّمك الأيام ما كنت تجهل
لعليّ بن أبي طالب في السيف
وقال عليّ رضي اللّه عنه: السيف أنمى عدداً وأكثر ولدا.
وفي الحديث: " بقيّة السيف مباركة " يعني أنّ من نجا من ضربة السيف ينمو عدده ويكثر ولده.
؟؟
وللمهلبوقال المهلّب: ليس شيء أنمى من سيف.
ويقال: لا مجد أسرع من مجد سيف.
؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟درع عليّ رضي اللّه عنه
وكانت درع عليّ رضي اللّه عنه صدراً لا ظهر لهم فقيل له في ذلك فقال: إذا استمكن عدوّي من ظهري لا يبق.
؟
لأبي الشيص في رثاء بعض الشجعانوقال أبو الشّيص: ؟ختلته المنون بعد اختيال بين صفّين من قناً ونصال
في رداء من الصفيح صقيل ... وقميص من الحديد مذال
؟وصية أبي الأغرّ لابنه فيما يقاتل به من أنواع السلاح بلغ أبا الأغرّ أن أصحابه بالبادية قد وقع بينهم شرّ فبعث ابنه الأغرّ وقال: يا بني كن يداً لأصحابك على من قاتلهم، وإيّاك والسيف فإنه ظلّ الموت، وآتق الرمح فإنه رشاء المنيّة، ولا تقرب السّهم م فإنهم رسل لا تؤامر مرسلهم. قال: فبماذا أقاتل؟ قال: بما قال الشاعر:
جلاميد يملأن الأكفّ كأنّهم ... رؤوس رجال حلّقت في المواسم
؟ّشعر للخزيمي وقال الخزيمي في بغداد أيام الفتنة:
يا بؤس بغداد دار مملكة ... دارت على أهلهم دوائرهم
أمهلهم اللّه ثم عاقبهم ... لما أحاطت بهم كبائرهم
رقّ بهم الدّين واستخفّ بذي ال ... فضل وعزّ الرجال فاجرهم
وصار ربّ الجيران فاسقهم ... وآبتزّ أمن الدروب شاطرهم
يحرق هذا وذا يهدّمهم ... ويشتفي بالنّهم ب داعرهم
والكرخ أسواقهم معطّلة ... يستنّ شذّابهم وعائرهم
؟أخرجت الحرب من أساقطهم آساد غيلٍ غلبا تساورهم
من البواري تراسهم ومن ال ... خوص إذا استلأمت مغافرهم
لا الرزق تبغي ولا العطاء ولا ... يحشرهم بالعناء حاشرهم
؟شعر لعليّ بن أمية في حرب
ونحوه قول عليّ بن أمية:
دهتنا أمور تشيب الوليد ... ويخذل فيهم الصّديق الصدّيق
فناء مبيد وذعر عتيد ... وجوع شديد وخوف وضيق
وداعي الصّباح بطول الصياح السّ ... لاح السلاح فما نستفيق
فباللّه نبلغ ما نرتجي ... وباللّه ندفع ما لا نطيق
؟
لرجل من أهل البادية يحث قومه على القتالجنى قوم من أهل اليمامة جناية فأرسل إليهم السلطان جنداً من بخاريّة ابن زياد، فقال رجل من أهل البادية يذمّر قومه: يا معشر العرب ويا بني المحصنات، قاتلوا عن أحسابكم ونسائكم، واللّه لئن ظهر هؤلاء عليكم لا يدعون بهم لبنة حمراء ولا نخلة خضراء إلا وضعوهم بالأرض ولاعتراكم من نشّاب معهم في جعاب كأنهم أيور الفيلة ينزعون في قسيٍّ كأنهم العتل فتئطّ أحداهنّ أطيط الزّرنوق يمغط أحدهم فيهم حتى يتفرق شعر إبطيه ثم يرسل نشّابة كأنهم رشاء منقطع فما بين أحدكم وبين أن تنفضح عينه أو ينصدع قلبه منزلة. فخلع قلوب القوم فطاروا رعباً.
أداب الفروسةمن نصائح عمر رضي اللّه عنه في الرمي وغيره
حدّثني محمد بن عبيد قال: حدّثنا معاوية بن عمرو عن أبي إسحاق عن عاصم بن سليمان عن أبي عثمان قال: كتب عمر رضي اللّه عنه: ائتزروا وارتدوا وانتعلوا وألقوا الخفاف وارموا الأغراض وألقوا الرّكب وآنزوا نزوا على الخيل وعليكم بالمعدّيّة، أو قال العربية، ودعوا التنعّم وزيّ العجم ولا تلبسوا الحرير فإن رسول اللّه نهى عنه إلا هكذا، ورفع أصبعيه. وقال أيضاً: لن تخور قوىً ما كان صاحبهم ينزع وينزو. يعني ينزع في القوس وينزو على الخيل من غير استعانة بالرّكب.
وقال العمري: كان عمر بن الخطاب يأخذ بيده اليمنى أذنه " اليمنى وبيده اليسرى أذن فرسه اليسرى " ثم يجمع جراميزه ويثب فكأنما خلق على ظهر فرسه.
نصيحة عليّ رضي اللّه عنه لأصحابه يوم صفين
وقال عليّ بن أبي طالب رضي اللّه عنه يوم صفّين: عضّوا على النّواجذ من الأضراس فإنه أنبى للسيوف عن الهم م.
وأقاموا رجلاً بين العقابين فقال له أبوه: طد رجلك وأصرّ إصرار الفرس واذكر أحاديث غد وإياك وذكر اللّه في هذا الموضع فإنه من الفشل. " وقال غيره: طد رجليك إذا اعتصيت بالسيف والعصا وأنت محيّر في رفعه ساعة المسالمة والموادعة " .
في إجادة الرمي بالنشابوقرأت في الآيين أن من إجادة الرمي بالنّشّاب في حال التعلّم إمساك المتعلم القوس بيده اليسرى بقوّة عضده الأيسر والنّشّابة بيده اليمنى وقوّة عضده الأيمن وكفّه أصدريه وإلقاؤه ببصره إلى معلم الرمي وإجادته نصب القوس بعد أن يطأطىء من سيتهم بعض الطّأطأة وضبطه إيّاهم بثلاث أصابع وإحناؤه السبّابة على الوتر، وإمساكه بثلاثة وعشرين كأنهم ثلاثة وستون وضمه الثلاثة ضماً وتحويله ذقنه إلى منكبه " الأيسر " وإشرافه رأسه وإرخاؤه عنقه وميله مع القوس وإقامته ظهره وإدارته عضده ومغطه القوس مترافعاً ونزعه الوتر إلى أذنه ورفعه بياض عينيه من غير تصريف لأسنانه وتحويلٍ لعينه وارتعاشٍ من جسده واستبانته موضع زججة النّشاب.
وفي إجادة الضرب بالصولجانوقرأت في الآيين: من إجادة الضرب بالصّولجان أن يضرب الكرة قدما ضرب خلسةٍ يدير فيه يده إلى أذنه ويميل صولجانه إلى أسفل من صدره ويكون ضربه متشازراً مترفّقاً مترسّلاً ولا يغفل الضرب ويرسل السّنان خاصة وهو الحامية لمجاز الكرة إلى غاية الغرض ثم الجرّ للكرة من موقعهم ، والتوخيّ للضرب لهم تحت محزم الدابة ومن قبل لبتهم في رفق، وشدّة المزاولة والمجاحشة على تلك الحال والترك للاستعانة في ضرب الكرة بسوط والتأثير في الأرض بصولجان والكسر له جهلاً باستعماله أو عقر قوائم الدابة، والاحتراس من إيذاء من جرى معه في ميدانه، وحسن الكف للدّابة في شدّة جريه، والتوقّي من الصّرعة والصّدمة على تلك الحال، والمجانبة للغضب والسّبّ، والاحتمال والملاهم ة، والتحفّظ من إلقاء كرة على ظهر بيت وإن كان ستّ كرين بدرهم، وترك طرد النّظّارة والجلوس على حيطان الميدان فإن عرض الميدان إنما جعل ستين ذراعاً لئلا يحال ولا يصارّ من جلس على حائطه.
قول أبو مسلم الخراساني لرجاله في الشجاعةوقال أبو مسلم صاحب الدّعوة لرجاله: أشعروا قلوبكم الجرأة عليهم فإنهم سبب الظّفر، واذكروا الضغائن فإنهم تبعث على الإدام، والزموا الطاعة فإنهم حصن المحارب.
المسير في الغزو والسفر
للنبيحدّثنا شبابة عن القاسم بن الحكم عن إسماعيل بن عيّاش عن معدان بن حدير الحضرمي عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه قال: قال رسول الله: " مثل الذين يغزون من أمتي ويأخذون الجعل يتقوّون به على عدوهم كمثل أمّ موسى ترضع ولدهم وتأخذ أجرهم " .
حدّثني محمد بن عبيد عن ابن عيينة عن عبد الرحمن بن حرملة عن سعيد بن المسيّب قال: لما نزل النبي المعرّس أمر منادياً فنادى: لا تطرقوا النساء. فتعجّل رجلان فكلاهما وجد مع امرأته رجلاً.
وكانت العرب تقول: السفر ميزان القوم. وتأمر بالمحلاّت وهي الدلو والفأس والسّفرة والقدر والقدّاحة، وإنما قيل لهم محلاّت لأن المسافر بهم يحلّ حيث شاء ولا يبالي ألاّ يكون بقربه أحد.
من وصايا لقمان لابنه في السفر
حدّثني عبد الرحمن بن الحسين عن عبد المنعم عن أبيه بن منبّه قال: قال لقمان لابنه: " يا بنيّ إذا سافرت فلا تنم على دابتكن فإن كثرة النوم سريع في دبرهم ، فإذا نزلت أرضا مكلئة فأعطهم حظّهم من الكلأ وابدأ بعلفهم وسقيهم قبل نفسك وإذا بعدت عليك المنازل " فعليك بالدّلج فإن الأرض تطوى بالليل. وإذا أردت النزول " فلا تنزل على قارعة الطرق فإنهم مأوى الحيّات و السباع ولكن عليك من بقاع الأرض بأحسنهم لوناً وألينهم تربة وأكثرهم كلأ فانزلهم ، وإذا نزلت فصلّ ركعتين قبل أن تجلس وقل " ربّ أنزلني منزلاً مباركاً وأنت خير المنزلينوإذا أردت قضاء حاجة فأبعد المذهب في الأرض وعليك بالسّترة، وإذا ارتحلت من منزل فصلّ ركعتين وودّع الأرض التي ارتحلت عنهم وسام عليهم وعلى أهلهم فإن لكل بقعة من الأرض أهلا من اللائكة. وإذا مررت ببقعة من الأرض أو واد أو جبل فأكثر من ذكر اللّه فإن الجبال والبقاع ينادي بعضهم بعضاً: هل مرّ بكنّ اليوم ذاكرٌ اللّه؟ وإن استطعت ألا تطعم طعاماً حتى تتصدّق منه فافعل. وعليك بذكر اللّه جلّ وعزّ ما دمت راكباً، وبالتّسبيح ما دمت صائماً، وبالدعاء ما دمت خالياً. وإيّاك والسّير في أوّل الليل وعليك بالتّعريس والّدلجة من نصف الليل إلى آخره. وإياك ورفع الصوت في سيرك إلا بذكر اللّه، وسافر بسيفك وقوسك وجميع سلاحك وخفّك وعمامتكن وإبرتكن وخيوطك، وتزوّد معك الأدوية تنتفع بهم وتنفع من صحبك من المرضى والزمنى. وكن لأصحابك موافقاً في كل شيء يقرّبك إلى اللّه ويباعدك من معصيته. وأكثر التبسّم في وجوههم وكن كريماً على زادك بينهم وإذا دعوك فأجبهم، وإذا استعانوك فأعنهم وإذا استشهدوك على الحق فاشهد لهم وآجهد رأيك. وإذا رأيتهم يمشون فامش معهم، أو يعملون فاعمل معهم. " وإن تصدّقوا أو أعطوا فأعطواسمع لمن هو أكبر منك. وإن تحيرّتم في طريق فانزلوا، وإن شككتم في القصد فتثبّتوا وتآمروا، وإن رأيتم خيالاً واحداً فلا تسألوه عن طريقكم فإن الشخص الواحد في الفلاة هو الذي حيرّكم واحذروا الشخصين أيضاً إلا إن تروا ما لا أرى فإن الشاهد يرى ما لا يرى الغائب وإن العاقل إذا أبصر شيئاً بعينيه عرف الحق بقلبه " .
نصيحة أعرابي لبنيه في السفرعلّم أعرابي بنيه إتيان الغائط في السفر فقال لهم: اتّبعوا الخلاء وجانبوا الكلاء وآعلوا الضّراء وأفحجوا إفحاج النعامة وامسحوا بأشملكم.
بين عمرو بن العاص والحسن بن عليّ بن أبي طالب
" وقال عمرو بن العاص للحسن بن عليّ بن أبي طالب رحمهما اللّه: يا أبا محمد، هل تنعت الخراءة؟ فقال: نعم، تبعد المشي في الأرض الضّحضح حتى تتوارى من القوم، ولا تستقبل القبلة ولا تستدبرهم ولا تستنج بالرّوثة ولا العظم ولا تبل في الماء الراكد " .
بين ثابت والحسن البصري في المصاحبة في السفرأراد الحسن البصريّ الحج، فقال له ثابت: بلغني أنك تريد الحج فأحببت أن نصطحب. فقال: ويحك! دعنا نتعايش بستر اللّه، إني أخاف أن نصطحب فيرى بعضنا من بعض ما نتماقت عليه.
للنبي في المرافقة في السفروفي الحديث المرفوع عن بقيّة عن الوضين بن عطاء عن محفوظ عن علقمة قال: قال رسول الله لرجل من أصحابه: " أما إنّك إن ترافق غير قومك يكن أحسن لخلقك و أحقّ أن يقتفى بك " .
وصية هشام أخي ذي الرّمة لرجل سأله
أتى رجل هشاماً أخا ذي الرّمّة الشاعر فقال له: إني أريد السفر فأوصني. قال: صلّ الصلاة لوقتهم فإنك مصلّيهم لا محالة فصلهم وهي تنفعك، وإياك وأن تكون كلب رفقتكن فإن لكل رفقة كلباً ينبح دونهم، فإن كان خيراً شركوه فيه وإن كان عاراً تقلّده دونهم.
دعاء في طلب ضالّة
حدّثني محمد بن عبيد عن معاوية عن أبي إسحاق عن عثمان بن عطاء عن أبيه قال: " إذا ضلّت لأحدكم ضالّةٌ فليقل: اللهم ربّ الضالّة تهدي الضالّة وتردّ الضالّة اردد عليّ ضالتي، اللهم لا تبلنا بهلاكهم ولا تتعبنا بطلبهم ، ما شاء اللّه لا حول ولا قوة إلا باللّه. يا عباد اللّه الصالحين ردّوا عليّنا ضالتنا.
وإذا أردت أن تحمل الحمل الثقيل فقل: يا عباد اللّه أعينونا.
" وقال أبو عمرو: إذا ضلّت لأحدكم ضالة فليتوضأ فيحسن الوضوء ثم يصلّي ركعتين ثم يشهد ويقول: بسم اللّه، اللهم يا هم دي الضّال ورادّ الضّال اردد عليّ ضالتي بعزّتكن وسلطانك فإنهم من فضلك وعطائك " .
وللنبيحدّثني محمد بن عبيد عن حمزة بن وعلة عن رجل من مراد يقال له أبو جعفر عن محمد بن عليّ عن عليّ رضي اللّه عنه قال: قال النبي: " يا عليّ، أمانٌ لأمّتي من الغرق إذا ركبوا الفلك أن يقولوا بسم اللّه الملك الرحمن " وما قدروا اللّه حقّ قدره والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة والسّماوات مطويّاتٌ بيمينه سبحانه وتعالى عمّا يشركون " ، " بسم اللّه مجريهم ومرساهم إن ربّي لغفورٌ رحيمٌ " .
كتاب عمرو بن العاص لعمر بن الخطاب عندما أراد الغزو بالبحرحدّثني محمد بن عبيد عن معاوية عن أبي إسحاق عن محمد بن عجلان عن عمرو بن شعيب قال: أراد عمر أن يغزي البحر جيشاً، فكتب إليه عمرو بن العاص: يا أمير المؤمنين، البحر خلق عظيم يركبه خلق ضعيف دودٌ على عود بين غرق وبرق. قال عمر: لا يسألني اللّه عن أحد حملته فيه.
قول ابن عمر في السفروحدّثني أيضاً عن معاوية عن أبي إسحاق عن يزيد بن أبي زياد عن مجاهد قال: كان ابن عمر يقول في السفر إذا أسحر: سمع سامعٌ بحمد اللّه ونعمته وحسن بلائه عليّنا. ويقول: اللهم صاحبنا فأفضل عليّنا ثلاثاً، اللهم عائذٌ بك من النار ثلاثاً، لا حول ولا قوّة إلا باللّه.
قول النبي في سفره حين هم جروعن الأوزاعي عن حسّان بن عطيّة أن رسول اللّه قال في سفره حين هم جر: " الحمد اللّه الذي خلقني ولم أك شيئاً مذكوراً، اللهم أعنّي على أهم ويل الدنيا وبوائق الدهر ومصيبات الليالي والأيام وآكفني شرّ ما يعمل الظالمون في الأرض، اللهم في سفري فآصحبني، وفي أهلي فاخلفني، وفيما رزقتني فبارك لي، ولك في نفسي فذلّلني، وفي أعين الصالحين فعظّمني، وفي خلقي فقوّمني، وإليك ربّ فحبّبني، إلى من تكنلني ربّ المستضعفين وأنت ربّي " .
وحدّثني أيضاً عن معاوية عن أبي إسحاق عن عاصم عن عبد اللّه بن سرجس قال كان النبي إذا سافر يقول: " اللهم إنب أعوذ بك من وعثاء السفر وكآبة المنقلب والحور بعد الكور ودعوة الكظلوم وسوء المنظر في الأهل " .
وزاد غيره: اللهم آطو لنا الأرض وهوّن عليّنا السفر " .
قول مطرّف بن عبد اللّه لابنه
وقال مطّرف بن عبد اللّه لابنه: الحسنة بين السيّئتين، وخير الأمور أوساطهم. وشرّ السير الحقحقة.
وفي الحديث " لا تحقحق فتنقطع ولا تباطأ فتسبق ولكن آقصد تبلغوالحقحقة أشدّ السير.
وفي حديث آخر " إن المنبتّ لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى " .
وقال المرّار:
تقطّع بالنزول الأرض عنا ... وبعد الأرض يقطعه النزول
للأصمعي عن رجل أسرع في سيرهالأصمعيّ قال: قيل لرجل أسرع في سيره: كيف كان مسيرك؟ قال:كنت آكل الوجبة وأعرّس إذا أسحرت وأرتحل إذا أسفرت وأسير الوضّع وأجتنب الملع فجئتكنم لمسي سبع.
مسير ذكوان مولى آل عمر بن الخطابقال أبو اليقظان: من السير المذكور مسير ذكوان مولى أل عمر بن الخطاب، سار من مكة إلى المدينة في يوم وليلة، فقدم على أبي هريرة وهو خليفة مروان على المدينة فصلّى العتمة، فقال له أبو هريرة: حاجٌّ غير مقبول منه. قال له: ولم؟ قال: لأنك نفرت قبل الزوال. فأخرج كتاب مروان بعد الزوال وقال:
ألم ترني كلّفتهم سير ليلة ... من آل منًى نصًّا إلى آل يثرب
فأقسمت لا تنفكّ ما عشت سيرتي ... حديثاً لمن وافى بجمع المحصّب
شعر لقيس بن الخطيم في مسير حذيفة بن بدرومن السير المذكور مسير حذيفة بن بدر، وكان أغار على هجائن " النعمان بن " المنذر بن ماء السماء وسار في ليلة مسيرة ثمان، فقال قيس بن الخطيم:
هممنا بالإقامة ثم سرنا ... كسير حذيفة الخير بن بدر
الشرقي بن القطامي وفتى من أهل الجزيرة صحبه في سفره
قال الشرقي بن القطامي: خرجت من الموصل أريد الرّقّة فصحبني فتى من أهل الجزيرة وذكر أنه ولد عمرو بن كلثوم ومعه مزود وزكوة وعصا، ورأيته لا يفارقهم مشاة كنّا أو ركبانا، وهو يقول: إن اللّه جعل جماع أمر موسى وأعاجيبه وبراهينه ومآربه في عصاه. ويكثر من هذا وأنا أضحك متهم وناً بما يقول، فتخلّف المكاري فكان حمار الفتى إذا وقف أكرهه بالعصا ويقف حماري ولا سيء في يدي فيسبقني إلى المنزل فيستريح ويريح ولا أقدر على البراح حتى يوافيني المكاري، فقلت: هذه واحدة. ثم خرجنا من غد مشاة فكان إذا أعيا توكّأ على العصا وربما أحضر ووضع طرفاً على الأرض فاعتمد عليهم ومرّ كأنه سهم زالجٌ حتى انتهينا وقد تفسّخت من الكلال وإذا فيه فضل كثير، فقلت: وهذه أخرى. فلما كان في اليوم الثالث هجمنا على حيّة منكرة فسارت إلينا فأسلمته إليهم وهربت عنهم فضربهم بالعصا حتى قتلهم ، فقلت: هذه ثالثة، وهي أعظمهنّ " ، وخرجنا في اليوم الرابع وبنا قرمٌ إلى اللحم فاعترضتنا أرنب فحذفهم بالعصا وأدركنا ذكاتهم فقلت: هذه رابعة. فأقبلت عليه فقلت: لو أن عندنا ناراً ما أخّرت أكلهم إلى المنزل. فأخرج عويداً من مزوده ثم حكّه بالعصا فأورت إيراء المرخ والعفار، ثم جمع ما قدر عليه من الغثاء والحشيش وأوقد ناراً وألقى الأرنب في جوفهم فأخرجناهم وقد لزق بهم من الرماد والتراب ما بغّضهم إليّ، فعلّقهم بيده اليسرى ثم ضرب جنوبهم بالعصا وأعراضهم ضرباً رقيقاً حتى انتثر كل شيء عليهم فأكلناهم وسكن القرم وطابت النفس. فقلت: هذه خامسة. ثم نزلنا بعض الخانات وإذا البيوت ملآنة روثا وتراباً فلم نجد موضعاً نظلّ فيه فنظر إلى حديدة مطروحة في الدار فأخذهم فجعل العصا نصاباً لهم ثم قام فجرف جميع ذلك الروث والتراب وجرد الأرض حتى أظهر بياضهم وطابت ريحهم فقلت: وهذه سادسة. ثم نزع العصا من الحديدة فأوتدهم في الحائط وعلّق عليهم ثيابه وثيابي فقلت: هذه سابعة. فلما صرنا إلى مفرق الطريقين وأردت مفارقته قال لي: لو عدلت معي فبتّ عندي! فعدلت معه فأدخلني منزلاً يتصل ببيعة فما زال يحدّثني ويطرفني الليل كله فلما كان السحر أخذ العصا بعينهم وأخذ خشبة أخرى فقرع بهم العصا فإذا ناقوس ليس في الدنيا مثله وإذا هو أحذق الناس به فقلت له: ويحك! أما أنت بمسلم؟ قال: بلى. قلت: فلم ضربت بالناقوس؟ قال: لأن أبي نصراني وهو شيخ كبير ضعيف فإذا شهدت بررته بالكفاية. وإذا شيطان مارد وأظرف الناس وأكثرهم أدباً، فخبرّته بالذي أحصيت من خصال العصا، فقال: واللّه لو حدّثتكن عن مناقب العصا ليلة إلى الصباح ما استنفدتهم .
للنبيوروى يزيد عن هشام عن الحسن عن جابر قال: قال رسول اللّه: : إذا كنتم في الخصب فأمكنوا الرّكاب أسنّتهم ولا تغدو المنازل، وإذا كنتم في الجدب فاستنجوا. وعليكم بالدّلجة فإن الأرض تطوى بالليل. وإذا تغولت لكم الغيلان فنادوا بالأذان، ولا تصلّوا على جوادّ الطرق ولا تنزلوا عليهم فإنهم مأوى السّباع والحيات ولا تقضوا عليهم الحوائج فإنهم الملاعن " .
بين أعرابي أراد السفر وزوجتهوأراد أعرابي سفراً فقال لامرأته:
عدّي السنين لغيبتي وتصبّري ... وذري الشّهور فإنهنّ قصار
فأجابته:
اذكر صبابتنا إليك وشوقنا ... وآرحم بناتكن إنهنّ صغار
فأقام وترك السفر.
شعر لإسحاق الموصليوقال إسحاق بن إبراهيم الموصلي:
طربت إلى الأصيبية الصّغار ... وهم جك منهم قرب المزار
وكلّ مسافر يزداد شوقاً ... إذا دنت الديار من الديار
للنبيوفي الحديث المرفوع قال ابن مسعود: كنّا يوم بدر ثلاثةٌ على بعير فكان عليّ وأبو لبابة زميلي رسول الله فكا إذا دارت عقبتهما قالا: يا رسول اللّه اركب ونمشي عنك. فيقول: " ما أنتما بأقوى منّي وما أنا بأغنى عن الأجر منكما " .
من خطب قتيبة بن مسلم على منبر خراسانخطب قتيبة بن مسلم على منبر خراسان فقال في خطبته: إذا غزوتم فأطيلوا الأظفار وقصروا الأشعار.
لعائشة رضي اللّه عنهم ، ولبعض الشعراء
وقالت عائشة رضي اللّه عنهم: " لا سهر إلا لثلاثة: مصلٍّ أو عروس أو مسافر " .
وقال بعض الشعراء:
سررت بجعفرٍ والقرب منه ... كما سرّ المسافر بالإياب
وكنت بقربه إذ حلّ أرضي ... أميراً بالسّكينة والصّواب
كممطورٍ ببلدته فأضحى ... غنيّاً عن مطالبة السحاب
وقال آخر في معناه:
وكنتم فيهم كممطور ببلدته ... فسرّ أن جمع الأوطان والمطرا
وقال آخر:
إذا نحن ابنا سالمين بأنفس ... كرام رجت أمراً فخاب رجاؤهم
فأنفسنا خير الغنيمة إنهم ... تؤوب وفيهم ماؤهم وحياؤهم
وقال آخر:
رجعنا سالمين كما بدأنا ... وما خابت غنيمة سالمينا
" وما تدرين أيّ الأمر خير ... أما تهوين أم ما تكنرهينا
وقال بعض المحدّثين:
قبّح اللّه آل برمك إني ... صرت من أجلهم أخا أسفار
إن يكن ذو القرنين قد مسح الأر ... ض فإني موكّل بالعيار
التفويز
مسير خالد بن الوليد من العراق إلى الشامحدّثني أبي، أحسبه عن الهيثم بن عديّ قال: لما كتب أبو بكر رضي اللّه عنه إلى خالد ابن الوليد يأمره بالمسير إلى الشأم والياً مكان أبي عبيد ة بن الجراح، أخذ على السّماوة حتى انتهى إلى قراقر، وبين رقراقر وسوى خمس ليال في مفازة، فلم يعرف الطريق، فدلّ على رافع ابن عميرة الطائي وكان دليلاً خرّيتاً فقال لخالد: خلّف الأثقال وآسلك هذه المفازة إن كنت فاعلاً، فكره خالد أن يخلّف أحداً وقال: لا بد من أن نكون جميعاً. فقال له رافع: واللّه إن الراكب النفرد ليخافهم على نفسه وما يسلكهم إلا مغرر مخاطر بنفسه، فكيف أنت بمن معك؟ فقال: لا بد من ذلك. فقال الطائي لخالد: ابغني عشرين جزوراً مسانّ عظاماً. ففعل، فظمّأهن ثم سقاهن حتى روين ثم قطع مشافرهنّ وكعمهنّ لئلا تجترّ، ثم قال لخالد: سر بالخيول والأثقال فكاما نزلت منزلاً نحرت من تلك الجزر أربعاً ثم أخذت ما في بطونهم من الماء فسقيته الخيل وشرب الناس مما تزوّدوا، ففعل. فلما صار إلى آخر المفازة انقطع ذلك وجهد الناس وعطشت دوابّهم، فقال لهم خالد: ويحك، ما عندك؟ قال: أدركت الريّ إن شاء اللّه، أنظروا هل تجدون شجرة عوسج على ظهر الطريق؟ فنظروا فوجدوهم فقال: احفروا في أصلهم فحفروا فوجدوا عيناً فشربوا منهم وتزوّدوا، فقال رافع: واللّه ما وردت هذه الماء قطّ إلا مرة واحدة مع أبي وأنا غلام. فقال راجز المسلمين في ذلك:
اللّه درّ رافع أنّى اهتدى ... فوّز من قرار إلى سوى
أرضاً إذا سار بهم الجيش بكى ... ما سارهم قبلك من إنس أرى
قال: ولما مرّ خالد بموضع يقال له البشر طلع على قوم يشربون وبين أيديهم جفنة وأحدهم يتغنّى:
ألا علّلاني قبل جيش أبي بكر ... لعلّ منايانا قريب وما ندري
ألا علّلاني بالزّجاج وكررا ... عليّ كميت اللون صافيةً تجري
أظن خيول المسلمين وخالداً ... سيطرقك قبل الصباح من البشر
فهل لكم في السير قبل قتالهم ... وقبل خروج المعصرات من الخدر
فما هو إلا أن فرغ من قوله شدّ عليه رجل من المسلمين بالسيف فضرب عنقه. فإذا رأسه في الجفنة، ثم أقبل على أهل البشر فقتل منهم وأصاب من أموالهم.
للنبي في امرىء القيسابن الكلبي قال: أقبل قوم من أهل اليمن يريدون النبي فأضلّوا الطريق ووقعوا على غير ماء فمكثوا ثلاثاً لا يقدرون على الماء فجعل الرجل منهم يستذري بفيء السّمر والطلح يأساً من الحياة، فبينا هم كذلك أقبل راكب على بعير فأنشد بعض القوم بيتين من شعر امرىء القيس:
لمّا رأت أن الشّريعة همّهم ... وأن البياض من فرائضهم دامي
تيممت العين التي عند ضارج ... يفيء عليهم الظلّ عرمضهم طامي
فقال الراكب: من يقول هذا؟ قالوا: امرؤ القيس. قال: واللّه ما كذب، هذا ضارج عندكم. وأشار إليه، فجثوا على الرّكب فإذا ماء غدق وإذا عليه العرمض والظلّ يفيء عليه فشربوا منه ريّهم وسقوا وحملوا حتى بلغوا الماء، فأتوا النبي فأخبروه وقالوا: يا رسول اللّه أحيانا بيتان من شعر امرىء القيس. قال: " ذاك رجل مذكور في الدنيا شريف فيهم منسيّ في الآخرة خامل فيهم ، يجيء يوم القيامة معه لواء الشعراء يقودهم إلى النار.
للأصمعي عن رجل من بني سليم
حدّثني عبد الرحمن بن عبد اللّه بن قريب عن عمه الأصمعيّ عن رجل من بني سليم أن رفقة ماتت من العطش بالشّجي، فقال الحجاج: إني أظنهم قد دعوا اللّه حين بلغهم الجهد فاحفروا في مكانهم الذي ماتوا فيه لعل اللّه يسقي الناس. فقال رجل من جلسائه: إيهم الأمير قد قال الشاعر:
تراءت لي بين اللّوى وعنيزةٍ ... وبين الشّجي مما أحال على الوادي
واللّه ما تراءت له إلا وهي على ماء. فأمر الحجاج عضيدة السلمي أن يحفر بالشجي بئراً فحفر فأنبط، ويقال: إنه لم يمت قوم قطّ عطشا إلا وهم على ماء.
قالت العرب " أن ترد الماء بماء أكيس " .
ويقال في مثل: " برد غداة غرّ عبد اً من ظمأ " .
في الطيرة والفأل
شعر في القدرحدّثني أبو الحاتم عن الأصمعيّ قال: هرب بعض البصريين من الطاعون فركب حماراً له ومضى بأهله نحو سفوان فسمع حادياً يحدو خلفه وهو يقول:
لن يسبق اللّه على حمار ... ولا على ذي ميعةٍ مطّار
أو يأتي الحتف على مقدار ... قد يصبح اللّه أمام السّاري
في إنكار الطيرة وتعييبهمحدّثني أبو حاتم عن الأصمعيّ قال: حدّثني سعيد بن سلابن قتيبة عن أبيه أنه كان يعجب ممن يصدّق بالطّيرة ويعيبهم أشدّ العيب وقال: فرقت لنا ناقة وأنا بالطّف فركبت في أثرهم فلقيني هم نىء بن عتبة من بني وائل يركض وهو يقول: والشرّ يلقي مطالع الأكم ثم لقيني رجل آخر من الحي فقال، وهو للبيد:
ولئن بعثت لهم بغا ... ةً ما البغاة بواجدينا
ثم دفعت إلى غلام قد وضع في صغره في نار فأحرقته فقبح وجهه وفسد، فقلت له: هل ذكرت من ناقةٍ فارق؟ قال: ههنا أهل بيت من الأعراب فانظر. فوجدناهم قد نتجت ومعهم ولدهم .
ويقال: ناقة فارق: قد ضربهم الطّلق، وسحابة فارق: قد دنا هراقة مائهم .
شعر للمرقش في إنكار الطيرةوقال المرقّش:
ولقد غدوت وكنت لا ... أغدوا على واقٍ وحاتم
إذا الأشائم كالأيا ... من والأيامن كالأشائم
وكذلك لا خير ولا ... شرّ على أحد بدائم
ولآخر في انكار الطيرةوقال آخر:
وليس بهيّاب إذا شدّ رحله ... يقول عدانياليوم واقٍ وحاتم
ولكنه يمضي على ذلك مقدما ... إذا صدّ عن تلك الهنات الخثارم
وقال آخر:
تعلم أنه لا طير إلا ... على متطيرّ وهو الثّبور
بلى شيءٌ يوافق بعض شيء ... أحايينا وباطله كثير
لابن عون في الفألحدّثني الرياشيّ عن الأصمعيّ قال: سألت ابن عون عن الفأل فقال: هو أن تكون مريضاً فتسمع: يا سالم، أو باغياً فتسمع: يا واجد.
وفي الحديث المرفوع: " أصدق الطّيرة الفألوفيه " الطّير تجري بقدر " .
في حسن الظن بالفألأراد أبو العالية أن يخرج من البصرة لعلّة كانت به فسمع منادياٌ ينادي: يا متوكل، فحطّ رحله وأقام.
لابن عباس رضي اللّه عنهما في الطيرة والفأل
وقال عكرمة: كنا جلوساً عند ابن عمر وابن عباس رضي اللّه عنهما فمر طائر يصيح، فقال رجل من القوم: خير خير. فقال ابن عباس: لاخير ولا شر.
قال كعب لابن عباس: ما تقول في الطّيرة؟ قال: وما عسيت أن أقول فيه؟ لا طير إلا طير اللّه ولا خير إلا خير اللّه ولا إله إلا اللّه ولا حول ولا قوّة إلا باللّه. قال كعب: إن هذه الكلمات في كتاب اللّه المنزل. يعني التوراة " .
للنبيحدّثني محمد بن يحيى القطعيّ قال: حدّثني عبد الأعلى عن سعيد عن قتادة عن أبي حسان الأعرج أن رجلين دخلا على عائشة رضي اللّه عنهم فقالا: إن أبا هريرة يحدّث أن رسول اله قال: إنّما الطّيرة في المرأة والدار والدابة. فطارت شفقاً ثم قالت: كذب، والذي أنزل الفرقان على أبي قاسم، من حدّث بهذا عن رسول اللّه ، إنما قال رسول اللّه: " كان أهل الجاهلية يقولون أن الطّيرة في الدابة والدار والمرأة " ثم قرأت: " ما أصاب من مصيبةٍ في الأرض ولا في أنفسكم إلاّ في كتابٍ من قبل أن نبرأهم " .
كان عبد اللّه بن زياد صوّر في دهليزه كلباً وأسداً وكبشاً وقال: كلب نابح وكبش ناطح وأسد كالح.
للأصمعي في المقدوروأنشدني أبو حام عن الأصمعيّ:
يأيّهم المضمر همًّا لا تهمّ ... إنك إن تقدر لك الحمّى تحمّ
ولو علوت شاهقاً من العلم ... كيف توقّيك وقد جفّ القلم
بين معاوية وحجر بن عديّ
ولما أمر معاوية بقتل حجر بن عديّ الكنديّ في ثلاثة عشر رجلاً معه قال حجر: دعوني أصلّ ركعتين. فتوضأ وأحسن الوضوء، ثم صلى وطوّل فقيل: أجزعت؟ فقال: ما توضأت قطّ إلا صليت، ولا صليت قط صلاة أخفّ منهم. وإن أجزع فقد رأيت سيفاً مشهوراً وكفناً منشوراً وقبراً محفوراً. فقيل له: مدّ عنقك. فقال: إن ذلك لدمٌ ما كنت لأعين عليه. فقدّم فضربت عنقه. وكان معاوية بعث رجلاً يقال له هدبة لقتلهم، وكان أعور، فنظر إليه رجل من خثعم فقال: إن صدقت الطّيرة قتل نصفنا. فلما قتل سبعة بعث معاوية رسولاً آخر بعافيتهم فلم يقتل الباقون.
بين أعرابي وكثير عزة في الطيرةخرج كثير عزّة إلى مصر يريد عزة، فلقيه أعرابيّ من نهد فقال: يا أبا صخر، أين تريد؟ فقال: أريد عزة بمصر. قال: فهل رأيت في وجهك شيئاً؟ قال: لا إلا أني رأيت غراباً ساقطاً فوق بانة ينتف ريشه. فقال له: توافي مصر وقد ماتت عزة. فانتهره كثير ثم مضى فوافى مصر والناس ينصرفون عن جنازة عزة، فقال:
فما أعيف النّهديّ لا درّ درّه ... وأزجره للطير لا عزّ ناصره
رأيت غراباً ساقطاً فوق بانة ... ينتّف أعلى ريشه ويطايره
فأما غراب فاغتراب ووحشة ... وبانٌ فبين من حبيب تعاشره
ولكثير عزة أيضاً
وهوى بعد عزّة امرأة من قومه يقال لهم: أمّ الحويرث. فخطبهم فأبت وقالت: لا مال لك، ولكن اخرج فاطلب فإني حابسة نفسي عليك. فخرج يريد بعض بني مخزوم، فبينا هو يسير عنّ له ظبي فكره ذلك ومضى فإذا هو بغراب يبحث التراب على وجهه فكره وتطيّر منه، فانتهى إلى بطن من الأزد يقال لهم بنو لهب، فقال: أفيكم زاجر؟ قالوا: نعم، فأرشدوه إلى شيخ منهم فأتاه فقصّ عليه القصة، فقال: قد ماتت أو خلف عليهم رجل من بني عمهم. فلما انصرف وجدهم قد تزوّجت، فقال:
تيممت لهباً أطلب العلم عندهم ... وقد ردّ علم العائفين إلى لهب
فقال جرى الطير السّنيح ببينهم ... فدونك فاهمل جدّ منهمر سكب
فإلاّ تكن ماتت فقد حال دونهم ... سواك خليل باطن من بني كعب
للنبيحدّثثي أبو سفيان الغنويّ قال: حدّثني خالد بن يزيد الصّفّار قال: حدّثنا همّام بن يحيى عن قتادة عن حضرميّ بن لاحق أو عن أبي سلمة أن النبي كتب إلى أمرائه: " إذا أبردتم إليّ بريداً فاجعلوه حسن الوجه حسن الاسم " .
بين عمر بن الخطاب ورجل من جهينةخرج عمر إلى حرّة واقم فلقي رجلاً من جهينة فقال له: ما اسمك؟ قال: شهم ب. قال: ابن من؟ قال: ابن جمرة. قال: وممن أنت؟ قال: من الحرقة. ثم قال: ممن؟ قال: من بيني ضارم. فقال له عمر: أدرك اهلك وما أراك تدركهم إلا وقد احترقوا. فأتاهم وقد أحاطت النار بهم " .
بين بشر بن حسان وابن عامرخرج ابن عامر إلى المدينة فإذا هو في طريقه بنعامات خمس، فقال لأصحابه: قولوا في هذه. فقال بشر بن حسان: بلغني أن رسول الله قال: " لا عدوى ولا طيرة " ومن علم شيئاً فليقله، ولكني أقول: فتنة خمس سنين.
قرأت في كتب العجم أن كسرى بعث وهرز إلى اليمن لقتال الحبشة فلما اصطّفوا قال وهرز لغلام له: أخرج إليّ من الجبعة نشّابه. وكان الأسوار يكتب على كل نشّابة في جعبته، فمنهم ما يكتب عليه اسم الملك، ومنهم ما يكتب عليه اسم نفسه، ومنهم ما يكتب عليه اسم ابنه، ومنهم ما يكتب عليه اسم امرأته. فأدخل العبد يده فأخرج له نشابة عليهم اسم امرأته فتطيّر وقال: أنت المرأة وعليك طائر السوء. ردّهم وهم ت غيرهم. فردّهم وضرب بيده فأخرج تلك النشابة بعينهم ففكر وهرز في طائره ثم انتبه فقال: زنان. وزنان بالفارسية: النساء. ثم قال: زن آن، فإذا ترجمتهم اضرب ذلك قال: نعم الطائر هذا. ثم وضعهم في كبد قوسه ثم قال: صفوا لي ملكهم، فوصفوه بياقوتة بين عينيه ثم إنه مغظ في قوسه حتى إذا مّلأهم سرّحهم فأقبلت كأنهم رشاء منقطع حتى فضّت الياقوتة فطار فضاضهم ثم فلقت هم مته وهزم القزم.
شعر للمعلوطوقال المعلوط:
تنادى الطائران ببين سلمى ... على غصنين من غرب وبان
فكان البان أن بانت سليمى ... وفي الغرب اغتراب غير داني
مثله لأبي الشّيص، وللطائي
أخذ معناهم أبو الشّيص فقال:
أشاقك والليل ملقى الجران ... غراب ينوح على غصن بان
أحصّ الجناح شديد الصياح ... يبكّي بعينين ما تذرفان
وفي نعبات الغرب اغتراب ... وفي البان بينٌ بعيد التداني
وقال الطائيّ:
أتضعضعت عبرات عينك أن دعت ... ورقاء حين تضعضع الإظلام
لا تنشجنّ لهم فإن بكاءهم ... ضحك وإن بكاءك استغرام
هنّ الحمام فإن كسرت عيافةً ... من حائهنّ فانهنّ حمام
للنبيحدّثني أحمد بن الخليل قال: حدّثني موسى بن مسعود عن عكرمة بن عمّار عن إسحاق بن عبد اللّه بن أبي طلحة عن أنس بن مالك قال: جاء رجل منا إلى النبي فقال: يا رسول اللّه إنا نزلنا دارا فكثر فيهم عددنا وكثرت فيهم أموالنا ثم تحوّلنا منهم إلى أخرى فقلّت فيهم أموالنا وقلّ فيهم عددنا. فقال رسول اللّه: " ذروهم وهي ذميمة " .
لأعرابي أضاع ذوداً له
بلغني عن ابن كناسة عن مبارك بن سعيد أخي سفيان الثّوريّ قال: بلغنا أن أعرابياً أضاع ذوداً له فخرج في الطلب حتى أدركه العطش، فمرّ بأعرابي يحتلب ناقة فنشده ضاللّه فقال له: متى خرجت في الطلب؟ أدن مني حتى أسقيك لبناً وأرشدك. قال: قبل طلوع الفجر. قال: فما سمعت؟ قال: عواطيس حولي: ثغاء الشّاء ورغاء البعير ونباح الكلب وصياح الصبيّ. قال: عواطيس تنهم ك عن الغدوّ. قال: فلما طلع الفجر عرض لي ذئبٌ. قال: كسوبٌ ذو ظفر. قال: فلما طلعت الشمس لقيت نعامةً. قال: ذات ريش واسمهم حسن، هل تركت في أهلك مريضاً؟ قال: نعم. قال: ارجع فإنك ستجد ضالتكن في منزلك.
سليمان النبي وشجرة الخروبحدّثني عبد الرحمن عن حفص بن عمر الخبطيّ قال: حدّثنا أبو زرعة يحيى بن أبي عمرو السّيباني عن يثيع عن كعب قال: كانت الشجرة تنبت في محراب سليمان النبي وتكنلمه بلسانٍ ذلق فتقول: أنا شجرة كذا وفيّ دواء كذا. فيأمر بهم سليمان فيكتب اسمهم ومنفعتهم وصورتهم وتقطع وترفع في الخزائن حتى كان آخر ما جاء منهم الخرّوبة فقالت: أنا الخرّوبة. فقال سليمان: الآن نعيت إليّ نفسي وأذن في خراب بيت المقدس.
لأبي تمام الطائي يصف عموريةقال الطائيّ يصف عمّوريّة:
بكرٌ فما اعترفتهم كفّ حادثة ... ولا ترقتّ إليهم همّة النّوب
جرى لهم الفأل برحا يوم أنقرة ... إذ غودرت وحشة الساحات والرّحب
لمّا رأت أختهم بالأمس قد خربت ... كان الخراب لهم أعدى من الجرب
مذاهب العجم في العيافة والاستدلال بهم
للعجم في العيافة
قرأت في الآيين: كانت العجم تقول: إذا تحوّلت السّباع والطير الجبلية عن أماكنهم ومواضعهم دلّت بذلك على أن المشتى سيشتدّ ويتفاقم. وإذا نقلت الجرذان برّاً و شعيراً أو طعاماً إلى رب بيت رزق الزيادة في ماله وولده، و إن هي قرضت ثيابه دلّت بذلك على نقص ماله وولده، فينبغي أن ذلك القرض ويصلح. وإذا شبّت النار شبوباً كالصّخب دلت على فرح شديد، وإذا شبت شبوباً كالبكاء دلت على حزن، وأما النار التي تشتعل في أسفل القدور فإنهم تدل على أمطار تكنثر أو ضيف يحضر. وإذا فشا الموت في البقر وقع الموتان في البشر، وإذا فشا الموت في الخنازير عمّ الناس السلامة و العافية، وإذا فشا الموت في السباع والوحوش أصاب الناس ضيقة، وإذا فشا الموت في الجرذان أخصب الناس. وإذا أكثرت الضفادع النّقيق دلت على موتان يكون. وإذا أنّ ديك في دار فشا فيهم مرض الرجال، وإذا أنّت دجاجة فشا فيهم مرض النساء، وإذا صرخت ديوك صراخاً كالبكاء فشا الموت في النساء، وإذا صرخ الدجاج مثل ذلك الصراخ فشا الموت في الرجال. وإذا نعب غراب أسود فجاوبته دجاجة دل ذلك على خراب يعمر. وإذا قوّقت دجاجة وجاوبهم غراب دل ذلك على عمران يخرب. وإذا غطّ الرجل الحسيب في نومه بلغ سناً ورفعة، ومن نفخ في نومه أفسد ماله، ومن صرت أسنانه في نومه دلّ ذلك منه على نميمة، وينبغي أن يضرب على فيه بخفٍّ متخرّق. ومن سقطت قدّامه حية من جحر أصابته معرّة ومضرة. وإذا رئي في الهواء دخنة وظلمة من غير علة تخوّف على الناس الوباء والمرض. وإذا رئي في آفاق السماء في ليلة مصحية كاختلاف النيران غشي البلاد التي رئي ذلك فيهم عدوّ، فإن رئي ذلك وفي البلاد عدوّ انكشف عنهم. وإذا نبح كلب بعد هدأةٍ نبحة بغتة دل على أن السّرّاق قد اجتمعوا بالغارة على بعض ما في تلك الدار أو ما جاورهم. وإذا صفّق ديك بجناحيه ولم يصرخ دل على أن الخير محتبس عن صاحبه. وإذا أكثر البوم الصراخ في دار برىء مريض إن كان فيهم. وإذا سمع لبيت تنقّض شخص من فيه عنه، وإذا عوت ذئاب من جبال وجاوبتهم كلاب من قرى تفاقم الأمر في التحارب وسفك الدماء. وإذا عوت كلاب وجاوبتهم ذئاب كان وباء وموتان جارف، وإذا أكثرت الكلاب في اليغتات الهرير دلت بذلك على إتيان العدوّ البلاد التي هي فيهم ، وإذا صرخ ديك في دار قبل وقت صراخ الديوك كان ذلك محاولة لدفع بليّة قد شارفت تلك الدار، وإذا صرخت دجاجة في دار كصراخ ديك كان ذلك تحذيراً لمن فيهم من آفة قد أشرفوا عليهم. وإذا أكثر ديك النّزوان على تكنأة رب الدار نال شرفاً ونباهة، وإن فعلت ذلك دجاجة ناله خمول وضعة. وإذا ذرق ديك على فراشه نال مالاً رغيباً وخيراً كثيراً وذلك إذا كان من غير تضييع من حشمة لفراشه، فإن ذرقت دجاجة على فراشه نالت زوجته منه خيراً كثيراً، وكانوا يقولون: إن الموت من المريض الشبيه للصحيح قريب وإن الصحيح الشبيه بالمريض مستشعر للشر وينبغي مباعدته. وينبغي أن يعرف كنه من كان منطقياً لعلّه لا يجيد العمل، وحال من كان سكّيتاً متزمّتاً لعله بعيد الغور.
وكانوا يكرهون استقبال المولود ساعة يوضع إلا أن يكون ناقص الخلق فإن بليته وآفته قد صارتا على نفسه، ويكرهون استقبال الزّمن والكريه الاسم والجارية البكر والغلام الذاهب إلى المكتب، وكانوا يكرهون الثيران المقرونة بقران والحيوان الموثق والدابّة المقودة وحاملة الشراب والحطب والكلب، ويستحبّون الصحيح البدن الرضيّ الاسم والمرأة الوسيمة الثيّب والغلام المنصرف من المكتب والدواب التي عليهم حمولة من طعام أو تبن أو زبل.
وكانوا لا ينحّون عن سمع الملك ألحان المغنيات ونقيض الصواري وصهيل الخيل والبراذين ويتخذون في مبيته ديكاً ودجاجة. وإذا أهديت له خيل سنح بهم عليه من يساره إلى يمينه وكذلك الغنم والبقر، وأما الرقيق والسباع وما أشبههم فكان يبرح من يمينه إلى يساره.
باب في الخيل
للنبي في فضل الخيلحدّثني محمد بن عيينة عن شبيب بن غرقدة " عن عروة " البارقي قال: سمعت النبي يقول: " الخيل معقود في نواصيهم الخير إلى يوم القيامة " .
بين النبي ورجل أراد شراء فرس
حدّثني يزيد بن عمرو قال: حدّثني أسهل بن حاتم قال: حدّثني موسى بن عليّ بن رباح اللّخمي عن أبيه قال: جاء رجل إلى النبي فقال: إني أريد أن أعدّ فرساً. قال رسول اللّه: " فاشتره إذاً أدهم أو كميتاً أقرح أرثم أو محجلا مطلق اليمين " .
وفي حديث آخر " فإنهم ميامن الخيل ثم آغز تسلم وتغنم إن شاء اللّه " .
للنبي في فضل الخيل، وما كان يستحبه ويكرهه منهمحدّثني سهل بن محمد قال: أخبرني أبو عبيد ة أن النبي قال: " عليكم بإناث الخيل فإن ظهورهم حرز وبطونهم كنز " .
قال: وكان النبي يستحب من الدواب الشّقر ويقول: " لو جمعت خيل العرب كلهم في صعيد واحد ما سبقهم إلا أشقر " .
وسأل رجل رسول اللّه: أيّ المال خير؟ قال: " سكة مأبورة " يعني النخل " ومهرة مأمورة " يريد كثيرة النتاج.
قال: وكان يكره الشّكال في الخيل.
قول لأبي ذر" قال أبو ذرّ: ما من ليلة إلا والفرس يدعو فيهم ربه ويقول: اللهم سخرتني لابن آدم وجعلت رزقي بيده فاجعلني أحبّ إليه من أهله وماله، اللهم ارزقه وارزقني على يديه " .
لمطر بن دراج وقد سأله المهدي عن أفضل الخيلسأل المهدي مطر بن درّاج: أيّ الخيل أفضل؟ قال: الذي إذا استقبلته قلت نافر، وإذا استعرضته قلت زافر، وإذا استدبرته قلت زاجر. قال: فأيّ البراذين شر؟ قال: الغليظ الرقبة الكثير الجلبة الذي إذا أرسلته قال أمسكني وإذا أمسكته قال أرسلني. قال: فأيّ البراذين خير؟ قال: ما طرفه إمامه وسوطه عنانه.
لرجل يصف برذوناً
" وصف رجل برذوناً فقال: إن تركته نعس وإن حركته طار " .
لابن أقيصر في أفضل الخيلوقال ابن أقيصر: خير الخيل الذي إذا استقبلته أقعى وإذا استدبرته جبىّ وإذا استعرضته استوى وإذا مشى ردى وإذا عدا دحا.
بين مسلابن عمرو وابن عم له أرسله ليشتري له خيلاً
محمد بن سلاّم قال: أرسل مسلابن عمرو ابن عمّ له إلى الشأم ومصر يشتري له خيلاً فقال: لاعلم لي بالخيل. قال: ألست صاحب قنص؟ قال: بلى. قال " : فانظر، كلّ شيء تستحسنه في الكلب فاطلبه في الفرس. فقدم بخيل لم يك في العرب مثلهم. وقالوا: سمّيت خيلاً لاختيالهم .
لأعرابي يصف فرساً
وذكر أعرابي فرساً وسرعته فقال: لما خرجت الخيل جارى بشيطان في أشطان فلما أرسلت لمع لمعة سحاب فكان أقربهم إليه الذي تقع عينه عليه.
لرجل من بني أسد في الكريم والمقرف من الخيلوسئل رجل من بني أسد: أتعرف الفرس الكريم؟ قال: أعرف الجواد المبرّ من المبطيء المقرف. أما الجواد المبر فالذي لهز لهز العير وأنّف تأنيف السّير، الذي إذا عدا آسلهبّ وإذا قيّد آجعلب وإذا انتصب آتلاب. وأما المبطيء المقرف فالمدلوك الحجبة الضخم الأرنبة الغليظ الرقبة " الكثير الجلبة الذي إن أرسلته قال: أمسكني وإن أمسكته قال: أرسلني.
وأنشد الرياشيّ:
كمهر سوء إذا سكّنت شرته ... رام الجماح فإن رفّعته سكنا
بين عمر بن الخطاب
وسلمان بن ربيعة الباهلي في معرفة عراب الخيلحدّثني عبد الرحمن بن عبد اللّه قال: حدّثني الأصمعيّ عن أبي عمرو بن العلاء أن عمر ابن الخطاب شك في العتاق والهجن، فدعا سلمان بن ربيعة الباهلي فأخبره، فأمر سلمان بطست فيه ماء فوضع في الأرض ثم قدّمت الخيل إليه فرساً فرساً فما ثنى منهم سنبكه فشرب هجّنه، وما شرب ولم يثن سنبكه عرّبه. وذلك لأن في أعناق الهجن قصراً فهي لا تنال الماء على تلك الحال حتى تثني سنلبكهم ، وأعناق العتاق طوال.
لكسرى في أفراسهوحدّثني أبو حاتم قال: حدّثنا الأصمعيّ قال: ذكروا أن كسرى كان إذا أتاه سائسه فقال: الفرس يشتكني حافره، قال: المطبخ. وإذا قال: يشتكني ظهره، قال: البيطار.
شعر النضر بن سلمة يصف الفرسوأنشدني أبو حاتم لأبي ميمون العجليّ وهو النضر بن سلمة في شعر طويل له يصف الفرس، وقال: قرأته على أبي عبيد ة وعلى الأصمعيّ:
الخيل منّي أهل ما أن يدنين ... وأن يقرّبن وأن لا يقصين
وأن يبأبأن وأن يفدّين ... وأن يكون المحض مما يسقين
وأهل أن يعليّن أو يغالين ... بالطّرف والتّلد وأن لا يجفين
وأهل ما صحبننا أن يقفين ... وأهل ما أعقبننا أن يجزين
أليس عزّ الناس فيما أبلين ... والحسب الزاكي إذا ما يقنين
والأجر والزّين إذا ريم الزّين ... كم من كريم جدّه قد أعليّن
وكم طريدٍ خائفٍ قد أنجين ... ومن فقير عائل قد أغنين
وكم برأس في لبان أجرين ... وجسدٍ للعافيات أعرين
وأهل حصنٍ ذي امتناع أرذين ... وكم لهم في الغنم من ذي سهمين
يكون فيما اقتسموا كالرّجلين ... وكم وكم أنكحن من ذي طمرين
بغير مهر عاجل ولا دين ... والخيل والخيرات في قرينين
لاتشتكنين عملاً ما أنقين ... ما دام مخٌّ في سلامى أو عين
ما بلّل الصوفة ماء البحرين
شعر في وصف الفرسوأنشدني أبو حاتم عن أبي عبيد ة، قال: وقال لي أبو عبيد ة: لا أعرف قائل هذا الشعر وعروضه لا يخرّج. قال أبو حاتم: أحسبه لعبد الغفار الخزاعي:
ذاك وقد أذعر الوحوشا ... بصلت الخدّ رحبٍ لبانه مجفر
طويل خمسٍ قصير أربعة ... عريض ست مقلّصٌ حشور
حدّت له تسعةٌ وقد عريت ... تسع ففيه لمن رأى منظر
ثم له تسعة كسين وقد ... أرحب منه اللّبان والمنخر
بعيد عشر وقد قربن له ... عشر وخمس طالت ولم تقصر
نقفيه بالمحض دون ولدتنا ... وعضّه في آريّه ينثر
نصبحه تلرة ونغبقه ... ألبان كومٍ روائم أظؤر
حتى شتا بادناً يقال ألا ... يطوون من بدنه وقد أضمر
موثّق الخلق جرشعٌ عتد ... منضرج الحضر حين يستحضر
حاظي الحماتين لحمه زيمٌ ... نهدٌ شديد الصّفاق والأبهر
رقيق خمس غليظ أربعة ... نائي المعدّين ليّن الأشعر
وقد فسرت هذا الشعر في كتابي المؤلف في أبيات المعاني في خلق الفرس.
لبعض الضبيين في وصف فرسأنشدنا أبو سعيد لبعض الضّبّيين في وصف فرس:
متقاذف عبل الشّوى شنج النّسا ... سبّاق أندية الجياد عميثل
وإذا تعلّل بالسّياط جيادهم ... أعطاك نائله ولم يتعلّل
شعر لعمرو بن العاص بعد انتهم ء وقعة صفينقيل لما وضعت حرب صفّين أوزارهم قال عمرو بن العاص:
شبّت الحرب فأعددت لهم ... مفرع الحارك مرويّ الثّبج
جرشعاً أعظمه جفرته ... فإذا ابتلّ من الماء حرج
يصل الشّد بشدٍّ فإذا ... ونت الخيل من الشدّ معج
من كتاب للروم في علامات فراهة المهرووجدت في كتاب من كتب الروم أن من علامة فراهة المهر الحولي صغر رأسه وشدّة سواد عينيه، وأن يكون محدّد الأذنين أجرد باطنهم كثيف العرف، في عرفه ميل من قبل يمين راكبه. عريض الصدر مرتفع الهم دي معتدل العضدين مكتنز الجنبين طويل الذنب عريض الكفل مستدير الحوافر صحيح باطنهم. ومن علامة فراهة المهر ألا يكون نفوراً " ولا يقف عند دابة إلا مع أمّه " وإذا دفع إلى عين أو نهر ماء لم يقف لتجاوزه دابة فيسير بسيرهم ولكنه يقطع ذلك النهر والعين.
مما يسلّم اللّه به الخيل من العين
قالوا: ومما يسلم اللّه به الخيل من العين وأشباه ذلك أن يجعل في أعناقهم خرزة من قرون الأيايل.
ومثله في رقية الفرس من العينحدّثني محمد بن عبيد عن معاوية عن أبي إسحاق عن سفيان عن حصين بن عبد الرحمن عن هلال بن إساف وعن سحيم بن نوفل قالا: كنا جلوساً عند عبد اللّه بن مسعود ونحن نعرض المصاحف، فجاءت جارية إلى سيّدهم فقالت: ما يجلسك؟ قم فابتغ لنا راقياً فإن فلاناُ لقع مهرك بعينه فتركته يدور كأنه فلك. فقال عبد اللّه: لا تبتغ راقياً ولكن أذهب فآنفث في منخره الأيمن أربعاً وفي الأيسر ثلاثاً، ثم قل: بسم اللّه لا باس لاباس أذهب الباس رب النّاس وآشف أنت الشافي لا يكشف الضراء إلا أنت. قال: فما قمنا حتى جاء الرجل فقال: قد فعلت الذي أمرتني به فبال وراث وأكل.
في مداواة الفرس من بعض العلل
حدّثني أبو حاتم عن أبي عبيد ة أنه قال: إذا كان الفرس صلودا لا يعرق سقيته ماء قد دفت فيه خميرة أو علفته ضغثا من هندباء فإن ذلك يكثر عرقه، فإن حمر أدخلته الحمّام وأشمه عذرةً. فقلت لأبي عبيد ة: ما يدريك أن هذا كذا؟ فقال: خبرني به جلّ الهنديّ وكان بصيراً. قال: فإن أصابته مغلةٌ وهي وجع البطن من أكل التراب أخذ له شيء من بورقٍ فدقّ ونخل فجعل في ربع دورق من خمر فحقن به وبلّ تراب طيّب ببول أتان حتى يصير طيناً ثم لطخ به بطن الدابة.
قال: ومما يذهب العرن دماغ الأرنب.
للهيثم بن مطهّر على باب الخيزران
وقف الهيثم بن مطهّر على باب الخيزران على ظهر دابته، فبعث إليه الكاتب في دارهم: آنزل عن ظهر دابتكن فقد جاء في الأثر: لا تجعلوا ظهور دوابّكم مجالس. فبعث إليه: إني رجل أعرج وإن خرج صاحبي خفت ألاّ أدركه. فبعث إليه: إن لم تنزل أنزلناك. قال: هو حبيس إن أنزلتني عنه إن أقضمته شهراً فانظر أيّما خير له، راحةٌ ساعة أو جوع شهر؟ فقال: هذا شيطان، آتركوه.
باب البغال والحمير
لمسلمة في البغالقال مسلمة: ما ركب الناس مثل بغلة قصيرة العذار طويلة العنان.
وكتب رجل إلى وكيله: آبغني بغلة حصّاء الذنب طويلة العنق سوطهم عنانهم وهواهم أمامهم .
بين الفضل بن الربيع وبعض بني هم شم في ركوب البغلةعاتب الفضل بن الربيع بعض بني هم شم في ركوبه بغلة، فقال له: هذا مركب تطأطأ عن خيلاء الخيل ولآرتفع عن ذلّة الحمار وخير الأمور أوساطهم .
حدّثني أبو حاتم عن الأصمعيّ قال: أخبرنا أبو عمرو بن العلاء، قال: دفع أبو سيّارة بأهل المزدلفة أربعين سنة على حمار لايعتلّ، فقال العرب: " أصح من عير أبي سيّارة " .
إيثار الفضل الرقاشي ركوب الحمير على سواهمقال رجل للفضل الرّقاشي وهو جدّ معتمر لأمّه: إنك لتؤثر الحمير على جميع المركوب، فلم ذلك؟ قال: لأنهم أكثرهم مرفقا. قال: وما ذاك؟ قال: لاتستبدل بالمكان على قدر اختلاف الزمان، ثم هي أقلهم داء وأيسرهم دواء وأسلم صريعا وأسهل تصريفاً وأخفض مهوىً وأقل جماحاً وأشهر فارهم وأقل نصيرا ويزهى راكبه وقد تواضع بركوبه، ويكون مقتصداً وقد أسرف في ثمنه.
لخالد بن صفوان في وصف حماروقال خالد بن صفوان في وصف حمار: قد أركبه عيرا من بنات الكداد أصحر السّربال محملج القوائم يحمل الرّجلة ويبلغ العقبة ويمنعني أن أكون جبّاراً عنيداً.
لرجل يطلب حماراً
وقال رجل لنخّاسٍ: اطلب لي حماراً ليس بالكبير المشتهر ولا القصير المحتقر ولا يقدم تقحّماً ولا يحجم تبلّداً، يتجنب بي الزحام والرّجام والإكام. خفيف اللجام إذا ركبته هم م وإذا ركبه غيري قام، إن علفته شكر، وإن أجعته صبر. فقال له النخاس: إن مسخ اللّه القاضي زياداً حماراً رجوت أن أصيب لك حاجتكن إن شاء اللّه.
لرجل يوصي رجلاً
وقال رجل لآخر يوصيه: خذ من الحمار شكره وصبره ومن الكلب نصحه لأهله ومن الغراب كتمانه للسّفاد.
جرير بن عبد اللّه عن أبيه قال: لا تركب حماراً فإنه إن كان فارهم أتعب يديك وإن كان بليداً أتعب رجليك.
باب في الإبلالهيثم قال: قال ابن عياش: لا تشتر خمسة من خمسة: لاتشتر فرساً من أسديّ ولا جملاً من نهديّ ولا عيراً من تميمي ولا عبد اً من بجلي. ونسى الهيثم الخامس، يريد أن أهل هذه القبائل عظام الجدود في هذه الأشياء.
لبني عبس في الإبلقيل لبني عبس: أيّ الإبل أصبر عليكم في محاربتكنم؟ قال: الرّمك الجعاد. قيل: فأيّ الخيل وجدتم أصبر؟ قالوا: الكمت الحوّ. قيل: فأيّ النساء وجدتم أصبر؟ قالوا: بنات العم.
بين شبّة بن عقال ورجل من أهل اليمن
أقسام الكتاب 1 2 3 4 5 6*
محل السلطان وسيرته وسياسته
للنبي صلى الله عليه وسلم في الإمارةحدّثنا محمد بن خالد بن خداش قال: حدّثنا سلابن قتيبة عن ابن أبي ذئب عن المقبريّ عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: " ستحرصون على الإمارة ثم تكون حسرةً وندامةً يوم القيامة فنعمت المرضعة وبئست الفاطمة " .
حدّثني محمد بن زياد الزيادي قال:حدّثنا عبد العزيز الدّاروردي قال: حدّثنا شريك عن عطاء بن يسار أن رجلاً قال عند النبي: بئس الشيء الإمارة. فقال النبي: " نعم الشيء الإمارة لمن أخذها بحقّها وحلها " .
حدّثني زيد بن أخزم الطائي قال: حدّثنا ابن قتيبة قال: حدّثنا أبو المنهال عن عبد العزيز ابن أبي بكرة عن أبيه قال: لما مات كسرى قيل ذلك للنبيّ فقال: " من استخلفوا؟ " فقالوا: ابنته بوران، قال: " لن يفلح قوم أسندوا أمرهم إلى امرأة " .
لابن عباس رضي اللّه عنهما
حدّثني زيد بن أخزم قال: حدّثنا وهب بن جرير قال: حدّثنا أبي قال: سمعت أيّوب يحدّث عن عكرمة عن ابن عباس أنه قدم المدينة زمن الحرّة فقال: من استعمل القوم؟ قالوا: على قريش عبد اللّه بن مطيع، وعلى الأنصار عبد اللّه بن حنظلة بن الراهب. فقال: أميران! هلك واللّه القوم.
للحسن عليه السلامحدّثنا محمد بن عبيد قال: حدّثنا معاوية بن عمرو عن أبي إسحاق عن هشام بن حسّان قال: كان الحسن يقول: " أربعة من الإسلام إلى السلطان الحكم والفيء والجمعة والجهاد " .
لكعب الأحباروحدّثني محمد قال: حدّثنا أبو سلمة عن حماد بن سلمة عن أيوب عن أبي قلابة قال: قال كعب: " مثل الإسلام والسلطان والناس مثل الفسطاط والعمود والأطناب والأوتاد، فالفسطاط الإسلام، والعمود السلطان، والأطناب والأوتاد الناس، لا يصلح بعضه إلا ببعض " .
كلمة لأبي حازم في السلطانحدّثني سهل بن محمد قال: حدّثني الأصمعيّ قال: قال أبو حازم لسليمان بن عبد الملك: " السلطان سوقٌ فما نفق عنده أتي به " .
لابن المقفعوقرأت في كتاب لابن المقفّع: " الناس على دين السلطان إلا القليل فليكن للبرّ والمروءة عنده نفاقٌ فسيكسد بذلك الفجور والدناءة في آفاق الأرض قرأت فيه أيضاً: " الملك ثلاثة ملك دين وملك حزم وملك هوى، فأما ملك الدين فإنه إذا أقام لأهله دينهم فكان دينهم هو الذي يعطيهم ما لهم ويلحق بهم ما عليهم، أرضاهم ذلك وأنزل الساخط منهم منزلة الراضي في الإقرار والتسليم. وأما ملك الحزم فإنه تقوم به الأمور ولا يسلم من الطعن والتسخّط ولن يضرّه طعن الضعيف مع حزم القوي. وأما ملك الهوى فلعب ساعة ودمار دهر " .
للرسولحدّثني يزيد بن عمرو عن عصمة بن صقير الباهلي قال: حدّثنا إسحاق بن نجيح عن ثور بن يزيد عن خالد بن معدان قال: قال رسول اللّه: " إن اللّه حرّاساً فحرّاسه في السماء الملائكة وحراسه في الأرض الذين يأخذون الدّيوان " .
حدّثني أحمد بن الخليل قال: حدّثني سعيد بن سلم الباهلي قال: أخبرني شعبة عن شرقيٍّ عن عكرمة في قول الله عز وجل: " له معقباتٌ من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر اللّه " قال: " الجلاوزة يحفظون الأمراء " .
" وقال الشاعر:
ألا ليت شعري هل أبيتنّ ليلةً ... خليًّا من اسم اللّه والبركات
يعني باسم اللّه، وفيه قول اللّه: " يحفظونه من أمر اللّه " أي بأمر اللّه.
وقرأت في كتاب من كتب الهند: " شرّ المال لا ينفق منه، وشر الأخوان الخاذل، وشر السلطان من خافه البرىء، وشر البلاد ما ليس فيه خصب ولا أمن " .
وقرأت فيه: " خير السلطان من أشبه النّسر حول الجيف لا من أشبه الجيفة حولها النسور " .
وهذا معنى لطيف وأشبه الأشياء به قول بعضهم: " سلطان تخافه الرعية خير للرعية من سلطان يخافها " .
كلمة في عدل الإمام وجورهحدّثني شيخ لنا عن أبي الأحوص عن ابن عمّ لأبي وائل عن أبي وائل قال: قال عبد اللّه بن مسعود: " إذا كان الإمام عادلاً فله الأجر وعليك الشكر، وإذا كان جائراً فعليه الوزر وعليك الصبر " .
قول عمر بن الخطاب في الفواقر
وأخبرني أيضاً عن أبي قدامة عن عليّ بن زيد قال: قال عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه: " ثلاثٌ من الفواقر: جار مقامةٍ إن رأى حسنة سترهم وإن رأى سيئة أذاعهم، وامرأة إن دخلت عليهم لسنتك وإن غبت عنها لم تأمنها، وسلطان إن أحسنت لم يحمدك وإن أسأت قتلك " .
من اليتيمة في منافع السلطان ومضارّه
وقرأت في اليتيمة " مثل قليل مضارٌ السلطان في جنب منافعه مثل الغيث الذي هو سقيا اللّه وبركات السماء وحياة الأرض ومن عليها، وقد يتأذى به السّفر ويتداعى له البنيان وتكون فيه الصواعق وتدرّ سيوله فيهلك الناس والدواب وتموج له البحار فتشتدّ البليّة منه على أهله فلا يمنع الناس، إذا نظروا إلى آثار رحمة اللّه في الأرض التي أحيا والنبات الذي أخرج والرزق الذي بسط والرحمة التي نشر، أن يعظموا نعمة ربهم ويشكروها وبلغوا ذكر خواصّ البلايا التي دخلت على خواصّ الخلق. ومثل الرياح التي يرسلهم اللّه نشرا بين يديّ رحمته فيسوق بهم السحاب ويجعلهم لقاحاً للثمرات و أرواحاً للعباد يتنسمون منها ويتقلبون فيهم، وتجري بهم مياههم، وتقد بها نيرانهم وتسير بهم أفلاكهم. وقد تضرّ بكثير من الناس في برّهم وبحرهم ويخلص ذلك إلى أنفسهم وأموالهم فيشكوها منهم الشاكون ويتأذّى بها المتأذّون ولا يزيلها ذلك عن منزلتها التي جعلها اللّه بهم وأمرها الذي سخرها له من قوام عباده وتمام نعمته. ومثل الشتاء والصيف اللذين جعل اللّه حرّهما وبردهما صلاحاً للحرث والنسل ونتاجاً للحب والثمر، يجمعهم البرد بإذن الّله ويحملها ويخرجها الحرّ باذن اللّه وينضجها مع سائر ما يعرف من منافعها، وقد يكون الأذى والضرّ في حرّهما وبردهما وسمائمهما وزمهريرهما وهما مع ذلك لا ينسبان إلا إلى الخير والصلاح. ومن ذلك الليل الذي جعله اللّه سكناً ولباساً وقد يستوحش له أخو القفر، وينازع فيه ذو البليّة والرّيبة وتعدو فيه السّباع وتنساب فيه الهوامّ ويغتنمه أهل الّسرق والسّلّة، ولا يزري صغير ضرره بكثير نفعه، ولا يلحق به ذمّا ولا يضع عن الناس الحقّ في الشكر اللّه على ما منّ به عليهم منه. ومثل النهار الذي جعله اللّه ضياء ونشوراً وقد يكون على الناس أذى الحرّ في قيظهم وتصبّحهم فيه الحروب والغارات ويكون فيه النّصب والشّخوص وكثير مما يشكوه الناس ويستريحون فيه إلى الليل وسكونه. ولو أن الدنيا كان شيءٌ من سرّائهم يعم عامة أهلهم بغير ضرر على بعضهم وكانت نعماؤهم بغير كدر وميسورها من غير معسور كانت الدنيا إذاً هي الجنة التي لا يشوب مسرتها مكروه ولا فرحها ترحٌ والتي ليس فيهم نصب ولا لغوب، فكل جسيم من أمر الدنيا يكون ضرّه خاصةً فهو نعمةٌ عامة، وكل شيء منه يكون نفعه خاصاً فهو بلاءٌ عام " .
وكان يقال: " السلطان والدين أخوان لا يقوم أحدهما إلا بالآخر " .
لبعض الملوكوقرأت في التاج لبعض الملوك: " هموم الناس صغار وهموم الملوك كبار وألباب الملوك مشغولة بكل شيء يجلّ وألباب السّوق مشغولة بأيسرالشيء، فالجاهل منهم يعذر نفسه بدعة ما هو عليه من الرّسلة ولا يعذر سلطانه مع شدّة ما هو فيه من المؤونة، ومن هناك يعزّر اللّه سلطانه ويرشده وينصره " .
سمع زياد رجلاً يسب الزمان فقال: " لو كان يدري ما الزمان لعاقبته، إنما الزمان هو السلطان كانت الحكماء تقول: " عدل السلطان أنفع للرعية من خصب الزمان "
كلمة لمعاوية في بني هاشم وجواب ابن عباس
وروىالهيثم عن ابن عيّاش عن الشّعبي قال: " أقبل معاوية ذات يوم على بني هاشم فقال: يا بني هاشم، ألاتحدّثوني عن ادعائكم الخلافة دون قريش بم تكون لكم أبالرضا بكم أم بالإجتماع عليكم دون القرابة أم بالقرابة دون الجماعة أم بهما جميعاً؟ فإن كان هذا الأمر بالرضا والجماعة دون القرابة فلا أرى القرابة أثبتت حقاً ولا أسّست ملكاً، وإن كان بالقرابة دون الجماعة والرضا فما منع العباس عمّ النبي ووارثه وساقي الحجيج وضامن الأيتام أن يطلبها وقد ضمن له أبو سفيان بني عبد مناف، وإن كانت الخلافة بالرضا والجماعة والقرابة جميعاً فإن القرابة خصلة من خصال الإمامة لا تكون الإمامة بها وحدها وأنتم تدّعونها بهم وحدها، ولكنا نقول: أحق قريش بهم من بسط الناس أيديهم إليه بالبيعة عليهم ونقلوا أقدامهم إليه الرغبة وطارت إليه أهواؤهم للثقة وقاتل عنها بحقها فأدركها من وجههم. إن أمركم لأمرٌ تضيق به الصدور، إذا سئلتم عمّن اجتمع عليه من غيركم قلتم حقٌّ. فإن كانوا اجتمعوا على حقّ فقد أخرجكم الحقّ من دعواكم. انظروا: فإن كان القوم أخذوا حقكم فاطلبوهم، وإن كانوا أخذوا حقّهم فسّلموا إليهم فإنه لا ينفعكم أن تروا لأنفسكم ما لا يراه الناس لكم. فقال ابن عباس: ندّعي هذا الأمر بحقّ من لولا حقّه لم تقعد مقعدك هذا، ونقول كان ترك الناس أن يرضوا بنا ويجتمعوا عليّنا حقًّا ضيعوه وحظًّا حرموه، وقد اجتمعوا على ذي فضل لم يخطىء الورد والصّدر، ولا ينقص فضل ذي فضلٍ فضل غيره عليه. قال اللّه عز وجل: " ويؤت كلّ ذي فضلٍ فضله " ، فأما الذي منعنا من طلب هذا الأمر بعد رسول الله فعهدٌ منه إلينا قبلنا فيه قوله ودنّا بتأويله، ولو أمرنا أن نأخذه على الوجه الذي نهم نا عنه لأخذناه أو أعذرنا فيه، ولا يعاب أحد على ترك حقه إنما المعيب من يطلب ما ليس له، وكل صواب نافع وليس كل خطأ ضارّاً، انتهت القضية إلى داود وسليمان فلم يفهّمهم داود وفهّمهم سليمان ولم يضرّ داود. فأما القرابة فقد نفعت المشرك وهي للمؤمن أنفع، قال رسول اللّه: " أنت عمّي وصنو أبي ومن أبغض العباس فقد أبغضني، وهجرتك آخر الهجرة كما أن نبوّتي آخر النبوّة وقال لأبي طالب عند موته: " يا عم قل لا إله إلا اللّه أشفع لك بهم غداً وليس ذاك لأحد من الناس. قال اللّه تعالى: " وليست التّوبة للّذين يعملون السّيّئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إنّي تبت الآن ولا الّذين يموتون وهم كفّارٌ أولئك أعتدنا لهم عذاباً أليماً " .
لكسرىحدّثنا الرياشيّ عن أحمد بن سلاّم مولى ذفيف عن مولى يزيد بن حاتم عن شيخ له قال: قال كسرى: " لا تنزل ببلد ليس فيه خمسة أشياء: سلطان قاهر، وقاض عادل، وسوق قائمة، وطبيب عالم، ونهرٌ جارٍ " .
وحدّثنا الرياشيّ قال: حدّثنا مسلم ابن ابراهيم قال: حدّثنا القاسم بن الفضل قال: حدّثنا ابن اخت العجاج عن العجاج قال: " قال لي أبو هريرة: ممن أنت؟ قال: قلت من أهل العراق. قال: يوشك أن يأتيك بقعان الشأم فيأخذوا صدقتك فإذا أتوك فتلقّهم بهم فإذا دخلوهم فكن في أقاصيهم وخلّ عنهم وعنهم. وإيّاك أن تسبّهم فإنك إن سببتهم ذهب أجرك وأخذوا صدقتك وإن صبرت جاءتك في ميزانك يوم القيامة " ، وفي رواية أخرى أنه قال: " إذا أتاك المصدّق فقل: خذ الحق ودع الباطل، فإن أبى فلا تمنعه إذا أقبل فلا تلعنه إذا أدبر فتكون عاصياً خفّف عن ظالم " .
وكان يقال: " طاعة السلطان على أربعة أوجه: على الرغبة، والرهبة، والمحبة، والديانة " .
كتاب من أردشير إلى جميع الطوائف من رعيتهوقرأت في بعض كتب العجم كتباً لأردشير بن بابك إلى الرعية، نسخته: " من أردشير الموبذ ذي البهاء ملك الملوك ووارث العظماء، إلى الفقهاء الذين هم حملة الدين، والأساورة الذين هم حفظة البيضة، والكتاب الذين هم زينة المملكة، وذوي الحرث الذين هم عمرة البلاد. السلام عليكم، فإنا بحمد اللّه صالحون وقد وضعنا على رعيتنا بفضل رأفتنا إتاوتها الموظّفة عليهم. ونحن مع ذلك كاتبون إليكم بوصية: لا تستشعروا الحقد فيدهمكم العدوّ، ولا تحتكروا فيشملكم القحط، وتزوّجوا في القرابين فإنه أمسّ للرحم وأثبت للنسب، ولا تعدّوا هذه الدنيا شيئاً فإنها لا تبقى على أحد ولا ترفضوها مع ذلك فإن الآخرة لا تنال إلا بها " .
نصيحة أرسطاطاليس إلى الاسكندر
وقرأت كتاباً من أرسطاطاليس إلى الاسكندر وفيه: " املك الرعية بالإحسان إليها تظفر بالمحبة منها، فإن طلبك ذلك منهم باحسانك هو أدوم بقاءً منه باعتسافك، واعلم أنك إنما تملك الأبدان فتخطّهم إلى القلوب بالمعروف، واعلم أن الرعية إذا قدرت على أن تقول، قدرت على أن تفعل، فاجهد ألا تقول تسلم من أن تفعل " .
كلمة لملك العجموقرأت في كتاب الآيين أن بعض ملوك العجم قال في خطبة له: " إني إنما أملك الأجساد لا النيات وأحكم بالعدل لا بالرضا وأفحص عن الاعمال لا عن السرائر " .
ونحوه قول العجم: " أسوس الملوك من قاد أبدان الرعية إلى طاعته بقلوبها " .
وقالوا: " لا ينبغي للوالي أن يرغب في الكرامة التي ينالهم من العامة كرهاً ولكن في التي يستحقهم بحسن الأثر وصواب الرأي والتدبير " .
حدّثنا الرياشيّ عن أحمد بن سلام عن شيخه له قال: " كان أنوشروان إذا ولّى رجلاً أمر الكاتب أن يدع في العهد موضع أربعة أسطر ليوقّع فيه بخطه فإذا أتي بالعهد وقّع فيه: سس خيار الناس بالمحبة وامزج للعامة الرغبة بالرهبة وسس سفلة الناس بالإخافة " .
قال المدائني: " قدم قادم على معاوية بن أبي سفيان فقال له معاوية: هل من مغرّبة خبر؟ قال: نعم، نزلت بماء من مياه الأعراب فبينا أنا عليه إذ أورد أعرابي إبله فلما شربت ضرب على جنوبهم وقال عليك زياداً. فقلت له: ما أردت بهذا؟ قال: هي سدًى، ما قام لي بهم راعٍ مذ ولي زياد. فسرّ ذلك معاوية وكتب به إلى زياد " .
كلمة لعبد الملك بن مروانقال عبد الملك بن مروان: " أنصفونا يا معشر الرعية، تريدون منا سيرة أبي بكر وعمر! ولا تسيرون فينا ولا في أنفسكم بسيرة رعية أبي بكر وعمر! نسأل اللّه أن يعين كلاً على كل " .
لعمر بن الخطاب ولابن عبد العزيزقال عمر بن الخطاب: " إن هذا الأمر لا يصلح له إلا اللّين في غير ضعف والقويّ في غير عنف " .
وقال عمر بن عبد العزيز: " إني لأجمع أن أخرج للمسلمين أمراً من العدل فأخاف أن لا تحتمله قلوبهم فأخرج معه طمعاً من طمع الدنيا، فإن فرت القلوب من هذا سكنت إلى هذا " .
لمعاوية في سياسة الرغبةقال معاوية: " لا أضع سيفي حيث يكفيني سوطي ولا أضع سوطي حيث يكفيني لساني، ولو أن بيني وبين الناس شعرةً ما انقطعت. قيل: وكيف ذاك؟ قال: كنت إذا مدّوها خلّيتها وإذا خلّوها مددتهم " .
للشعبي وعمر في معاويةونحو هذا قول الشّعبي فيه: " كان معاوية كالجمل الطّبّ، إذا سكت عنه تقدّم وإذا ردّ تأخروقول عمر فيه: " احذروا آدم قريش وابن كريمهم ، من لا ينام إلا على الرضا ويضحك في الغضب ويأخذ ما فوقه من تحته " .
وأغلظ له رجل فحلم عنه فقيل له: أتحلم عن هذا؟ فقال: " إني لا أحول بين الناس وبين ألسنتهم ما لم يحولوا بيننا وبين سلطاننا " .
كان يقال: " لا سلطان إلا برجال ولا رجال إلا بمال ولا مال إلا بعمارة ولا عمارة إلا بعدل وحسن سياسة " .
قال زياد: " أحسنوا إلى المزارعين فإنكم لا تزالون سماناً ما سمنوا " .
كتاب الحجاج إلى الوليد بن عبد الملك يشرح له سيرتهوكتب الوليد إلى الحجاج يأمره أن يكتب إليه بسيرته فكتب إليه: " إني أيقظت رأيي وأنمت هواي، فأدنيت السيد المطاع في قومه، ووليت الحرب الحازم في أمره، وقلّدت الخراج الموفرّ لأمانته، وقسمت لكل خصم من نفسي قسماً يعطيه حظّاً من نظري ولطيف عنايتي، وصرفت السيف إلى النّطف المسيء، والثواب إلى المحسن البريء فخاف المريب صولة العقاب، وتمسك المحسن بحظه من الثواب " .
وكان يقول لأهل الشام: " إنما أنا لكم كالظّليم الرائح عن فرخه: ينفي عنها القذر ويباعد عنها الحجر ويكنّها من المطر ويحميها من الضّباب ويحرسها من الذئاب. يا أهل الشأم أنتم الجنّة والرداء وأنتم العدّة والحذاء " .
رد معاوية على سليم مولى زيادفخر سليم مولى زياد بزياد عند معاوية فقال معاوية: " اسكت ما أدرك صاحبك شيئاً قطّ بسيفه إلا وقد أدركت أكثر منه بلساني " .
تعريف عبد الملك للسياسةوقال الوليد لعبد الملك: يا أبت ما السياسة؟ قال: " هيبة الخاصّة مع صدق مودّتها واقتياد قلوب العامة بالإنصاف لها واحتمال هفوات الصّنائع " .
وفي كتب العجم: " قلوب الرعية خزائن ملوكهم فما أودعتهم من شيء فلتعلم أنه فيها " .
ووصف بعض الملوك سياسته فقال: " لم أهزل في وعد ولا وعيد ولا أمر ولا نهي ولا عاقبت للغضب واستكفيت على الجزاء وأثبت على العناء لا الهوى، وأودعت القول هيبة لم يشبهم مقت وودّا لم تشبه جرأة وعمّمت بالقوت ومنعت الفضول " .
وصية أبرويز لابنه شيرويهوقرأت في كتاب التاج: قال أبرويز لابنه شيرويه وهو في حبسه: " لا توسعنّ على جندك فيستغنوا عنك ولا تضيقنّ عليهم فيضجّوا منك، أعطهم عطاء قصداً وامنعهم منعاً جميلاً ووسّع عليهم في الرجاء ولا توسّع عليهم في العطاء " .
ونحوه قول المنصور في مجلسه لقوّاده: صدق الأعرابي حيث يقول: أجع كلبك يتبعك. فقام أبو العباس الطّوسي فقال: يا أمير المؤمنين أخشى أن يلوّح له غيرك برغيف فيتبعه ويدعك.
وصية عمر للأشعريوكتب عمر إلى أبي موسى الأشعريّ: " أما بعد، فإن للناس نفرة عن سلطانهم فأعوذ باللّه أن تدركني وإياك عمياء مجهولة وضغائن محمولة، أقم الحدود ولو ساعة من نهار، وإذا عرض لك أمران: أحدهما اللّه، والآخر للدينا فآثر نصيبك من اللّه فإن الدنيا تنفد والآخرة تبقى، وأخيفوا الفسّاق وأجعلوهم يداً يداً ورجلاً رجلاً، وعد مرضى المسلمين واشهد جنائزهم وافتح لهم بابك وباشر أمورهم بنفسك فإنما أنت رجل منهم غير أن اللّه جعلك أثقلهم حملاً، وقد بلغني أنه قد فشا لك ولأهل بيتك هيئة في لباسك ومطعمك ومركبك ليس للمسلمين مثلهم ، فإياك يا عبد اللّه أن تكون بمنزلة البهيمة مرّت بوادٍ خصيب فلم يكن لهم همٌّ إلا السّمن وإنما حتفهم في السمن، واعلم أن العامل إذا زاغ زاغت رعيّته، وأشقى الناس من شقي الناس به، والسلام " .
لعبد اللّه بن زبير في معاوية
هشام بن عروة قال: " صلى يوماً عبد اللّه بن الزبير فوجم بعد الصلاة ساعة فقال الناس: لقد حدّث نفسه. ثم التفت إلينا فقال: لا يبعدنّ ابن هند! إن كانت فيه لمخارج لا نجدهم في أحد بعده أبدا. واللّه إن كنا لنفرّقه وما الليث الحرب على براثنه بأجرأ منه فيتفارق لنا. وإن كنا لنخدعه وما ابن ليلةٍ من أهل الأرض بأدهى منه فيتخادع لنا، واللّه لوددت أنّا متّعنا به ما دام في هذا حجر - وأشار إلى قبيس - لا يتخوّن له عقل ولا تنتقص له قوّة. قلنا: أوحش واللّه الرجل. قال: وكان يصل بهذا الحديث: وكان واللّه كما كان العذري:
ركوب المنابر وثّابهم ... معنٌّ بخطبته مجهر
نريع إليه هوادي الكلام ... إذا خطل النثر المهمر
حدّثني أبو حاتم قال: حدّثنا الأصمعيّ قال: حدّثنا جد سران، وسران عمّ الأصمعيّ قال: " كلم الناس عبد الرحمن بن عوف أن يكلم عمر بن الخطاب في أن يلين لهم فإنه قد أخافهم حتى إنه قد أخاف الأبكار في خدورهنّ. فقال عمر: إني لا أجد لهم إلا ذلك، إنهم لو يعلمون ما لهم عندي لأخذوا ثوبي من عاتقي " .
قال: وتقدمت إليه امرأة فقالت: " يا أبا عقر حفص، اللّه لك. فقال: ما لك أعقرت؟ أي دهشت، فقالت: صلعت فرقتك.
قال أشجع السلميّ في إبراهيم بن عثمان:
لا يصلح السلطان إلا شدّةٌ ... تغشى البريء بفضل ذنب المجرم
ومن الولاة مقحّمٌ لا يتّقى ... والسيف تقطر شفرتاه من الدم
منعت مهم بتكن النفوس حديثهم ... بالأمر تكرهه وإن لم تعلم
كان يقال: " شر الأمراء أبعدهم من القرّاء، وشر القرّاء أقربهم من الأمراء " .
كتب عامل لعمر بن عبد العزيز على حمص إلى عمر: " إن مدينة حمص قد تهدّم حصنهم ، فإن رأى أمير المؤمنين أن يأذن لي في إصلاحهفكتب إليه عمر: " أمّا بعد، فحصّنهم بالعدل، والسلام " .
لأعرابي في أميرٍ عادل
ذكر أعرابي أميراً فقال: " كان إذا ولي لم يطابق بين جفونه وأرسل العيون على عيونه، فهو غائب عنهم شاهد معهم، فالمحسن راج والمسيء خائف " .
كلمة لجعفر بن يحيىكان جعفر بن يحيى يقول: " الخراج عمود الملك وما استغزر بمثل العدل ولا استنزر بمثل الظلم " .
وصية أردشير لابنه
وفي كتاب من كتب العجم أن أردشير قال لابنه: " يا بني، إن الملك والدين أخوان لا غنى بأحدهما عن الآخر، فالدين أسٌّ والملك حارس، وما لم يكن له أسّ فمهدوم وما لم يكن له حارس فضائع. يا بني، اجعل حديثك مع أهل المراتب وعطيتك لأهل الجهاد وبشرك لأهل الدين وسرّك لمن عناه ما عناك من أرباب العقول " .
وكان يقال: " مهما كان في الملك فلا ينبغي أن تكون فيه خصال خمس: لا ينبغي أن يكون كذاباً فإنه إذا كان كذاباً فوعد خيراً لم يرج أو أوعد بشرٍّ لم يخف، ولا ينبغي أن يكون بخيلاً فإنه إن كان بخيلاً لم يناصحه أحد ولا تصلح الولاية إلا بالمناصحة، ولا ينبغي أن يكون حديداً فإنه إذا كان حديداً مع القدرة هلكت الرعية، ولا ينبغي أن يكون حسوداً فإنه إذا كان حسوداً لم يشرّف أحداً ولا يصلح الناس إلا على أشرافهم، ولا ينبغي أن يكون جباناً فإنه إذا كان جباناً ضاعت ثغوره واجترأ عليه عدوه " .
كلمة معاوية لابنة عثمانوقدم معاوية المدينة فدخل دار عثمان فقالت عائشة بنت عثمان: واأبتاه، وبكت. فقال معاوية: " يا ابنة أخي إنّ الناس أعطونا طاعة وأعطيناهم أماناً، وأظهرنا لهم حلماً تحته غضب وأظهروا لنا طاعة تحتهم حقد ومع كل إنسان سيفه وهو يرى مكان أنصاره، فإن نكثنا بهم نكثوا بنا ولا ندري أعليّنا تكون أم لنا،ولأن تكوني بنت عمّ أمير المؤمنين خيرٌ من أن تكوني آمرأة من عرض المسلمين
من عبد اللّه بن عباس إلى الحسن بن عليّ
كتب عبد اللّه بن عباس إلى الحسن بن عليّ: " إنّ المسلمين ولّوك أمرهم بعد عليّ فشمّر للحرب وجاهد عدوك ودار أصحابك وآشتر من الظّنين دينه بما لا يثلم دينك، وولّ أهل البيوتات والشرف تستصلح بهم عشائرهم حتى تكون الجماعة، فإن بعض ما يكره الناس، ما لم يتعدّ الحق وكانت عواقبه تؤدي إلى ظهور العدل وعز الدين، خيرٌ من كثير مما يحبون إذا كانت عواقبه تدعو إلى ظهور الجور ووهن الدين " .
حدّثني محمد بن عبيد عن معاوية بن عمرو عن أبي إسحاق عن الأعمش عن إبراهيم قال: " كان عمر إذا قدم عليه الوفد سألهم عن حالهم وأسعارهم وعمن يعرف من أهل البلاد وعن أميرهم هل يدخل عليه الضعيف؟ وهل يعود المريض؟ فإن قالوا نعم، حمد اللّه تعالى، وإن قالوا لا، كتب إليه أقبل " .
اختيار العمال
وصية أبو بكر الصديق عند وفاتهروي أن بكر الصديق رضي اللّه عنه لمّا حضرته الوفاة كتب عهداً فيه: " بسم اللّه الرحمن الرحيم، هذا ما عهد أبو بكر خليفة رسول الّله عند آخر عهده بالدنيا وأوّل عهده بالآخرة، في الحال التي يؤمن فيهم الكافر ويتّقي فيهم الفاجر: إني استعملت عمر بن الخطاب فإن برّ وعدل فذلك علمي به، وإن جار وبدّل فلا علم لي بالغيب، والخير أردت، ولكل امرىء ما اكتسب " وسيعلم الّذين ظلموا أيّ منقلب ينقلبون " .
من وصايا أبرويز إلى ابنه شيرويهوفي التاج أن أبرويز كتب إلى ابنه شيرويه من الحبس: " ليكن من تختاره لولايتك آمرأ كان في ضعة فرفعته، أوذا شرف وجدته مهتضماً فأصطنعته، ولاتجعله آمرأ أصبته بعقوبة فآتّضع عنهم ولا أطاعك بعد ما اذللته ولا أحداً ممن يقع في خلدك أن إزالة سلطانك أحبّ له من ثبوته،وإياك أن تستعمله ضرعاً غمراً كثر إعجابه بنفسه وقلت تجاربه في غيره، ولا كبيراً مدبراً قد أخذ الدهر من عقله كما اخذت السنّ من جسمه
شعر للقيطوقال لقيط في هذا المعنى:
فقّلدوا أمركم اللّه درّكم ... رحب الذراع بامر الحرب مضطلعاً
لا مترفا إن رخاء العيش ساعده ... ولا إذا عضّ مكروهٌ به خشعا
ما زال يحلب درّالدهر أشطره ... يكون متّبعاً يوماً ومتّبعا
حتى آستمرّت على شزرٍ مريريته ... مستحكم السنّ لا فخماً ولا ضرعاً
من الأمثال في الرجل المجرّب
و يقال في مثل: " رأي الشيخ خير من مشهد الغلام ومن أمثال العرب أيضاًفي المجرّب: " العوان لا تعلّم الخمرة
لبعض الخلفاء في الربيع بن زيادقال بعض الخلفاء: دلوني على رجل أستعمله على أمر قد أهمّني. قالوا: كيف تريده؟ قال: " إذا كان في القوم وليس أميرهم كان كأنه أميرهم وإذا كان أميرهم كان كأنه رجل منهم قالوا: لا نعلمه إلا الربيع بن زياد الحارثي. قال: صدقتكم، هو لها.
عبد الرحمن بن عبيد التميمي صاحب شرطة الحجاجو روى الهيثم عن مجالد عن الشّعبي قال: قال الحجاج: دلوني على رجل للشّرط. فقيل: أيّ الرجال تريد؟ فقال: " أريده دائم العبوس طويل الجلوس سمين الأمانة أعجف الخيانة لا يخفق في الحق على جرّةٍ يهون عليه سبال الإشراف في الشفاعة فقيل له: عليك بعبد الرحمن بن عبيد التميمي. فأرسل إليه يستعمله، فقال له: لست أقبلهم إلا أن تكنفيني عيالك وولدك وحاشيتك. قال: يا غلام، ناد في الناس: من طلب إليه منهم حاجة فقد برئت منه الذمة. قال الشعبي: فواللّه ما رأيت صاحب شرطة قطّ مثله، كان لا يحبس إلا في دين، وكان إذا أتي برجل قد نقب على قوم وضع منقبته في بطنه حتى تخرج من ظهره، وإذا أتي بنبّاش حفر له قبراً فدفنه فيه، وإذا أتي برجل قاتل بحديدة اوشهر سلاحاً قطع يده، وإذا اتي برجل قدأحرق على قوم منزلهم أحرقه، وإذا أتي برجل يشكّ فيه وقد قيل إنه لص ولم يكن منه شيء ضربه ثلاثمائة سوط. قال: فكان ربما أقام أربعين ليلة لا يؤتى بأحد فضم إليه الحجاج شرطة البصرة مع شرطة الكوفة.
نصيحة أبرويز إلى ابنه شيرويهوقرأت في كتاب أبرويز إلى ابنه شيرويه: " انتخب لخراجك أحد ثلاثة: إما رجلاً يظهر زهداً في المال ويدّعي ورعاً في الدين فإنّ من كان كذلك عدل على الضعيف وأنصف من الشريف ووفّر الخراج وأجتهد في العمارة، فإن هو لم يرع ولم يعفّ إبقاء على دينه ونظراً لأمانته كان حريّاً أن يخون قليلاً ويوفّر كثيراً آستسراراً بالرياء واكتتاماً بالخيانة، فإن ظهرت على ذلك منه عاقبته على ماخان ولم تحمده على ما وفّر، وإن هو جلّح في الخيانة وبارز بالرياء نكّلت به في العذاب واستنظفت ماله مع الحبس. أو رجلاً عالماً بالخراج غنياً في المال مأموناً في العقل فيدعوه علمه بالخراج إلى الاقتصاد في الحلب والعمارة للأرضين والرفق بالرعية، ويدعوه غناه إلى العفة ويدعوه عقله إلى الرغبة فيما ينفعه والرهبة مما يضره. أو رجلاً عالماً بالخراج مأموناً بالأمانة مقتراً من المال فتوسّع عليه في الرزق فيغتنم لحاجته الرزق ويستكنثر لفاقته اليسير، ويزجي بعلمه الخراج، ويعفّ بأمانته عن الخيانة " .
عمر بن عبد العزيز وأهل العذراستشار عمر بن عبد العزيز في قوم يستعملهم، فقال له بعض أصحابه: عليك بأهل العذر. قال: ومن هم؟ قال: الذين إن عدلوا فهو ما رجوت منهم، وإن قصّروا قال الناس: قد اجتهد عمر.
حديث عدي بن ارطأة مع إياس بن معاوية
فيمن يصلح للولاية من القراءقال عدي بت أرطاة لإياس بن معاوية: دلّني على قوم من القراء أولّهم. فقال له: القرّاء ضربان: فضرب يعملون للآخرة ولا يعملون لك، وضرب يعملون للدّنيا فما ظنّك بهم إذا أنت ولّيتهم فمكّنتهم منهم ؟ قال: فما أصنع؟ قال: عليك بأهل البيوتات الذين يستحيون لأحسابهم فولّهم.
بين الرشيد ورجل أراد توليته القضاءأحضر الرشيد رجلاً ليولّيه القضاء فقال له: إني لا أحسن القضاء ولا أنا فقيه.قال الرشيد: فيك ثلاث خلال: لك شرف والشرف يمنع صاحبه من الدناءة. ولك حلم يمنعك من العجلة، ومن لم يعجل قلّ خطؤه. وأنت رجل تشاور في أمرك ومن شاور كثر صوابه، وأما الفقه فسينضم إليك من تتفقّه به. فولي ماوجدوا فيه مطعناً.
حديث عمر بن هبيرة مع إياس بن معاوية
حين أراد ابن هبيرة توليتهحدّثني سهل بن محمد قال:حدّثنا الأصمعيّ قال: حدّثني صالح بن رستم أبو عامر الخزّار قال: قال لي إياس بن معاوية المزنيّ: أرسل إليّ عمر بن هبيرة فأتيته فساكتني فسكتّ، فلما أطلت قال: إيهٍ. قلت: سل عما بدا لك. قال: أتقرأ القرآن؟ قلت نعم. قال: هل تفرض الفرائض؟ قلت نعم. قال:فهل تعرف من أيام العرب شيئاً؟ قلت نعم. قال: فهل تعرف من أيام العجم شيئاً؟ قلت: أنا بهم أعلم. قال: إني أريد أن أستعين بك. قلت: إن فيّ ثلاثاً لا أصلح معهن للعمل. قال: ماهن؟ قلت: أنا دميم كما ترى، وأنا حديد، وأنا عيٌّ. قال: أما الدمامة فإني لا اريد أن أحاسن بك الناس، وأمّا العيّ فإني أراك تعبر عن نفسك، وأمّا سوء الخلق فيقوّمك السوط. قم، قد وليتك. قال: فولاني وأعطاني ألفي درهم فهما أول مال تموّلته.
من كتاب للهند في السلطان الحازم
قرأت في كتاب للهند: " السلطان الحازم ربما أحب الرجل فأقصاه وآطّرحه مخافة ضره، فعل الذي تلسع الحية إصبعه فيقطعهم لئلا ينتشر سمّها في جسده، وربما أبغض الرجل فأكره نفسه على توليته وتقريبه لغناء يجده عنده كنكاره المرء على الدواء البشع لنفعه " .
كلمة للمأمون في مدح الرجالحدّثني المعلّى بن أيوب قال: سمعت المأمون يقول: " من مدح لنا رجلاً فقد تضمّن عيبه " .
باب صحبة السلطان وآدابهم وتغير السلطان وتلوّنه
وصية العباس لابنه عبد اللّه
حدّثني محمد بن عبيد قال: حدّثنا أبو أسامة عن مجالد الشّعبي عن عبد اللّه بن عباس قال: قال لي أبي: " يا بنيّ إني أرى أمير المؤمنين يستخليك ويستشيرك ويقدّمك على الأكابر من أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، وإني أوصيك بخلال أربع: لا تفشينّ له سرّاً، ولا يجرّبنّ عليك كذباً، ولا تغتابن عنده أحداً، ولا تطو عنه نصيحةقال الشّعبي: قلت لابن عباس: كل واحد خير من الف. إي واللّه ومن عشرة آلاف.
كان يقال: " إذا جعلك السلطان أخا فاجعله أبا، وإن زادك فزده " .
نصيحة زياد لابنهقال زياد لابنه: " إذا دخلت على أمير المؤمنين فادع له ثم اصفح صفحاً جميلاً، ولا يرينّ منك تهلكاً عليه ولا انقباضاً عنه " .
كلمة لمسلم بن عمرو في خدمة السلطانقال مسلم بن عمرو: " ينبغي لمن خدم السلطان ألا يغترّ بهم إذا رضوا عنه ولا يتغير لهم إذا سخطوا عليه ولا يستثقل ما حمّلوه ولا يلحف في مسالتّهم " .
من كتاب للهند في صحبة السلطان ولزوم بابهوقرأت في كتاب للهند: " صحبة السلطان على ما فيهم من العز والثروة عظيمة الخطار، وإنما تشبّه بالجبل الوعر فيه الثمار الطيبة والسباع العادية، فالارتقاء إليه شديد والمقام فيه أشدّ، وليس يتكافأ خير السلطان وشره لأنّ خير السلطان لا يعدو مزيد الحال، وشر السلطان قد يزيل الحال ويتلف النفوس التي لها طلب المزيد، ولا خير في الشيء الذي سلامته مال وجاه وفي نكبته الجائحة والتلف " .
وقرأت فيه: " من لزم باب السلطان بصبر جميل وكظم للغيظ واطّرح للأنفة، وصل إلى حاجته " .
وقرأت فيه: " السلطان لا يتوخى بكرامته الأفضل فالأفضل ولكن الأدنى فالأدنى كالكرم لا يتعلق بأكرم الشجر ولكن بأدناهم منه " .
كلام العربوكانت العرب تقول: " إذا لم تكن من قربان الأمير فكن من بعدانه " .
لابن المقفع في صحبة السلطانوقرأت في آداب ابن المقفع: " لا تكوننّ صحبتك للسلطان إلا بعد رياضة منك لنفسك عن طاعتهم في المكروه عندك وموافقتهم فيما خالفك وتقدير الأمور على أهوائهم دون هواك، فإن كنت حافظاً إذا ولّوك، حذراً إذا قرّبوك، أميناً إذا ائتمنوك، تعلمهم وكأنك تتعلم منهم، وتؤدبهم وكأنك تتأدب بهم، وتشكر لهم ولا تكلفهم الشكر، ذليلاً إن صرموك، راضياً إن أسخطوك، وإلا فالبعد منهم كلّ البعد والحذر منهم كلّ الحذر. وإن وجدت عن السلطان وصحبته غنًى فاستغن به فإنه من يخدم السلطان بحقّه يحل بينه وبين لذة الدنيا وعمل الآخرة، ومن يخدمه بغير حقه يحتمل الفضيحة في الدنيا والوزر في الآخرة " .
وقال: " إذا صبحت السلطان فعليك بطول الملازمة في غير طول المعاتبة، وإذا نزلت منه منزلة الثقة فاعزل عنه كلام الملق ولا تكنثرن له في الدعاء إلا أن تكنلمه على رؤوس الناس ولا يكوننّ طلبك ما عنده بالمسألة ولا تستبطئنّه إن أبطأ. اطلبه بالاستحقاق ولا تخبرنه أن لك عليه حقاً وأنك تعتدّ عليه ببلاء. وإن استطعت ألا ينسى حقّك وبلاءك بتجديد النصح والاجتهم فافعل. ولا تعطينه المجهود كله في أوّل صحبتك له فلا تجد موضعاً للمزيد ولكن دع للمزيد موضعاً. وإذا سأل غيرك فلا تكن المجيب. واعلم أن استلابك للكلام خفةٌ بك واستخفاف منك بالسائل والمسؤول، فما أنت قائل إن قال لك السائل: ما إياك سألت، وقال لك المسؤول: اجب أيهم المعجب بنفسه المستخفّ بسلطانه؟ وقال: " مثل صاحب السلطان مثل راكب الأسد يهم به الناس وهو لمركبه أهيب " .
نصيحة عبد الملك بن صالح المؤدب ولده
وقال عبد الملك بن صالح لمؤدّب ولده بعد أن اختصه لمجالسته وحادثته: " كن على التماس الحظ بالسكوت أحرص منك على التماسه بالكلام فإنهم قالوا: إذا أعجبك الكلام فاصمت وإذا اعجبك الصمت فتكنلم. يا عبد الرحمن لا تساعدني على ما يقبح بي ولا تردّنّ عليّ الخطأ في مجلسي، ولا تكلّفني جواب التشميت والتّهنئة ولا جواب السؤال والتعزية، ودع عنك كيف أصبح الأمير وأمسى. وكلّمني بقدر ما استنطقتك واجعل بدل التقريظ لي حسن الاستماع مني، واعلم أن صواب الاستماع أقل من صواب القول، وإذا سمعتني أتحدّث فأرني فهمك في طرفك وتوقّفك ولا تجهد نفسك في تطرية صوابي، ولا تستدع الزيادة من كلامي بما تظهر من استحسان ما يكون مني، فمن أسوأ حالاً ممن يستكدّ الملوك بالباطل فيدلّ على تهاونه، وما ظنك بالملك وقد أحلّك محلّ المعجب بما تسمع منه وقد أحللته محل من لا يسمع منه؟ وأقل من هذا يحبط إحسانك ويسقط حقّ حرمةٍ إن كانت لك. إني جعلتك مؤدّباً بعد أن كنت معلّماً وجعلتك جليساً مقرّباً بعد أن كنت مع الصبيان مباعداً ومتى لم تعرف نقصان ما خرجت منه لم تعرف رجحان ما دخلت فيه، ومن لم يعرف سوء ما يولّى لم يعرف حسن ما يبلى " .
بين أبي مسلم الخراساني والسفاحدخل أبو مسلم على أبي العباس وعنده أبو جعفر فسلّم على أبي العباس فقال له: يا أبا مسلم، هذا أبو جعفر! فقال: يا أمير المؤمنين، هذا موضع لا يقضى فيه إلا حقك.
للفضل بن الربيع في مسألة الملوكقال الفضل بن الربيع: " مسألة الملوك عن أحوالهم من تحيات النّوكى، فإذا أردت أن تقول: كيف أصبح الأمير، فقل: صبّح اللّه الأمير بالكرامة. وإذا أردت أن تقول: كيف يجد الأمير نفسه، فقل: أنزل اللّه على الأمير الشفاء والرحمة، فإن المسألة توجب الجواب، فإن لم يجبك اشتدّ عليك وإن اجابك اشتدّ عليه " .
لابن المقفع في ما يجب سلوكه مع السلطانوقرأت في آداب ابن المقفع: " جانب المسخوط عليه والظّنين عند السلطان ولا يجمعنك وإياه مجلس ولا منزل ولا تظهران له عذراً ولا تثن عليه عند أحد، فإذا رأيته قد بلغ في الانتقام ما ترجو أن يلين بعده فاعمل في رضاه عنك برفق وتلطّف، ولا تسارّ في مجلس السلطان أحداً، ولا تومىء إليه بجفنك وعينك فإن السّرار يخيّل إلى كل من رآه من ذي سلطان وغيره أنه المراد به، وإذا كلّمك فاصغ إلى كلامه ولا تشغل طرفك عنه بنظر ولا قلبك بحديث نفس " .
من كتاب الهند في آداب الوزير مع السلطانوقرأت في كتاب للهند أنه أهدي لملك الهند ثياب وحلي، فدعا بامرأتين له وخيّر أحظاهما عنده بين اللباس والحلية، وكان وزيره حاضراً، فنظرت المرأة إليه كالمستشيرة له فغمزها باللباس تغضيناً بعينه، ولحظه الملك، فاختارت الحلية لئلا يفطن للغمزة، ومكث الوزير أربعين سنة كاسراً عينه لئلا تقرّ تلك في نفس الملك وليظنّ أنه عادة أو خلقة، وصار اللباس للأخرى فلما حضرت الملك الوفاة قال لولده: توصّ بالوزير خيراً فإنه اعتذر من شيء يسير أربعين سنة.
لشبيب بن شيبة فيمن يخدم السلطانقال شبيب بن شيبة: " ينبغي لمن ساير خليفة أن يكون بالموضع الذي إذا أراد الخليفة أن يسأله عن شيء لم يحتج إلى أن يلتفت، ويكون من ناحية إن التفت لم تستقبله الشمس. وإن سار بين يديه أن يحيد عن سنن الريح التي تؤدّي الغبار إلى وجهه " .
نصيحة ناسك لآخرقال رجل من النساك لآخر: " إن ابتليت بأن تدخل إلى السلطان مع الناس فأخذوا في الثناء فعليك بالدعاء " .
بين المأمون ويحيى بن أكثمقال ثمامة: كان يحيى بن أكثم يماشي المأمون يوماً في بستان موسى والشمس عن يسار يحيى والمأمون في الظل وقد وضع يده على عاتق يحيى وهما يتحادثان حتى بلغ حيث أراد ثم كرّ راجعاً في الطريق التي بدأ فيهم فقال ليحيى: كانت الشمس عليك لأنك كنت على يساري وقد نالت منك فكن الآن حيث كنت وأتحوّل أنا حيث كنت. فقال يحيى: واللّه يا أمير المؤمنين لو أمكنني أن أقيك هول المطلع بنفسي لفعلت. فقال المأمون: لا واللّه لابدٌّ من أن تأخذ الشمس مني مثل ما أخذت منك. فتحوّل يحيى وأخذ من الظل مثل الذي أخذ منه المأمون.
وقال المأمون: " أوّل العدل أن يعدل الرجل على بطانته ثم على الذين يلونهم حتى يبلغ العدل الطبقة السفلى " .
للأحنف في الانقباض على السلطانالمدئني قال: قال الأحنف: " لا تنقبضوا عن السلطان ولا تهالكوا عليه فإنه من أشرف للسلطان أذراه، ومن تضرّع له أحظاه " .
؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟لحذيفة بن اليمان في التعرض لسلطان اللّه في الأرض
حدّثني يزيد بن عمرو وقال: حدّثني محمد بن عمرو الرومي قال: حدّثنا زهير بن معاوية عن أبي إسحاق عن زيد بن يثيع، قال: قال حذيفة بن اليمان: " ما مشى قوم قطّ إلى سلطان اللّه في الأرض ليذلّوه إلا أذلّهم اللّه قبل أن يموتوا " .
لهشام بن عبد الملك في صحبة السلطان؟؟؟وفي أخبار خالد بن صفوان أنه قال: دخلت على هشام بن عبد الملك فاستدناني حتى كنت أقرب الناس منه فتنفّس ثم قال: يا خالد، لربّ خالدٍ قعد مقعدك هذا أشهى إليّ حديثاً منك. فعلمت أنه يعني خالد بن عبد اللّه. فقلت: يا أمير المؤمنين، أفلا تعيده؟ فقال: إن خالداً أدلّ فأملّ وأوجف فأعجف ولم يدع لراجع مرجعاً، على أنه ما سألني حاجة. فقلت: يا أمير المؤمنين، ذاك أحرى. فقال: هيهات.
إذا لنصرفت نفسي عن الشيء لم تكن ... إليه بوجهٍ آخر الدهر تقبل
بين منكة الهندي ويحيى بن خالد البرمكيحدّثنا الفضل بن محمد بن منصور بمعنى هذا الحديث، وببعضه نهيك: اعتل يحيى بن خالد فبعث إلى منكة الهندي فقال له: ما ترى في هذه العلة؟ فقال منكة: داؤك كبير ودواؤه يسير وأيسر منه الشكر. وكان متفنناً. فقال له يحيى: ربما ثقل على السمع خطرة الحقّ به، فإذا كان ذلك كانت الهجرة له ألزم من المفاوضة فيه. قال منكة: صدقت ولكني أرى في الطوالع أثراً والأمد فيه قريب وأنت قسيم في المعرفة وقد نبهت، وربما تكون صورة الحركة للكوكب عقيمة ليست بذات نتاج ولكن الأخذ بالحزم أوفر حظ الطالبين. قال يحيى: للأمور منصرف إلى العواقب وما حتم لا بد من أن يقع، والمنعة بمسالمة الأيام نهزة فاقصد لما دعوتك له من هذا الأثر الموجود بالمزاج. قال منكة: هي الصفراء مازجتهم مائيةٌ من البلغم فحدّث لهم بذلك ما يحدّث اللّهب عند مماسّته رطوبة المادة من الاشتعال فخذ ماء رمّانتين فدقّهما بإهليلجة سوداء تنهضك مجلساً أو مجلسين وتسكّن ذلك التوقد الذي تجد إن شاء اللّه.
فلما كان من حديثهم الذي كان، تلّطف منكة حتى دخل على يحيى في الحبس فوجده جالساً على لبد ووجد الفضل بين يديه يمهن أي يخدم، فاستعبر منكة وقال: قد كنت ناديت لو أعرت الإجابة. قال له يحيى: أتراك علمت من ذلك شيئاً جهلته؟ كلا ولكنه كان الرجاء للسلامة بالبراءة من الذنب أغلب من الشّفق وكان مزايلة القدر الخطير عبئاً قلّما تنهض به الهمة. وبعد فقد كانت نعمٌ أرجو أن يكون أوّلهم شكراً وآخرهم أجراً. فما تقول في هذا الداء؟ قال له منكة: ما أرى له دواء أنجع من الصبر، ولو كان يفدي بمال أو مفارقة عضو كان ذلك مما يجب لك. قال يحيى: قد شكرت لك ما ذكرت فإن أمكنك تعهدنا فافعل. قال منكة: لو أمكنني تخليف الروح عندك ما بخلت بذلك، فإنما كانت الأيام تحسن لي بسلامتك. قال الفضل كان يحيى يقول: دخلنا في الدنيا دخولاً أخرجنا منهم .
من كتاب الهند في قلة وفاء السلطان لأصحابهوقرأت في كتاب للهند: " إنما مثل السلطان في قلة وفائه للأصحاب وسخاء نفسه عمن فقد منهم مثل البغيّ والمكتّب، كلما ذهب واحد جاء بآخر " .
للعرب في وصف السلطانوالعرب تقول: " السلطان ذو عدوانٍ وذو بدوانٍ وذو تدرٍأ " ، يريدون أنه سريع الإنصراف كثير البدوات هجومٌ على الأمور " .
لأبي مسلم الخرساني في أن المعرفة لا تقدرعلى دفع المقدّر المحتوم
قال معاذ بن مسلم: رأيت أبا جعفر وأبا مسلم دخلا الكعبة فنزع أبو جعفر نعله فلما أراد الخروج قال: يا عبد الرحمن، هم ت نعليّ. فجاء بهم ، فقال: يا معاذ ضعهم في رجلي. فألبسته إياهم فحقد ذلك أبو مسلم. ووجّه أبو جعفر يقطين بن موسى إلى أبي مسلم لإحصاء الأموال فقال أبو مسلم: أفعلهم ابن سلامة الفاعلة؟ لا يكّني. فقال يقطين: عجّلت أيهم الأمير، قال: وكيف؟ قال: أمرني أن أحصي الأموال ثم أسلّمهم إليك لتعمل فيهم برأيك. ثم قدم يقطين على المنصور فأخبره. فلما قدم أبو مسلم المدائن في اليوم الذي قتل فيه جعل يضرب بالسوط معرفة برذونه ويقول بالفارسية كلاماً معناه: ما تغني المعرفة إذا لم يقدر على دفع المحتوم. ثم قال: جارّة ذيلهم. تدعو يا ويلهم ، بدجلة أو حولهم ، كأنا بعد ساعة،قد صرنا في دجلة.
من كلام أبي جعفر المنصورقال المنصور: " ثلاث كنّ في صدري شفى الله منهم: كتاب أبي مسلم إليّ وأنا خليفة: عافانا اللّه وإياك من السوء. ودخول رسوله عليّنا وقوله: أيكم ابن الحارثيّة؟ وضرب سليمان بن حبيب ظهري بالسياط " .
بين المنصور وسلم بن قتيبة في قتل أبي مسلم الخراسانيقال المنصور لسلم بن قتيبة: ما ترى في قتل أبي مسلم؟ فقال سلم: " لو كان فيهما آلهة إلا اللّه لفسدتافقال: حسبك يابا أميّة.
شعر لأبي دلامةقال أبو دلامة:
أبا مجرم ماغيّر اللّه نعمة ... على عبد ه حتى يغيّرهم العبد
أفي دولة المهديّ حاولت غدرة ... ألا إن أهل الغدر آباؤك الكرد
أبا مجرم خوفتني القتل فانتحى ... عليك بما خوفتني الأسد الورد
بين مروان بن محمد و عبد الحميد الكاتبقال مروان بن محمد لعبد الحميد حين أيقن بزوال ملكه: " قد احتجت إلى أن تصير مع عدوّي وتظهر الغدر بي، فإن إعجابهم بأدبك وحاجتهم إلى كتابك تدعوهم إلى حسن الظن بك، فإن استطعت أن تنفعني في حياتي وإلا لم تعجز عن حفظ حرمتي بعد وفاتيفقال عبد الحميد: إن الذي أمرتني به أنفع الأمرين لك وأقبحهما بي وما عندي إلا الصبر معك حتى يفتح الله لك أو أقتل معك. وقال:
أسرّ وفاء ثم اظهر غدرة ... فمن لي بعذرٍ يوسع الناس ظاهره
المشاورة والرأي
عن الحسن في مشاورة النبي صلى الله عليه وسلم النساءحدّثنا الزّياديّ قال: حدّثنا حماد بن زيد عن هشان عن الحسن قال: " كان النبيّ يستشير حتى المرأة فتشير عليه بالشيء فيأخذ به
من كتاب التاج في استشارة الملكوقرأت في التاج أن بعض ملوك العجم استشار وزراءه، فقال أحدهم: " لا ينبغي للملك أن يستشير منا أحداً إلا خالياً به، فإن أموت للسر وأحزم للرأي وأجدر بالسلامة وأعفى لبعضنا من غائلة بعض. فإن إفشاء السر إلى رجل واحد أوثق من إفشائه إلى اثنين، وإفشاءه إلى ثلاث كإفشائه إلى العامّة لأن الواحد رهن بما أفشي إليه، والثاني يطلق عنه ذلك الرهن والثالث علاوة فيه، وإذا كان سر الرجل عند واحد كان أحرى ألا يظهره رهبةً منه ورغبة إليه، وإذا كان عند اثنين دخلت على الملك الشبهة واتسعت على الرجلين المعاريض، فإن عاقبهما عاقب اثنين بذنب واحد، وإن آتهمهما اتهم بريئاً بجناية مجرم، وإن عفا عنهما كان العفو عن أحدهما ولا ذنب له وعن الآخر ولا حجة معه
أيضاً من كتاب الهند في الاستشارة
وقرأت في كتاب للهند أن ملكاً استشار وزراء له، فقال أحدهم: " الملك الحازم يزداد برأي الوزراء الحزمة كما يزداد البحر بموادّه من الأنهم ر، وينال بالحزم والرأي مالايناله بالقوّة و الجنود، وللأسرار منازل: منهم ما يدخل الرهط فيه، ومنهم ما يستعان فيه بقوم، ومنهم ما يستغنى فيه بواحد. وفي تحصين السر الظّفر بالحاجة والسلامة من الخلل. والمستشير وإن كان أفضل رأياً من المشير، فإنه يزداد برأيه رأياً كما تزداد النار بالسّليط ضوءاً. وإذا كان الملك محصّناً لسره بعيداً من أن يعرف ما في نفسه متخيّراً للوزراء مهيباً في أنفس العامة كافياً بحسن البلاء لا يخافه البريء ولا يأمنه المريب مقدّراً لما يفيد وينفق، كان خليقاً لبقاء ملكه. ولا يصلح لسرّنا هذا إلا لسانان وأربع آذان. ثم خلا به
من كتاب إلى بعض السلاطين
قال أبو محمد: كتبن إلى بعض السلاطين كتاباً وفي فصل منه: " لم يزل حزمة الرجال يستحلون مرارة قول النصحاء ويستشهدون العيوب ويستثيرون صواب الرأي من كلٍّ حتى الأمة الوكعاء، ومن احتاج إلى إقامة دليل على ما يدّعيه من مودّته ونقاء طويّته فقد أغناني اللّه عن ذلك بما أوجبه الاضطرار إذ كنت أرجو بدوام نعمتكن وارتفاع درجتكن وانبساط جاهك ويدك زيادة الحال ؟؟؟؟؟؟؟؟؟وفي فصل آخر: " وقد تحملت في هذا الكتاب بعض العتب وخالفت ما أعلم إذ عرضت بالرأي ولم أستشر وأحللت نفسي محل الخواصّ ولم أحل ونزعت بي النفس، حين جاشت وضاقت بما تسمع، عن طريق الصواب لهم إلى طريق الصواب لك، وحين رأيت لسان عدوّك منبسطاً بما يدّعيه عليك وسهامه نافذة، ورأيت وليّك معكوماً عن الاحتجاج إذ لا يجد العذر ورأيت عوامّ الناس يخوضون بضروب الأقاويل في أمرك، ولا شيء أضرّ على السلطان في حال ولا أنفع في حال منهم. وبما يجريه اللّه على ألسنتهم تسير الركبان وتبقى الأخبار ويخلد الذكر على الدهر وتشرف الأعقاب، وظاهر الخبر عندهم أعدل من شهم دة العدول الثقات وفي فصل منه: " وسائس الناس ومدبر أمورهم يحتاج إلى سعة الصدر واستشعار الصبر واحتمال سوء أدب العامّة وإفهام الجاهل وإرضاء المحكوم عليه والممنوع مما يسأل بتعريفه من أين منع، والناس لا يجمعون على الرضا إذا جمع لهم كل أسباب الرضا فكيف إذا منعوا بعضهم ، ولايعذرون بالعذر الواضح فكيف بالعذر الملتبس، وأخوك من صدقك وآرتمض لك، لا من تابعك على هواك ثم غاب عنك بغير ما أحضرك
لزياد يشاور رجلاً
قال زياد لرجل يشاوره: " لكل مستشير ثقة ولكل سر مستودع، وإن الناس قد ابدعت بهم خصلتان: إضاعة السر، وإحراج النصيحة. وليس موضع السر إلا أحد رجلين: رجل آخرة يرجو ثواب اللّه، أو رجل دنيا له شرف في نفسه وعقل يصون به حسبه، وقد عجمتهما لك " .
لبعض الكتّاب في النّصح والغشّ
وكتب بعض الكتّاب: " اعلم أن الناصح لك المشفق عليك من طالع لك وراء العواقب برؤيته ونظره، ومثّل لك الأحوال المخوفة عليك، وخلط لك الوعر بالسهل من كلامه ومشورته ليكون خوفك كفئاً لرجائك وشكرك إزاء النعمة عليك. وأن الغاشّ لك الحاطب عليك من مدّ لك في الاغترار ووطّأ لك مهاد الظلم وجرى معك في عنانك منقاداً لهواك " .
وفي فصل: " إني وإن كنت ظنيناً عندك في هذا الحال ففي تدبرك صفحات هذه المشورة ما دلك على أن مخرجهم عن صدق وإخلاص " .
لعبيد اللّه بن عمر في المشورة، ثم لنصر بن مالك
إبراهيم بن المنذر قال: استشار زياد بن عبيد اللّه الحارثي عبيد اللّه بن عمر في أخيه أبي بكر أن يوليه القضاء، فأشار عليه به، فبعث إلى أبي بكر فامتنع عليه، فبعث زياد إلى عبيد اللّه يستعين به على أبي بكر، فقال أبو بكر لعبيد اللّه: أنشدك باللّه أترى لي أن آلي القضاء؟ قال: اللهم لا. قال زياد: سبحان اللّه! استشرتك فأشرت عليّ به ثم أسمعك تنهاه! قال: أيها الأمير استشرتني فاجتهدت لك رأيي ونصحتك، واستشارني فاجتهدت له رأيي ونصحته.
كان نصر بن مالك على شرط أبي مسلم، فلما جاءه إذن أبي جعفر في القدوم عليه استشاره فنهاه عن ذلك وقال: لا آمنه عليك. قال له أبو جعفر لما صار إليه: استشارك أبو مسلم في القدوم عليّ فنهيته؟ قال: نعم. قال: وكيف ذلك؟ قال: سمعت أخاك ابراهيم الإمام يحدّث عن أبيه محمد بن عليّ قال: " لايزال الرجل يزاد في رأيه ما نصح لمن استشاره " وكنت له كذلك وأنا اليوم لك كم كنت له.
لمعاوية في الحلمقال معاوية: " لقد كنت ألقى الرجل من العرب أعلم أن في قلبه عليّ ضغنا فأستشيره، فيثير إليّ منه بقدر ما يجده في نفسه فلا يزال يوسعني شتماً وأوسعه حلماً حتى يرجع صديقاً أستعين به فيعينني وأستنجده فينجدني
نصيحة ابرويز لابنه في المشورة
وقرأت في كتاب أبرويز إلى ابنه شيرويه وهو في حبسه: " عليك بالمشورة فإنك واحد في الرجال من ينضج لك الكيّ ويحسم عنك الداء ويخرج لك المستكن ولا يدع لك في عدوّك فرصة إلا انتهزهم ولا لعدوّك فيك فرصة إلا حصّنها، ولا يمنعك شدّة رأيك في ظنك ولا علوّ مكانك في نفسك من أن تجمع إلى رأيك رأي غيرك فإن أحمدت اجتنيت وإن ذممت نفيت، فإن في ذلك خصالاً: منهم أنه إن وافق رأيك ازداد رأسك شدّة عندك، وإن خالف رأيك عرضته على نظرك، فإن رأيته معتلياً لما رأيت قبلت، وإن رأيته متّضعاً عنه استغنيت، ومنهم أنه يجدّد لك النصيحة ممن شاورت وإن أخطأ ويمحض لك مودّته وإن قصّر " .
من كتاب الهند في المشورةوفي كتاب للهند: " من التمس من الأخوان الرخصة عند المشورة ومن الأطباء عند المرض ومن الفقهاء عند الشبهة، أخطأ الرأي وازداد مرضاً وحمل الوزر " .
من كلام ابن المقفعوفي آداب ابن المقفع: " لا يقذفن في روعك أنك إن استشرت الرجال ظهر للناس منك الحاجة إلى رأي غيرك، فيقطعك ذاك عن المشاورة، فإنك لا تريد الرأي للفخر به ولكن للانتفاع به. ولو أنك أردت الذكرى كان أحسن الذكر عند الألبّاء أن يقال: لا ينفرد برأيه دون ذوي الرأي من إخوانه.
قول لعمر بن الخطاب في الرأيقال عمر بن الخطاب: " الرأي الفرد كالخيط السّحيل، والرأيان كالخيطان المبرمين، والثلاثة مرار لا يكاد ينتقض " وقال أشجع:
رأيٌ سرى وعيون الناس هاجعةٌ ... ما أخر الحزم رأيٌ قدّم الحذرا
قول المهلب للحجاج في الرأيكتب الحجاج إلى المهلّب يستعجله في حرب الأزارقة، فكتب إليه المهلب: " إن من البلاء أن يكون الرأي لمن يملكه دون من يبصره " .
من كلام عبد اللّه بن وهب يوم عقدت له الخوارج
وقيل لعبد اللّه بن وهب الراسبيّ يوم عقدت له الخوارج: تكلم. فقال: ما أنا والرأي الفطير والكلام القضيب. وقال أيضاً: خمير الرأي خير من فطيره، ورب شيء غابّه خير من طريّه، وتأخيره خير من تقديمه. وقيل لآخر: تكلّم. فقال: ما أشتهي الخبز إلا بائتاً.
لابن هبيرة في الصحبةكان ابن هبيرة يقول: " اللهم إني أعوذ بك من صحبة من غايته خاصة نفسه والإنحطاط في هوى مستشيره، وممن لا يلتمس خالص مودّتك إلا بالتأتّي لموافقة شهوتكن، ومن يساعدك على سرور ساعتك ولا يفكر في حوادث غدك " .
وكان يقال: " من أعطي أربعاً لم يمنع أربعاً:من أعطي الشكر لم يمنع المزيد، ومن أعطي التوبة لم يمنع القبول، ومن أعطي المشورة لم يمنع الصواب، ومن أعطي الاستخارة لم يمنع الخيرة " .
فيمن يستشار من أصناف الناسوكان يقال: لا تستشر معلّماًولا راعي الغنم ولا كثير القعود مع النساء.
وكان يقال: لاتشاور صاحب حاجة يريد قضاءها ولا جائعاً ولا حاقن بول. وقالوا: " لا رأي لحاقن ولا لحازق " وهو الذي ضغطه الخف " ولا لحاقب " وهو الذي يجد رزّا في بطنه.
وقالوا أيضاً: لا تشاور من لا دقيق عنده.
لبعض ملوك العجم في خطأ الرأيوكان بعض ملوك العجم إذا شاور مرازبته فقصّروا في الرأي دعا الموكّلين لأرزاقهم فعاقبهم، فيقولون: تخطىء مرازبتك وتعاقبنا! فيقول: نعم، إنهم لم يخطئوا إلا لتعلّق قلوبهم بأرزاقهم وإذا اهتموا أخطأوا.
وكان يقال: إنّ النفس إذا أحرزت " قوتهم " ورزقهم اطمأنت.
لكعب فيمن يستشاروقال كعب: لا تستشيروا الحاكة فإن اللّه سلبهم عقولهم ونزع البركة من كسبهم.
شعر في المشاورةقال الشاعر:
وأنفع من شاروت من كان ناصحاً ... شفيقاً فأبصر بعدهم من تشاور
وليس بشافيك الشفيق ورأيه ... عزيب ولا ذو الرأي والصدر واغر
ويقال: علامة الرشد أن تكون النفس مشتاقة وقال آخر:
إذا بلغ الرأي النصيحة فاستعن ... برأي نصيح أو نصيحة حازم
ولا تحسب الشّورى عليك غضاضة ... فإن الخوافي رافدات القوادم
وخلّ الهوينا للضعيف ولا تكن ... نؤوماً فإن الحزم ليس بنائم
وأدن من القربى المقرّب نفسه ... ولا تشهد الشورى أمرأ غير كاتم
وما خير كفّ أمسك الغلّ أختها ... وما خير سيفٍ لم يؤيّد بقائم
فإنك لم تصطرد الهمّ بالمنى ... ولن تبلغ العليّا بغير المكارم
؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
لأعرابي في المشاورةقال أعرابي: ما غبنت قط حتى يغبن قومي. قيل: وكيف ذلك؟ قال: لا أفعل شيئاً حتى أشاورهم.
قول لعبسيّ في الحزم والطاعة
قيل لرجل من بني عبس: ما أكثر صوابكم! فقال: نحن ألف رجل وفينا حازم واحد ونحن نطيعه، فكأنا ألف حازم. ويقال: " ليس بين الملك وبين أن يملك رعيته أو تملكه إلا حزم أو توانٍ " .
شعر للقطامي، ثم للرياشي، في معصية الناصحوقال القطامي في معصية الناصح:
ومعصية الشفيق عليك مما ... يزيدك مرّة منه استماعاً
وخير الأمر ما استقبلت منه ... وليس بأن تتبّعه اتّباعاً
كذلك وما رأيت الناس إلا ... إلى ما جرّ غاويهم سراعاً
تراهم يغمزون من استركّوا ... ويجتنبون من صدق المصاعا
وقال آخر: أنشدنيه الرياشيّ:
ومولًى عصاني واستبدّ برأيه ... كما لم يطع بالبقّتين قصير
فلمّا رأى أن غبّ أمري وأمره ... وولّت بأعجاز الأمور صدور
تمنّى بئيساً أن يكون أطاعني ... وقد حدّثت بعد الأمور أمور
كلام سبيع لأهل اليمامةوقال سبيع لأهل اليمامة: " يا بني حنيفة بعدا كما بعدت عاد وثمود، أما واللّه لقد أنبأتكم بالأمر قبل وقوعه كأني أسمع جرسه وأبصر غيبه ولكنّكم أبيتم النصيحة فاجتنيتم الندم، وأصبحتم وفي أيديكم من تكذيبي التصديق ومن تهمتي الندامة، وأصبح في يدي من هلاككم البكاء ومن ذلّكم الجزع، وأصبح ما فات غير مردود وما بقي غير مأمون. وإني لمّا رأيتكم تتّهمون النصيحة وتسفّهون الحليم استشعرت منكم اليأس وخفت عليكم البلاء. واللّه ما منعكم اللّه التوبة ولا أخذكم على غرّة ولقد أمهلكم حتى ملّ الواعظ وهن الموعوظ وكنتم كأنما يعنى بما أنتم فيه غيركم " .
قول صديق لآخر نصحهوأشار رجل على صديق له برأي، فقال له: " قد قلت ما يقول الناصح الشفيق الذي يخلط حلو كلامه بمرّه وحزنه بسهله ويحرّك الاشفاق منه ما هو ساكن من غيره، وقد وعيت النصح فيه وقبلته إذ كان مصدره من عند من لا يشكّ في مودته وصافي غيبه، وما زلت بحمد اللّه إلى كل خير طريقاً منهجاً ومهيعاً واضحاً " .
كتاب الخليفة عثمان حين أحيط به إلى عليّ رضي اللّه عنهما
وكتب عثمان إلى عليّ حين أحيط به: " أما بعد فإنه قد جاوز الماء الزّبى وبلغ الحزام الطّبيين وقد تجاوز الأمر بي قدره.
فإن كنت مأكولاً فكن خير آكل ... وإلا فأدركني ولمّا أمزق "
شعر لأوس بن حجر في المشورةوقال أوس بن حجر:
وقد أعتب ابن العم إن كنت ظالماً ... وأغفرعنه الجهل إن كان أجهلا
وإن قال لي ماذا ترى؟ يستشيرني ... يجدني ابن عمّ مخلط الأمر مزيلا
أقيم بدار الحزم ما دام حزمهم ... وأحر إذا حالت بأن أتحوّلا
وأستبدل الأمر القويّ بغيره ... إذا عقد مأفون الرجال تحلّلا
قول في الأناةوكان يقال: " أناة في عواقبهم درك، خير من معاجلة في عواقبهم فوت " .
وأنشدني الرياشيّ:
وعاجز الرأي مضياع لفرصته ... حتى إذا فات أمرٌ عاتب القدر
وكان يقال: " روّ بحزم فإذا استوضحت فاعزم " .
الإصابة بالظن والرأي
لابن الزبير في الاستدلال بالرأيكان ابن الزبير يقول: " لا عاش بخير من لم ير برأيه ما لم ير بعينه " .
لبعض الحكماء في العقلوسئل بعض الحكماء: ما العقل؟ فقال: " الإصابة بالظن ومعرفة ما لم يكن بما كان وكان يقال: " كفى مخبراً عما مضى ما بقي، وكفى عبراً لأولي الألباب ما جرّبوا " .
وكان يقال: " كل شيء محتاج إلى العقل، والعقل محتاج إلى التجارب " .
ويقال: " ما لم ينفعك ظنه لم ينفعك يقينه " .
لأوس بن حجر، وغيرهوقال أوس بن حجر:
الألمعي الذي يظن بك ال ... ظن كأن قد رأى وقد سمعا
وقال آخر:
وأبغي صواب الظنّ أعلم أنه ... إذا طاش ظنّ المرء طاشت مقادره
للإمام عليّ بن أبي طالب في عبد اللّه بن عباس رضي اللّه عنهما
وقال عليّ بن أبي طالب صلوات اللّه عليه في عبد اللّه بن عباس: " إنه لينظر إلى الغيب من ستر رقيق " .
قول في الظنويقال: " ظن الرجل قطعةٌ من عقلهويقال: " الظنون مفاتيح اليقين " .
وقال بعض الكتاب:
أصونك أن أظنّ عليك ظناً ... لأن الظن مفتاح اليقين
شعر للكميت ولغيره في التدبّر
وقال الكميت:
مثل التدبر في الأمر ائتنافكه ... والمرء يعجز في الأقوام لا الحيل
وقال آخر:
وكنت متى تهزز لخطب تغشه ... ضرائب أمضى من رقاق المضارب
تجلّلته بالرأي حتى أريته ... به ملء عينيه مكان العواقب
ولآخر يصف عاقلاً
وقال آخر يصف عاقلاً:
بصير بأعقاب الأمور كأنما ... يرى بصواب الرأي ما هو واقع
وقال آخر في مثله:
عليّم بأعقاب الأمور برأيه ... كأنّ له في اليوم عيناً على الغد
وقال آخر يصف عاقلاً:
عليّم بأعقاب الأمور كأنّما ... يخاطبه من كل أمر عواقبه
لجثامة بن قيس يهجو قوماً
وقال جثامة بن قيس يهجو قوماً:
أنتم أناس عظام لا قلوب لكم ... لا تعلمون أجاء الرشد أم غاب
وتبصرون رؤوس الأمورمقبلةً ... ولا ترون وقد ولّين أذنابا
وقلّما يفجأ المكروه صاحبه ... إذا رأى لوجوه الشر أسباباً
وقال آخر:
فلا يحذرون الشرّ حتى يصيبهم ... ولا يعرفون الأمر إلا تدبّرا
ويقال: " ظن العاقل كهانة " .
من كتاب الهند في طبائع الناسوفي كتاب للهند: " الناس حازمان وعاجز، فأحد الحازمين الذي إذا نزل به البلاء لم يبطر وتلقّاه بحيلته و رأيه حتى يخرج منه، وأحزم منه العارف بالأمر إذا أقبل فيدفعه قبل وقوعه، والعاجز في تردّد وتثنٍّ حائرٌ بائرٌ لا يأتمر رشداً ولا يطيع مرشداً " .
لشاعر في الظن الجميلوقال الشاعر:
وإني لأرجو اللّه حتى كأنّني ... أرى بجميل الظن ما اللّه صانع
وقال آخر:
وغرّة مرّةٍ من فعل غرّ ... وغرّة مرّتين فعال موق
فلا تفرح بأمر قد تدنّى ... ولا تأيس من الأمر السّحيق
فإن القرب يبعد بعد قرب ... ويدنو البعد بالقدر المسوق
ومن لم يتق الضّحضاح زلّت ... به قدماه في البحر العميق
وما اكتسب المحامد طالبوهم ... بمثل البشر والوجه الطّليق
بين مروان بن الحكم وحبيش بن دلجةوقال مروان بن الحكم لحبيش بن دلجة: أظنك أحمق. قال: " أحمق ما يكون الشيخ إذا عمل بظنّه " .
ونقش رجل على خاتمه: " الخاتم خير من الظن ومثله: " طينةٌ خير من ظنّة " .
اتباع الهوىلعامر بن الظّرب في غلبة الرأي الهوى
كان يقال: الهوى شريك العمى.
و قال عامر بن الظّرب: الرأي نائم والهوى يقظان، ولذلك يغلب الرأي الهوى.
وقال ابن عباس: " الهوى إله معبود " وقرأ " أفرأيت من اتّخذ إلهه هواه " .
شعر لهشام بن عبد الملكوقال هشام بن عبد الملك، ولم يقل غيره:
إذا أنت لم تعص الهوى قادك الهوى ... إلى بعض ما فيه عليك مقال
لبزرجمهر في النهي عن اتباع الهوىوقال بزرجمهر: " إذا اشتبه عليك أمران فلم تدر في أيهما الصواب، فانظر أقربهما إلى هواك فاجتنبه " .
ولعمرو بن العاصكان عمرو بن العاص صاحب عمارة بن الوليد إلى بلاد الحبشة ومع عمرو امرأته فوقعت في نفس عمارة فدفع عمراً في البحر فتعلق بالسفينة وخرج، فلما ورد بلاد الحبشة سعى عمرو بعمارة إلى النّجاشيّ وأخبره أنه يخالف إلى بعض نسائه فدعا النّجاشي بالسواحر فنفخن في إحليله فهام مع الوحش، وقال عمرو في ذلك:
تعلّم عمارا أن من شرّ شيمة ... لمثلك أن يدعى ابن عم له ابنما
وإن كنت ذا بردين أحوى مرجّلا ... فلست براءٍ لابن عمك محرما
إذا المرء لم يترك طعاماً يحبّه ... ولم يعص قلباً غاوياً حيث يمّما
قضى وطراً منه يسيراً وأصبحت ... إذا ذكرت أمثاله تملأ الفما
؟ومثله لحاتم طيّء ولآخر وقال حاتم طيّء في مثله:
وإنك إن أعطيت بطنك سؤله ... وفرجك نالا منتهى الذمّ أجمعا
وقال آخر:
جار الجنيد عليّ محتكماً ... جهلا ولست بموضع الظلم
أكل الهوى حججي وربّ هوى ... مما سيأكل حجّة الخصم
؟لأعرابي في الهوى قال أعرابي: " الهوى هوان، ولكن غلظ باسمه " .
؟
للزبير بن عبد المطلب وللبريق الهذليوقال الزبير بن عبد المطّلب:
وأجتنب المقاذع حيث كانت ... وأترك ما هويت لما خشيت
وقال البريق الهذلي:
ابن لي ما ترى والمرء تأبى ... عزيمته ويغلبه هواه
فيعمى ما يرى فيه عليه ... ويحسب ما يراه لا يراه
؟
قول في الأخوةوكان يقال: " أخوك من صدقك وأتاك من جهة عقلك لا من جهة هواك؟
؟
السر وكتمانه وإعلانه
للرسول صلى الله عليه وسلم في الكتمانحدّثني أحمد بن الخليل قال: حدّثنا محمد بن الحصيب قال: حدّثني أوس بن عبد اللّه بن بريدة عن أخيه سهل عن بريدة قال: قال رسول اللّه: " استعينوا على الحرائج بالكتمان فإنّ كلّ ذي نعمة محسود " ..
للحكماء والعرب في السرّ وكانت الحكماء تقول: " سرّك من دمك والعرب تقول: " من ارتاد لسره موضعاً فقد أذاعه " .
بين ابن أبي محجن ومعاويةحدّثني عبد الرحمن بن عبد اللّه بن قريب عن عمه الأصمعيّ قال: أخبرني بعض أصحابنا قال: دخل ابن أبي محجن الثقفي على معاوية، فقال له معاوية: أبوك الذي يقول:
إذا متّ فادفنّي إلى أصل كرمة ... تروّي عظامي بعد موتي عروقهم
ولا تدفننّي في الفلاة فإنّني ... أخاف وراء الموت أن لاأذوقهم
فقال ابن أبي محجن: لو شئت ذكرت أحسن من هذا من شعره. فقال معاوية: وما ذاك؟ قال قوله:
لا تسألي القوم ما مالي وما حسبي ... وسائلي القوم ما حزمي وما خلقي
القوم أعلم أني من سراتهم ... إذا تطيش يد الرّعديدة الفرق
أعطي السّنان غداة الرّوع حصّته ... وعامل الرّمح أرويه من العلق
قد أركب الهول مسدولاً عساكره ... وأكتم السر فيه ضربة العنق
؟؟شعر للصّلتان العبدي
وأنشدني للصّلتان العبدي:
وسرّك ما كان عند امرىء ... وسرّ الثلاثة غير الخفي ؟
الإمام عليّ رضي اللّه عنه وافشاء السر
وكان عليّ بن أبي طالب رضي اللّه عنه يتمثّل بهذين البيتين:
ولا تفش سرّك إلّا إليك ... فإن لكلّ نصيح نصيحا
فإني رأيت غواة الرجا ... ل لا يتركون أديما صحيحا
شعر في كتمان الهوىوقال الشاعر:
ومراقبين تكاتما بهواهما ... جعلا القلوب لما تجنّ قبورا
يتلاحظان تلاحظا فكأنّما ... يتناسخان من الجفون سطورا
وقال مسكين الدّارمي:
أواخي رجلا لست أطلع بعضهم ... على سر بعض غير أني جماعهم
يظلّون شتّى في البلاد وسرّهم ... إلى صخرة أعيا الرّجال انصداعهم
مما قيل في كتمان السروقال:
ولو قدرت على نسيان ما اشتملت ... مني الضّلوع من الأسرار والخبر
لكنت أوّل من ينسى سرائره ... إذ كنت من نشرهم يوماً على خطر
أسرّ رجلٌ إلى صديق له حديثاً فلما استقصاه قال له: أفهمت؟ قال: لا، بل نسيت.
قيل لأعرابي: كيف كتمانك للسر؟ قال: " ما قلبي له إلا قبر " .
وقيل لمزبد: أيّ شيء تحت حضنك؟ فقال: يا أحمق لم خبّأته. وقال الشاعر:
إذا ما ضاق صدرك عن حديث ... فأفشته الرجال فمن تلوم
إذا عاتبت من أفشى حديثي ... وسرّي عنده فأنا الظّلوم
وإني حين أسأم حمل سرّي ... وقد ضمّنته صدري سؤوم
قيل لرجل: كيف كتمانك للسر؟ قال: " أجحد المخبر وأحلف للمستخبر " .
وكان يقال: " من وهي الأمر إعلانه قبل إحكامهوقال الشاعر:
إذا أنت حمّلت الخؤون أمانة ... فإنك قد أسندتهم شرّ مسند
لعمرو بن العاصوقال عمرو بن العاص: " ما استودعت رجلاً سرّاً فأفشاه فلمته، لأني كنت أضيق صدراً حين أستودعته وقال:
إذا أنت لم تحفظ لنفسك سرّهم ... فسرّك عند الناس أفشى وأضيع
وكان يقال: " من ضاق قلبه اتسع لسانه " .
بين الوليد بن عتبة وأبيهوقال الوليد بن عتبة لأبيه: إن أمير المؤمنين أسرّ إلي حديثاً ولا أراه يطوي عنك ما يبسطه لغيرك، أفلا أحدّثك به؟ قال: لا يا بني " إنه من كتم سره كان الخيار له، ومن أفشاه كان الخيار عليه، فلا تكون مملوكاً بعد أن كنت مالكاً قال: قلت: وإن هذا ليجري بين الرجل وأبيه؟ قال: لا، ولكني أكره أن تذلل لسانك بأحاديث السر. فحدّثت به معاوية فقال: يا وليد؟ أعتقك أخي من رقّ الخطأ.
؟
لبعض ملوك فارسوفي كتب العجم أن بعض ملوك فارس قال: " صونوا أسراركم فإنه لا سر لكم إلا في ثلاثة مواضع: مكيدة تحاول أو منزلة تزاول أو سريرة مدخولة تكتم، ولا حاجة لأحد منكم في ظهور شيء منهم عنه " .
وكان يقال: " ما كنت كاتمه من عدوك فلا تظهر عليه صديقك " .
لجميل بن معمر ثم لابن أبي ربيعةوقال جميل بن أبي معمر:
أموت و ألقى اللّه يا بثن لم أبح ... بسرّك والمستخبرون كثيرون
وقال عمر بن أبي ربيعة المخزومي:
ولما تلاقينا عرفت الذي بهم ... كمثل الذي بي حذوك النعل بالنعل
فقالت وأرخت جانب السّتر إنما ... معي فتكلّم غير ذي رقبة أهلي
فقلت لهم ما بي لهم من ترقّب ... ولكنّ سرّي ليس يحمله مثلي
يريد أنه ليس يحمله أحد مثلي في صيانته وستره، أي فلا أبديه لأحد.
لزهير بن أبي سلمىوقال زهير:
السّتر دون الفاحشات ولا ... يلقاك دون الخير من ستر
وقال آخر:
فسرّي كإعلاني وتلك خليقتي ... وظلمة ليلي مثل ضوء نهم ريا
وقال آخر لأخٍ له وحدّثه بحديث: اجعل هذا في وعاء غير سرب. والسّرب السائل.
وكان يقال: " للقائل على السامع جمع البال والكتمان وبسط العذر " .
وكان يقال: " الرّعاية خير من الاسترعاء " .
بين عبيد اللّه بن زياد وابن همام السلولي
أتى رجل عبيد اللّه بن زياد فأخبره: أن عبد اللّه بن همّام السلّولي سبّه. فأرسل إليه فأتاه فقال: يا بن همام إن هذا يزعم أنك قلت: كذا وكذا. فقال ابن همّام:
فأنت امرؤ إمّا ائتمنتك خالياً ... فخنت، وإمّا قلت قولاً بلا علم
وإنك في الأمر الذي قد أتيته ... لفي منزل بين الخيانة والإثم
وقال آخر:
اخفض الصّوت إن نطقت بليل ... والتفت بالنهار قبل الكلام
لبعض الأعراب في كتم السر، ولأبي الشيصوقال بعض الأعراب:
ولا أكتم الأسرار لكن أنمّها ... ولا أدع الأسرار تغلي على قلبي
وإن قليل العقل من بات ليله ... تقلّبه الأسرار جنباً إلى جنب
وقال أبو الشيص:
لا تأمنن على سرّي وسرّكم ... غيري وغيرك أو طيّ القراطيس
أو طائرٍ سأحلّيه وأنعته ... ما زال صاحب تنقير وتأسيس
سودٌ براثنه ميلٌ ذوائبه ... صفرٌ حمالقه في الحسن مغموس
قد كان همّ سليمان ليذبحه ... لولا سعايته يوماً ببلقيس
وقال أيضاً:
أفضى إليك بسرّه قلمٌ ... لو كان يعرفه بكى قلمه
لمسلم بن الوليدوقال مسلم بن الوليد: في الكتاب يأتيك فيه السر.
الحزم تخريقه إن كنت ذا حذر ... وإنما الحزم سوء الظنّ بالناس
إذا أتاك وقد أدّى أمانته ... فاجعل صيانته في بطن أرماس
وقال آخر:
سأكتمه سرّي وأحفظ سرّه ... ولا غرّني أني عليه كريم
حليمٌ فينسى أو جهولٌ يشيعه ... ومن الناس إلا جاهل وحليم
الكّتاب والكتابة
للرسول عليه الصلاة والسلامحدّثنا إسحاق بن راهويه عن وهب بن جرير عن أبيه عن يونس بن عبيد عن الحسن عن عمرو بن ثعلب عن النبيّ قال: " من أشراط الساعة أن يفيض المال ويظهر القلم وتفشو التجارقال عمرو: إن كنا لنلتمس في الحواء العظيم الكاتب، ويبيع الرجل البيع فيقول: حتى استأمن تاجر بني فلان.
للرسول عليه الصلاة والسلام في القلم
حدّثنا أحمد بن الخليل عن اسماعيل بن آبان عن عنبسة بن عبد الرحمن القرشيّ عن محمد بن زاذان عن أمّ سعد عن زيد بن ثابت قال: دخلت على رسول اللّه وهو يملي في بعض حوائجه فقال: " ضع القلم على أذنك فإنه أذكر للمملى به " .
عن وهب قال ادريس عليه السلام أول من خط بالقلموحدّثني عبد الرحمن بن عبد المنعم عن أبيه عن وهب قال: " كان إدريس النبيّ عليه السلام أوّل من خطّ بالقلم وأوّل من خاط الثياب ولبسهم وكان من قبله يلبسون الجلود " .
بين عمر بن الخطاب وأبي موسى الأشعريّ
حدّثنا إسحاق بن راهويه قال: أخبرنا جرير عن يزيد بن أبي زياد عن عياض بن أبي موسى أن عمر بن الخطّاب قال لأبي موسى: ادع لي كاتبك ليقرأ لنا صحفاً جاءت من الشأم.
فقال أبو موسى: إنه لا يدخل المسجد. قال عمر: أبه جنابة؟ قال: لا، ولكنّه نصراني. قال: فرفع يده فضرب فخذه حتى كاد يكسرهم ثم قال: ما لك! قاتلّك اللّه! أما سمعت قول اللّه عز وجل " ياأيّها الّذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنّصارى أولياء " ! ألا اتخذت رجلاً حنيفياً! فقال أبو موسى: له دينه ولي كتابته. فقال عمر: " لا أكرمهم إذ أهانهم اللّه ولا أعزّهم إذ أذلّهم اللّه ولا أدنيهم إذ أقصاهم اللّه " .
لعمر بن الخطاب في عدم اتخاذ بطانة من دون المؤمنينحدّثنا إسحاق بن راهويه قال: أخبرنا عيسى بين يونس قال: حدّثنا أبو حيّان التّيمي عن أبي زنباع عن أبي الدّهقانة قال: ذكر لعمر بن الخطّاب غلام كاتب حافظ من أهل الحيرة وكان نصرانياً، فقيل له: لو اتخذته كاتباً. فقال " لقد اتخذت إذاً بطانةً من دون المؤمنين " .
أول من وضع كتابة العربيةحدّثني أبو حاتم قال: مرامر بن مروة من أهل الأنبار وهو الذي وضع كتابة العربيّة، ومن الأنبار انتشرت في الناس.
بين الرسول صلى الله عليه وسلم والزبير بن العوامحدّثني أبو سهل عن الطّنفاسي عن المنكدر بن محمد عن أبيه محمد بن المنكدر قال: جاء الزّبير بن العوّام إلى النبيّ فقال: كيف أصبحت؟ جعلني اللّه فداك! قال: " ما تركت أعرابيّتك بعد " .
وصية عبد الملك بن مروان لأخيه عبد العزيزقال عبد الملك بن مروان لأخيه عبد العزيز حين وجّهه إلى مصر: " تفقّد كاتبك وحاجبك وجليسك، فإن الغائب يخبّره عنك كاتبك، والمتوسّم يعرفك بحاجبك، والداخل عليك يعرفك بجليسك " .
بين عمر بن عبد العزيز وعبد الحميد بن الخطابابن أبي الزّناد عن أبيه قال: كنت كاتباً لعمر بن عبد العزيز فكان يكتب إلى عبد الحميد ابن عبد الرحمن بن زيد بن الخطّاب في المظالم فيراجعه، فكتب إليه: " إنه ليخيّل إلي أني لو كتبت إليك أن تعطي رجلاً شاة لكتبت إليّ: أضأن أم ماعز، ولو كتبت إليك بأحدهما لكتبت: أذكر أم أنثى، ولو كتبت إليك بأحدهما لكتبت: أصغير أم كبير. فإذا أتاك كتابي هذا فلا تراجعني في مظلمة " .
بين أبي جعفر المنصور
وسلم بن قتيبة في صفات الكاتبوكتب أبو جعفر إلى سلم بن قتيبة يأمره بهدم دور من خرج مع إبراهيم وعقر نخلهم. فكتب إليه: بأي ذلك نبدأ بالنخل أم بالدّور؟ فكتب إليه أبو جعفر: " أما بعد، فإني لو أمرتك بإفساد ثمرهم لكتبت إليّ تستأذن في أيّه تبدأ أبالبرنيّ أم بالشّهريز؟ " وعزله، وولى محمد بن سليمان. وكان يقول: " للكاتب على الملك ثلاثة، رفع الحجاب عنه، واتّهم م الوشاة عليه، وإفشاء السرّ إليه " .
للعجم في صفات الكاتبكانت العجم تقول: " من لم يكن عالماً بإجراء المياه وبحفر فرض الماء والمسارب وردم المهاوي ومجاري الأيام في الزيادة والنقصان واستهلال القمر وأفعاله ووزن الموازين وذرع المثلّث والمربّع والمختلف الزّوايا ونصب القناطر والجسور والدّوالي والنواعير على المياه وحال أدوات الصنّاع ودقائق الحساب كان ناقصاً في حال كتابته " .
لميمون بن ميمونقال ميمون بن ميمون: " إذا كانت لك إلى كاتب حاجةٌ فليكن رسولك إليه الطمع وقال: " إذا آخيت الوزير فلا تخش الأمير " .
من كتاب الهند في الوزيروفي كتاب للهند: " إذا كان الوزير يساوي الملك في المال والهيبة والطاعة من الناس فليصرعه الملك، وإن لم يفعل فليعلم أنه هو المصروع " .
بين عبيد اللّه بن زياد وكاتب أبيه
المدائني قال: خلا زياد يوماً في أمر ينظر فيه وعنده كاتب له يكتب وابنه عبيد اللّه، فنعس زياد فقال لعبيد اللّه: تعهّد هذا لا يكتب شيئاً. ونام، فوجد عبيد اللّه مسّا من البول فكره أن يوقظ أباه وكره أن يخلّي الكاتب فشدّ إبهاميه بخيط وختمه وقام لحاجته.
قال أبو عبّاد الكاتب: ما جلس أحد قط بين يدي إلا تخيّل إليّ أني جالس بين يديه.
نصيحة أبرويز لكاتبهوقرأت في التاج أن أبرويز قال لكاتبه: " أكتم السرّ واصدق الحديث واجتهد في النصيحة واحترس بالحذر، فإن لك عليّ أن ألا أعجل بك حتى أستأني لك ولا أقبل عليك قولاً حتى أستقين ولا أطمع فيك أحداً فيغتالك. واعلم أنك بمنجاة رفعة فلا تحطّنهم وفي ظل مملكة فلا تستزيلنه، وقارب الناس مجاملة عن نفسك وباعد الناس مشايحةً من عدوّك واقصد إلى الجميل ادّراعاً لغدك وتحصّن بالعفاف صوناً لمروءتك وتحسّن عندي بما قدرت عليه من حسن ولا تشرعنّ الألسنة فيك ولا تقبّحنّ الأحدوثة عنك. وصن نفسك صون الدّرّة الصافية وأخلصهم إخلاص الفضّة البيضاء وعاتبهم معاتبة الحذر المشفق وحصّنهم تحصين المدينة المنيعة. لا تدعنّ أن ترفع إليّ الصغير، فإنه يدل على الكبير، ولا تكتمنّ الكبير فإنه ليس شاغلي عن الصغير. هذّب أمورك ثم القني بهم وأحكم لسانك ثم راجعني به ولا تجترئنّ عليّ فأمتعض ولا تنقبض مني فأتّهم ولا تمرّضنّ ما تلقاني به ولا تخدجنّه. وإذا فكرت فلا تعجل وإذا كتبت فلا تعذر، ولا تستعينن بالفضول فإنهم علاوة على الكفاية ولا تقصرن عن التحقيق فإنهم هجنة بالمقالة ولا تلبسنّ كلاماً بكلام ولا تباعدنّ معنى عن معنى. أكرم كتابك عن ثلاث: خضوع يستخفّه، وانتشار يثبّجه، ومعانٍ تقعد به، واجمع الكثير مما تريد في القليل مما تقول، وليكن بسطة كتابك على السّوقة كبسطة ملك الملوك على الملوك، ولا يكن ما تملك عظيماً وما تقول صغيراً فإنما كلام الكاتب على مقدار الملك فاجعله عالياً كعلوّه وفائقاً كفوقه. واعلم أن جمّاع الكلام كله خصال أربع: سؤالك الشيء، وسؤالك عن الشيء، وأمرك بالشيء، وخبرك عن الشيء. فهذه الخلال دعائم المقالات إن التمس لهم خماس لم يوجد وإن نقص منهم رابع لم تتم، فإذا أمرت فأحكم وإذا سألت فأوضح وإذا طلبت فأسجح وإذا أخبرت فحقّق فإنك إذا فعلت ذلك أخذت بحزامير القول كله فلم يشتبه عليك وارده ولم يعجزك منه صادره. أثبت في دواوينك ما أدخلت وأحص فيهم ما أخرجت وتيقّظ لما تأخذ وتجرّد لما تعطي، لا يغلبنك النسيان عن الإحصاء ولا الأناة عن التقدّم ولا تخرجنّ وزن قيراط في غير حقّ، ولا تعظّمن إخراج الكثير في الحق، وليكن ذلك كله عن مؤامرتي " .
لرجل في زيّ الكتّاب
قال رجل لبنيه: " يا بني تزيّوا بزي الكتاب فإن فيهم أدب الملوك وتواضع السّوقة " .
بين أعرابي والكسائيقال الكسائي: " لقيت أعرابياً فجعلت أسأله عن الحرف بعد الحرف وعن الشيء بعد الشيء أقرنه بغيره فقال: يا اللّه! ما رأيت رجلاً أقدر، على كلمة إلى جنب كلمة أشبه شيء بهم وأبعد شيء منهم ، منك! " .
لابن الأعرابيوقال ابن الأعرابي: " رآني أعرابي وأنا أكتب الكلمة بعد الكلمة من ألفاظه فقال إنك لحتف الكلمة الشرود " .
ولرجل من أهل المدينة في بغداديينوقال رجل من أهل المدينة: " جلست إلى قوم ببغداد فما رأيت أوزن من أحلامهم ولا أطيش من أقلامهم " .
من كاتب إلى صديق لهوكتب بعض الكتاب إلى صديق له: " وصل إليّ كتابك فما رأيت كتاباً أسهل فنوناً ولا أملس متوناً ولا أكثر عيوناً ولا أحسن مقاطع ومطالع ولا أشّد على كل مفصل حزًّا منه. أنجزت فيه عدة الرأي وبشرى الفراسة وعاد الظن بك يقيناً والأمل فيك مبلوغاً " .
ويقال: " عقول الرجال في أطراف أقلامهم " .
ويقال: " القلم أحد اللسانين وخفة العيال أحد اليسارين وتعجيل اليأس أحد الظّفرين وإملاك العجين أحد الريّعين وحسن التقدير أحد الكاسبين واللّبن أحد اللحمين وقد يقال: المرق أحد اللحمين.
في الكتابة، وفي وصف الكتّاب
قيل لبعضهم: إن فلاناً لا يكتب، فقال: تلك الزّمانة الخفية.
وقرأت في بعض كتب العجم أن موبذان موبذ وصف الكتّاب فقال: " كتّاب الملوك عيبتهم المصونة عندهم وآذانهم الواعية وألسنتهم الشاهدة، لأنه ليس أحد أعظم سعادة من وزراء الملوك إذا سعدت الملوك، ولا أقرب هلكة من وزراء الملوك إذا هلكت الملوك، فترفع التّهمة عن الوزراء إذا صارت نصائحهم للملوك نصائحهم لأنفسهم، وتعظم الثقة بهم حين صار اجتهادهم لأنفسهم فلا يتّهم روح على جسده ويتهم جسد على روحه لأن زوال ألفتهما زوال نعمتهما، وأن التئام ألفتهما صلاح خاصّتهما " .
وقال:
لئن ذهبت إلى الحجّاج يقتلني ... إني لأحمق من تخدي به العير
مستحقباً صحفاً تدمى طوابعهم ... وفي الصحائف حيّات مناكير
لبعض الشعراء في القلموقال بعض الشعراء في القلم:
عجبت لذي سنّين في الماء نبته ... له أثر في كل مصرٍ ومعمر
وقال بعض المحدّثين في القلم:
ضئيل الرّواء كثير الغناء ... من البحر في المنصب الأخضر
كمثل أخي العشق في شخصه ... وفي لونه من بني الأصفر
يمر كهيئة مرّ الشجا ... ع في دعص محنيةٍ أعفر
إذا رأسه صحّ لم ينبعث ... وجاز السبيل ولم يبصر
وإن مديةٌ صدعت رأسه ... جرى جري لا هم ئب مقصر
يقضّي مآربه مقبلاً ... ويحسمهم هيئة المدبر
تجود بكفّ فتى كفّه ... تسوق الثّراء إلى المعسر
لأبي تمام يصف القلموقال حبيب الطائي يصف القلم:
لك القلم الأعلى الذي بشباته ... يصاب من الأمر الكلى والمفاصل
لعاب الأفاعي القاتلات لعابه ... وأري الجنى اشتارته أيدٍ عواسل
له ريقه طلٌّ ولكنّ وقعهم ... بآثاره في الشرق والغرب وابل
فصيح إذا استنطقته وهو راكبٌ ... وأعجم إن خاطبته وهو راجل
إذا ما امتطى الخمس اللطاف وأفرغت ... عليه شعاب الفكر وهي حوافل
أطاعته أطراف القنا وتقوّضت ... لنجواه تقويض الخيام الجحافل
تراه جليلاً شأنه وهو مرهفٌ ... ضنًى وسمينا خطبه وهو ناحل
أيضاً لمحمد عبد الملك في وصف القلم
وقال محمد عبد الملك بن صالح الهاشمي يصف القلم:
وأسمر طاوي الكشح أخرس ناطقٍ ... له ذملانٌ في بطون المهارق
إذا استعجلته الكفّ أمطر خاله ... بلا صوت إرعادٍ ولا ضوء بارق
كأنّ اللآلي والزبرجد نطفه ... ونور الخزامى في بطون الحدائق
في مدح كاتبوقال بعض المحدّثين يمدح كاتباً:
وإذا تألق في النديّ كلامه ال ... منظوم خلت لسانه من عضبه
وإذا دجت أقلامه ثم انتجت ... برقت مصابيح الدّجى في كتبه
باللفظ يقرب فهمه في بعده ... منا ويبعد نيله في قربه
حكم فسائحهم خلال بنانه ... متدفق وقليبهم في قلبه
كالروض مؤتلف بحمرة نوره ... وبياض زهرته وخضرة عشبه
لسعيد بن حميد يصف العود، وللطائي في دواةوقال سعيد بن حميد يصف العود:
وناطق بلسان لا ضمير له ... كأنه فخذ نيطت إلى قدم
يبدي ضمير سواه في الكلام كما ... يبدي ضمير سواه منطق القلم
بعث الطائي إلى الحسن بن وهب بدواة ابنوس وكتب إليه:
قد بعثنا إليك أمّ المنايا ... والعطايا زنجيّة الأحساب
في حشاهم من غير حرب حرابٌ ... هي أمضى من مرهفات الحراب
في وصف الدواة والقلموقال ابن أبي كريمة يصف الدواة والقلم:
ومسودّة الأرجاء قد خضت ماءهم ... وروّيت من قعر لهم غير منبط
خميص الحشا يروى على كل مشرب ... أميناً على سر الأمير المسلّط
في تسمية الديوانوقال بعض أهل الأدب: إنما قيل " ديوان " لموضع الكتبة والحسّاب لأنه يقال: للكتّاب بالفارسية " ديوان " أي شياطين، لحذقهم بالأمور ولطفهم، فسمّي موضعهم باسمهم.
في معنى الوزيروقال آخر: إنما قيل لمدير الأمور عن الملك " وزير " من الوزر وهو الحمل، يراد أن يحمل عنه من الأمور مثل الأوزار وهي الأحمال، قال اللّه عز وجل: " ولكنّا حمّلنا أوزاراً من زينة القوم " أي أحمالاً من حليهم، ولهذا قيل للأثم: وزر، شبّه بالحمل على الظهر، قال اللّه تبارك وتعالى: " ووضعنا عنك وزرك الذّي أنقض ظهرك " .
شعر لأبي نواس وغيره في كاتبوكان الناس يستحسنون لأبي النواس قوله:
يا كاتباً كتب الغداة يسبنّي ... من ذا يطيق براعة الكتّاب
لم ترض بالاعجام حين سببتني ... حتى شكلت عليه بالإعراب
وأردت إفهامي فقد أفهمتني ... وصدقت فيما قلت غير محابي
وقال آخر:
يا كاتباً تنثر أقلامه ... من كفّه درجاً على الأسطر
وقال عديّ بن الرّقاع:
صلى الاله على امرىء ودعته ... وأتم نعمته عليه وزادهم
ومنه أخذ الكتّاب: وأتم نعمته عليك وزاد فيهم عندك.
للطائيّ، ثم لجرير
وقال حاتم طيء في معنى قولهم متّ قبلك:
إذا ما أتى يوم يفرّق بيننا ... بموت فكنت أنت الذي تتأخر
وقال جرير في معناه:
ردّي فؤادي وكوني لي بمنزلتي ... يا قبل نفسك لاقى نفسي التف
لبعض الكتاب إلى ملكٍ رداً على كتابه
كتب بعض الملوك إلى بعض الكتّاب كتاباً دعا له فيه بأمتع اللّه بك، فكتب إليه ذلك الكاتب:
أحلت عما عهدت من أدبك ... أم نلت ملكاً فتهت في كتبك
أم هل ترى أن في التواضع لل ... أخوان نقصاً عليك في حسبك
أم كان ما كان منك عن غضب ... فأيّ شيء أدناك من غضبك
إنّ جفاء كتاب ذي مقة ... يكتب في صدره: وأمتع بك
للأصمعي في البرامكةوقال الأصمعيّ في البرامكة:
إذا ذكر الشرك في مجلس ... أنارت وجوه بني برمك
وإن تليت عندهم آية ... لأتوا بالأحاديث عن مروك
وقال آخر:
إن الفراغ دعاني ... إلى ابتناء المساجد
وإن رأيي فيهم ... كرأي يحيى بن خالد
لابن المقفع في بيت النارمرّ عبد اللّه بن المقفع ببيت النار، فقال:
يا بيت عاتكة الذي أتعزّل ... حذر العدا وبه الفؤاد موكّل
لدعبل في أبي عبّاد
وقال دعبل في أبي عبّاد:
أولى الأمور بضيعة وفساد ... أمر يدبّره أبو عبّاد
حنق على جلسائه بدواته ... فمرمّل ومضمّخ بمداد
وكأنه من دير هرقل مفلتٌ ... حردٌ يجرّ سلاسل الأقياد
خيانات العمال
لعمربن الخطاب في النهي عن الهداياحدّثنا إسحاق بن راهويه قال: ذكر لنا أن امرأة من قريش كان بينها وبين رجل خصومة فأراد أن يخاصمها إلى عمر فأهدت المرأة إلى عمر فخذ جزور ثم خاصمته إليه فوجّه القضاء عليهم ، فقالت: ياأمير المؤمنين، افصل القضاء بيننا كما يفصل فخذ الجزور. فقضى عليهم عمر وقال: إياكم والهدايا. وذكر القصة.
للمغيرة بن عبد اللّه الثقفي
قال إسحاق: كان الحجاج استعمل المغيرة بن عبد اللّه الثقفي على الكوفة فكان يقضي بين الناس، فأهدى إليه رجل سراجاً من شبهٍ،وبلغ ذلك خصمه فبعث إليه ببغلة. فلما اجتمعا عند المغيرة جعل يحمل على صاحب السراج وجعل صاحب السراج يقول: إن أمري أضوأ من السراج. فلما أكثر عليه قال: ويحك إن البغلة رمحت السراج فكسرته.
بين الربيع بن زياد الحارثي وعمرحدّثنا إسحاق قال: حدّثنا روح بن عبادة قال: حدّثنا حمّاد بن سلمة عن الجريري عن أبي بصرة عن الربيع بن زياد الحارثي أنه وفد إلى عمر فأعجبته هيئته ونحوه، فشكا عمر طعاماً غليظاً يأكله. فقال الربيع: يا أمير المؤمنين، إن أحق الناس بمطعم طيّب وملبس ليّن ومركب وطيء لأنت. فضرب رأسه بجريدة وقال: واللّه ما أردت بهذا إلا مقاربتي، وإن كنت لأحسب أن فيك خيراً. ألا أخبرك بمثلي ومثل هؤلاء، إنما مثلنا كمثل قوم سافروا فدفعوا نفقاتهم إلى رجل منهم وقالوا أنفقهم عليّنا. فهل له يستأثر عليهم بِشيء؟ قال الربيع:لا.
لأمير المؤمنين عمر في الأمانة
حدّثني محمد بن عبيد قال: حدّثنا سفيان بن عيينة عن ابن أبي نجيح قال: لما أتي عمر بتاج كسرى وسواريه جعل يقلبه بعود في يده ويقول: واللّه إن الذي أدى إلينا هذا لأمين. فقال رجل: يا أمير المؤمنين أنت أمين اللّه يؤدّون إليك ماأدّيت إلى اللّه فإذا رتعت رتعوا. قال: صدقت.
لعليّ رضي اللّه عنه في القناعة
حدّثني أبو حاتم قال: حدّثنا الأصمعيّ قال: لما أتي عليّ عليه السلام بالمال أقعد بين يديه الوزّان والنّقاد فكوّم كومةً من ذهب وكومة من فضة وقال: يا حمراء ويا بيضاء احمرّي وابيضّي وغرّي غيري. وأنشد:
هذا جناي وخياره فيه ... إذ كل جانٍ يده إلى فيه
لعمر بن الخطاب رضي اللّه عنه
حدّثني محمد بن عبيد عن معاوية بن عمرو عن أبي إسحاق عن إسماعيل بن أبي خالد عن عاصم قال: كان عمر بن الخطاب إذا بعث عاملاً يشترط عليه أربعاً: ألّا يركب البراذين، ولا يلبس الرقيق، ولا يأكل النقي، ولا يتخذ بوّاباً. ومر ببناء يبني بحجارة وجصٍّ فقال: لمن هذا؟ فذكروا عاملاً له على البحرين فقال: " أبت الدراهم إلا أن تخرج أعناقهم " وشاطره ماله. وكان يقول: " لي على كل خائن أمينان الماء والطين
؟
كتاب عمر بن عبد العزيز إلى واليهحدّثني إسحاق بن إبراهيم بن حبيب بن الشهيد قال: حدّثنا قريش بن أنس عن سعيد عن قتادة قال: جاء كتاب عمر بن عبد العزيز إلى واليه: أن دع لأهل الخراج من أهل الفرات ما يتختمون به الذهب ويلبسون الطيالسة ويركبون البراذين وخذ الفضل؟؟.
؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
بين عمر وأبي هريرة في الأمانةحدّثنا محمد بن عبيد عن هوذة عن عوف عن ابن سيرين وإسحاق عن النضر بن شميل عن ابن عون عن ابن سيرين بمعناه قال: لما قدم أبو هريرة من البحرين قال له عمر: يا عدوّ اللّه وعدوّ كتابه، أسرقت مال اللّه؟ قال أبو هريرة: لست بعدوّ اللّه ولاعدوّ كتابه ولكني عدوّ من عاداهما ولم أسرق مال اللّه. قال: فمن أين اجتمعت لك عشرة آلاف درهم؟ قال: خيلي تناسلت وعطائي تلاحق وسهامي تتابعت فقبضتها منه. قال أبو هريرة: فلما صليت الصبح استغفرت لأمير المؤمنين ثم قال لي عمر بعد ذلك: ألا تعمل؟ فقلت: لا. قال: قد عمل من هو خير منك يوسف. فقلت: يوسف نبيّ ابن نبيّ وأنا ابن أميمة أخشى ثلاثاً واثنتين. قال: فهلا قلت خمساً؟ قلت: أخشى أن أقول بغير علم، وأحكم بغير حلم، وأخشى أن يضرب ظهري، ويشتم عرضي، وينزع مالي.
؟
قول مالك بن دينار لبلال بن أبي بردةحدّثنا محمد بن داود عن نصر بن قديد عن إبراهيم بن المبارك عن مالك بن دينار أنه دخل على بلال بن أبي بردة وهو أمير البصرة فقال: أيها الأمير، إني قرأت في بعض الكتب: " من أحمق من السلطان ومن أجهل ممن عصاني ومن أعزّ ممن أعزّني. أيا راعي السوء دفعت إليك غنماً سماناً سحاحاً فأكلت اللحم وشربت اللبن وائتدمت بالسمن ولبست الصوف وتركتها عظاماً تتقعقع
موعظة لعمر بن الخطابحدّثني محمد بن شبابة عن القاسم بن الحكم العرني القاضي قال: حدّثني إسماعيل بن عيّاش عن أبي محمد القرشي عن رجاء بن حيوة عن ابن مخرمة قال: إني لتحت منبر عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه بالجابية حين قام في الناس فحمد اللّه وأثنى عليه ثم قال: " أيهم الناس، اقرأوا القرآن تعرفوا به واعملوا به تكونوا من أهله. إنه لن يبلغ ذو حق في حقه أن يطاع في معصية اللّه. ألا إنه لن يبعّد من رزق اللّه ولن يقرّب من أجلٍ أن يقول المرء حقاً وأن يذكّر بعظيم. ألا وإني ما وجدت صلاح ما ولاني اللّه إلا بثلاث: أداء الأمانة، والأخذ بالقوة، والحكم بما أنزل اللّه. ألا وإني ما وجدت صلاح هذا المال إلا بثلاث: أن يؤخذ من حق، ويعطى في حق، ويمنع من باطل. ألا وإنما أنا في مالكم هذا كوالي اليتيم إن استغنيت استعففت، وإن افتقرت أكلت بالمعروف، تقرّم البهمة " .
لزياد في الولاية
بلغني عن محمد بن صالح عن بكر بن خنيس عن عبد اللّه بن عبيد عن أبيه قال: " كان زياد إذا ولى رجلاً قال له: خذ عهدك وسر إلى عملك واعلم أنك مصروفٌ رأس سنتك وأنك تصير إلى أربع خلال فاختر لنفسك: إنا إن وجدناك أميناً ضعيفاً استبدلنا بك لضعفك وسلّمتك من معرّتنا أمانتك، وإن وجدناك خائناً قوياً استهنّا بقوّتك وأحسنّا على خيانتك أدبك فأوجعنا ظهرك وأثقلنا غرمك، وإن جمعت عليّنا الجرمين جمعنا عليك المضرّتين، وإن وجدناك أميناً قوياً زدناك في عملك ورفعنا لك ذكرك وكثرنا مالك وأوطأنا عقبك " .
أيضاً لعمر في الأمانة
قال العتبي: بعث إلى عمر بحلل فقسمها فأصاب كل رجل ثوب فصعد المنبر وعليه حلة، والحلة ثوبان، فقال: أيهم الناس ألا تسمعون. فقال سليمان: لا نسمع. قال: ولم يا أبا عبد اللّه؟ قال: لأنك قسمت عليّنا ثوباً ثوباً وعليك حلة. قال: لا تعجل يا أباعبد اللّه. ثم نادى: يا عبد اللّه. فلم يجبه أحد، فقال: يا عبد اللّه بن عمر. قال: لبيك يا أمير المؤمنين. قال: نشدتكن باللّه، الثوب الذي اتّزرت به هو ثوبك؟ قال: اللهم نعم. فقال سليمان رضي اللّه عنه: أما الآن فقل نسمع.
نصيحة شداد بن عمرو بن أوس لمعاويةبلغني عن حفص بن عمران الرازي عن الحسن بن عمارة عن المنهال بن عمرو قال: قال معاوية لشداد بن عمرو بن أوس: قم فاذكر عليّاً فتنقّصه. فقام شدّاد فقال: " الحمد اللّه الذي افترض طاعته على عباده وجعل رضاه عند أهل التقوى أثر من رضا غيره. على ذلك مضى أوّلهم وعليه يمضي آخرهم. أيهم الناس إن الآخرة وعد صادق يحكم فيهم ملك قادر، وإن الدنيا عرض حاضر يأكل منهم البرّ والفاجر، وإن السامع المطيع لا حجة عليه وإن السامع العاصي لا حجة له. وإن اللّه جل وعز إذا أراد بالناس صلاحاً عمّل عليهم صلحاءهم وقضّى بينهم فقهاءهم وجعل المال في سمحائهم، وإذا أراد بالعباد شراً عمّل عليهم سفهاءهم وقضّى بينهم جهلاءهم وجعل المال عند بخلائهم. وإن من صلاح الولاة أن يصلح قرناؤهم. نصحك يا معاوية من أسخطك بالحق وغشّك من أرضاك بالباطل فقال له معاوية: اجلس. وأمر له بمال، وقال: ألست من السمحاء؟ فقال: إن كان مالك دون مال المسلمين تعمّدت جمعه مخافة تبعته فأصبته حلالاً وأنفقته إفضالاً، فنعم. وإن مما شاركك فيه المسلمون فاحتجنته دونهم، أصبته اقترافاً وأنفقته إسرافاً، فإن اللّه عز وجل يقول: " إنّ المبذّرين كانوا إخوان الشّياطين وكان الشّيطان لرّبه كفوراً
؟
لعمرو بن عبيد في سارقمرّ عمرو بن عبيد بجماعة عكوفٍ، فقال: ما هذا؟ قالوا: سارق يقطع. فقال: لا إله إلا اللّه، سارق السر يقطعه سارق العلانية.
لابن شبرمة في الاتصال السلطانومر طارقٌ صاحب شرطةٌ خالد القسري بابن شبرمة، وطارق في موكبه فقال ابن شبرمة:
أراهم وإن كانت تحبّ كأنهم ... سحابة صيف عن قريب تقشّع
اللهم لي ديني ولهم دنياهم. فاستعمل ابن شبرمة بعد ذلك على القضاء، فقال له ابنه: أتذكر يوم مرّ بك طارق في موكبه وقلت ما قلت؟ فقال: يا بني، إنهم يجدون مثل أبيك ولا يجد مثلهم أبوك. إن أباك أكل من حلوائهم وحط في أهوائهم.
ولعبد الرحمن بن قيسولي عبد الرحمن بن الضحاك بن قيس المدينة سنتين فأحسن السيرة وعفّ عن أموال الناس ثم عزل فاجتمعوا إليه فأنشد لدرّاج الضّبابي:
فلا السجن أبكاني ولا القيد شفّني ... ولا أنني من خشية الموت أجزع
؟ولكن أقواماً أخاف عليهم إذا متّ أن يعطوا الذي كنت أمنع ثم قال: واللّه ما أسفت على هذه الولاية ولكني أخشى أن يلي هذه الوجوه من لا يرعى لهم حقهم .
من كتاب لعليّ بن أبي طالب إلى ابن عباس
ووجدت في كتاب لعليّ بن أبي طالب كرم اللّه وجهه إلى ابن عباس حين أخذ من مال البصرة ما أخذ: " إني أشركتك في أمانتي ولم يكن رجل من أهلي أوثق منك في نفسي، فلما رأيت الزمان على ابن عمك قد كلب، والعدوّ قد حرب قلبت لابن عمك ظهر المجنّ بفراقه مع المفارقين وخذلانه مع الخاذلين واختطفت ما قدرت عليه من أموال الأمة اختطاف الذئب الأزل دامية المعزىوفي الكتاب: " ضحّ رويداً فكأن قد بلغت المدى وعرضت عليك أعمالك بالمحل الذي به ينادي المغترّ بالحسرة ويتمنى المضيّع التوبة والظالم الرجعة " .
من كتاب عمر بن عبد العزيز لعديّ بن أرطأة
وفي كتاب لعمر بن عبد العزيز إلى عديّ بن أرطأة: " غرّني منك مجالستك القرّاء وعمامتك السوداء فلما بلوناك وجدناك على خلاف ما أمّلناك، قاتلكم اللّه! أما تمشون بين القبور " .
لابن أحمد يذكر عمال الصدقةقال ابن أحمد يذكر عمال الصدقة:
إن العياب التي يخفون مشرجة ... فيهم البيان ويلوي عندك الخبر
فابعث اليهم فحاسبهم محاسبة ... لا تخف عين على عين ولا أثر
هل في الثماني من السبعين مظلمة ... وربّهم بكتاب الله مصطبر
وقال عبد اللّه بن همّام السلّولي:
أقلّي عليّ اللوم يا أم مالك ... وذمّي زماناً ساد فيه الفلاقس
وساعٍ مع السلطان ليس بناصح ... و " محترس من مثله وهو حارس "
قدم بعض عمال السلطان من عمل فدعا قوماً فأطعمهم وجعل يحدّثهم بالكذب، فقال بعضهم: نحن كما قال اللّه عزو جل: " سمّاعون للكذب أكّالون للسّحت " قال بعض الشعراء:
ما ظنّكم بأناس خير كسبهم ... مصرّح السحت سمّوه الإصابات
لأبي نواس في إسماعيل بن صبيحوقال أبو نواس في إسماعيل بن صبيح:
بنيت بما خنت الإمام سقاية ... فلا شربوا إلا أمرّ من الصبر
فما كنت إلا مثل بائعة استهم ... تعود على المرضى به طلب الأجر
وله أيضاً
وقال فيه أيضاً لمحمد الأمين:
ألست أمين اللّه سيفك نقمة ... إذا ماق يوماً في خلافك مائق
فكيف بإسماعيل يسلم مثله ... عليك ولم يسلم عليك منافق
أعيذك بالرحمن من شرّ كاتب ... له قلم زان وآخر سارق
وقال فبه أيضاً:
ألا قل لإسماعيل إنك شارب ... بكأس بني ما هم ن ضربة لازم
أتسمن أولاد الطريد ورهطه ... بإهزال آل اللّه من نسل هاشم
وتخبر من لاقيت أنك صائم ... وتغدو بفرج مفطر غير صائم
فإن يسر إسماعيل في فجراته ... فليس أمير المؤمنين بنائم
لأنس الدؤلي في حارثة بن بدرولي حارثة بن بدر " سرّق " فكتب إليه أنس الدؤلي:
أحار بن بدر قد وليت ولاية ... فكن جرذاً فيهم تخون وتسرق
وبار تميماً بالغنى إن للغنى ... لساناً به المرء الهيوبة ينطق
فإن جميع الناس إما مكذّب ... يقول بما يهوى وإما مصدّق
يقولون أقوالاً ولا يعلمونهم ... وإن قيل هم توا حقّقوا لم يحقّقوا
ولا تحقرن يا حار شيئاً أصبته ... فحظّك من ملك العراقين سرّق
فلما بلغت حارثة قال: لا يعمى عليك الرشد.
في الأمانة والخيانةحدّثني أبو حاتم عن الأصمعيّ عن جويرية بن أسماء قال: قال فلان: " إن الرجل ليكون أميناً فإذا رأى الضّياع خان " .
نصيحة أبرويز لابنهقرأت في كتاب أبرويز إلى ابنه شيرويه: " اجعل عقوبتك على اليسير من الخيانة كعقوبتك على الكثير منهم، فإذا لم يطمع منك في الصغير لم يجترأ عليك في الكبير. وأبرد البريد في الدرهم ينقص من الخراج، ولا تعاقبن على شيء كعقوبتك على كسره ولا ترزقنّ على شيء كرزقك على إزجائه، واجعل أعظم رزقك فيه وأحسن ثوابك عليه حقن دم المزجي وتوفير ماله من غير أن يعلم أنك أحمدت أمره حين عفّ واعتصم من أن يهلك " .
قول ابرويز لصاحب بيت المالوقرأت في " التاج " أن أبرويز قال لصاحب بيت المال: " إني لا أحتملك على خيانة درهم ولا أحمدك على حفظ ألف ألف درهم، لأنك إنما تحقن بذلك دمك وتعمر به أمانتك فإنك إن خنت قليلاً خنت كثيراً. واحترس من خصلتين: النقصان فيما تأخذ، والزيادة فيما تعطي. واعلم أني لم أجعل أحداً على ذخائر الملك وعمارة المملكة والعدّة على العدوّ إلا وأنت آمن عندي من موضعه الذي هو فيه وخواتيمه التي هي عليها، فحقّق ظني في اختياري إيّاك أحقق ظنك في رجائك لي، ولا تتعوّض بخير شراً ولا برفعة ضعة ولا بسلامة ولا بأمانة خيانة " .
وكان يقال: " كفى بالمرء خيانة أن يكون أميناً للخونة " .
قول معاذ بن جبل لأبي بكر
قدم معاذ من اليمن بعد وفاة رسول اللّه على أبي بكر رضي اللّه عنه فقال له: ارفع حسابك. فقال: أحسابان، حساب من اللّه وحساب منكم؟ لاو اللّه لا ألي لكم عملاً أبداً.
قول أعرابي في الخونةذكر أعرابي رجلاً خائناً فقال: إن الناس يأكلون أماناتهم لقما، وإن فلاناً يحسوها حسواً.
نصيحة سلطان لعامل لهقال بعض السلاطين لعامل له: " كل قليلاً تعمل طويلاً والزم العفاف يلزمك العمل، وإياك والرّشا يشتد ظهرك عند الخصام
القضاء
صفات القاضيحدّثنا إسحاق بن راهويه قال: أخبرنا بشر المفضّل بن لاحق قال: حدّثنا المغيرة بن محمد عن عمر بن عبد العزيز قال: " لا ينبغي للرجل أن يكون قاضياً حتى تكون فيه خمس خصال: يكون عالماً قيل أن يستعمل، مستشيراً لأهل العلم، ملقياً للرّثع، منصفاً للخصم، محتملاً للائمة " .
حدّثني عليّ بن محمد قال: حدّثنا إسماعيل بن إسحاق الأنصاري عن عبد اللّه بن لهيعة عن عبد اللّه بن هبيرة عن عليّ عليه السلام أنه قال: " ذمتي رهينة وأنا به زعيم لمن صرحت له العبر ألّا يهلك على التقوى زرع قوم ولا يظمأ على التقوى سنخ أصل. ألا وإن أبغض خلق اللّه إلى اللّه رجل قمش جهلاً، غارًّا بأغباش الفتنة، عمياً بما في عقد الهدنة، سمّاه أشباهه من الناس عالماً ولم يغن في العلم يوماً سالماً. بكّر فاستكثر، ما قلّ منه فهو خير مما كثر حتى إذا ما ارتوى من آجن واكتنز من غير طائل قعد بين الناس قاضياً لتخليص ما التبس على غيره، إن نزلت به إحدى المبهمات هيأ حشوا رثّاً من رأيه، فهو من قطع الشبهات في مثل غزل العنكبوت. لا يعلم إذا أخطأ، لأنه لا يعلم أأخطأ أم أصاب. خبّاط عشوات ركّاب جهم لات، لا يعتذر مما لا يعلم فيسلم ولا يعضّ في العلم بضرس قاطع. يذرو الرواية ذرو الريح الهشيم، تبكي منه الدماء وتصرخ منه المواريث ويستحلّ بقضائه الفرج الحرام. لا ملىءٌ واللّه بإصدار ما ورد عليه ولا أهلٌ لما قرّظ به " .
لابن شبرمة في القضاءقال ابن شبرمة:
ما في القضاء شفعة لمخاصم ... عند اللبيب ولا الفقيه الحاكم
أهون عليّ إذا قضيت بسنة ... أو بالكتاب برغم أنف الراغم
وقضيت فيما لم أجد أثراً به ... بنظائر معروفة ومعالم
بين شريح والحجاج في توليه القضاءالهيثم عن ابن عيّاش عن الشّعبي قال: كان أوّل قاضي قضى لعمر بن الخطاب بالعراق سلمان بن ربيعة الباهلي، ثم شهد القادسية وكان قاضياً بهم ، ثم قضى بالمدائن، ثم عزله عمر واستقضى شرحبيل على المدائن، ثم عزله واستقضى أبا قرّة الكندي، وهو اسمه، فاختط الناس الكوفة وقاضيهم أبو قرّة. ثم استقضى شريح بن الحارث الكندي فقضى خمساً وسبعين سنة إلا أن زياداً أخرجه مرة إلى البصرة واستقضى مكانه مسروق بن الأجدع سنة حتى قدم شريح فأعاده ولم يزل قاضياً حتى أدرك الفتنة في زمن ابن الزبير فقعد ولم يقض في الفتنة. فاستقضى عبد اللّه ابن الزبير رجلاً مكانه ثلاث سنين فلما قتل ابن الزبير أعيد شريح على القضاء فلقي رجل شريحاً في الطريق فقال: يا أبا أميةقضيت واللّه بجور. قال: وكيف ذاك؟ ويحك! قال: كبرت سنّك واختلط عقلك وارتشى ابنك. فقال شريح: لاجرم لا يقولهم أحد بعدك. فأتى الحجاج فقال: واللّه لا أقضي بين اثنين. قال: واللّه لا أعفيك أو تبغيني رجلاً.فقال شريح: عليك بالعفيف الشريف أبي بردة بن أبي موسى. فاستقضاه الحجاج وألزمه سعيد بن جبير كاتباً و وزيراً.
بين علقمة بن مرثد ومحارب بن دثاروروى الثوري عن علقمة بن مرثد أنه لقي محارب بن دثار وكان على القضاء فقال له: يا محارب، إلى كم تردّد الخصوم؟ فقال له: إني والخصوم كما قال الأعشى:
أرقت وما هذا السّهاد المؤرّق ... وما بي من سقم وما بي معشق
ولكن أراني لا أزل بحادث ... أغادي بما لم يمس عندي وأطرق
رد إياس بن معاوية على رجل سأله عن مسألة فطوّل فيهم
حدّثني إسحق بن إبراهيم بن حبيب بن الشهيد عن قريش بن أنس عن حبيب ابن الشهيد قال: كنت جالساً عند إياس بن معاوية فأتاه رجل فسأله عن مسألة فطوّل فيهم ، فقال إياس: إن كنت تريد الفتيا فعليك بالحسن معلمي ومعلم أبي، وإن كنت تريد القضاء فعليك بعبد الملك ابن يعلى - وكان على قضاء البصرة يومئذ - وإن كنت تريد الصلح فعليك بحميد الطويل، وتدري ما يقول لك؟ يقول لك: حطّ شيئاً، ويقول لصاحبك: زده شيئاً حتى نصلح بينكما.، وإن كنت تريد الشغب فغليك بصالح السّدوسي، وتدري ما يقول لك؟ يقول لك: اجحد ما عليك. ويقول لصاحبك: ادّع ما ليس لك وادع بيّنةً غيّباً.
من صفات الحاكم وخصائص القضاء الحققرأت في الآيين: " ينبغي للحاكم أن يعرف القضاء الحقّ العدل والقضاء العدل غير الحق والقضاء الحق غير العدل ويقايس بتثبّت وروية ويتحفّظ من الشبهةوالقضاء الحق العدل عندهم قتل النفس بالنفس، والقضاء العدل غير الحق قتل الحرب بالعبد ، والقضاء الحق غير العدل الدية على العاقلة.
قول أعرابي في الحقحدّثني عبد الرحمن بن عبد اللّه بن أخي الأصمعيّ قال: قال أعرابي لقوم يتنازعون: هل لكم في الحق أو فيما هو خير من الحق؟ فقيل: وما يكون خيراً من الحق؟ قال: التحاطّ والهضم فإن أخذ الحق كله مرٌّ.
حكم الهوىحدّثني أبو حاتم عن الأصمعيّ قال: اختلف رجلان في شيء فحكّما رجلاً له في المخطىء همى، فقال للمخطىء: من يقول بقولك أكثر.
الهيثم بن عدي قال: تقدّمت كلثم بنت سريع مولى عمرو بن حريث وأخوها الوليد إلى عبد الملك بن عمير وهو قاضي الكوفة، وكان ابنه عمرو بن عبد الملك يرمى بهما فقضى لهم ، فقال هذيل الأشجعي:
أتاه رفيق بالشهود يسوقهم ... على ما ادّعت من صامت المال والخول
فأدلى وليدٌ عند ذاك بحقه ... وكان وليد ذا مراء وذا جدل
ففتّنت القبطيّ حتى قضى لهما ... بغير قضاء اللّه في السّور الطّول
فلو كان من في القصر يعلم علمه ... لما استعمل القبطيّ فينا على عمل
له حين يقضي للنساء تخاوصٌ ... وكان ما منه التخاوص والحول
إذا ذات دلٍّ كلمته لحاجة ... فهمّ بأن يقضي تنحنح أو سعل
وبرّق عينيه ولاك لسانه ... يرى كل شيء ما خلا شخصهم جلل "
فكان عبد الملك بن عمير يقول: واللّه لربما جاءتني السعلة أو التنحنح وأنافي المتوضّأ فأكفّ عن ذلك.
؟
لابن مناذر في خالد بن طلق القاضيوقال ابن مناذر قي خالد بن طليق وكان قد ولي قضاء البصرة:
قل لأمير المؤمنين الذي ... من هاشم في سرّها واللباب
إن كنت للسّخطة عاقبتنا ... بخالد فهو أشدّ العقاب
كان قضاة الناس فيما مضى ... من رحمة اللّه وهذا عذاب
يا عجباً من خالد كيف لا ... يخطىء فتيا مرةً بالصواب
وقال فيه:
جعل الحاكم يا للنّ ... اس من آل طليق
ضحكةٌ يحكم في النا ... س برأي الجاثليق
أي قاض أنت في النق ... ص وتعطيل الحقوق
يا أبا الهيثم ما أن ... ت لهذا بخليق
لا ولا أنت لما حمّ ... لت منه بمطيق
؟رد بكر بن عبد اللّه المزني
على عدي ابن أرطاة لما أراد توليته القضاءأراد عديّ بن أرطاة بكر بن عبد اللّه المزني على القضاء فقال له بكر: واللّه ما أحسن القضاء، فإن كنت كاذباً أو صادقاً فما يحلّ لك أن توليني.
؟؟؟؟؟
من قضاء ابن شبرمة
وروى عبد الرزاق عن معمر قال: لما عزل ابن شبرمة عن القضاء قال له والي اليمن: اختر لنا رجلاً نوليه القضاء. فقال له ابن شبرمة: ما أعرفه. فذكر له رجل من أهل صنعاء فأرسل إليه فجاء، فقال له ابن شبرمة: هل تدري لم دعيت؟ قال: لا. قال: إنك قد دعيت لأمر عظيم، للقضاء. قال: ما أيسر القضاء! فقال له ابن شبرمة: فنسئلك عن شيء يسير منه. قال: سل. قال له ابن شبرمة: ما تقول في رجل ضرب بطن شاة حامل فألقت ما في بطنهم؟ فسكت الرجل، فقال له ابن شبرمة: أنا بلونك فما وجدنا عندك شيئاً. فقيل له ما القضاء فيهم؟ قال ابن شبرمة: تقوّم حاملاً وتقوّم حائلاً ويغرم قدر ما بينها.
امتحان يحيى بن أكثم لمن يريد القضاءحدّثني عبد اللّه بن محمد؟ الخلنجي قال: كان يحيى بن أكثم يمتحن من يريدهم للقضاء، فقال الرجل: ما تقول في رجلين زوّج كل واحد منهما الآخر أمّه فولد لكل واحد من امرأته ولد، ما قرابة ما بين الولدين؟ فلم يعرفهم ، فقال له يحيى: كل واحد من الولدين عمّ الآخر لأمه.
بين عبد الملك بن مروان وحميد بن بحدلودخل رجل من أهل الشأم على عبد الملك بن مروان فقال: إني تزوجت امرأة وزوجت ابني أمّهم ولا غنى بنا عن رفدك. فقال له عبد الملك: إن أخبرتني ما قرابة ما بين أولادكما إذا أولدتما، فعلت. قال: يا أمير المؤمنين، هذا حميد بن بحدل قد قلدته سيفك ووليته ما وراء بابك فسله عنهم ، فإن أصاب لزمني الحرمان، وإن أخطأ اتسع لي العذر. فدعا بالبحدلي فسأله، فقال: يا أمير المؤمنين، إنك ما قدمتني على العلم بالأنساب ولكن على الطعن بالرّماح، أحدهما عمّ الآخر والآخر خاله.
رفض ابن أبي حذيفة تولي القضاءقال ابن سيرين: كنا عند أبي عبيد ة بن أبي حذيفة في قبّة له وبين يديه كانون له فيه نار فجاءه رجل فجلس معه على فراشه فسارّه بشيء لا ندري ما هو، فقال له أبو عبيد ة: ضع لي إصبعك في هذه النار. فقال له الرجلك سبحان اللّه! تأمرني أن أضع لك أصبعي في هذه النار! فقال له أبو عبيد ة: أتبخل عليّ بأصبع من أصابعك في نار الدنيا وتسألني أن أضع لك جسدي كله في نار جهنم! قال: فظننا أنه دعاه إلى القضاء.
صفات القاضي الكامل وغير الكاملكان يقال: " ثلاث إذا كنّ في القاضي فليس بكامل: إذا كره اللوائم، وأحبّ المحامد، وكره العزل. وثلاث إذا لم تكن فيه غليس بكامل: يشاور وإن كان عالماً، ولا يسمع شكيّة من أحد حتى يكون معه خصمه، ويقضي إذا علم " .
قالوا: " ويحتاج القاضي إلى العدل في لحظه ولفظه وقعود الخصوم بين يديه وألا يقضي وهو غضبان ولا يرفع صوته على أحد الخصمين ما لا يرفعه على الآخر " .
بين الشعبي وشريح في ترك الأخذ بالظواهرقال الشعبي: حضرت شريحاً ذات يوم وجاءته امرأة تخاصم زوجهم فأرسلت عينيهم فبكت فقلت: يا أبا أمية ما أظنهم إلا مظلومة. فقال: يا شعبي، إن أخوة يوسف جاءوا أباهم عشاء يبكون.
كتاب عمر بن الخطابإلى أبي موسى الأشعريّ في القضاء
بلغني عن كثير بن هشام عن جعفر بن برقان قال: كتب عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه إلى أبي موسى الأشعريّ كتاباً فيه: " بسم اللّه الرحمن الرحيم، من عبد اللّه عمر أمير المؤمنين إلى عبد اللّه بن قيس. سلام عليك، أما بعد فإن القضاء فريضة محكمة وسنة متبعة، فأفهم إذا أدلي إليك، فإنه لا ينفع تكنلّم بحق لا نفاذ له. آس بين الناس في مجلسك ووجهك حتى لا يطمع شريف في حيفك ولا ييأس ضعيف من عدلك. البيّنة على من ادّعى واليمين على من أنكر، والصلح جائز بين الناس إلا صلحاً أحلّ حراماً أو حرّم حلالاً، ولا يمنعنّك قضاء قضيته بالأمس فراجعت فيه نفسك وهديت لرشدك أن ترجع إلى الحق فإن الحق لا يبطله شيء. واعلم أن مراجعة الحق خير من التمادي في الباطل. الفهم الفهم فيما يتلجلج في صدرك مما ليس فيه قرآن ولا سنة، واعرف الأشباه والأمثال ثم قس الأمور عند ذلك ثم اعمد لأحبّهم إلى اللّه وأشبههم بالحق فيما ترى. اجعل لمن ادّعى حقاً غائباً أمداً ينتهي إليه فإن أحضر بينة أخذ بحقه وإلا استحللت عليه القضاء. والمسلمون عدول في الشهم دة إلامجلوداً في حدّ أو مجرّباً عيه شهم دة زور أو ظنينا في ولاء أو قرابة. إن اللّه عزّ وجل تولّى منكم السرائر ودرأ عنكم بالبينات والإيمان. وإياك والقلق والضجر والتإذي بالخصوم في مواطن الحق التي يوجب اللّه بهم الأجر ويحسن الذخر، فإنه من صلحت سريرته فيما بينه وبين اللّه أصلح اللّه ما بينه وبين الناس، ومن تزيّن للدنيا بغير ما يعلم اللّه منه شانه اللّه، والسلام " .
لشعر لسلمة بن الخرشب بشأن الرهن التي وضعت
على يدي سبيع التغلبي في قتلى عبس وذبيانوقال سلمة بن الخرشب لسبيع التغلبي في شأن الرّهن التي وضعت على يديه في قتلى عبس وذبيان:
أبلغ سبيعا وأنت سيدنا ... قدما وأوفى رجالنا ذمما
أن بغيضاً وأن أخوتهم ... ذبيان قد ضرّموا الذي اضطرما
نبّئت أن حكّموك بينهم ... فلا تقولنّ بئس ما حمك
إن كنت ذا عرفة بشأنهم ... تعرف ذا حقّهم ومن ظلما
وتنزل الأمر في منازله ... حكما وعلما وتحضر الفهما
فاحكم فأنت الحكيم بينهم ... لن يعدموا الحقّ بارداً صمتا
واصدع أديم السواء بينهم ... على رضى من رضا ومن رغما
إن كان مالا فمثل عدّته ... مالٌ بمال وإن دماً فدما
هذا وإن لم تطق حكومتهم ... فانبذ إليهم أمورهم سلما
إعجاب عمر بن الخطاب من علم زهير بن أبي سلمىوأنشد عمر بن الخطاب شعر زهير بن أبي سلمى، فلما بلغ قوله:
فإن الحق مقطعه ثلاث ... يمينٌ أو نفارٌ أو جلاء
جعل عمر يتعجب من علمه بالحقوق وتفصيله بينهم ويقول كلا يخرج الحق من إحدى ثلاث إما يمين أو محاكمةٌ أو حجةٌ.
شعر لابن أبي ليلى الفقيه في القاضي ابن شبرمةوقال ابن أبي ليلى الفقيه في عبد اللّه بن شبرمة:
وكيف ترجّى لفصل القضاء ... ولم تصب الحكم في نفسكا
وتزعم أنك لابن الجلاح ... وهيهم ت دعواك من أصلكا
شعر العلاء بن المنهم ل في شريك القاضيعبد اللّه بن صالح العجلي قال: خرج شريك وهو على القضاء يتلقى الخيزران وقد أقبلت تريد الحج، فأتى، " شاهي " ، فأقام بهم ثلاثاً ولك تواف فخفّ زاده وما كان معه من الخبز فجعل يبلّه بالماء وي أكله بالملح، فقال العلاء بن المنهم ل الغنوي:
فإن كان الذي قد قلت حقاً ... بأن قد أكرهوك على القضاء
فما لك موضعاً في كل يوم ... تلقّى من يحجّ من النساء
مقيماً في قرى شاهي ثلاثا ... بلا زاد سوى كسرٍ وماء
يزيد الناس خيراً كلّ يوم ... فترجع يا شريك إلى وراء
وقال فيه أيضاً:
فليت أبا شريك كان حيا ... فيقصر حين يبصره شريك
ويترك من تدرّيه عليّنا ... إذا قلنا له هذا أبوك
شعر في بعض الحكام غير العدولوأنشد لبعض الشعراء في بعض الحكام:
أبكي وأندب بهجة الإسلام ... إذ صرت تقعد مقعد الحكّام
إن الحوادث ما علمت كثيرة ... وأراك بعض حوادث الأيام
حدّثني يزيد بن عمرو قال: حدّثني القاسم بن الفضل قال: حدّثني رجل من بني جرير أن رجلاً منهم خاصم رجلاً إلى سوّار بن عبد اللّه فقضى على الجريري، فمر سوّار ببني جرير فقام إليه الجريري فصرعه وخنقه وجعل يقول:
رأيت أحلاماً فعبّرتهم ... وكنت للأحلام عبّارا
رأيتني أخنق ضبًّا على ... حجر وكان الضبّ سوّارا
في الشهم دات
أقوال في الشهم دةحدّثني أبو حاتم قال: حدّثنا الأصمعيّ قال لي أيوب: إن من أصحابي من أرجو دعوته ولا أجيز شهم دته. قال: وقال سوّار: ما أعلم أحداً أفضل من عطاء السّلمي، ولو شهد عندي على فلسين لم أجز شهم دته. يذهب إلى أنه ضعيف الرأي ليس بالحازم، لا أنه يطعن عليه في دينه وأمانته.
قال: وشهد أبو عمرو بن العلاء عند سوّار على نسب فقال سوار: وما يدريك أنه ابنه؟ قال: كما أعلم أنك سوّار بن عبد اللّه بن عنزة بن نقب.
قال: وشهد رجل عند سوار في دار قد ادّعاهم رجل قال: أشهد أنهم من الماء إلى السماء.
وشهد آخر فقال للكاتب: اكتب شهم دتهما. فقال: أيّ شي ء أكتب؟ فقال: كلّ شيء يخرج الدار من يد هذا ويجعلهم في ملك هذا فاكتبه.
قال أبو حاتم: بلغني أنه إنما قيل شهم دة عربية وما أشبهه.
قال: وشهد رجل عند سوار، فقال له: ما صناعتكن؟ قال: أنا مؤدّب. قال: فإنّا لا نجيز شهم دتكن. قال: ولم؟ قال: لأنك تأخذ على تعليّم القرآن أجراً. قال: وأنت تأخذ على القضاء بين المسلمين أجراً. قال إني أكرهت على القضاء. قال: يا هذا، القضاء أكرهت عليه فهل أكرهت على أخذ الرزق؟ قال: هلمّ شهم دتكن. فأجازهم .
قال:وشهد الفرزدق عند بعض القضاة فقال: قد أجزنا شهم دة أبي فراس، وزيدونا. فقيل له حين انصرف: إنه واللّه ما أجاز شهم دتكن. قال: وما يمنعه من ذلكوقد قذفت ألف محصنة.
شعر لأبي دلامة في شهم دته عند ابن أبي ليلىوجاء أبو دلامة ليشهد عند ابن أبي ليلى فقال في مجلسه ذلك:
إن القوم غطّوني تغطيت دونهم ... وإن بحثوا عني ففيهم مباحث
وإن حفروا بئري حفرت بئارهم ... ليعلم ما تخفيه تلك النّبائت
فأجاز شهم دته وحبس المشهود عليه عنده وأعطاه قيمة الشيء.
من قضاء ابن شبرمةأتى رجل ابن شبرمة بقوم يشهدون له على قراح فيه نخل، فشهدوا وكانوا عدولاً فسألهم: كم في القراح من نخلة؟ قالوا: لا نعلم. فردّ شهم دتهم. فقال له رجل منهم: أنت تقضي في هذا المسجد منذ ثلاثين سنة، فأعلمنا: كم فيه من أسطوانة؟ فأجازهم.
شعر في خصومة القاضيوقال بعض الشعراء:
والخصم لا يرتجى النجاة له ... يوماً إذا كان خصمه القاضي
قول لزياد في الحقوق إلى ذوي الخاصّة منه
قدم رجلاً خصماً له إلى زياد في حق له عليه، فقال: إن هذا الرجل يدلّ بخاصّة ذكر أنهم له منك. قال: نعم. وسأخبرك بما ينفعه عندي من خاصّته: إن يكن الحقّ له عليك آخذك أخذاً عنيفاً، وإن يكن الحق لك عليه أقضىلا عليه ثم أقض عنه.
في الحكم إلى الأخوانوقال أبو اليقظان: كان عبيد اللّه بن أبي بكرة قاضياً وكان يميل في الحكم إلى إخوانه. فقيل له في ذلك. فقال: وما خير رجل لا يقطع من دينه لإخوانه؟
قول عمرو بن العاص لطلحة بن عبيد اللّه والزبير
قال المدائني: كان بين طلحة بن عبيد اللّه والزبير مدارأة في واد بالمدينة. قال: فقالا: نجعل بيننا عمرو بن العاص، فأتياه فقال لهما: أنتما في فضلكما وقديم سوابقكما ونعمة اللّه عليكما تختلفان! وقد سمعتما من رسول اللّه مثل ما سمعت وحضرتما من قوله مثل الذي حضرت فيمن اقتطع شبرا من أرض أخيه بغير حق أنه يطوّقه من سبع أرضين! والحكم أحوج إلى العدل من المحكوم عليه وذلك أن الحكم إذا جار رزيء دينه والمحكوم عليه إذا جير عليه رزيء عرض الدنيا " إن شئتما فأدليا بحجتكنما " وإن شئتما فأصلحا ذات بينكما. فاصطلحا وأعطى كل واحد منهما بصاحبه بالرضا.
فيمن كان السندي لا يقبل شهم دتهموكان السّنديّ بن شاهك لا يستحلف المكاري ولا الحائك ولا الملّاح ويجعل القول قول المدّعي مع يمينه، ويقول: اللهم إني أستخيرك في الجمّال ومعلّم الصبيان.
فيمن لاتقبل شهم دته في الباديةوقال أبو البيداء: سمعت شيخاً من الأعراب يقول: نحن بالبادية لا نقبل شهم دة العبد ولا شهم دة العذيوط ولا المغذّى ببوله. قال أبو البيداء: فضحكت واللّه حتى كدت أبول في ثوبي.
لعبيد اللّه بن الحسن في عدم إجازة شهم دة الأحمق
وقيل لعبيد اللّه بن الحسن العنبري: أتجيز شهم دة رجل عفيف تقيّ أحمق؟ قال: لا، وسأريكم. ادعوا لي أبا مودود حاجبي. فلما جاء قال له: اخرج حتى تنظر ما الريح؟ فخرج ثم رجع فقال: شمال يشوبهم شيء من الجنوب. فقال: أتروني كنت مجيزاً شهم دة مثل هذا؟
بين الأعمش ومحارب بن دثار
في ولاية القضاء والعزل عنهقال الأعمش: قال لي محارب بن دثار: وليت القضاء فبكى أهلي وعزلت عنه فبكوا، فما أدري مم ذاك؟ فقلت له: وليت القضاء فكرهته وجزعت منه فبكى أهلك، وعزلت عنه فكرهت العزل وجزعت منه فبكى أهلك. فقاتل: إنه لكما قلت.
بين إياس بن معاوية وقاضٍ لعبد اللّه بن مروان
قدم إياس بن معاوية الشأم وهو غلام فقدّم خصما له إلى قاض لعبد الملك بن مروان وكان خصمه شيخاً كبيراً. فقال له القاضي: أتقدّم شيخاً كبيراً؟ فقال له إياس الحق أكبر منه. قال: اسكت. قال: فمن ينطق بحجتي؟ قال: ما أظنك تقول حقاً حتى تقوم. قال: أشهد أن لا إله إلا اللّه. فقام القاضي فدخل على عبد الملك فأخبره بالخبر فقال: اقض حاجته وأخرجه من الشأم لا يفسد عليّ الناس.
قول أعرابي لخصمٍ له
قال أعرابي لخصم له: " واللّه لئن هملجت إلى الباطل إنك عن الحق لقطوف " .
باب الأحكام
قضاء رسول الله في الطرق أنهم سبع أذرعحدّثني عبد ة بن عبد الله قال: حدّثنا وهب بن جرير قال: حدّثني أبي قال: سمعت الزبير بن الحارث يحدّث عن عكرمة عن أبي هريرة قال: " قضى رسول اللّه إذا اختلف الناس في الطرق أنهم سبع أذرع " .
كفالة النبي رجلاً في تهمة
حدّثني يزيد بن عمرو عن محمد بن موسى عن أبراهيم بن حنتم عن غزال بن مالك الغفاري عن أبيه عن جدّه قال: " كفل النبي عليه السلام رجلاً في تهمة " .
من أحكام النبيّ
قال: وحدّثني أيضاً عن إبراهيم بن حنتم عن غزال بن مالك عن أبيه عن جدّه قال: قال أبو هريرة: " حبس النبي في اللّهمة حبساً يسيراً حتى استبرأ حدّثني يزيد قال: حدّثني الوليد عن جرير بن حازم عن الحسن: " أنّ رسول اللّه صلب رجلاً على جبل يقال له: رباب " وقال لي رجل بالمدينة: هو ذو رباب.
حدّثني أحمد بن خليل عن سليمان بن حرب عن جرير عن يعلى بن حكيم عن أبيه عن ابن عباس قال: " أتى ماعز بن مالك النبي فقال: إني زنيت يا رسول اللّه. فقال: لعلك مسست أو لمست أو غمزت. فقال: لا. بل زنيت. فأعادهم عليه ثلاثاً، فلما كان في الرابعة رجمه " .
من أحكام أبي الدرداءحدّثني شبابة عن القاسم بن الحكم عن الثوري عن عليّ بن الأقمر عن يزيد بن أبي كبشة أن أبا الدرداء أتي بامرأة سرقت، فقال: أسرقت؟ قولي: لا.
بين زياد والأحنفحدّثني سهل بن محمد قال: حدّثني الأصمعيّ قال: جاءوا زياداً بلصّ وعنده جماعة فيهم، الأحنف فانتهروه وقالوا: اصدق الأمير. فقال الأحنف: إن الصدق أحياناً معجزة. فأعجب ذلك زياداً وقال: جزاك اللّه خيراً.
لابن عباس في جزّ الرأس واللحية
حدّثني شبابة عن القاسم بن الحكم عن إسماعيل بن عيّاش عمن حدّثه عن ابن عباس قال: " جزّ الرأس واللّحية لا يصلح في العقوبة لاأن اللّه عز وجل جعل حلق الرأس نسكاً لمرضاته " .
لعمر بن عبد العزيز في المثلة في العقوبةحدّثني شبابة عن القاسم عن الأوزاعي أن عمر بن عبد العزيز قال: " إياكم والمثلة في العقوبة جزّ الرأس واللحية " .
من أحكام مروان بن الحكمحدّثني مجمد بن خالد بن خداش قال: حدّثنا سلابن قتيبة قال: حدّثنا يونس عن أبي بكر ابن حفص بن عمر قال: كان مروان بن الحكم أمير المدينة فقضى في رجل فزّع رجلاً فضرط بأربعين درهماً.
لابن مسعودحدّثني محمد بن عبيد عن معاوية بن عمرو عم أبي إسحاق عن جوبير عن الضحاك عن ابن مسعود قال: " لا يحل في هذه الأمة غلٌّ ولا صفدٌ ولا تجريد ولامدٌّ
حدّثني عبد الرحمن عن الأصمعيّ قال: كان عامر بن الظّرب العدواني حكم العرب، فنزل به قوم يستفتونه في خنثى وله جارية يقال لهم خصيلة. وربما لامهم في الإبطاء في الرعي وفي الشيء يجده عليهم. فقال: يا خصيلة لقد حبست هؤلاء القوم وريّثتهم حتى أسرعت في غنمي.
قالت: وما يكن عليك من ذلك؟ أتبعه مباله. فقال لهم: " مسّي خصيل بعدهم أو روّحي " .
؟؟؟؟؟؟؟؟
حكم جابر بن زيد في تحديد صفة إنسانقال: وأتي ابن زياد بإنسان له قبل وذكر ولا يدري كيف يورّث. فقال: من لهذا؟ فقالوا: أرسل إلى جابر بن زيد. فأرسل إليه، فجاء يرسف في قيوده فقال: ما تقول: في هذا؟ فقال: ألزقه بالجدار فإن بال عليه فهو ذكر، وغن بال في رجليه فهو أنثى.
رفض شريح بالقضاء في الطنبورحدّثني محمد بن خالد بن خداش قال: حدّثنا سلابن قتيبة قال: حدّثنا قيس بن الربيع عن أبي حصين أن لرجلاً كسر طنبوراً لرجل فخاصمه إلى شريح، فقال شريح: لا أقضي في الطنبور بشيء.
بين أبي العجاج وأبي الأصمعيّ
حدّثني أبو حاتم عن الأصمعيّ عن أبيه قال: قال لي أبو العجاج: يا بن أصمع واللّه لئن أقررت لألزمنّك. أي لاتقر.
؟
حكم إياس بن معاوية في رد جارية حمقاءحدّثني أبو حاتم عن الأصمعيّ عن أبيه عن معمر قال: ردّ رجل على رجل جارية اشتراهم منه، فخاصمه إلى إياس بن معاوية، فقال له: بم تردّهم ؟ قال له: بالحمق. فقال لهم إياس: أيّ رجليك أطول؟ فقالت: هذه. فقال: أتذكرين ليلة ولدت؟ قالت: نعم. فقال إياس: ردّ ردّ.
قضاء الشعبي وهو على جلد أسدحدّثني أبو الخطاب قال: حدّثنا أبو داود عن قيس عن أبي حصين قال: رأيت الشّعبيّ يقضي على جلد أسد.
الظلم
كلام المظلوم ووجه الظالأحدّثني عبد الرحمن بن عبد اللّه بن قريب قال: حدّثني الأصمعيّ قال: أخبرنا بعض أشياخ البصرة أن رجلاً وامرآته اختصما إلى أمير من أمراء العراق وكانت المرأة حسنة المتنقّب قبيحة المسفر، وكان لهم لسان فكأن العامل مال معهم فقال: يعمد أحدكم إلى المرأة الكريمة فيتزوّجهم ثم يسيء إليهم !؟؟؟؟ فأهوى زوجهم إلى النّقاب فألقاه عن وجههم فقال العامل: عليك اللعنة؟ كلام مظلومٍ ووجه ظالمٍ.
وأنشد الرياشيّ في نحو هذا:
رأيت أبا الحجناء في الناس جائراً ... ولون أبي الحجناء لون البهم ئم
تراه على ما لاحه من سواده ... وإن كان مظلوماً له وجه ظالأ
في الظالأ المعتدي أبو حاتم عن الأصمعيّ عن أبي عمرو بن العلاء قال: كان رجل من العرب في الجاهلية إذا رأى رجلاً يظلم ويعتدي يقول: فلان لا يموت سويًّا. فيرون ذلك حتى مات رجل ممن قال ذلك فيه فقيل له: مات فلان سوياً. فلم يقبل حتى تتابعت الأخبار. فقال: إن كنتم صادقين إن لكم دارا سوى هذه تجاوزن فيهم.
رسالة كاتب إلى السلطانكتب رجل من الكتّاب إلى سلطان: " أعيذك باللّه من أن تكون لاهياً عن الشكر محجوباً بالنعم صارفاً فضل ما أوتيت من السلطان إلى ما تقلّ عائدته وتعظم تبعته من الظلم والعدوان، وأن يستزلّك الشيطان بخدعه وغروره وتسويله فيزيل عاجل الغبطة وينسيك مذموم العاقبة، فإن الحازم من يذكر في يومه المخوف من عواقب غده ولم يغرّه طول الأمل وتراخي الغاية ولم يضرب في غمرة من الباطل ولا يدري ما تتجلّى به مغبّتهم. هذا إلى ما يتبع الظالأمن سوء المنقلب وقبيح الذكر الذي لا يفنيه كرّ الجديدين واختلاف العصرين حدّثني يزيد بن عمرو قال: حدّثنا معاوية بن عمرو قال: حدّثنا أبو إبراهيم السقّاء عن ليث عن مجاهد قال: " يؤتى بمعلم الصبيان يوم القيامة فإن كان عدل بين الغلمان وإلا أقيم مع الظلمة " .
؟
لمعاوية في الظلموكان معاوية يقول: " إني لأستحي أن أظلم " من لا يجد عليّ ناصراً إلا اللّه " .
وقال بلال: " إني لأستحي أن أظلم " وأحرج أن أظلموكان يقال: إذا أراد اللّه أن يتحف عبد اً قيّض له من يظلمه.
كتب رجل إلى سلطان: " أحق الناس بالإحسان من أحسن اللّه إليه وأولاهم بالإنصاف من بسطت بالقدرة يداه " .
في أن الظّلم يخرب الديار
ذكر الظالأفي مجلس ابن عباس فقال كعب: إني لا أجد في كتاب اللّه المنزّل أن الظلم يخرب الديار. فقال ابن عباس أنا أوجدكه في القرآن، قال اللّه عز وجل " فتلك بيوتهم خاويةٌ بما ظلموا " .
القوة في الحقحدّثني سهل بن محمد عن الأصمعيّ قال:كان فرعان وهو من بني تميم لا يزال يغير على إبل الناس فيأخذ منهم ثم يقاتلهم عليهم إلى أن أغار على رجل فأصاب له جملاً، فجاء الرجل فأخذ بشعره فجذبه فبرك، فقال الناس: كبرت واللّه يا فرعان. فقال: لاواللّه ولكن جذبني جذبة محقٍّ.
وكان سديف بن ميمون مولى اللّهبين يقول: اللهم قد صار فيئنا دولة بعد القسمة وإمارتنا غلبة بعد المشورة وعهدنا ميراثاً بعد الاختيار للأمة. واشتريت الملاهي والمعازف بسهم اليتيم والأرملة وحكّم في أبشار المسلمين أهل الذمة وتولى القيام بأمورهم فاسق كلّ محلّة. اللهم وقد استحصد زرع الباطل وبلغ نهم يته واجتمع طريده. اللهم فأتح له يداً من الحق حاصدة تبدّد شمله وتفرّق أمره ليظهر الحق في أحسن صوره وأتم نوره.
بين أعرابي واليهود في ديّة المسيح
ولي أعرابي بعض النواحي فجمع اليهود في عمله وسألهم عن المسيح فقالوا: قتلناه وصلبناه. فقال: فهل أديتم ديته؟ قالوا:لا. قال: فواللّه لا تخرجون أو تؤدّوهم. فلم يبرحوا حتى أدّوهم .
بين أبي العاج ونصرانيكان أبو العاج على جوالي البصرة فأتي برجل من النصارى، فقال: ما اسمك؟ فقال: بنداذ شهر بنداذ. فقال: اسم ثلاثةٍ وجزية واحدٍ! لا واللّه العظيم. قال: فأخذ منه ثلاث جزًى.
حكم أعرابيولي أعرابي " تبالة " فصعد المنبر فما حمد اللّه ولا أثنى عليه حتى قال: إن الأمير أعزنا اللّه وإياه ولّاني بلادكم هذه، وإني واللّه ما أعرف من الحق موضع سوطي، ولن أوتى بظالأولا مظلوم إلا أوجعتهما ضرباً. فكانوا يتعاملون بالحق بينهم ولا يرتفعون إليه.
شعر في الظلمقال بعض الشعراء:
بني عمّنا لا تذكروا الشعر بعد ما ... دفنتم بصحراء الغمير القوافيا
فلسنا كمن كنتم تصيبون سلّة ... فنقبل ضيما أو نحكّم قاضيا
ولكن حكم السيف فيكم مسلّط ... فنرضى إذا ما أصبح السيف راضياً
فإن قلتم إنا ظلمنا فلم نكن ... ظلمنا ولكنّا أسأنا التقاضيا
" وقال آخر:
تفرح أن تغلبني ظالماً ... والغالب المظلوم لو تعلم "
دعاء في الوقاية من ظلم السلطانوكانوا يتوقّون ظلم السلطان إذا دخلوا عليه بأن يقولوا: " بسم اللّه إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقياً " " آخسئوا فيهم ولا تكنلّمونأخذت سمعك وبصرك بسمع اللّه وبصره. أخذت قوّتكن بقوّة اللّه. بيني وبينك ستر النبوّة الذي كانت الأنبياء تستتر به من سطوات الفراعنة. جبريل عن يمينك وميكائيل عن يسارك ومحمد أمامك واللّه مطلع عليك ويحجزك عني ويمنعني منك " .
في ظلم الأمراء وأولي الأمروقال بعض الشعراء:
ونستعدي الأمير إذا ظلمنا ... فمن يعدي إذا ظلم الأمير
" وقال آخر:
إذا كان الأمير عليك خصما ... فلا تكنثر فقد غلب الأمير "
وكتب رجل إلى صديق له: قد كنت أستعديك ظالماً على غيرك فتحكم لي وقد استعديتكن عليك مظلوماً فضاق عني عدلك، وذكّرني قول القائل:
كنت من كربتي أفرّ إليهم ... فهم كربتي فأين الفرار
" ونحوه:
والخصم لا يرتجى النجاح له ... يوماً إذا خصمه القاضي "
للأصمعي في إباء العدلحدّثني سهل بن محمد عن الأصمعيّ قال:كان يقال: ما أعطي أحد قط النّصف فأباه إلا أخذ شراً منه. قال: وقال الأحنف: ما عرضت النّصفة قطّ على أحد فقبلهم إلا دخلتني له هيبةٌ ولا ردّهم إلا اختبأتهم في عقله.
شعر للبعيثوقال البعيث:
وإني لأعطي النّصف من لو ظلمته ... أقرّ وطابت نفسه لي بالظّلم
للطائيّ ثم للعباس بن عبد المطلب
وقال الطائي:
يرى العلقم المأدوم بالعزّ أريةً ... يمانيةً والأري بالضيم علقما
إذا فرشوه النّصف نامت شذاته ... وإن رتعوا في ظلمه كان أظلما
وقال العباس بن عبد المطلب:
أبى قومنا أنى ينصفونا فأنصفت ... قواطع في أيماننا تقطر الدما
تركناهم لا يستجلّون بعدهم ... لذي رحمٍ يوماً من الدهر محرما
كتاب عمر بن عبد العزيز
إلى بعض عماله يحثه على العدل وترك الظلمبلغنا عن ضمرة عن ثور بن يزيد قال: كتب عمر بن عبد العزيز إلى بعض عمّاله: أما بعد إذا دعتكن قدرتكن على الناس إلى ظلمهم فاذكر قدرة اللّه عليك وفناء ما تؤتي إليهم وبقاء ما يؤتون إليك، والسلام.
بين ابن سيرين وآخر يدعو على من ظلمهسمع ابن سيرين رجلاً يدعو على من ظلمه، فقال: أقصر يا هذا، لايربح عليك ظالمك.
قولهم في الحبسشكاية يوسف عليه السلام إلى اللّه تعالى طول الحبس
" في الحديث المرفوع: " شكا يوسف عليه السلام إلى اللّه عزّ وجلّ طول الحبس فأوحى اللّه إليه: من حبسك يا يوسف، أنت حبست نفسك حيث قلت " ربّ السّجن أحبّ إليّ ممّا يدعونني إليه " ولو قلت: العافية أحبّ عليّ لعوفيت " .
دعاء يوسف عليه السلام لأهل السجنحدّثني عبد الرحمن بن عبد المنعم عن أبيه عن وهب قال: " إن يوسف عليه السلام دعا لأهل السجن دعوةً لم تزل تعرف لهم إلى اليوم، قال: اللهم اعطف عليهم قلوب الأخيار ولا تعم عليهم الأخبار " فيقال: أنهم أعلم الناس بكل خبر في كل بلد.
ما كتب على باب سجينوكتب على باب السجن: " هذه منازل البلوى وقبور الأحياء وتجربة الصديق وشماتة الأعداء " .
شعر للرياشي في السجنأنشدني الرياشيّ:
ما يدخل السجن إنسانٌ فتسأله ... ما بال سجنك إلا قال مظلوم
ولأعرابي، ثم لأحد المساجينوقال أعرابي:
ولمّا دخلت السجن كبّر أهله ... وقالوا أبو ليلى الغداة حزين
وفي الباب مكتوبٌ على صفحاته ... بأنك تنزو ثمّ سوف تلين
ويقال: إنّ قولهم " تنزو وتلين " زؤي مكتوباً على باب حبس فضربه الناس مثلا.
وقال بعض المسجونين:
وبتّ بأحصنهم منزلاً ... ثقيلاً على عنق السالك
ولست بضيف ولا في كرا ... ولا مستعير ولا مالك
وليس بغصبٍ ولا كالرّهون ... ولا يشبه الوقف عن هم لك
ولي مسمعان فأدناهما ... يغنّي ويسمع في الحالك
وأقصاهما ناظرٌ في السما ... ء عمداً وأوسخ من عارك
المسمع الأوّل قيده والثاني صاحب الحرس. ونحوه قول الآخر:
ولي مسمعان وزمّارة ... وظلٌّ مديد وحصن أمق
الزمّارة الغلّ، وأصل الزمّارة السّاجور.
بين بلال بن أبي بردة وخالد بن صفوانقال أبو عبيد ة: اختصم خالد بن صفوان مع رجل إلى بلال بن أبي بردة، فقضى للرجل على خالد، فقام خالد وهو يقول: سحابة صيف عن قليل تقشّع فقال بلال: أما إنهم لا تقشّع حتى يصيبك منهم شؤبوب برد. وأمر به إلى الحبس، فقال خالد: علام تحبسني؟ فواللّه ما جنيت جناية ولا خنت خيانة. فقال بلال: يخبرك عن ذلك بابٌ مصمت وأقيادٌ ثقال وقيّمٌ يقال له حفص.
بين الحجاج والغضبان بن القبعثريقال الحجاج للغضبان بن القبعثري ورآه سميناً: ما أسمنك؟ قال: القيد والرّتعة، ومن كان في ضيافة الأمير سمن.
خروج الكميت الشاعر متنكرا من السجن وشعر لهكان خالد بن عبد اللّه حبس الكميت الشاعر فزاراته امرأته في السجن فلبس ثيابهم وخرج ولم يعرف فقال:
ولما أحلّوني بصلعاء صيلمٍ ... بإحدى زبى ذي اللّبدتين أبي الشّبل
خرجت خروج القدح قدح ابن مقبلٍ ... على رغم آناف النوابح والمشلي
عليّ ثياب الغانيات وتحتهم ... عزيمة مرءٍ أشبهت سلّة النصل
شعر للفرزدقوكان خالد بن عبد اللّه حبس الفرزدق فقال:
وأني لأرجو خالداً أن يفكّني ... ويطلق عني مقفلات الحدائد
فإن يك قيدي ردّ همّي فربما ... تناولت أطراف الهموم الأباعد
وما من بلاء غير كلّ عشية ... وكل صباح زائرٍ غير عائد
يقول لي الحداد هل أنت قائم ... وما أنا إلا مثل آخر قاعد
لبعضهم في خالد بن عبد اللّه القسري حين حبس
وقال بعض الشعراء في خالد بن عبد اللّه القسري حين حبس:
لعمري لقد أعمرتم السجن خالداً ... وأوطأتموه وطأة المتثاقل
إن تحبسوا القسريّ لا تحبسوا اسمه ... ولا تستجنوا معروفه في القبائل
وقال بعض المسجّنين:
أسجنٌ وقيد واغتراب وعسرة ... وفقد حبيب! إن ذا لعظيم
وإن آمرأ تبقى مواثيق عهده ... على كل هذا، إنه لكريم
وقال آخر مثله:
إلى اللّه أشكو إنه موضع الشكوى ... وفي يده كشف المصيبة والبلوى
خرجنا من الدنيا ونحن من آهلهم ... فلسنا من الأحياء فيهم ولا الموتى
إذا جاءنا السجّان يوماً لحاجة ... عجبنا وقلنا جاء هذا من الدنيا
وتعجبنا الرؤيا فجلّ حديثنا ... إذا نحن أصبحنا الحديث عن الرؤيا
فإن حسنت لم تأت عجلي وأبطأت ... وإن قبحت لم تحتبس وأتت عجلى
وقال يزيد بن المهلّب وهو في الحبس: يا لهفي على طلبة بمائة ألف وفرحٍ في جبهة أسد.
بين الفرزدق والمهلب وهو محبوسودخل الفرزدق على المهلب وهو محبوس فقال:
أصبح في قيدك السماحة وال ... جود وحملٌ لمضلع الأثقال
فقال له: أتمدحني على هذه الحال؟ فقال: أصبتكن رخيصاً فاشتريتكن.
بين أبي العتاهية والرشيد وقد كتب إليه من الحبس شعراً
وحبس الرشيد أبا العتاهية فكتب إليه من الحبس بأبيات منهم :
تفديك نفسي من كل ما كرهت ... نفسك إن كنت مذنباً فاغفر
يا ليت قلبي مصوّر لك ما ... فيه لتستقين الذي أضمر
فوقّع الرشيد في رقعته: لا بأس عليك. فأعاد عليه رقعة أخرى فيهم :
كأنّ الخلق ركّب فيه روح ... له جسد وأنت عليه رأس
أمين اللّه إن الحبس بأسٌ ... وقد وقّعت " ليس عليك بأس "
فأمر بإطلاقه.
الحجاب
بين عبد العزيز بن زرارةومعاوية، وقد حجبه عنه يوماً، وشعر له في ذلك
أبو حاتم عن العتبي عن أبيه أن عبد العزيز بن زرارة الكلابي وقف على باب معاوية فقال: من يستأذن لي اليوم فأدخله غداً؟ وهو في شملتين، فلما دخل على معاوية قال: هززت ذوائب الرحال إليك إذ لم أجد معوّلاً إلا عليك. أمتطي الليل بعد النهم ر وأسم المجاهل بالآثار. يقودني نحوك رجاء وتسوقني إليك بلوى، والنفس مستبطئة والاجتهم د عاذر. فأكرمه وقرّبه. فقال في ذلك:
دخلت على معاوية بن حرب ... وذلك إذ يئست من الدخول
وما نلت الدخول عليه حتّى ... حللت محلّة الرجل الذليل
وأغضبت الجفون على قذاهم ... ولم أسمع إلى قالٍ وقيل
فأدركت الذي أمّلت فيه ... بمكثٍ والخطا زاد العجول
وقال غير العتبي: لما دخل عبد العزيز بن زرارة على معاوية قال له: " إني رحلت إليك بالأمل واحتملت جفوتكن بالصبر، ورأيت ببابك أقواماً قدّمهم الحظّ، وآخرين باعدهم الحرمان. وليس ينبغي للمتقدم أن يأمن ولا للمتأخر أن ييأس. وأول المعرفة الاختبار فابل وآختبر " .
شعر لعبد العزيز بن
زرارة في حجاب معاوية إياهوفي حجاب معاوية إياه يقول شاعر مضرّ:
من يأذن اليوم لعبد العزيز ... يأذن له عبد عزيزٍ غداً
قال أبو اليقظان: كان عبد العزيز بن زرارة فتى العرب.
رد أبي سفيان على حجب عثمان إياهأستأذن أبو سفيان على عثمان فحجبه. فقيل له: حجبك أمير المؤمنين؟ فقال: لاعدمت من قومي من إذا شاء حجبني.
قول أبي الدرداء في حجب معاوية لهوحجب معاوية أبا الدرداء فقال أبو الدرداء: من يغش سدد السلطان يقم ويقعد، ومن صادف باباً عنه مغلقاً وجد إلى جانبه باباً فتحا، إن دعا أجيب وإذا سأل أعطي.
وظيفة الحاجب ودوره
قال رجل لحاجبه: إنك عين أنظر بهم وجنّة أستنيم إليهم ، وقد ولّيتكن بابي، فما تراك صانعاً برعيتي؟ قال: أنظر إليهم بعينك وأحملهم على قدر منازلهم عندك وأضعهم في إبطائهم عن زيارتكن ولزومهم خدمتكن مواضع استحقاقهم وأرتّبهم حيث وضعهم ترتيبك وأحسن إبلاغك عنهم وإبلاغهم عنك. قال: قد وفّيت ما لك وما عليك إن صدّقته بفعل. و كان يقال: حاجب الرجل حارس عرضه.
قول أبرويز لحاجبه يحدد دورهوقرأت في التاج أن أبرويز قال لحاجبه: " لا تقدّمن مستغيثاً ولا تضعنّ ذا شرف بصعوبة حجاب ولا ترفعنّ ذا ضعة بسهولته. وضع الرجال مواضع أخطارهم، فمن كان مقدّماً له الشرف ممن آزدرعه ولم يهدمه من بعد بنائه فقدّمه على شرفه الأوّل وحسن رأيه الآخر، ومن كان له شرف مقدّم فلم يصن ذلك إبلاغاً به ولم يزدرعه تثميراً له فألحق بآبائه مهلة سبقهم في خواصهم، وألحق به في خاصته ما ألحق بنفسه. لا تأذن له إلا دبرا ولا تأذن له إلا سراراً. وإذا ورد عليك كتاب عامل من عمّالي فلا تحبسه عني طرفة عين إلا أن أكون على حال لا تستطيع الوصول إليّ فيهم ، وإن أتاك مدّع لنصيحة فاستكنتبهم سرّاً ثم أدخله بعد أن تستأذن له. حتى إذا كان مني بحيث أراه فادفع إليّ كتابه، فإن أحمدت قبلت وإن كرهت رفضت، ولا ترفعنّ إليّ طلبة طالب إن منعته بخّلني وإن أعطيته آزدراني، إلا بمؤامرة مني من غير أن تعلمه أنك قد أعلمتني وإن أتاك عالأيستأذن عليّ لعلم يزعم أنه عنده فاسأله: ما علمه ذلك؟ ثم أستأذن له فإن العلم كاسمه، ولا تحجبن سخطةً ولا تأذنن رضاً، اخصص بذلك الملك ولا تخصّ به نفسك " .
قول خالد بن عبد اللّه لحاجبه
الهيثم قال: قال خالد بن عبد اللّه لحاجبه: " لا تحجبني عنّي أحداً إذا أخذت مجلسي، فإن الوالي لا يحجب إلا عن ثلاث: عيٍّ يكره أن يطّلع عليه منه، أو ريبة، أو بخل فيكره أن يدخل عليه من يسأله " .
شعر لمحمود الورّاق في احتجاب الوالي
ومنه أخذ ذلك محمود الورّاق فقال:
إذا آعتصم الوالي باغلاق بابه ... وردّ ذوي الحاجات دون حجابه
ظننت بهم حدى ثلاث وربّما ... نزعت بظنٍّ واقعٍ بصوابه
فقلت به مسٌّ من العيّ ظاهرٌ ... ففي إذنه للناس إظهم ر ما به
فإن لم يكن عيّ اللسان فغالبٌ ... من البخل يحمي ما له عن طلابه
فإن لم يكن هذا ولاذا فريبةٌ ... يصرّ عليهم عند إغلاق بابه
لبعض الشعراء في أن عرض الملك حاجبهوقال بعض الشعراء:
أعلمن إن كنت تعلمه ... أن عرض الملك حاجبه
فبه تبدو محاسنه ... وبه تبدو معايبه
شعر في الحاجبوقال أخر:
كم من فتى تحمد أخلاقه ... وتسكن الأحرار في ذمّته
قد كثّر الحاجب أعداءه ... وسلّط الذمّ على نعمته
قول جماعة على باب عمر بن الخطابحضر باب عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه جماعةٌ منهم سهيل بن عمرو وعيينة بن حصن والأقرع بن حابس فخرج الآذن فقال: أين صهيب؟ أين عمّار؟ أين سلمان؟ فتمع0ّرت وجوه القوم. فقال واحد منهم: لم تتمعّر وجوهكم؟ دعوا ودعينا فأسرعوا وأبطأنا، ولئن حسدتموهم على باب عمر لما أعدّ اللّه لهم في الجنة أكثر.
شعر في حاجبوقال بعض الشعراء:
سأترك هذا الباب ما دام إذنه ... على ما أرى حتى يخفّ قليلا
إذا لم نجد للاذن عندك موضعا ... وجدنا إلى ترك المجيء سبيلا
وقال آخر لحاجب:
سأترك باباً أنت تملك إذنه ... وإن كنت أعمى عن جميع المسالك
فلو كنت بوّاب الجنان تركتهم ... وحوّلت رحلي مسرعا نحو مالك
وكتب أبو العتاهية إلى أحمد بن يوسف:
لئن عدت بعد اليوم إني لظالم ... سأصرف وجهي حيث تبغى المكارم
متى ينجح الغادي إليك بحاجة ... ونصفك محجوب ونصفك نائم؟
وقال آخر:
ولست بمتّخذ صاحبا ... يقيم على بابه حاجبا
إذا جئت قال له حاجةٌ ... وإن عدت ألفيته غائبا
ويلزم إخوانه حقه ... وليس يرى حقّهم واجبا
فلست بلاقيه حتى الممات ... إذ أنا لم ألقه راكبا
وقال عبد اللّه بن سعيد في حاجب الحجاج وكان يحجبه دائماً:
ألا ربّ نصح يغلق الباب دونه ... وغشٍّ إلى جنب السرير يقرّب
وقال آخر:
ما ضاقت الأرض على راغب ... يطّلب الرزق ولا هم رب
بل ضاقت الأرض على طالب ... أصبح يشكو جفوة الحاجب
كتاب رجل حجب عن باب السلطانوحجب رجل عن باب السلطان فكتب إليه: " نحن نعوذ باللّه من المطامع الدنيّة والهمم القصيرة وابتذال الحرّية، فإن نفسي والحمد اللّه أبيّة ما سقطت وراء همة ولا خذلهم صبر عند نازلة ولا استرقّهم طمع ولا طبعت على طبع وقد رأيتكن ولّيت عرضك من لا يصونه و وصلت ببابك من يشينه وجعلت ترجمان عقلك من يكثر من أعدائك وينقص من أوليائك " ويسيء العبارة عنك ويوجه وفد الذم إليك " ويضغن قلوب إخوانك عليك إذ كان لايعرف لشريف قدراً ولا لصديق منزلة، ويزيل المراتب عن جهل بهم وبدرجاتهم فيحطّ العليّ إلى مرتبة الوضيع ويرفع الدنيّ إلى مرتبة الرفيع، ويحتقر الضعيف لضعفه وتنبو عينه عن ذي البذاذة، ويميل إلى ذي اللباس والزينة ويقدّم على الهوى ويقبل الرّشا " .
شعر لبشاروقال بشار، وقيل هو لغيره:
تأبى خلائق خالد وفعاله ... إلا تجنّب كلّ أمر عائب
فإذا أتيت الباب وقت غدائه ... أذن الغداء برغم أنف الحاجب
اشعار في الحاجب والحجابوهذا ضد قول الآخر:
إذا تغدّى فر بوابه ... وآرتدّ من غير يدٍ بابه
ومات من شهوة ما يحتسي ... عياله طرًّا وأصحابه
وقال آخر:
يا أميرا على جريب من الأر ... ض له تسعة من الحجّاب
قاعداً في الخراب يحجب عنه ... ما سمعنا بحاجب في خراب!
وقال آخر:
على أي باب أطلب الاذن بعد ما ... حجبت عن الباب الذي أنا حاجبه
وقال الطائي:
يا أيهم الملك النائي برؤيته ... وجوده لمراعي جوده كثب
ليس الحجاب مقصٍ عنك لي أملا ... إن السماء ترجّى حين تحتجب
وقال أيضاً:
ومحجّبٍ حاولته فوجدته ... نجماً عن الركب العفاة شسوعا
أعدمته لما عدمت نواله ... شكري فرحنا معدمين جميعا
وقال آخر:
قد أطلنا بالباب أمس القعودا ... وجفينا به جفاء شديدا
وذممنا العبيد حتى إذا نح ... ن بلونا المولى عذرنا العبيد ا
وحجب رجل فكتب:
أبا جعفر إن الولاية إن تكن ... منبّلة قوماً فأنت لهم نبل
فلا ترفع عنا لشيء وليته ... كما لم يصغّر عندنا شأنك العزل
كتاب رجل إلى صديق له حجب نفسهوكتب رجل من الكتاب في هذا المعنى إلى صديق له: " إن كان ذهولك عنا لدينا أخضلت عليك سماؤهم وأرتبت بك ديمهم إن أكثر ما يجري في الظن بك بل في اليقين منك أنك أملك ما تكون لعنانك أن يجمح بك ولنفسك أن تستعليّ عليك إذا لانت لك أكنافهم " وآنقاد في كفّك زمامهم لأنك لم تنل ما نلت خلساً ولا خطفا، ولا عن مقدار جرف إليك غير حقك وأمال نحوك سوى نصيبك. فإن ذهبت إلى أن حقك قد يحتمل في قوّته وسعته أن تضمّ إليه الجفوة والنّبوة فيتضائل في جنبه ويصغر عن كبيره فغير مدفوع عن ذلك. وآيم اللّه لولا ما بليت به النفس من الضّنّ بك وأنّ مكانك منهم لايسدّه غيرك نسخت عنك وذهلت عن إقبالك وإدبارك ولكان في جفائك ما يردّ من غرتهم ويبرد من غرّتهم ، ولكنه لما تكناملت النعمة لك تكناملت الرغبة فيك " .
بين معاوية وحضين بن المنذرأبو حاتم عن العتبيّ قال: قال معاوية لحضين بن المنذر وكان يدخل عليه في أخريات الناس: يا أبا ساسان كأنه لا يحسن إذنك. فانشأ يقول:
كل خفيف الشأن يسعى مشمّرا ... إذا فتح البوّاب بابك إصبعا
ونحن الجلوس الماكثون رزانةً ... وحلماً إلى أن يفتح الباب أجمعا
شعر في بشر بن مروانوقال بعض الشعراء في بشر بن مروان:
بعيد مردّ العين ما ردّ طرفه ... حذار الغواشي باب دار ولا ستر
ولو شاء بشر كان من دون بابه ... طماطم سودٌ أو صقالبةٌ حمر
ولكن بشرا يسّر الباب للتي ... يكون له في غبّهم الحمد والأجر
وقال بشر:
فلا تبخلا بخل ابن قرعة إنه ... مخافة أن يرجى نداه حزين
إذا جئته في العرف اغلق بابه ... فلم تلقه إلا وأنت كمين
فقل لأبي يحيى متى تدرك العلا ... وفي كل معروف عليك يمين
مدح لابن هرمةوقال ابن هرمة يمدح:
هشٌّ إذا نزل الوفود ببابه ... سهل الحجاب مؤدّب الخدّام
وإذا رأيت شقيقه وصديقه ... لم تدر أيّهما أخو الأرحام
وكتب رجل إلى بعض الملوك:
إذا كان الجواد له حجاب ... فما فضل الجواد على البخيل
فكتب إليه الآخر:
إذا كان الجواد قليل مال ... ولم يعذر تعلّل بالحجاب
وقال عبيد اللّه بن عكراش " :
وإني لأرثي للكريم إذا غدا ... على طمع عند اللئيم يطالبه
وأرثي له من مجلس عند بابه ... كمرثيتي للطّرف والعلج راكبه
وكتب عبد اللّه بن أبي عيينة إلى صديق له:
أتيتكن زائراً لقضاء حق ... فحال السّتر دونك والحجاب
ولست بصساقطٍ في قدر قوم ... وإن كرهوا كما يقع الذّباب
شعر لأعرابي على باب الفضل بن الربيعأبو حاتم عن عبد اللّه بن مصعب الزبيري قال: كنا بباب الفضل بن الربيع وهم يأذنون لذوي الهيئات والشارات وأعرابي يدنو فكلما دنا طرح. فقام ناحية وأنشأ يقول:
رأيت آذننا يعتام بزّتنا ... وليس للحسب الزاكي بمعتام
ولو دعينا على الأحساب قدّمني ... مجدٌ تليد وجدّ راجح نامي
متى رأيا الصقور الجدل يقدمهم ... خلطان من رخمٍ قرع ومن هم م
بين معاوية وشريك الحارثيدخل شريك الحارثي على معاوية فقال له معاوية: من أنت؟ فقال له: يا أمير المؤمنين ما رأيت لك هفوة قبل هذه. مثلك ينكر مثلي من رعيته! فقال له معاوية: إن معرفتكن متفرقة، أعرف وجهك إذا حضرت في الوجوه، وأعرف آسمك في الأسماء إذا ذكرت، ولا أعلم أن ذلك الاسم هو هذا الوجه، فاذكر لي اسمك تجتمع معرفتكن.
في آداب الدخول على الملوكاستأذن رجلان على معاوية فأذن لأحدهما وكان أشرف منزلة من الآخر، ثم أذن للأخر فدخل عليه فجلس فوق صاحبه. فقال معاوية: إن اللّه قد ألزمنا تأديبكم كما ألزمنا رعايتكنم، وإنا لم نأذن له قبلك ونحن نريد أن يكون مجلسه دونك. فقم لا أقام اللّه لك وزناً.
دخول أبي مجلز على عمر بن عبد العزيزدخل أبو مجلز على عمر بن عبد العزيز حين أقدمه من خراسان، فلم يقبل عليه. فلما خرج قال له بعض من حضر المجلس: هذا أبو مجلز. فردّه واعتذر إليه وقال: إني لم أعرفك. قال: يا أمير المؤمنين فهلا أنكرتني.
أشجع السلمي يذكر باب المنصور بن زيادقال أشجع السلمي يذكر باب المنصور بن زياد:
على باب ابن منصورٍ ... علاماتٌ من البذل
جماعاتٌ وحسب البا ... ب فضلاً كثرة الأهل
وكانت العرب تتعوّذ باللّه من قرع الفناء ومن قرع المراح.
وقال بعض الشعراء:
ما لي أرى أبوابهم مهجورة ... وكأنّ بابك مجمع الأسواق
ألجوك أم خافوك أم شاموا الحيا ... بحراك فانتجعوا من الآفاق
وقال آخر:
يزدحم الناس على بابه ... والمشرع العذب كثير الزحام
وقال آخر: إن النّدى حيث ترى الضّغاطا يعني الزحام.
شعر لبشاروقال بشار:
ليس يعطيك للرجاء ولا الخو ... ف ولكن يلذّ طعم العطاء
يسقط الطير حيث ينتثر الح ... بّ وتغشى منازل الكرماء
بين عمر بن عبد العزيز وطارق مجهولدقّ رجل على عمر بن عبد العزيز الباب فقال عمر: من هذا؟ قال: أنا. قال عمر: ما نعرف أحداً من إخواننا يسمّى أنا.
قول شبيب بن شيبة عند خروجه من دار الخلافةخرج شبيب بن شيبة من دار الخلافة يوماً فقال له قائل: كيف رأيت الناس؟ فقال: رأيت الداخل راجياً ورأيت الخارج راضياً.
شعر لأبي العتاهية، وغيرهقال أبو العتاهية:
إذا آشتدّ دوني حجاب آمرىء ... كفيت المؤونة حجّابه
حجب أعرابيّ على باب السلطان فقال:
أهين لهم نفسي لأكرمهم بهم ... ولا يكرم النفس الذي لايهينهم
وقال جرير:
قوم إذا حضر الملوك وفودهم ... نتفت شواربهم على الأبواب
وقال آخر:
فلما وردت الباب أيقنت أننا ... على اللّه والسلطان غير كرام
وقال أبو القمقام الأسدي:
أبلغ أبا مالك عني مغلغلة ... وفي العتاب حياةٌ بين أقوام
أدخلت قبلي قوماٌ لم يكن لهم ... من قبل أن يلجوا الأبواب قدّامي
لو عدّ بيتٌ وبيتٌ كنت أكرمهم ... بيتاً وأبعدهم من منزل الذام
فقد جعلت إذا ما حاجتي نزلت ... بباب دارك أدلوهم بأقوام
التلطف في مخاطبة السلطان
و إلقاء النصيحة إليه
بين الوليد وعمرو بن عتبة في النصيحةالعتبي قال: قال عمرو بن عتبة للوليد حين تنكّر له الناس: يا أمير المؤمنين إنك تنطقني بالأنس بك وأنا أكفت ذلك بالهيبة لك. وأراك تأمن أشياء أخافهم عليك، أ فأسكت مطيعاً؟ أم أقول مشفقاً؟ فقال: كلٌّ مقبول منك، واللّه فينا علم غيب نحن صائرون إليه. ونعود فنقول: فقتل بعد أيام.
من كتاب للهند في نصيحة السلطانوفي إلقاء النصيحة إليه: قرأت في كتاب للهند أن رجلاً دخل على بعض ملوكهم فقال له: أيهم الملك نصيحتكن واجبة في الحقير الصغير بله الجليل الخطير ولولا الثقة بفضيلة رأيك واحتمالك ما يسوء موقعه من الأسماع والقلوب في جنب صلاح العاقبة وتلافي الحادث قبل تفاقمه لكان خرقاً مني أن أقول، وإن كنا إذا رجعنا إلى أن بقاءنا " موصول " ببقائك وأنفسنا معلقة بنفسك لم أجد بدّاً من أداء الحق إليك وإن أنت لم تسألني " أو خفت ألّا تقبل مني " فإنه يقال: من كتم السلطان نصحه والأطباء مرضه والإخوان بثّه فقد خان نفسه.
الخفوت في طاعته
بين جرير بن يزيد وأحد الخلفاءقال بعض الخلفاء لجرير بن يزيد: إني قد أعددتكن لأمر. قال: يا أمير المؤمنين، إن اللّه قد أعدّ لك منّي قلباً معقوداً بنصيحتكن ويداً مبسوطة بطاعتكن وسيفاً مشحوذاً على عدوّك فإذا شئت فقل.
وفي مثله: قال إسحاق بن إبراهيم: قال لي جعفر بن يحيى: آغد عليّ غدا لكذا. فقلت: أنا والصبح كفرسي رهم ن.
وفي مثله: أمر بعض الأمراء رجلاً بأمر فقال له: أنا أطوع لك من اليد وأذل لك من النّعل.
وقال آخر: أنا أطوع لك من الرّداء وأذلّ لك من الحذاء.
التلطّف في مدحه
خالد القسريّ يمدح عمر بن عبد العزيز
قال خالد بن عبد اللّه القسري لعمر بن عبد العزيز: من كانت الخلافة زانته، فإنك قد زنتهم ، ومن كانت شرفته فإنك قد شرفتهم ، فأنت كما قال القائل:
وإذا الدّرّ زان حسن وجوه ... كان للدّر وجهك زينا
فقال عمر: أعطي صاحبكم مقولا ولم يعط معقولا.
نصيحة أديب لوزيروكتب بعض الأدباء إلى بعض الوزراء: " إن أمير المؤمنين منذ استخلصك لنفسه فنظر بعينك وسمع بأذنك ونطق بلسانك وأخذ وأعطى بيدك وأورد وأصدر عن رأيك، وكان تفويضه إليك بعد امتحانك وتسليطه الرأي على الهوى فيك بعد أن ميّل بينك وبين الذين سموا لرتبتكن وجروا إلى غايتكن فأسقطهم مضمارك وخفّوا في ميزانك ولم يزدك رفعةً إلا آزددت اللّه تواضعاً، ولا بسطا وإيناساً إلا ازددت له من العامة قربا. ولا يخرجك فرط النصح للسلطان عن النظر لرعيته، ولا إيثار حقّه عن الأخذ لهم بحقّهم عنده، ولا القيام بما هو له عن تضمّن ما عليه، ولا تشغلك جلائل الأمور عن التفقّد لصغارهم ، ولا الجذل بصلاحهم واستقامتهم عن استشعار الحذر وإمعان النظر في عواقبهم
بين الرشيد والعماني الراجز
وفي مدحه: دخل العماني الراجز على الرشيد لينشده وعليه قلنسوة طويلة وخفّ ساذج، فقال له الرشيد: يا عماني، إياك أن تنشدني إلا وعليك عمامة عظيمة الكور وخفّان دلقمان فبكّر إليه من الغد وقد تزيّا بزيّ الأعراب ثم أنشده وقبّل يده وقال: يا أمير المؤمنين قد واللّه أنشدت مروان ورأيت وجهه وقبّلت يده وأخذت جائزته ثم يزيد بن الوليد وإبراهيم بن الوليد ثم السّفاح ثم المنصور ثم المهدي. كلّ هؤلاء رأيت وجوههم وقبّلت أيديهم وأخذت جوائزهم، إلى كثير من أشباه الخلفاء وكبار الأمراء والسادة والرؤساء، واللّه مارأيت فيهم أبهى منظراً ولا أحسن وجهم ولا أنعم كفّاً وأندى راحةً منك يا أمير المؤمنين. فأعظم له الجائزة على شعره وأضعف له على كلامه وأقبل عليه فبسطه حتى تمنى جميع من حضر أنه قام ذلك المقام.
كتاب الفضل بن سهل إلى أخيه الحسن ينصحهوفي المديح: كتب الفضل بن سهل إلى أخيه الحسن بن سهل فقال: " إن اللّه قد جعل جدّك عالياً وجعلك في كل خير مقدماً وإلى غاية كل فضل سابقاً وصيّرك، وإن نأت بك الدار، من أمير المؤمنين وكرامته قريباً، وقد جدّد لك من البرّ كيت وكيت. وكذا يحوز اللّه لك من الدين والدنيا والعز والشرف أكثره وأشرغه إن شاء اللّه " .
بين الرشيد وبعض الشعراءوفي مدحه: قال الرشيد يوماً لبعض الشعراء: هل أحدّثت فينا شيئاً؟ فقال: يا أمير المؤمنين المديح فيك دون قدرك والشعر فيك فوق قدري، ولكنّي أستحسن قول العتّابيّ:
ماذا يرى قائلٌ يثني عليك وقد ... ناداك في الوحي تقديسٌ وتطهير
فتّ المدائح إلا أن ألسننا ... مستنطقات بما تخفي الضمائير
" في عترة لم تقم إلا بطاعتهم ... من الكتاب ولك تقض المشاعير
هذي يمينك في قرباك صائلة ... وصارمٌ من سيوف الهند مأثور "
رسالة إلى أميروفي مدحه: كتب بعض الكتاب إلى بعض الأمراء: " إن من النعمة على المثني عليك أنه لا يخاف الإفراط ولا يأمن التقصير ولا يحذر أن تلحقه نقيصة الكذب ولا ينتهي به المدح إلى غاية إلا وجد في فضلك عوناً على تجاوزهم. ومن سعادة جدّك أن الداعي لك لا يعدم كثرة المشايعين ومساعدة النيّة على ظاهر القول " .
وإلى وزيروفي مثله كتب بعض الأدباء إلى الوزير: " مما يعين على شكرك كثرة المنصتين له، ومما يبسط لسان مادحك أمنه من تحمّل الإثم فيه وتكنذيب السامعين له " .
لعمرو بن يزيد يمدح يزيد بن معاويةوفي مثل ذلك: لمّا عقد معاوية البيعة ليزيد قام الناس يخطبون فقال لعمرو بن سعيد: قم يا أبا أمية. فقام فحمد اللّه وأثنى عليه، ثم قال: " أما بعد فإن يزيد بن معاوية أملٌ تأملونه وأجل تأمنونه، إن آستضفتم إلى حلمه وسعكم، وإن آحتجتم إلى رأيه أرشدكم، وإن افتقرتم إلى ذات يده أغناكم، جذعٌ قارحٌ سوبق فسبق وموجد فمجد وقورع فخرج فهو خلف أمير المؤمنين ولا خلف منهفقال معاوية: أوسعت يا أبا أمية فاجلس.
في مدح الحسن بن سهلوفي مثل ذلك: قال رجل للحسن بن سهل: " يا أيهم الأمير، أسكتني عن وصفك تساوي أفعالك في السوود وحيّرني فيهم كثرة عددهم فليس إلى ذكر جميعهم سبيل، وإن أردت ذكر واحدة اعترضت أختهم إذ لم تكن الأولى أحق بالذكر منهم ، فلست أصفهم إلا بإظهم ر العجز عن صفتهم " .
في مدح محمد بن عبد الملكوفي مثل ذلك: كتب آخر إلى محمد بن عبد الملك: " إن مما يطعمني في بقاء النعمة عليك، ويزيدني بصيرة في العلم بدوامهم لديك أنك أخذتهم بحقهم واستوجبتهم بما فيك من أسبابهم ، ومن شأن الأجناس أن تتواصل وشأن الأشكال أن تتقاوم، والشيء يتغلغل في معدنه ويحنّ إلى عنصره، فإذا صادف منبته ولزّ في مغرسه ضرب بعرقه وسمق بفرعه وتمكّن تمكّن الإقامة وثبت ثبات الطبيعة " .
في مدح وزيروفي مثل ذلك: كتب آخر إلى بعض الوزراء: " رأيتني فيما أتعاطى من مدحك كالمخبر عن ضوء النهم ر الباهر والقمر الزاهر الذي لايخفى على ناظر، وأيقنت أني حيث انتهى بي القول منسوبٌ إلى العجز مقصرٌ عن الغاية فانصرفت عن الثناء عليك إلى الدعاء لك، ووكلت الإخبار عنك إلى علم الناس بك " .
العتّابي يمدح خالد بن يزيد
وفي مثله كتب العتابي إلى خالد بن يزيد: " أنت أيهم الأمير وارث سلفك وبقية أعلام أهل بيتكن، المسدود بك ثلمهم والمجدّد بك قديم شرفهم والمنبّه بك أيام صيتهم والمنبسط بك " آمالنا والصائر بك أكالنا والمأخوذ بك " حظوظنا، فإنه لم يخمل من كنت وارثه، ولا درست آثار من كنت سالك سبيله ولا آمّحت معاهد من خلفته في مرتبته " .
في شكر الملك وحمدهقرأت في التاج قال بعض الكتاب للملك: " الحمد اللّه الذي أعلقني سبباً من أسباب الملك ورفع خسيستي بمخاطبته وعزّز ركني من الذّلة به وأظهر بسطتي في العامّة وزيّن مقاومتي في المشاهدة وفقأ عني عيون الحسدة وذلّل لي رقاب الجبابرة وأعظم لي رغبات الرعيّة وجعل لي به عقبا يوطأ يعظّم ومزية تحسن، والذي حقّق فيّ رجاء من كان يأملني وظاهر به قوة من كان ينصرني وبسط به رغبة من كان يسترفدني، والذي أدخلني من ظلال الملك في جناح سترني، وجعلني من أكنافه في كنف آتسع عليّ " .
في شكر أردشير وتعداد نعمهوفي شكره وتعداد نعمه: قرأت في سير العجم أن أردشير لما استوسق له أمره جمع الناس وخطبهم خطبة بليغة حضهم فيهم على الألفة والطاعة وحذرهم المعصية وصنّف الناس أربعة أصناف، فخرّ القوم سجّدا وتكنلّم متكنلّمهم مجيباً فقال: " لا زلت أيهم الملك محبّوا من اللّه بعزّة النصر ودرك الأمل ودوام العافية وحسن المزيد، ولا زلت تتابع لديك النعم وتسبغ عندك الكرامات والفضل حتى تبلغ الغاية التي يؤمن زوالهم ولا تنقطع زهرتهم في دار القرار التي أعدّهم اللّه لنظرائك من أهل الزّلفى عنده والحظوة لديه، ولا زال ملكك وسلطانك باقيين بقاءالشمس والقمر زائدين زيادة البحور والأنهم ر حتى تستوي أقطار الأرض كلهم في علوّك عليهم ونفاذ أمرك فيهم ، فقد أشرق عليّنا من ضياء نورك ما عمّنا عموم ضياء الشمس ووصل إلينا من عظيم رأفتكن ما اتصل بأنفسنا اتصال النسيم، فجمعت الأيدي بعد افتراقهم والكلمة بعد اختلافهم وألّفت بين القلوب بعد تباغضهم وأذهبت الإحن والحسائك بعد آستعار نيرانهم ، وأصبح فضلك لا يدرك بوصف ولا يحدّ بتعداد، ثم لم ترض بما عمّمتنا به من هذه النّعم وظاهرت من هذه الأيادي حتى أحببت توطيدهم والاستيثاق منهم وعملت لنا في دوامهم كعملك في إقامتهم وكفلت من ذلك ما نرجو نفعه في الخلوف والأعقاب، وبلغت همّتكن لنا فيه حيث لا تبلغ همم الآباء للأولاد، فجزاك اللّه الذي رضاه تحرّيت وفي موافقته سعيت أفضل ما التمست ونويت " .
قول خالد بن صفوان لوا لٍ دخل عليه
وفي مثله: قال خالد بن صفوان لوا لٍ دخل عليه: " قدمت فأعطيت كلاً بقسطه من نظرك ومجلسك وصلاتكن وعدلك حتى كأنك متن كل أحد أو كأنك لست من أحد " .
شكر وزيركتب بعض الكتاب إلى الوزير يشكر له: " من شكر لك عن درجة رفعته إليهم أو ثروة أفدته إياهم فإن شكري إياك على مهجة أحييتهم وحشاشة تبقيتهم ورمقٍ أمسكت به وقمت بين التلف وبينه " .
مثله في الشكرقرأت في كتاب: " ولكل نعمة من نعم الدنيا حدّ تنتهي إليه ومدًى توقف عنده وغاية في الشكر يسمو إليهم الطّرف خلا هذه النعمة التي فاتت الوصف وطالت الشكر وتجاوزت كل قدر وأتت من وراء كل غاية وجمعت من أمير المؤمنين مننا جمّة أبقت للماضين منّا وللباقين فخر الأبد وردّت عنا كيد العدوّ وأرغمت عنا أنف الحسود وبسطت لنا عزّاً نتداوله ثم نخلفه للأعقاب فنحن نلجأ من أمير المؤمنين إلى ظلّ ظليل وكنف كريم وقلب عطوف ونظر رؤوف، فكيف يشكر الشاكر منا وأين يبلغ اجتهم د مجتهدنا ومتى نؤدّي ما يلزمنا ونقضي المفترض عليّنا وهذا كتاب أمير المؤمنين الذي لو لم تكن له ولآبائه الراشدين عند من مضى منا ومن غيرنا إلا ما ورد من صنوف كرامته وأياديه ولطيف ألفاظه ومخاطبته، لكان في ذلك ما يحسّن الشكر ويستفرغ المجهود " .
التلطف في مسألة العفو
يوشت المغني يسأل كسرى العفوقال كسرى ليوشت المغنيّ وقد قتل فهلوذ حين فاقه وكان تلميذه: " كنت أستريح منه إليك ومنك إليه فأذهب شطر تمتّعي حسدك ونغل صدركثم أمر أن يلقى تحت أرجل الفيلة فقال: أيهم الملك إذا قتلت أنا شطر طربك وأبطلته وقتلت أنت شطره الآخر وأبطلته، أليس تكون جنايتكن على طربك كجنايتي عليه؟ قال كسرى: دعوه، ما دلّه على هذا الكلام إلا ما جعل له من طول المدّة.
وفي العفو أيضاً
قال رجل للمنصور: " الانتقام عدل والتجاوز فضل ونحن نعيذ أمير المؤمنين باللّه من أن يرضى لنفسه بأوكس النصيبين دون أن يبلغ أرفع الدرجتين " .
وفي العفوجلس الحجاج يقتل أصحاب عبد الرحمن، فقام إليه رجل منهم فقال: أيهم الأمير إن لي عليك حقاً. قال: وماحقك عليّ؟ قال: سبّك عبد الرحمن يوماً فرددت عنك. قال: ومن يعلم ذاك؟ فقال الرجل: أنشد اللّه رجلاً سمع ذاك إلا شهد به. فقام رجل من الأسرى فقال: قد كان ذاك أيهم الأمير. فقال: خلّوا عنه. ثم قال للشاهد: فما منعك أن تنكر كما أنكر؟ قال: لقديم بغضي إياك. قال: ويخلّى هذا لصدقه.
وفي العفوأسر معاوية يوم صفّين رجلاً من أصحاب عليّ صلوات اللّه عليه، فلما أقيم بين يديه قال: الحمد اللّه الذي أمكن منك. قال: لا تقل ذاك فإنهم مصيبة. قال: وأيّة نعمة أعظم من أن يكون اللّه أظفرني برجل قتل في ساعة واحدة جماعة من أصحابي. اضربا عنقه. فقال: اللهم اشهد أن معاوية لم يقتلني فيك ولا لأنك ترضى قتلي، ولكن قتلني في الغلبة على حطام هذه الدنيا، فإن فعل فافعل به ما هو أهله، وإن لم يفعل فافعل به ما أنت أهله. فقال: قاتلك اللّه! لقد سببت فأوجعت في السب ودعوت فأبلغت في الدعاء. خلّيا سبيله.
وفي مثلهأخذ عبد الملك بن مروان سارقاً فأمر بقطع يده فقال:
يدي يا أمير المؤمنين أعيذهم ... بعفوك أن تلقى نكالا يشينهم
فلا خير في الدنيا وكانت حبيبةً ... إذا ما شمالي فارقتهم يمينهم
فأبى إلاّ قطعه، فدخلت عليه أمه فقالت: يا أمير المؤمنين، واحدي وكاسبي. فقال: بئس الكاسب! هذا حدّ من حدود اللّه. فقالت: اجعله من الذنوب التي تستغفر اللّه منهم. فعفا عنه.
وفي مثلهأخذ عبد اللّه بن عليّ أسيراً من أصحاب مروان فأمر بضرب عنقه فلما رفع السيف ليضرب به ضرط الشأمي فوقع العمود بين يدي الغلام ونقرت دابة عبد اللّه فضحك وقال: اذهب فأنت عتيق آستكن. فالتفت إليه وقال: أصلح اللّه الأمير! رأيت ضرطة قطّ أنجت من الموت غير هذه؟ قال: لا، " قال " : هذا واللّه الإدبار. قال: وكيف ذاك؟ قال: ما ظنك بنا وكنا ندفع الموت بأسنّتنا فصرنا ندفعه اليوم بأستاهنا.
وفي مثلهخرج النعمان بن المنذر في غبٍّ سماء فمرّ برجل من بني يشكر جالساً على غدير ماء، فقال له: أتعرف النعمان؟ قال اليشكري؟ أليس ابن سلمى؟ قال: نعم. قال: واللّه لربما أمررت يدي على فرجهم. قال له: ويحك، النعمان بن المنذر! قال: قد خبرتكن. فما انقضى كلامه حتى لحقته الخيل وحيّوه بتحية الملك. فقال له: كيف قلت؟ قال: أبيت اللعن، إنك واللّه ما رأيت شيخاً أكذب ولا ألأم ولا أوضع ولاأعضّ ببظر أمه من شيخ بين يديك. فقال النعمان: دعوه، فأنشأ يقول:
تعفو الملوك عن العظي ... م من الذنوب لفضلهم
ولقد تعاقب في اليسي ... ر وليس ذاك لجهلهم
إلا ليعرف فضلهم ... ويخاف شدّة نكلهم
إبراهيم بن المهدي يستعطف المأمون ليعفو عنهلمّا أخذ المأمون إبراهيم بن المهدي استشار أبا إسحاق والعباس في قتله فأشارا به، فقالله المأمون: قد أشارا بقتلك. فقال إبراهيم: أما أن يكونا قد نصحا لك في عظم الخلافة وما جرت به عادة السياسة فقد فعلا، ولكنك تأبى أن تستجلب النصر إلا من حيث عودّك اللّه. وكان في اعتذاره إليه أن قال: إنه وإن بلغ جرمي استحلال دمي فحلم أمير المؤمنين وفضله يبلغانني عفوه، ولي بعدهما شفعة الإقرار بالذنب وحقّ الأبوة بعد الأب. فقال المأمون: لو لم يكن في حق سببك حقّ الصفح عن جرمك لبلّغك ما أمّلت حسن تنصّلك ولطف توصّلك. وكان إبراهيم يقول بعد ذلك: واللّه ماعفا عني المأمون صلةً لرحمي ولا محبة لاستحيائي ولا قضاءً لحق عمومتي، ولكن قامت له سوقٌ في العفو فكره أن يفسدهم بي.
شعر في طلب العفوومن أحسن ما قيل في مثله قول العتّابي:
رحل الرجاء إليك مغتربا ... حشدت عليه نوائب الدهر
ردّت إليك ندامتي أملي ... وثنى إليك عنانه شكري
وجعلت عتبك عتب موعظة ... ورجاء عفوك منتهى عذري
وقول عليّ بن الجهم للمتوكل:
عفا اللّه عنك ألا حرمة ... تعوذ بعفوك أن أبعدا
لئن جلّ ذنب ولم أعتمده ... لأنت أجلّ وأعلى يدا
ألم تر عبد اً عدا طوره ... ومولّىً عفا ورشيدا هدى
ومفسد أمر تلافيته ... فعاد فأصلح ما أفسدا
أقلني أقالك من لم يزل ... يقيك ويصرف عنك الردى
وجد بعض الأمراء على رجل فجفاه وآطّرحه حيناً ثم دعا به ليسأله عن شيء فرآه ناحلاً شاحباً. فقال: متى اعتللت؟ فقال:
ما مسّني سقمٌ ولكنني ... جفوت نفسي إذ جفاني الأمير
فعاد له وقال آخر:
ألا إن خير العفو عفوٌ معجّل ... وشر العقاب ما يجاز به القدر
وكان يقال: بحسب العقوبة أن تكون على مقدار الذنب.
وفي العفو: قال بعضهم: إن عاقبت جازيت وإن عفوت أحسنت والعفو أقرب للتقوى.
ونحوه: قال رجل لبعض الأمراء: أسألك بالذي أنت بين يديه أذلّ مني بين يديك، وهو على عقابك أقدر منك على عقابي إلاّ نظرت في أمري نظر من برئي أحبّ إليه من سقمي وبراءتي أحبّ إليه من جرمي.
ونحوه قول آخر: قديم الحرمة وحديث التوبة يمحقان ما بينهما من الإساءة.
وفي مثله: أتى الأحنف ابن قيس مصعب بن الزبير فكلّمه في قوم حبسهم، فقال: أصلح اللّه الأمير، إن كانوا حبسوا في باطل فالحق يخرجهم، وإن كانوا حبسوا في حق فالعفو يسعهم. فخلاّهم.
وفي مثله: أمر معاوية بعقوبة روح بن زنباع فقال له روح: أنشدك اللّه يا أمير المؤمنين أن تضع مني خسيسة أنت رفعتهم أو تنقض مني مرّة أنت أبرمتهم أو تشمت بي عدواً أنت وقمته وإلاّ أتى حلمك وعفوك على جهلي وإساءتي. فقال معاوية: خلّيا عنه. ثم أنشد: إذا اللّه سنّى عقد أمرٍ تيسرا وفي مثله: أمر عمر بن عبد العزيز بعقوبة رجل قد كان نذر إن أمكنه اللّه منه ليفعلنّ به وليفعلن. فقال له رجاء بن حيوة: قد فعل اللّه ما تحب من الظفر فافعل ما يحب اللّه من العفو.
وفي مثله: قال ابن القرّيّة للحجاج في كلام له: أقلني عثرتي وأسغني ريقي فإنه لا بد للجواد من كبوة ولا بد للسيف من نبوة ولا بد للحليم من هفوة. فقال الحجاج: كلاّ، واللّه حتى أوردك جهنم. ألست القائل برستقباذ: تغدّوا الجدي قبل أن يتعشّاكم.
وفي مثله: أمر عبد الملك بن مروان بقتل رجل فقال: يا أمير المؤمنين، إنك أعزّ ما تكون أحوج ما تكون إلى اللّه، فاعف له فإنك به تعان وإليه تعود. فخلّى سبيله.
وفي مثله: قال خالد بن عبد اللّه لسليمان بعد أن عذبه " بما عذّبه به " : إن القدرة تذهب الحفيظة وقد جلّ قدرك عن العتاب ونحن مقرّون بالذنب، فإن تعف فأهل العفو وإن تعاقب فبما كان منا. فقال: " أولى لك " أمّا حتّى تأتي الشأم راجلاً فلا عفو.
وفي مثله: ضرب الحجاج أعناق أسارى أتي بهم، فقال رجل منهم: واللّه لئن كنا أسأنا في الذنب فما أحسنت في المكافأة. فقال الحجاج: أفٍّ لهذه الجيف! أما كان فيهم أحد يحسن مثل هذا! وكفّ عن القتل.
وفي مثله بين مصعب بن الزبير ورجل من أصحاب المختار الثقفيأخذ مصعب بن الزبير رجلاً من أصحاب المختار فأمر بضرب عنقه. فقال: أيهم الأمير ما أقبح بك أن أقوم يوم القيامة إلى صورتكن هذه الحسنة ووجهك هذا الذي يستضاء به فأتعلق بأطرافك وأقول أي ربّ سل مصعباً فيم قتلني. قال: أطلقوه. قال: اجعل ما وهبت لي من حياتي في خفض. قال: أعطوه مائة ألف. قال: بأبي أنت وأمي، أشهد اللّه أن لابن قيس الرّقيات منهم خمسين ألفاً. قال: ولم؟ قال: لقوله فيك:
إنما مصعبٌ شهم ب من الل ... ه تجلّت عن وجهه الظلماء
ملكه ملك رحمة ليس فيه ... جبروتٌ يخشى ولا كبرياء
يتقي اللّه في الأمور وقد أف ... لح من كان همّه الاتقاء
فضحك مصعب، وقال: أرى فيك موضعاً للصنيعة. وأمرو بلزومه وأحسن إليه فلم يزل معه حتى قتل.
وفي مثله بين عبد الملك بن مروان وعبد الملك بن الحجاجقال عبد الملك بن الحجاج التغلبي لعبد الملك بن مروان: هربت إليك من العراق.
قال: كذبت، ليس إلينا هربت، ولكنك هربت من دم الحسين وخفت على دمك فلجأت إلينا.
ثم جاء يوماً آخر فقال:
أدنو لترحمني وترتق خلّتي ... وأراك تدفعني فأين المدفع
ونحوه قول الآخر:
كنت من كربتي أفرّ إليهم ... فهم كربتي فأين الفرار
وفي مثله: قنّع الحجاج رجلاً في مجلسه ثلاثين سوطاً وهو في ذلك يقول:
وليس بتعزيز الأمير خزايةٌ ... عليّ إذا ما كنت غير مريب
ونحوه:
وإن أمير المؤمنين وفعله ... لكالدهر، لا عارٌ بما فعل الدهر
وفي مثله للحسن البصريمر الحسن البصري برجل يقاد منه. فقال للوليّ: يا عبد اللّه، إنك لا تدري لعل هذا قتل وليّك وهو لا يريد قتله، وأنت تقتله متعمداً، فانظر لنفسك. قال: قد تركته للّذه.
وفي مثله: حدّثني أبو حاتم عن الأصمعيّ عن عيسى بن عمر قال: رمي الحجاج فقال: انظروا من هذا؟ فأوما رجل بيده ليرمي. فأخذ فأدخل عليه وقد ذهبت روحه. قال عيسى بصوت ضعيف يحكي الحجاج: أنت الرّامينا منذ الليلة؟ قال: نعم أيهم الأمير. قال: ما حملك على ذلك؟ قال: العيّ واللّه واللؤم. قال: خلّوا عنه. وكان إذا صدق انكسر.
وفي مثله بين الحجاج وعثمان الشحامحدّثني أبو حاتم عن الأصمعيّ عن عثمان الشحام قال: أتي الحجاج بالشّعبي فقال له: أخرجت عليّنا يا شعبي؟ قال: أجدب بنا الجناب وأحزن بنا المنزل واستحلسنا الخوف واكتحلنا السهر وأصابتنا خزية لم نكن فيهم بررةً أتقياءولا فجرة أقوياء. فقال الحجاج: اللّه أبوك. ثم أرسله.
وفي مثله: أتي موسى بن المهدي برجل كان قد حبسه فجعل يقرّعه بذنوبه، فقال الرجل: يا أمير المؤمنين، اعتذاري مما تقرّعني به ردٌ عليك وإقراري بما تعتدّه عليّ يلزمني ذنباً لم أجنه، ولكني أقول:
فإن كنت ترجو بالعقوبةً راحةً ... فلا تزهدن عند المعافاة في الأجر
وفي مثله: قال الحسن بن سهل لنعيم بن حازم وقد اعتذر إليه من ذنب عظّمه: على رسلك أيهم الرجل، تقدّمت لك طاعةٌ وتأخرت لك توبة، وليس لذنب بينهما مكان، وما ذنبك في الذنوب بأعظم من عفو أمير المؤمنين في العفو.
في الدعاء للسلطانقال رجل لبعض الأمراء: " إني لو كنت أعرف كلاماً يجوز أن ألقى به الأمير غير ما جرى على ألسن الناس، لأحببت أن أبلغ ذلك فيما أدعو به له وأعظّم من أمره، غير أني أسأل اللّه الذي لا يخفى عليه ما تحتجب به الغيوب من نيات القلوب أن يجعل ما يطلّع عليه مما تبلغهنيته في إرادته للأمير أدنى ما يؤتيه إياه من عطاياه ومواهبه وفي الدعاء له: قرأت في كتاب رجل من الكتاب: " لا زالت أيامك ممدودة بين أمل لك تبلغه وأملٍ فيك تحقّقه حتى تتملّى من الأعمار أطولهم وترقى من الدرجات أفضلهم " .
وفي الدعاء أيضاً
دخل محمد بن عبد الملك بن صالح على المأمون حين قبضت ضياعه فقال: السلام عليك أمير المؤمنين. محمد بن عبد الملك سليل نعمتكن وابن دولتكن وغصن من أغصان دوحتكن، أتأذن له في الكلام؟ قال: نعم. فتكنلّم بعد حمد اللّه والثناء عليه. فقال: " نستمتع اللّه لحياطة ديننا ودنيانا ورعاي أدنانا وأقصانا ببقائك يا أمير المؤمنين ونسأله أن يزيد في عمرك من أعمارنا وفي أثرك من آثارنا ويقيك الأذى بأسماعنا وأبصارنا. هذا مقام العائذ بظلّك الهم رب إلى كنفك وفضلك الفقير إلى رحمتكن وعدلك " ثم تكنلّم في حاجته.
وفي شكر السلطان وفي حمدهقدم رجل على سليمان بن عبد الملك في خلافته فقال له: ما أقدمك عليّ؟ فقال: يا أمير المؤمنين ما أقدمني عليك رغبة ولا رهبة. قال: وكيف ذاك؟ قال: أما الرغبة فقد وصلت إلينا وفاضت في رحالنا وتناولهم الأقصى والأدنى منّا، وأما الرّهبة فقد أمنّا بعدلك يا أمير المؤمنين عليّنا وحسن سيرتكن فينا من الظلم، فنحن وفد الشكر.
وفي حمدهكتب بعض الكتاب إلى وزير: " كلّ مدى يبلغه القائل بفضلك والواصف لأيامك والشاكر للنعمة الشاملة بك قصدٌ أممٌ عند الفضائل الموفورة لك والمواهب المقسومة للرعية بك، فواجبٌ على من عرف قدر النعمة بك أن يشكرهم وعلى من أظله عزّ أيامك أن يستديمه وعلى من حاطته دولتكن أن يدعو اللّه ببقائهم ونمائهم ، فقد جمع اللّه بك الشّتات وأصلح بهم الفساد وقبض الأيدي الجائرة وعطف القلوب النافرة، فأمّنت سرب البرىء وخفضت جأشه وأخفت سبل الجاني وأخذت عليه مذاهبه ومطالعه ووقفت بالخاصّة والعامة على قصد من السيرة أمنوا بهم من العثار والكبوة " .
وفي حضّه على شكر اللّه عز وجل
قال شبيب بن شيبة للمهدي: إن اللّه عز وجل لم يرض أن يجعلك دون أحد من خلقه، فلا ترض بأن يكون أحد أشكر له منك، والسلام.
تم كتاب السلطان، ويتلوه في الجزء الثاني كتاب الحرب
كتاب الحرب
آداب الحرب ومكائدهمللرسول في عدم تمني لقاء العدو قال أبو محمد عبد اللّه بن مسلابن قتيبة: حدّثني محمد بن عبيد ة قال: حدّثنا معاوية بن عمرو عن أبي إسحاق عن هشام والأوزاعيّ عن يحيى بن أبي كثير قال: قال رسول اللّه: " لا تمنّوا لقاء العدوّ فعسى أن تبتلوا بهم ولكن قولوا اللهم اكفنا وكفّ عنا بأسهم، وإذا جاءوكم يعزفون ويزحفون ويصيحون فعليكم الأرض جلوساً، ثم قولوا: اللهم أنت ربنّا وربّهم، ونواصينا ونواصيهم بيدك، فإذا غشوكم فثوروا في وجوههم " .
لأبي الدرداء في القتال بالأعمالحدّثني محمد بن عبيد عن معاوية عن أبي إسحاق عن سعيد بن عبد العزيز عمن حدّثه أنّ أبا الدرداء قال: أيهم الناس، عملٌ صالح قبل الغزو فانما تقاتلون بأعمالكم.
لعمر بن الخطاب عند عقده الألوية لأمراء الجيوشحدّثنا القاسم بن الحسن عن الحسن بن الربيع عن ابن مبارك عن حيوة بن شريح قال: كان عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه إذا بعث أمراء الجيوش أوصاهم بتقوى اللّه العظيم، ثم قال عند عقد الألوية: بسم اللّه وعلى عون اللّه وامضوا بتأييد اللّه بالنصر وبلزوم الحق والصبر، فقاتلوا في سبيل اللّه من كفر باللّه ولا تعتدوا إن اللّه لا يحب المعتدين. لا تجنبوا عند اللقاء ولا تمثّلوا عند القدرة ولا تسرفوا عند الظهور ولا تقتلوا هرماً ولا امرأة ولا وليداً. وتوقّوا قتلهم إذا التقى الزّحفان وعند حمّة النّهضات وفي شنّ الغارات. ولا تغلّوا عند الغنائم ونزّهوا الجهم د عن عرض الدنيا وأبشروا بالرّباح في البيع الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم.
وصية أكثم بن صيفي لقوم استشاروه في حرباستشار قوم أكثم بن صيفيّ في حرب قوم أرادوهم وسألوه أن يوصيهم فقال: أقلّوا الخلاف على أمرائكم، واعلموا أن كثرة الصّياح من الفشل والمرء يعجز لا محالة. تثبّتوا فإن أحزم الفريقين الرّكين، وربّت عجلةٍ تعقب ريثا، وآتزروا للحرب وادّرعوا الليل فإنه أخفى للويل، ولا جماعة لمن اختلف عليه.
وقال بعض الحكماء: قد جمع اللّه لنا أدب الحرب في قوله تعالى: " يأيّهم الّذين آمنوا إذا لقيتم فئةً فاثبتوا وآذكروا اللّه كثيراً لعلّكم تفلحون وأطيعوا اللّه ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم و آصبروا إنّ اللّه مع الصّابرين " .
قول عتبة بن ربيعة لأصحابه يوم بدرحدّثني محمد بن عبيد قال: حدّثنا معاوية بن عمرو عن أبي إسحاق عن الأوزاعيّ قال: قال عتبة بن ربيعة يوم بدر لأصحابه: ألا ترونهم - يعني أصحاب النبي - جثيًّا على الرًكب كأنهمخرسٌ يتلمًظون تلمًظ الحيًات. قال: وسمعتهم عائشة يكّبرون يوم الجمل فقالت: لا تكنثروا الصياح فإن كثرة التكنبير عند اللقاء من الفشل.
وصية أبو بكر ليزيد بن أبي سفيانوذكر أبو حاتم عن العتبيّ عن أبي إبراهيم قال: أوصى أبو بكر رضي اللّه عنه يزيد بن أبي سفيلن حين وجّهه إلى الشام فقال: يا يزيد سر على بركة اللّه. إذا دخلت بلاد العدوّ فكن بعيداً من الحملة فإنة لا آمن عليك الجولة. وآستظهر بالزاد وسر بالأدلاّء ولا تقاتل بمجروح فإنّ بعضه ليس منه، وآحترس من البيات فإنّ في العرب غرّة، وأقلل من الكلام فإنما لك ما وعي عنك. وإذا أتاك كتابي فأنفذه فإنما أعمل على حسب إنفاذه. وإذا قدمت عليك وفود العجم فأنزلهم معظم عسكرك وأسبغ عليهم النفقة و امنع الناس عن محادثتهم ليخرجوا جاهلين كما دخلوا جاهلين. ولا تلحّن في عقوبة " فإن أدناهم وجع " ولا تسرعنّ إليهم وأنت تكنتفي بغيرهم. واقبل من التاس علانيتهم وكلهم إلى اللّه في سرائرهم. ولا تجسّس عسكرك فتفضحه ولا تهمله فتفسده. وأستودعك اللّه الذي لا تضيع ودائعه.
وصية أبو بكر لعكرمة حين وجهه إلى عمان
" قال بو بكر لعكرمة حين وجهه إلى عمان: يا عكرمة سر على بركة اللّه ولا تنزل على مستأمن ولا تؤمّنن على حق مسلم وأهدر الكفر بعضه ببعض. وقدّم النّذر بين يديك. ومهما قلت إني فاعل فافعله ولا تجعل قولك لغواً في عقوبة ولا عفو. ولا ترج إذا أمّنت زلا تخافنّ إذا خوّفت ولكن انظر متى تقول وما تقول. ولا تعدنّ معصية بأكثر من عقوبتنا فإن فعلت أثمت وإن تركت كذبت. ولاتؤمّنن شريفاً دون أن يكفل بأهله ولا تكنفلنّ ضعيفاً أكثر من نفسه. واتق اللّه فإذا لقيت فاصبر " .
وصية عبد الملك بن صالح إلى أمير سرية إلى بلاد الروموأوصى عبد الملك بن صالح أمير سريّة إلى بلاد الروم فقال: أنت تاجر اللّه لعباده فكن كالمضارب الكيّس الذي إن وجد ربحاً تجر، وإلا احتفظ برأس المال. ولا تطلب الغنيمة حتى تحوز السلامة. وكن من احتيالك على عدوّك أشدّ حذراً من احتيال عدوّك عليك.
وصية رسول اللّه إلى عمرو بن العاص أو زيد بن حارثة
وحدّثني محمد بن عبيد عن ابن عيينة قال: أخبرني رجل من أهل المدينة أنّ رسول اللّه قال ليزيد بن حارثة أو لعمرو بن العاص: " إذا بعثتكن في سرية فلا تتنقّهم واقتطعهم فإن اللّه ينصر القوم بأضعفهم " .
فيمن لا يخرج إلى الغزوحدّثني محمد بن عبيد " عن ابن عيينة " عن عمرو بن دينار عن عبيد بن عمير قال: غزا نبي من الأنبياء أو غير نبي فقال: " لا يغزونّ معي رجل بنى بناء لم يكمله، ولا رجل تزوّج امرأة لم يبن بهم ، ولا رجل زرع زرعاً ثم لم يحصده " .
كلام عليّ رضي اللّه عنه لأصحابه يوم صفين
" وذكر ابن عباس عليّاً فقال: ما رأيت رئيساً يوزن به. لرأيته يوم صفّين وكأنّ عينيه سراجا سليط وهو يحمّس أصحابه إلى أن انتهى إليّ وأنا في كثفٍ فقال: معشر المسلمين، استشعروا الخشية وعنّوا الأصوات وتجلببوا السكينة وأكملوا اللّؤم وأخفوا الخون وقلقلوا السيوف في أغمادهم قبل السّلّة والحظوا الشّزر واطعنوا النّبر ونافحوا بالظّبا و صلوا السيوف بالخطا والرماح بالنّبل وامشوا إلى الموت مشياً سجحا. وعليكم بهذا السواد الأعظم والرّواق المطنّب فاضربوا ثبجه فإن الشيطان راكد في كسره نافج خصييه مفترش ذراعيه قد قدّم للوثبة يداً وأخّر للنّكوص رجلاً " .
بين يزيد بن معاوية وسلابن زيادولما ولّى يزيد بن معاوية سلابن زياد خراسان قال هل: إن أباك كفى أخاه عظيماً، وقد استكنفيتكن صغيراً فلا تتكنلنّ على عذر مني فقد اتكنلت على كفاية منك. وإياك منّي أن أقول إياي منك، فإنّ الظن إذا أخلف فيك أخلف منك. وأنت في أدنى حظك فاطلب أقصاه، وقد أتعبك أبوك فلا تريحنّ نفسك، وكن لنفسك تكن لك، واذكر في يومك أحاديث غدك ترشد إن شاء اللّه.
لأم جبغويه ملك طخارستان فيما ينبغي للأميرقال الأصمعيّ: قالت أم جبغويه ملك طخارستان لنصر بن سيّار الليثي: ينبغي للأمير أن تكون له ستة أشياء: وزير يثق به ويفشي إليه سرّه، وحصن يلجأ إليه إذا فزع فينجيه - يعني فرساً - وسيف إذا نازل به الأقران لم يخف خونه، وذخيرة خفيفة المحمل إذا نابته نائبة أخذهم ، وامرأة إذا دخل عليهم أذهبت همّه، وطباخ إذا لم يشته الطعام صنع لم ما يشتهيه.
للرسول عليه الصلاة والسلاموبلغني عن عبّاد بن كثير عن عقيل " بن خالد " عن الزّهري عن عبيد اللّه بن عبد اللّه عن ابن عباس قال: قال رسول اللّه: " خير الأصحاب أربعة وخير السرايا أربعمائة وخير الجيوش أربعة الاف وما غلب قوم قطّ يبلغون اثني عشر ألفاً إذا اجتمعت كلمتهم " وقال رجل يوم حنين: لن نغلب اليوم عن قلّة. وكانوا اثني عشر ألفاً فهزم المسلمون يومئذ وأنزل اللّه عزو جل " ويوم حنينٍ إذ أعجبتكنم كثرتكنم " الآية "
ثلاث من كنّ فيه كنّ عليه
وقالوا كان يقال: ثلاث من كنّ فيه كنّ عليه: البغي، قال اللّه تعالى: " يأيّهم النّاس إنما بغيكم على أنفسكم " ، والمكر، قال اللّه تعالى: " ولا يحيق المكر السّيّء إلا بأهله " والنّكث، قال عز وجل: " فمن نكث فإنّما ينكث على نفسه " .
من كتاب للهند
وقرأت في كتاب للهند: لاظفر مع بغي، ولا صحّة مع نهم، ولا ثناء مع كبر، ولا صداقة مع خبّ، ولا شرف مع سوء أدب، ولا برّ مع شحٍّ، ولا اجتناب محرّم مع حرص، ولا محبة مع زهو، ولا ولاية حكم مع عدم فقه، ولا عذر مع إصرار، ولا سلامة مع ريبة، ولا راحة قلب مع حسد، ولا سؤدد مع انتقام، ولا رئاسة مع غرارة وعجب، ولا صواب مع ترك المشاورة، ولا ثبات ملك مع تهم ون وجهم لة وزراء.
لقتيبة بن مسلم في صفة المحاربخرجت خارجة بخراسان على قتيبة بن مسلم فأهمّه ذلك فقيل له: ما يهمّك منهم؟ وجّه إليهم وكيع بن أبي سود فإنه يكفيكهم. فقال:لا، إنّ وكيعاً رجل به كبر يحتقر أعداءه، ومن كان هكذا قلّت مبالاته بعدوّه فلم يحترس منه فيجد عدوّه منه غرّة.
لأحد ملوك العجم في المكيدة بالحربوقرأت في بعض كتب العجم أنّ ملكاً من ملوكهم سئل: أيّ مكائد الحرب أحزم؟ فقال: إذكاء العيون واستطلاع الأخبار وإفشاء الغلبة وإظهم ر السرور وإماتة الفرق والاحتراس من البطانة من غير إقصاء لمن يستنصح ولا استنصاح لمن يستغشّ ولا تحويل شيء عن شيء إلا بسدّ ناحية من المراتب وحسن مجاملة الظنون وإشغال الناس عما هم فيه من الحرب بغيره.
وسئل عن وثائق الحزم في القتال فقال: مخاتلة العدوّ عن الرّيف وإعداد العيون على الرّصد وإعطاء المبلّغين على الصدق ومعاقبة المتوصّلين بالكذب وألا تحرج هم رباً إلى قتال ولا تضيّق أماناً على مستأمن ولا تشبّ عن أصحابك للبغية و لا تشدهنّك الغنيمة عن المحاذرة.
من كتاب للهندوقرأت في كتاب للهند: الحازم يحذر عدوّه على كل حال. يحذر المواثبة إن قرب، والغارة إن بعد، والكمين إن انكشف، والاستطراد إن ولّى، والمكر إن رآه وحيداً، ويكره القتال ما وجد بدّاً لأن النفقة فيه من الأنفس والنفقة في غيره من المال.
من كتاب الآيين في فن المحاربة
و قرأت في الآيين: قد جرت السنة في المحاربة أن يوضع من مكان من الجند أعسر في الميسرة ليكون لقاؤه يسراً ورميه شزراً وأن يكون اللقاء من الفرسان قدماً وترك ذلك على حال ممايلة أو مجانبة وأن يرتاد للقلب مكاناً مشرفاً ويلتمس وضعه فيه فإن أصحاب الميمنة والميسرة لا يقهرون ولا يغلبون وإن زالتا بعض الزوال ما ثبت المادّتان فإن زالت المادّتان لم ينتفع بثبات الميمنة والميسرة. " وإذا عيّ الجند فليناوش أهل الميمنة والمادّتان فأما الميسرة " فلا يشذنّ منهم أحد إلاّ أن يبادر إليهم من العدوّ من يخاف بائقته فيردّون عاديتهم مع أنّ أصحاب الميمنة والمادّتين لا يقدرون على لقاء من يناوشهم والرجوع إلى أصحابهم عاطفين، وأصحاب الميسرة لا يقدرون على مناوشة إلا مائلين ويعجزهم الرجوع عاطفين. ولا يألونّ صاحب الجيش على حال من الحال أن يستدبر جنده عين الشمس والريح، ولا يحاربنّ جنداً إلا على أشدّ الضرورة وعلى حال لا يوجد معهم من المحاربة بدٌّ، فإذا كان كذلك فليجهد صاحب الجيش أن يدفع بالحرب إلى أخر النهم ر. وينبغي على كل حال أن يخلّى بين المنهزمين وبين الذهم ب ولا يحبسوا. وإن كان الجند قد نزلوا على ماء وأراد العدوّ أن ينالوا من الماء فليس من الرأي أن يحال بينهم وبينه لئلا يحرجوا إلى الجدّ في محاربتهم. وإن كان العدو قد نزلوا بماء وأراد الجند غلبتهم عليه فإن وقت طلب ذلك عند ريّ العدوّ من الماء وسقيهم دوابّهم منه وعند حاجة الجند إليه، فإن أسلس ما يكون الإنسان عن الشيء عند استغنائه عنه وأشدّ ما يكون طلباً للشيء عند حاجنه إليه. ولتسر الطلائع في قرار من الأرض ويقفوا على التّلاع ولا يجوزوا أرضاً لم يستقصوا خبرهم. وليكمن الكمين في الخمر والأماكم الخفية. وليطرح الحسك في المواضع التي يتخوّف فيهم البيات. وليحترس صاحب الجيش من انتشار الخبر عنه فأن في انتشاره فساد العسكر وانتقاضه.وإذا كان أكثر من في الجند من المقاتلة مجرّبين ذوي حنكة وبأس فبدار العدوّ الجند إلى الوقعة خير للجند.وإذا كان أكثرهم أغماراً ولم يكن من القتال بدّ فبدار الجند إلى مقاتلة العدوّ أفضل للجند. وليس ينبغي للجند أن يقاتلوا عدوّاً إلا أن تكون عدّتهم أربعة أضعاف عدّة العدوّ أو ثلاثة أضعافهم، فإن غزاهم عدوّهم لزمهم أن يقاتلوهم بعد أن يزيدوا على عدّة العدو مثل نصف عدّتهم. وأن توسط العدوّ بلادهم لزمهم أن يقاتلوهم وإن كانوا أقل منهم، وينبغي أن ينتخب للكمين من الجند أهل جرأة وشجاعة وتيقّظ وصرامة وليس بهم أنين ولا سعال ولا عطاس ويختار لهم من الدواب ما لايصهل ولا يغنث، ويختار لكمونهم مواضع لا تغشى ولا تؤتى، قريبة من الماء حتى ينالوا منه إن طال مكثهم، وأن يكون إقدامهم بعد الرويّة والتشاور والثقة بإصابة الفرصة، ولا يخيفوا سباعاً ولا طيراً ولا وحشاً. وأن يكون إيقاعهم كضريم الحريق، وليجتنبوا الغنائم ولينهضوا من المكمن متفرقين إذا ترك العدوّ الحراسة وإقامة الرّمايا، وإذا أونس من طلائعهم توانٍ وتفريطٌ وإذا أمرجوا دوابّهم في الرعي، وأشدّ ما يكون البرد في الشتاء وأشدّ ما يكون الحر في الصيف. وأن يرفضّوا ويفترقوا إذا ثاروا من مكمنهم بعد أن يستخير بعضهم بعضاً وأن يسرعوا الإيقاع بعدوّهم ويتركوا التلبّث والتلفّت. وينبغي للمبيّتين أن يفترصوا البيات إذا هبّت ريح أو أونس من نهر قريب منهم خريرٌ فإنه أجدر ألا يسمع لهم حسّ. وأن يتوخّى بالوقعة نصف الليل أو أشدّ ما يكون إظلاماً. وأن يصير جماعة من الجند وسط عسكر العدوّ وبقيتهم حوله، ويبدأ بالوقعة من يصير منهم في الوسط ليسمع بالضجّة والضوضاء من ذلك الموضع لا من حوله، وأن يشرّد قبل الوقعة الأفره فالأفره من دوابّهم ويقطّع أرسانهم وتهمز بالرماح في أعجازهم حتى تتحيرّ وتعير ويسمع لهم ضوضاء، وأن يهتف هم تف ويقول: يا معشر أهل العسكر النّجاء النجاء فقد قتل قائدكم فلان وقتل خلق وهرب خلق. ويقول قائل: أيهم الرجل أستحيني اللّه. ويقول آخر: العفو العفو. وآخر: أوّه أوّه، ونحو هذا من الكلام. وليعلم أنه إنما يحتاج في البيات إلى تحيير العدوّ وإخافته وليجتنبوا التقاط الأمتعة واستياق الدوابّ وأخذ الغنائم.
ما ينبغي في محاصرة الحصون
قال: وينبغي في محاصرة الحصون أن يستمال من يقدر على استماللّه من أهل الحصن والمدينة ليظفر منهم بخصلتين: إحداهما استنباط أسرارهم، والأخرى إخافتهم وإفزاعهم بهم، وأن يدسّ منهم من يصغر شأنهم ويؤيسهم من المدد ويخبرهم أن سرّهم منتشر في مكيدتهم،وأن يفاض حول الحصن ويشار إليه بالأيدي كأن فيه مواضع حصينة وأخر ذليلة وموضع ينصب المجانيق عليهم ومواضع تهيّأ العرّادات لهم ومواضع تنقب نقباً ومواضع توضع السّلالأعليهم ومواضع يتسوّر منهم ومواضع يضرم النار فيهم ليلأهم ذلك رعباً، ويكتب على نشّابة: إياكم أهل الحصن والاغترا وإغفال الحراسة، عليكم بحفظ الأبواب فإن الزمان خبيث وأهله أهل غدر فقد خدع أكثر أهل الحصن واستميلوا، ويرمى بتلك النّشابة في الحصن ثم يدسّ لمخاطبتهم المنطيق المصيب الدّهيّ الموارب المخاتل فير المهذار ولا المغفّل. وتؤخّر الحرب ما أمكن ذلك فإن في المحاربة جرأة منهم على من حاربهم ودليلاً على الحيلة والمكيدة، فإن كان لابد من المحاربة فليحاربوا بأخفّ العدّة وأيسر الآلة. وينبغي أن يغلب العدوّ على الأرض ذات الخمر والشجر والأنهم ر للمعسكر ومصافّ الجنود ويخلّى بين العدوّ وبين بساط الأرض ودكادكهم .
من أشد الأمور تدريباً للجنود
وفي بعض كتب العجم أن بعض الحكماء سئل عن أشدّ الأمور تدريباً للجنود وشحذاً لهم ، فقال: استعادة القتال وكثرة الظّفر، وأن تكون لهم موادّ من ورائهم وغنيمة فيما أمامهم ، ثم الإكرام للجيش بعد الظّفر والإبلاغ بالمجتهدين بعد المناصبة، والتشريف للشجاع على رؤوس الناس.
صفات القائدقال المدائني: " قال نصر بن سيّار " : كان عظماء الترك يقولون: القائد العظيم ينبغي أن تكون فيه خصال من أخلاق الحيوان: شجاعة الديك، وتحنّن الدجاجة، وقلب الأسد، وحملة الخنزير، " وروغان الثعلب، وختل الذئب. وكان يقال في صفة الرجل الجامع: له وثبة الأسد، وروغان الثعلب، وختل الذئب " وجمع الذّرّة، وبكور الغراب.
وكان يقال: أصلح الرجال للحرب المجرّب الشجاع الناصح.
لعمرو بن معاوية في ضبطه الطوائفحدّثني أبو حاتم عن الأصمعيّ عن أبي الأصمّ قال: قيل لعمرو بن معاوية العقيلي وكان صاحب صوائف: بم ضبطت الصوائف؟ أي الثغور، قال: بسمانة الظهر وكثرة الكعك والقديد. وفي كتاب الآيين: ليكن أوّل ما تحمله معك خبزاً ثم خبزاً ثم خبزاً. وإياك والمفارش والثياب.
أبو اليقظان قال: قال شبيب الحارجي: الليل يكفيك الجبان ونصف الشجاع. وكان إذا أمسى قال لأصحابه: أتاكم المدد، يعني الليل. وقيل لبعض الملوك: بيّت عدوّك. قال: أكره أن أجعل غلبتي سرقة.
حكمة ملك الرومالمدائني قال: لما اشتغل عبد الملك بمحاربة مصعب بن الزبير اجتمع وجوه الروم إلى ملكهم فقالوا: قد أمكنتكن الفرصة من العرب بتشاغل بعضهم ببعض، فالرأي أن تغزوهم في بلادهم. فنهم هم عن ذلك وخطّأ رأيهم، ودعا بكلبين فأرّش بينهما فاقتتلا قتالاً شديداً، ثم دعا بثعلب فخلاّه بينهما، فلما رأى الكلبان الثعلب تركا ما كانا فيه وأقبلا على الثعلب حتى قتلاه، فقال لهم ملك الروم: هذا مثلنا ومثلهم. فعرفوا صدقه وحسن رأيه ورجعوا عن رأيهم.
وصية حكيم لملكوأوصى بعض الحكماء ملكاً فقال: لا يكن العدوّ الذي قد كشف لك عن عدواته بأخوف عندك من الظّنين الذي يستتر لك بمخاتلته، فإنه ربما تخوّف الرجل السّمّ الذي هو أقتل الأشياء وقتله الماء الذي يحيي الأشياء، وربما تخوّف أن يقتله الملوك التي تملكه ثم قتلته العبيد التي يملكهم. فلا تكن للعدوّ الذي تناصب بأحذر منك للطعام الذي تأكل. وأنا لكل أمر أخذت منه نذيرك وإن عظم آمن منّي من كل أمر عرّيته من نذيرك وإن صغر. واعلم أن مدينتكن حرز من عدوّك، ولا مدينة تحرّز فيهم من طعامك وشرابك ولباسك وطيبك، وليست من هذه الأربع واحدة إلا وقد تقتل بهم الملوك.
حنكة خالد بن برمك وفراسته
وذكر عبد الملك بن صالح الهم شمي أن خالد بن برمك، حين فصل مع قحطبة من خراسان، بينما هو على سطح بيت في قرية قد نزلاهم وهم يتغدّون نظر إلى الصحراء فرأى أقاطيع ظباء قد أقبلت من جهة الصحارى حتى كادت تخالط العسكر، فقال لقحطبة: أيهم الأمير ناد في الناس: يا خيل اللّه اركبي، فإن العدوّ قد نهد إليك وحثّ، وغاية أصحابك أن يسرجوا ويلجموا قبل أن يروا سرعان الخيل. فقام قحطبة مذعوراً فلم ير شيئاً يروعه ولم يعاين غبارا، فقال لخالد: ما هذا الرأي؟ فقال خالد: أيهم الأمير لا تتشاغل بي وناد في الناس. أما ترى أقاطيع الوحش قد أقبلت وفارقت مواضعهم حتى خالطت الناس! إن وراءهم لجمعا كثيفاً. قال: فواللّه ما أسرجوا ولا ألجموا حتى رأوا ساطع الغبار فسلموا، ولولا ذلك لكان الجيش قد اصطلم.
نصيحة حكيم لبعض الملوكوقال بعض الحكماء لبعض الملوك: آمركم بالتقدّم والأمر ممكن، وبالإعداد لغد من قبل دخولك في غد كما تعدّ السلاح لمن تخاف أن يقاتلك وعسى ألا يقاتلك، وكما تأخذ عتاد البناء من قبل أن تصيبه السماء وأنت لاتدري لعلهم لا تصيبه، بل كما تعدّ الطعام لعدد الأيام وأنت لا تدري لعلك لا تا:له. وكان يقال: كل شيء طلبته في وقته فقد مضى وقته.
بين ملك الهياطلة وفيروز بن يزدجرد ملك فارس
وقرأت في كتاب سير العجم أن فيروز بن يزدجرد بن بهرام لمّا ملك سار بجنوده نحو خراسان لغزو أخشنوار ملك الهياطلة ببلخ، فلما انتهى إلى بلاده اشتدّ رعب أخشنوار منه وحذره له، فناظر أصحابه ووزراءه في أمره، فقال له رجل منهم: أعطني موثقاً وعهداً تطمئن إليه نفسي أن تكنفيني أهلي وولدي وتحسن إليهم وتخلفني فيهم، ثم اقطع يديّ ورجليّ وألقني على طريق فيروز حتى يمرّ بي هو وأصحابه فأكفيك مؤونتهم وشوكتهم وأورّطهم مورّطاً تكون فيه هلكتهم. فقال له أخشنوار: وما الذي تنتفع به من سلامتنا وصلاح حالنا إذا أنت قد هلكت ولم تشركنا في ذلك؟ قال: إني قد بلغت ما كنت أحب أن أبلغه من الدنيا وأنا موقن بأن الموت لا بد منه وإن تأخر أياماً قلائلا، فأحب أن أختم عمري بأفضل ما تختم به الأعمار من النصيحة لأخواني والنكاية في عدوّي فيشرف بذلك عقبي وأصيب سعادة وحظوة فيما أمامي. ففعل به ذلك وأمر به فألقي حيث وصف له. فلما مرّ به فيروز سأله عن أمره فأخبره أن أخسنوار فعل ذلك به وأنه احتال حتى حمل إلى ذلك الموضع ليدلّه على عورته وغرّته وقال: إني أدلك على طريق هو أقرب من هذا الذي تريدون سلوكه وأخفى، فلا يشعر أخشنوار حتى تهجموا عليه فينتقم اللّه لي منه بكم، وليس في هذا الطريق من المكروه ألا تفويز يومين ثم تفضون إلى كل ما تحبون. فقبل فيروز قوله بعد أن أشار عليه وزراؤه بالاتهم م له والحذر منه وبغير ذلك، فخالفهم وسلك الطريق حتى انتهى بهم إلى موضع من الفازة لا صدر عنه، ثم بيّن لهم أمره فتفرقوا في المفازة يميناً وشمالاً يلتمسون الماء فقتل العطش أكثرهم ولم يخلص مع فيروز منهم إلا عدّة يسيرة فإنهم انطلقوا معه حتى أشرفوا على أعدائهم وهم مستعدّون لهم فواقعهم على تلك الحالة وعلى ما بهم من الضر والجهد فاستمكنوا منهم وأعظموا النكاية فيهم، ثم رغب فيروز إلى أخشنوار وسأله أن يمنّ عليه وعلى من بقي من أصحابه على أن يجعل لهم عهد اللّه وميثاقه ألا يغزوه أبداً فيما يستقبل من عمره وعلى أنه يحدّ فيما بينه وبين مملكته حدّاً لا تجاوزه جنوده، فرضي أخشنوار بذلك وخلّى سبيله وانصرف إلى مملكته، فمكث فيروز برهة من دهره كئيباً ثم حمله الأنف على أن يعود لغزوه ودعا أصحابه إلى ذلك فردّوه عنه وقالوا: إنك قد عاهدته ونحن نتخوّف عليك عاقبة البغي والغدر مع ما في ذلك من العار وسوء المقالة. فقال لهم: إني إنما شرطت له ألاّ أجوز الحجر الذي جعلته بيني وبينه فأنا آمر بالحجر ليحمل على عجلة أمامنا. فقالوا له: أيهم الملك، إنّ العهود والمواثيق التي يتعاطاهم الناس بينهم لا تحمل على ما يسرّ المعطي لهم ولكن على ما يعلن المعطي، وإنك إنما جعلت له عهد اللّه وميثاقه على الأمر الذي عرفه لا على أمر لم يخطر بباله. فأبى فيروز ومضى في غزاته حتى انتهى إلى الهياطلة وتصافّ الفريقان للقتال فأرسل أخشنوار إلى فيروز يسأله أن يبرز فيما بين صفّيهم ليكلمه، فخرج إليه فقال له أخشنوار: قد ظننت أنه لم يدعك إلى غزونا إلا الأنف مما أصابك. ولعمري لئن كنّا احتلنا لك بما رأيت، لقد كنت التمست منّا أعظم منه، وما ابتدأناك ببغي ولا ظلم ولا أردنا إلا دفعك عن أنفسنا وعن حريمنا، ولقد كنت جديراً أن تكون، من سوء مكافأتنا بمنّنا عليك وعلى من معك من نقض العهد والميثاق الذي وكّدت على نفسك، أعظم أنفاً وأشدّ امتعاضاً مما نالك منّا، فإنّا أطلقناكم وأنتم أسرى ومننّا عليكم وأنتم مشرفون على الهلكة وحقنّا دماءكم و بنا قدرة على سفكهم ، وإنا لم نجبرك على ما شرطت لنا بل كنت أنت الراغب إلينا فيه والمريد لنا عليه ففكّر في ذلك وميّل بين هذين الأمرين فانظر أيّهما أشدّ عاراً وأقبح سماعاً، إن طلب رجل أمراً فلم يتح له وسلك سبيلاً فلم يظفر فيهم ببغيته واستمكن منه عدوّه على حال جهد وضيعة منه وممن معه، فمّن عليهم وأطلقهم على شرط شرطوه وأمر اصطلحوا عليه فاضطّر لمكروه القضاء واستحيا من النّكث والغدر أن يقال امرؤ نكث العهدوختر الميثاق. مع أني قد ظننت أنه يزيدك نجاحاً ما تثق به من كثرة جنودك وما ترى من حسن عدّتهم وطاعتهم لك، وما أجدني أشكّ أنهم أو أكثرهم كارهون لما كان من شخوصك بهم عارفون بأنك قد حملتهم على غير الحق ودعوتهم إلى مايسخط اللّه، فهم في حربنا غير مستبصرين ونيّاتهم في مناصحتكن اليوم
مدخولة، فانظر ما قدر غناء من يقاتل على مثل هذه الحال، وما عسى أن تبلغ نكايته في عدوّه إذا كان عارفاً بأنه إن ظفر فمع عار وإن قتل فإلى النار، فأنا أذكّرك اللّه الذي جعلته على نفسك كفيلاً ونعمتي عليك وعلى من معك بعد يأسكم من الحياة وإشفائكم على الممات، وأدعوك إلى ما فيه حظّك ورشدك من الوفاء بالعهد والاقتداء بآبائك الذين مضوا على ذلك في كل ما أحبوه أو كرهوه، فأحمدوا عواقبه وحسن عليهم أثره، ومه ذلك إنك لست على ثقة من الظّفر بنا والبلوغ لنهمتكن فبنا وإنما تلتمس منا أمراً نلتمس منك مثله وتناوىء عدوّاً لعله يمنح النصر عليك فقد بالغت في الاحتجاج عليك وتقدّمت في الإعذار إليك ونحن نستظهر باللّه الذي اعتززنا به ووثقنا بما جعلته لنا من عهده إذا استظهرت بكثرة جنودك وازدهتكن عدّة أصحابك، فدونك هذه النصيحة فواللّه. ما كان أحد من نصحائك ببالغ لك أكثر منهم ولا زائد لك عليهم ، ولا يحرمنّك منفعتهم مخرجهم مني فإنّه لا يزري بالمنافع عند ذوي الرأي أن كانت من قبل الأعداء كما لا يحبّب المضارّ إليهم أن تكون على أيدي الأولياء. واعلم أنه ليس يدعوني إلى ما تسمع من مقالتي ضعف أحسّه من نفسي ولا قلةٌ من جنودي، ولكني أحببت أن أزداد بذلك حجّة واستظهم راً، وأزداد به من اللّه للنصر والمعونة استيجاباً ولا أوثر على العافية والسلامة شيئاً ما وجدت إليهما سبيلاً. فأبى فيروز إلا تعلّقاً بحجّته في الحجر الذي جعله حدّاُ بينه وبينه وقال: لست ممن يردعه عن الأمر يهمّ به وعيدٌ ولا يقتاده اللّهدّد والترهيب، " ولو كنت أرى ما أطلبك غدراً مني ما كان أحد أنظر ولا أشدّ اتقاءً مّني على نفسي فلا يغرّنك منا الحال التي صادفتنا عليهم في المرّة الأولى من القلّة والجهد والضعف " . فانظر ما قدر غناء من يقاتل على مثل هذه الحال، وما عسى أن تبلغ نكايته في عدوّه إذا كان عارفاً بأنه إن ظفر فمع عار وإن قتل فإلى النار، فأنا أذكّرك اللّه الذي جعلته على نفسك كفيلاً ونعمتي عليك وعلى من معك بعد يأسكم من الحياة وإشفائكم على الممات، وأدعوك إلى ما فيه حظّك ورشدك من الوفاء بالعهد والاقتداء بآبائك الذين مضوا على ذلك في كل ما أحبوه أو كرهوه، فأحمدوا عواقبه وحسن عليهم أثره، ومه ذلك إنك لست على ثقة من الظّفر بنا والبلوغ لنهمتكن فبنا وإنما تلتمس منا أمراً نلتمس منك مثله وتناوىء عدوّاً لعله يمنح النصر عليك فقد بالغت في الاحتجاج عليك وتقدّمت في الإعذار إليك ونحن نستظهر باللّه الذي اعتززنا به ووثقنا بما جعلته لنا من عهده إذا استظهرت بكثرة جنودك وازدهتكن عدّة أصحابك، فدونك هذه النصيحة فواللّه. ما كان أحد من نصحائك ببالغ لك أكثر منهم ولا زائد لك عليهم ، ولا يحرمنّك منفعتهم مخرجهم مني فإنّه لا يزري بالمنافع عند ذوي الرأي أن كانت من قبل الأعداء كما لا يحبّب المضارّ إليهم أن تكون على أيدي الأولياء. واعلم أنه ليس يدعوني إلى ما تسمع من مقالتي ضعف أحسّه من نفسي ولا قلةٌ من جنودي، ولكني أحببت أن أزداد بذلك حجّة واستظهم راً، وأزداد به من اللّه للنصر والمعونة استيجاباً ولا أوثر على العافية والسلامة شيئاً ما وجدت إليهما سبيلاً. فأبى فيروز إلا تعلّقاً بحجّته في الحجر الذي جعله حدّاُ بينه وبينه وقال: لست ممن يردعه عن الأمر يهمّ به وعيدٌ ولا يقتاده اللّهدّد والترهيب، " ولو كنت أرى ما أطلبك غدراً مني ما كان أحد أنظر ولا أشدّ اتقاءً مّني على نفسي فلا يغرّنك منا الحال التي صادفتنا عليهم في المرّة الأولى من القلّة والجهد والضعف " .
قال أخشنوار: لا يغرّنك ما تخدع به نفسك من حملك الحجر أمامك، فإنّ الناس لو كانوا يعطون العهود على ما تصف من إسرار أمرٍ وإعلان آخر، إذاً ما كان ينبغي لأحد أن يغترّ بأمانٍ ولا يثق بعهدٍ، وإذاً لما قبل الناس شيئاً مما يعطونه من ذلك، ولكنّه وضع على العلانية وعلى نية من تعقد العهود والشروط له. فانصرفا يومهما ذلك فقال فيروز لأصحابه: لقد كان أخشنوار حسن المحاورة، وما رأيت للفرس الذي كان تحته نظيراً في الدواب فإنه لم يزل قوائمه ولم يرفع حوافره عن موضعهم ولا صهل ولا أحدّث شيئاً يقطع به المحاورة في طول ما تواقفنا. وقال أخشنوار لأصحابه: لقد واقفت فيروز كما علمتم وعليه السلاح كلّه فلم يحرّك رأسه ولم ينزع رجله من ركابه ولا حنا ظهره ولا التفت يميناً ولا شمالاً، ولقد تورّكت أنا مراراً وتمطيت على فرسي وتلفّتّ إلى من خلفي ومددت بصري في أمامي وهو منتصبٌ ساكن على حاله، ولولا محاورته إياي لظننت أنه لا يبصرني. وإنما أرادا بما وصفا من ذلك أن ينتشر هذان الحديثان في أهل عسكريهما فيشغلوا بالإفاضة فيهما عن النظر فيما تذاكراه. فلما كان في اليوم الثاني أخرج أخشنوار الصحيفة التي كتبهم لهم فيروز، فرفعهم على رمح لينظر إليهم أهل عسكر فبروز فيعرفوا غدره وبغيه ويخرجوا من متابعته، فانتقض عسكر فيروز واختلفوا وما لبثوا إلا يسيراً حتى انهزموا وقتل منهم خلقٌ كثير وهلك فيروز، فقال أخشنوار: لقد صدق الذي قال: لا رادّ لما قدّر، ولا أشدّ إحالةً لمنافع الرأي من الهوى واللّجاج، ولا أضيع من نصيحة يمنحهم من لا يوطّن نفسه على قبولهم والصبر على مكروههم ، ولا أسرع عقوبة ولا أسوأ عاقبة من البغي والغدر، ولا أجلب لعظيم العار والفضوح من إفراط الفخر والأنفة.
بين شبيب الخارجي والحجاجوقال أبو اليقظان: لما خرج شبيب بن يزيد نعيم الخارجيّ بالموصل بعث إليه الحجّاج قائداً فقتله كذلك حتى أتى على خمسة قوّاد قتلهم وهزم جيوشهم وكان أحد القوّاد موسى بن طلحة بن عبيد اللّه، ثم خرج شبيب من الموصل يريد الكوفة وخرج الحجّاج من البصرة يريد الكوفة فطمع شبيب أن يلقى الحجاج قبل أن يصل إلى الكوفة فأقحم الحجاج خيله فدخل الكوفة قبله، ومرّ شبيب بعتّاب بن ورقاء فقتله ومرّ بعبد الرحمن بن محمد بن الأشعث فهرب منه، وقدم شبيبٌ الكوفة آلى ألاّ يبرح عنهم أو يلقى الحجاج فيقتله أو يقتل دونه، فخرج الحجاج إليه في خيله، فلما قرب منه عمد إلى سلاحه فألبسه أبا الورد مولاه وحمله على الدّابة التي كان عليهم ، فلما تواقفا قال شبيب: أروني الحجاج، فأومأوا له إلى أبي الورد فحمل عليه فقتله، ثم خرج من الكوفة يريد الأهواز فغرق في دجيل وهو يقول: " ذلك تقدير العزيز العليّم " .
الأوقات التي تختار للسفر والحربللزهريّ عن الرسول
قال: حدّثني محمد بن عبيد قال: حدّثنا يزيد بن هم رون عن محمد بن إسحاق عن عبد اللّه بن أبي بكر عن الزهريّ قال: كان أحبّ الأيام إلى رسول اللّه أن يعقد فيه رايته يوم الخميس، وكان أحبّ إلى رسول اللّه أن يسافر فيه يوم الخميس.
وقالت العجم: أخّر الحرب ما استطعت فإن لم تجد بدّاً فاجعل ذلك آخر النهم ر.
وحدّثني محمد بن عبيد عن معاوية بن عمرو عن أبي إسحاق عن ابن عون عن محمد بن سيرين أنّ النعمان بن مقرّن قال لأصحابه: إني لقيت مع رسول اللّه فكان من أحبّ ما يلقى فيه إذا لم يلق في أوّل النهم ر إذا زالت الشمس و حلّت الصلاة وهبّت الرياح ودعا المسلمون.
ويروي قوم عن عليّ بن أبي طالب رضي اللّه عنه أنه كان يكره الحجامة والابتداء بعمل في محاق القمر وفي حلوله في برج العقرب. " وقال بعضهم: كنت مع عمر بن عبد العزيز فوق سطح وهو يريد الركوب، فنظرت فإذا القمر بالدّبران فقلت: انظر إلى القمر ما أحسن استواءه! فرفع رأسه ثم نظر فرأى منزلته فضحك، وقال: إنما أردت أن ننظر إلى منزلته، وإنّا لا نقيم لشمس ولا لقمر ولكنا نسير باللّه الواحد القهم ر " .
ما كان يقال عن أيام الأسبوعوكان يقال: يوم السبت يوم مكر وخديعة، ويوم الأحد يوم غرس وبناء، ويوم الأثنين يوم سفر وابتغاء رزق، ويوم الثلاثاء يوم حربٍ ودمٍ، ويوم الأربعاء يوم الأخذ و الإعطاء، ويوم الخميس يوم دخول على الأمراء وطلب الحوائج، ويوم الجمعة يوم خطب ونكاح.
الدعاء عند اللقاء
للنبي عند الضيقةحدّثني محمد بن عبيد قال: حدّثنا معاوية عن أبي إسحاق عن أبي رجاء قال: كان النبيّ يقول إذا اشتدّت حلقة البلاء وكانت الضّيقة: " تضيّقي تفرّجي " ثم يرفع يديه فيقول: بسم اللّه الرحمن الرحيم لا حول ولا قوّة إلا باللّه العليّ العظيم اللهم إياك نعبد وإياك نستعين اللهم كفّ عنا بأس الذين كفروا إنك أشدّ بأساً وأشدّ تنكيلاً " فما يخفض يديه المباركتين حتى ينزل اللّه النصر.
وحدّثني محمد بن عبيد عن معاوية عن أبي إسحاق عن موسى بن عقبة عن سالأأبي النضر مولى عمر بن عبيد اللّه وكان كاتباً له، قال: كتب عبد اللّه بن أبي أوفى حين خرج إلى الحرورية أنّ النبي في بعض أيامه التي لقي فيهم العدوّ انتظر حتى مالت الشمس ثم قام في الناس فقال: " لا تتمنّوا لقاء العدوّ واسألوا اللّه العافية، فإذا لقيتموهم فاثبتوا واصبروا واعلموا أنّ الجنّة تحت ظلال السيوف " ثم قال: اللهمّ منزل الكتاب ومجري السحاب وهم زم الأحزاب اهزمهم وانصرنا عليهموقال أبو النضر: وبلغنا أ،ه دعا في مثل ذلك فقال: " اللهمّ أنت ربّنا وربّهم وهم عبيد ك ونحن عبيد ك ونواصينا ونواصيهم بيدك فاهزمهم وانصرنا عليهم " .
بين قتيبة بن مسلم ومحمد بن واسعحدّثني محمد بن عبيد قال: لما صافّ قتيبة بن مسلم التّرك وهم له أمرهم سأل عن محمد ابن واسع ما يصنع؟ قالوا: هو في أقصى الميمنة جانح على سية قوسه ينضنض بأصبعه نحو السماء. فقال قتيبة: تلك الإصبع الفاردة أحبّ إليّ من مائة ألف سيف شهير وسنان طرير. فلما فتح اللّه عليهم قال لمحمد: ما كنت تصنع؟ قال: كنت آخذ لك بمجامع الطرق.
الصبر وحضّ الناس يوم اللّقاء عليه
بين الفرزدق وعاصم بن الحدّثان
حدّثني سهل بن محمد قال: حدّثنا الأصمعيّ قال: كان عاصم بن الحدّثان رجلاً من العرب عالماً قديماٌ وكان رأس الخوارج بالبصرة، وربما جاءه الرسول منهم من الجزيرة يسأله عن بعض الأمر يختصمون فيه، فمرّ به الفرزدق فقال لابنه: أنشد أبا فراس فأنشده:
وهم إذا كسروا الجفون أكارمٌ ... صبر وحين تحلّل الأزرار
يغشون حومات المنون وإنهم ... في اللّه عند نفوسهم لصغار
يمشون في الخطّي لا يثنيهم ... والقوم إذ ركبوا الرماح تجار
فقال له الفرزدق: ويحك! اكتم هذا لا يسمعه النسّاجون فيخرجوا عليّنا بحفوفهم. فقال عاصم: يا فرزدق، هذا شاعر المؤمنين وأنت شاعر الكافرين.
في وصف بني يربوعحدّثنا سهل قال: حدّثنا الأصمعيّ قال: قال سليط بن سعد: قال بسطام بن قيس لقومه: تردون على قوم آثارهم آثار نساء وأصواتهم أصوات صردان ولكنهم صبر على الشرّ. يعني بني يربوع. وفي هؤلاء يقول معاوية: لو أنّ النجوم تناثرت لسقط قمرهم في حجور بني يربوع. قال الأصمعيّ قلت لسليط: أكان عتيبة بن الحارث ضخماً؟ قال: لاولا من قوم ضحام.
يعني بني يربوع.
بين عمر بن الخطاب وبني عبس" وقال عمر بن الخطاب لبني عبس: كم كنتم يوم الهباءة؟ فقال: كنا مائةً كالذهب، لم نكثر فنتواكل ولم نقلّ فنذلّ. قال: فكيف كنتم تقهرون من ناوأكم ولستم بأكثر منهم عدداً ولا مالاً؟ قال: كنا نبصر بعد اللقاء هنيهة. قال: فلذلك إذاً.
لعنترة بن شداد يصف بني عبس يوم الفروققيل لعنترة العبسيّ: كم كنتم يوم الفروق؟ قال: كنا مائة لم نكثر فنفشل ولم نقلّ فنذلّ " .
وكان يقال: النصر مع الصبر.
شعر لنهشل بن حريّ بن ضمرة ولغيره في الصبر
ومن أحين ما قيل في الصبر، قول نهشل بن حرّيّ بن ضمرة:
ويومٍ كأن المصطلين بحرّه ... وإن لم تكن نارٌ قيامً على الجمر
صبرنا له حتى يبوخ وإنما ... تفرّج أيام الكريهة بالصبر
ومثله قول الآخر:
بكى صاحبي لما رأى الموت فوقنا ... مطلاًّ كإطلال السحاب إذا اكفهر
فقلت له لاتبك عينك إنما ... يكون غداً حسن الثناء لمن صبر
فما أخرّ الإحجام يوماً معجّلا ... ولا عجّل الإقدام ما أخّر القدر
فآسى على حالٍ يقلّ بهم الأسى ... وقاتل حتى استبهم الورد والصّدر
وكرّ حفاظاً خشية العار بعد ما ... رأى الموت معروضاً على منهج المكرّ
قول أبو بكر الصديق إلى خالد بن الوليدوقال أبو بكر الصدّيق رضي اللّه عنه لخالد بن الوليد حين وجّهه: احرص على الموت توهب لك الحياة.
قول العرب في الشجاعةوتقول العرب: الشجاع موقًّى.
وقالت الخنساء:
نهين النفوس وهون النفو ... س يوم الكريهة أوقى لهم
وقال يزيد بن المهلب:
تأخّرت أستبقي الحياة فلم أجد ... لنفسي حياةً مثل أن أتقدّما
وقال قطريّ بن الفجاءة:
وقولي كلّما جشأت وجاشت ... من الأبطال ويحك لا تراعي
فإنّك لو سألت حياة يوم ... سوى الأجل الذي لك لم تطاعي
لمعاوية بن أبي سفيان متمثلاً
" وقال معاوية بن أبي سفيان: شجّعني على عليّ بن أبي طالب قول عمرو بن الإطنابة:
أبت لي عفتي وأبى بلائي ... وأخذي الحمد بالثمن الرّبيح
وإقدامي على المكروه نفسي ... وضربي هم مة البطل المشيح
وقولي كلّما جشأت نفسي ... مكانك تحمدي أو تستريحي
لأدفع عن مآثر صالحاتٍ ... وأحمي بعد عن عرض صحيح
أبت لي أن أقضّي في فعالي ... وأن أغضي على أمر قبيح
وقال ربيعة بن مقروم:
ودعوا نزال فكنت أوّل نازل ... وعلام أركبه إذا لم أنزل "
لخالد بن الوليدوكان خالد بن الوليد يسير في الصفوف يذمّر الناس ويقول: يا أهل الإسلام، إنّ الصبر عزّ وإنّ الفشل عجز وإنّ النصر مع الصبر.
وقال بعض أبطال العرب:
إن الشّواء والنّشيل والرّغف ... والقينة الحسناء والكأس الأنف
للضاربين الخيل والخيل قطف
ولأعرابي في الشجاعةوقال أعرابي: اللّه يخلف ما أتلف الناس، والدهر يتلف ما جمعوا، وكم من ميتة علّتهم طلب الحياة، وحياة سببهم التعرّض للموت.
ومثله قول أبي بكر الصديق لخالد: احرص على الومت توهب لك الحياة.
بين هرقل ورجاله" قدمت منهزمة الروم على هرقل وهو بأنطاكية، فدعا رجالاً من عظمائهم فقال: ويحكم! أخبروني ما هؤلاء الذين تقاتلوهم؟ أليسوا بشراً مثلكم؟ قالوا: بلى. يعني العرب. قال: فأنتم أكثر أم هم؟ قالوا: بل نحن أكثر منهم أضعافاً في كلّ موطن. قال: ويلكم! فما بالكم تنهزمون كلّما لقيتموهم؟ فسكتوا، فقال شيخ منهم: أنا أخبرك أيهم الملك من أين تؤتون. قال: أخبرني. قال: إذا حملنا عليهم صبروا وإذا حملوا عليّنا صدقوا، ونحمل عليهم فنكذب ويحملون عليّنا فلا نصبر. قال: ويلكم فما بالكم كما تصفون وهم كما تزعمون؟ قال الشيخ: ما كنت أراك إلا وقد علمت من أين هذا؟ قال له: من أين هو؟ قال: لأنّ القوم يصومون بالنهم ر ويقومون بالليل ويوفون بالعهد ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ولا يظلمون أحداً ويتناصفون بينهم، ومن أجل أنّا نشرب الخمر ونزني ونركب الحرام وننقض الهد ونغضب ونظلم ونأمر بما يسخط اللّه وننهى عما يرضي اللّه ونفسد في الأرض. قال: صدقتني، واللّه لأخرجنّ من هذه القرية فما لي في صحبتكنم خير وأنتم هكذا. قالوا: نشهدك اللّه أيهم الملك. تدع سورية وهي جنة الدنيا وحولك من الروم عدد الحصى والتراب ونجوم السماء ولم يؤت عليهم " .
ذكر الحرب
شعر للكميت في ذكر الموتقالت العرب: الحرب غشوم، لأنهم تنال غير الجاني.
وقال الكميت:
الناس في الحرب شتّى وهي مقبلةٌ ... ويستوون إذا ما أدبر القبل
كلٌّ بأمسيّهم طبٌّ مولّيةً ... والعالمون بذي غدويّهم قلل
بين عمر بن الخطاب وعمرو بن معد يكربوقال عمر بن الخطاب رحمه اللّه لعمرو بن معد يكرب: أخبرني عن الحرب. قال: مرّة المذاق إذا قلصت عن ساق، من صبر فيهم عرف ومن ضعف عنهم تلف. وهي كما قال الشاعر:
الحرب أوّل ما تكون فتيةٌ ... تسعى بزينتهم لكلّ جهول
حتى إذا استعرت وشبّ ضرامهم ... عادت عجوزاً غير ذات خليل
شمطاء جزّت رأسهم وتنكّرت ... مكروهةً للّثم والتقبيل
شعر لنصر بن سيار
كان يزيد بن عمر بن هبيرة يحب أن يضع من نصر بن سيار فكان لا يمدّه بالرجال ويرفع ما يرد عليه من أخبار خراسان، فلما كثر ذلك على نصر قال:
أرى خلل الرماد وميض جمرٍ ... ويوشك أن يكون له ضرام
فإنّ النار بالعودين تذكى ... وإنّ الحرب أوّلهم الكلام
فإن لم يطفهم عقلاء قوم ... يكون وقودهم جثثٌ وهم م
فقلت من التعجب ليت شعري ... أأيقاظٌ أميّة أم نيام
ونحو قوله: " الحرب أوّلهم الكلام " قول حذيفة: إن الفتنة تلقح بالنجوى وتنتج بالشكوى.
قول عليّ بن أبي طالب لابنه الحسن
العتبيّ عن أبيه قال: قال عليّ بن أبي طالب رضي اللّه عنه لابنه الحسن: يا بني لا تدعونّ أحداً إلى البراز، ولا يدعونّك أحد إليه إلا أجبته فإنه بغى.
في العدّة والسلاح
حدّثني محمد بن عبيد قال: حدّثنا سفيان بن عيينة عن يزيد بن خصيفة عن السائب بن يزيد - فيما حفظت إن شاء اللّه - أن النبي كان عليه درعان يوم أحد.
قيل لعبّاد بن الحصين وكان أشدّ رجال أهل البصرة: في أيّ عدّة تحبّ أن تلقى عدوك؟ قال: في أجلٍ مستأخر.
حدّثني زياد بن يحيى قال: حدّثنا بشر بن المفضّل قال: حدّثنا داود بن أبي هند عن عكرمة قال: لما كانت ليلة الأحزاب قالت الجنوب للشّمال: انطلقي بنا نمدّ رسول اللّه.
فقالت الشمال: إنّ الحرّة لا تسري بالليل. فكانت الريح التي أرسلت عليهم الصّبا.
حدّثني سهل بن محمد قال: حدّثنا الأصمعيّ قال: حدّثنا ابن أبي الزّناد قال: ضرب الزبير بن العوّام يوم الخندق عثمان بن عبد اللّه بن المغيرة فقطّه إلى القربوس فقالوا: ما أجود سيفك! فغضب، يريد أنّ العمل ليده لا لسيفه.
للبحتري يصف السيفوقال الوليد بن عبيد البحتريّ يصف سيفاً:
ماضٍ وإن لم تمضه يد فارس ... بطلٍ ومصقولٌ وإن لم يصقل
متوقٍّد يفري بأوّل ضربة ... ما أدركت ولو أنهم في يذبل
وقال آخر:
وما السيف إلا بزّ غادٍ لزينة ... إذا لم يكن أمضى من السيف حامله
للجرّاح بن عبد اللّه في المظاهرة بين درعين
رؤي الجرّاح بن عبد اللّه في بعض الحروب وقد ظاهر بين درعين، فقيل له في ذلك. فقال: إني لست أقي بدني وإنما أقي صبري.
ليزيد بن حاتم في أدرع اشتراهمواشترى يزيد بن حاتم أدرعا وقال: إني لم اشتر أدراعا إنما اشتريت أعمارا.
لحبيب بن المهلّب وفضيلة السلاح
وقال حبيب بن المهلّب: ما رأيت رجلاً في الحرب مستلئما إلا كان عندي رجلين، ولا رأيت حاسرين إلا كانا عندي واحداً. فسمع هذا الحديث بعض أهل المعرفة فقال: صدق، إنّ للسلاح فضيلة. أما تراهم ينادون عند الصّريخ: السلاح السلاح ولا ينادون: الرجال الرجال.
وللمهلب يوصي بنيه" قال المهلب لبنيه: يا بنيّ لا يقعدنّ أحد منكم في السوق، فإن كنتم لا بدّ فاعليّن فإلى زراد أو سرّاج أو ورّاق " .
بين عمر بن الخطاب وابن معد يكرب في وصف السلاحوقال عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه لعمرو بن معد يكرب: أخبرني عن السلاح. قال: سل عما شئت منه. قال: الرمح؟ قال: أخوك وربما خانك. قال: النّبل؟ قال: منايا تخطىء وتصيب. قال: التّرس؟ قال: ذاك المجنّ وعليه تدور الدّوائر. قال: الدرّع؟ قال: مثقلة للراجل متعبة للفارس، وإنّهم لحصن حصين. قال: السيف؟ قال: ثمّ، قارعتكن أمّك عن الثّكل. قال عمر: بل أمّك. قال " الحمّى أضرعتني لك " .
للطائي ودعبل وصف الرماحوقال الطائي يصف الرّماح:
مثقّفات سلبن الروم زرقتهم ... والعرب سمرتهم والعاشق القضفا
وقال دعبل يصف الرّمح:
وأسمرٍ في رأسه أزرقٌ ... مثل لسان الحيّة الصادي
ولآخر في السيفوقال الشاعر:
تلمّظ السيف من شوق إلى أنسٍ ... فالموت يلحظ والأقدار تنتظر
أظلّه منك حتف قد تجلّله ... حتى يؤامر فيه رأيك القدر
أمضى من السيف إلا عند قدرته ... وليس للسيف عفو حين يقتدر
وقال آخر:
متى تلقني يعدو ببزّي مقلّصٌ ... كميتٌ بهيمٌ أو أغرّ محجّل
تلاقي امرأ إن تلقه فبسيفه ... تعلّمك الأيام ما كنت تجهل
لعليّ بن أبي طالب في السيف
وقال عليّ رضي اللّه عنه: السيف أنمى عدداً وأكثر ولدا.
وفي الحديث: " بقيّة السيف مباركة " يعني أنّ من نجا من ضربة السيف ينمو عدده ويكثر ولده.
؟؟
وللمهلبوقال المهلّب: ليس شيء أنمى من سيف.
ويقال: لا مجد أسرع من مجد سيف.
؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟درع عليّ رضي اللّه عنه
وكانت درع عليّ رضي اللّه عنه صدراً لا ظهر لهم فقيل له في ذلك فقال: إذا استمكن عدوّي من ظهري لا يبق.
؟
لأبي الشيص في رثاء بعض الشجعانوقال أبو الشّيص: ؟ختلته المنون بعد اختيال بين صفّين من قناً ونصال
في رداء من الصفيح صقيل ... وقميص من الحديد مذال
؟وصية أبي الأغرّ لابنه فيما يقاتل به من أنواع السلاح بلغ أبا الأغرّ أن أصحابه بالبادية قد وقع بينهم شرّ فبعث ابنه الأغرّ وقال: يا بني كن يداً لأصحابك على من قاتلهم، وإيّاك والسيف فإنه ظلّ الموت، وآتق الرمح فإنه رشاء المنيّة، ولا تقرب السّهم م فإنهم رسل لا تؤامر مرسلهم. قال: فبماذا أقاتل؟ قال: بما قال الشاعر:
جلاميد يملأن الأكفّ كأنّهم ... رؤوس رجال حلّقت في المواسم
؟ّشعر للخزيمي وقال الخزيمي في بغداد أيام الفتنة:
يا بؤس بغداد دار مملكة ... دارت على أهلهم دوائرهم
أمهلهم اللّه ثم عاقبهم ... لما أحاطت بهم كبائرهم
رقّ بهم الدّين واستخفّ بذي ال ... فضل وعزّ الرجال فاجرهم
وصار ربّ الجيران فاسقهم ... وآبتزّ أمن الدروب شاطرهم
يحرق هذا وذا يهدّمهم ... ويشتفي بالنّهم ب داعرهم
والكرخ أسواقهم معطّلة ... يستنّ شذّابهم وعائرهم
؟أخرجت الحرب من أساقطهم آساد غيلٍ غلبا تساورهم
من البواري تراسهم ومن ال ... خوص إذا استلأمت مغافرهم
لا الرزق تبغي ولا العطاء ولا ... يحشرهم بالعناء حاشرهم
؟شعر لعليّ بن أمية في حرب
ونحوه قول عليّ بن أمية:
دهتنا أمور تشيب الوليد ... ويخذل فيهم الصّديق الصدّيق
فناء مبيد وذعر عتيد ... وجوع شديد وخوف وضيق
وداعي الصّباح بطول الصياح السّ ... لاح السلاح فما نستفيق
فباللّه نبلغ ما نرتجي ... وباللّه ندفع ما لا نطيق
؟
لرجل من أهل البادية يحث قومه على القتالجنى قوم من أهل اليمامة جناية فأرسل إليهم السلطان جنداً من بخاريّة ابن زياد، فقال رجل من أهل البادية يذمّر قومه: يا معشر العرب ويا بني المحصنات، قاتلوا عن أحسابكم ونسائكم، واللّه لئن ظهر هؤلاء عليكم لا يدعون بهم لبنة حمراء ولا نخلة خضراء إلا وضعوهم بالأرض ولاعتراكم من نشّاب معهم في جعاب كأنهم أيور الفيلة ينزعون في قسيٍّ كأنهم العتل فتئطّ أحداهنّ أطيط الزّرنوق يمغط أحدهم فيهم حتى يتفرق شعر إبطيه ثم يرسل نشّابة كأنهم رشاء منقطع فما بين أحدكم وبين أن تنفضح عينه أو ينصدع قلبه منزلة. فخلع قلوب القوم فطاروا رعباً.
أداب الفروسةمن نصائح عمر رضي اللّه عنه في الرمي وغيره
حدّثني محمد بن عبيد قال: حدّثنا معاوية بن عمرو عن أبي إسحاق عن عاصم بن سليمان عن أبي عثمان قال: كتب عمر رضي اللّه عنه: ائتزروا وارتدوا وانتعلوا وألقوا الخفاف وارموا الأغراض وألقوا الرّكب وآنزوا نزوا على الخيل وعليكم بالمعدّيّة، أو قال العربية، ودعوا التنعّم وزيّ العجم ولا تلبسوا الحرير فإن رسول اللّه نهى عنه إلا هكذا، ورفع أصبعيه. وقال أيضاً: لن تخور قوىً ما كان صاحبهم ينزع وينزو. يعني ينزع في القوس وينزو على الخيل من غير استعانة بالرّكب.
وقال العمري: كان عمر بن الخطاب يأخذ بيده اليمنى أذنه " اليمنى وبيده اليسرى أذن فرسه اليسرى " ثم يجمع جراميزه ويثب فكأنما خلق على ظهر فرسه.
نصيحة عليّ رضي اللّه عنه لأصحابه يوم صفين
وقال عليّ بن أبي طالب رضي اللّه عنه يوم صفّين: عضّوا على النّواجذ من الأضراس فإنه أنبى للسيوف عن الهم م.
وأقاموا رجلاً بين العقابين فقال له أبوه: طد رجلك وأصرّ إصرار الفرس واذكر أحاديث غد وإياك وذكر اللّه في هذا الموضع فإنه من الفشل. " وقال غيره: طد رجليك إذا اعتصيت بالسيف والعصا وأنت محيّر في رفعه ساعة المسالمة والموادعة " .
في إجادة الرمي بالنشابوقرأت في الآيين أن من إجادة الرمي بالنّشّاب في حال التعلّم إمساك المتعلم القوس بيده اليسرى بقوّة عضده الأيسر والنّشّابة بيده اليمنى وقوّة عضده الأيمن وكفّه أصدريه وإلقاؤه ببصره إلى معلم الرمي وإجادته نصب القوس بعد أن يطأطىء من سيتهم بعض الطّأطأة وضبطه إيّاهم بثلاث أصابع وإحناؤه السبّابة على الوتر، وإمساكه بثلاثة وعشرين كأنهم ثلاثة وستون وضمه الثلاثة ضماً وتحويله ذقنه إلى منكبه " الأيسر " وإشرافه رأسه وإرخاؤه عنقه وميله مع القوس وإقامته ظهره وإدارته عضده ومغطه القوس مترافعاً ونزعه الوتر إلى أذنه ورفعه بياض عينيه من غير تصريف لأسنانه وتحويلٍ لعينه وارتعاشٍ من جسده واستبانته موضع زججة النّشاب.
وفي إجادة الضرب بالصولجانوقرأت في الآيين: من إجادة الضرب بالصّولجان أن يضرب الكرة قدما ضرب خلسةٍ يدير فيه يده إلى أذنه ويميل صولجانه إلى أسفل من صدره ويكون ضربه متشازراً مترفّقاً مترسّلاً ولا يغفل الضرب ويرسل السّنان خاصة وهو الحامية لمجاز الكرة إلى غاية الغرض ثم الجرّ للكرة من موقعهم ، والتوخيّ للضرب لهم تحت محزم الدابة ومن قبل لبتهم في رفق، وشدّة المزاولة والمجاحشة على تلك الحال والترك للاستعانة في ضرب الكرة بسوط والتأثير في الأرض بصولجان والكسر له جهلاً باستعماله أو عقر قوائم الدابة، والاحتراس من إيذاء من جرى معه في ميدانه، وحسن الكف للدّابة في شدّة جريه، والتوقّي من الصّرعة والصّدمة على تلك الحال، والمجانبة للغضب والسّبّ، والاحتمال والملاهم ة، والتحفّظ من إلقاء كرة على ظهر بيت وإن كان ستّ كرين بدرهم، وترك طرد النّظّارة والجلوس على حيطان الميدان فإن عرض الميدان إنما جعل ستين ذراعاً لئلا يحال ولا يصارّ من جلس على حائطه.
قول أبو مسلم الخراساني لرجاله في الشجاعةوقال أبو مسلم صاحب الدّعوة لرجاله: أشعروا قلوبكم الجرأة عليهم فإنهم سبب الظّفر، واذكروا الضغائن فإنهم تبعث على الإدام، والزموا الطاعة فإنهم حصن المحارب.
المسير في الغزو والسفر
للنبيحدّثنا شبابة عن القاسم بن الحكم عن إسماعيل بن عيّاش عن معدان بن حدير الحضرمي عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه قال: قال رسول الله: " مثل الذين يغزون من أمتي ويأخذون الجعل يتقوّون به على عدوهم كمثل أمّ موسى ترضع ولدهم وتأخذ أجرهم " .
حدّثني محمد بن عبيد عن ابن عيينة عن عبد الرحمن بن حرملة عن سعيد بن المسيّب قال: لما نزل النبي المعرّس أمر منادياً فنادى: لا تطرقوا النساء. فتعجّل رجلان فكلاهما وجد مع امرأته رجلاً.
وكانت العرب تقول: السفر ميزان القوم. وتأمر بالمحلاّت وهي الدلو والفأس والسّفرة والقدر والقدّاحة، وإنما قيل لهم محلاّت لأن المسافر بهم يحلّ حيث شاء ولا يبالي ألاّ يكون بقربه أحد.
من وصايا لقمان لابنه في السفر
حدّثني عبد الرحمن بن الحسين عن عبد المنعم عن أبيه بن منبّه قال: قال لقمان لابنه: " يا بنيّ إذا سافرت فلا تنم على دابتكن فإن كثرة النوم سريع في دبرهم ، فإذا نزلت أرضا مكلئة فأعطهم حظّهم من الكلأ وابدأ بعلفهم وسقيهم قبل نفسك وإذا بعدت عليك المنازل " فعليك بالدّلج فإن الأرض تطوى بالليل. وإذا أردت النزول " فلا تنزل على قارعة الطرق فإنهم مأوى الحيّات و السباع ولكن عليك من بقاع الأرض بأحسنهم لوناً وألينهم تربة وأكثرهم كلأ فانزلهم ، وإذا نزلت فصلّ ركعتين قبل أن تجلس وقل " ربّ أنزلني منزلاً مباركاً وأنت خير المنزلينوإذا أردت قضاء حاجة فأبعد المذهب في الأرض وعليك بالسّترة، وإذا ارتحلت من منزل فصلّ ركعتين وودّع الأرض التي ارتحلت عنهم وسام عليهم وعلى أهلهم فإن لكل بقعة من الأرض أهلا من اللائكة. وإذا مررت ببقعة من الأرض أو واد أو جبل فأكثر من ذكر اللّه فإن الجبال والبقاع ينادي بعضهم بعضاً: هل مرّ بكنّ اليوم ذاكرٌ اللّه؟ وإن استطعت ألا تطعم طعاماً حتى تتصدّق منه فافعل. وعليك بذكر اللّه جلّ وعزّ ما دمت راكباً، وبالتّسبيح ما دمت صائماً، وبالدعاء ما دمت خالياً. وإيّاك والسّير في أوّل الليل وعليك بالتّعريس والّدلجة من نصف الليل إلى آخره. وإياك ورفع الصوت في سيرك إلا بذكر اللّه، وسافر بسيفك وقوسك وجميع سلاحك وخفّك وعمامتكن وإبرتكن وخيوطك، وتزوّد معك الأدوية تنتفع بهم وتنفع من صحبك من المرضى والزمنى. وكن لأصحابك موافقاً في كل شيء يقرّبك إلى اللّه ويباعدك من معصيته. وأكثر التبسّم في وجوههم وكن كريماً على زادك بينهم وإذا دعوك فأجبهم، وإذا استعانوك فأعنهم وإذا استشهدوك على الحق فاشهد لهم وآجهد رأيك. وإذا رأيتهم يمشون فامش معهم، أو يعملون فاعمل معهم. " وإن تصدّقوا أو أعطوا فأعطواسمع لمن هو أكبر منك. وإن تحيرّتم في طريق فانزلوا، وإن شككتم في القصد فتثبّتوا وتآمروا، وإن رأيتم خيالاً واحداً فلا تسألوه عن طريقكم فإن الشخص الواحد في الفلاة هو الذي حيرّكم واحذروا الشخصين أيضاً إلا إن تروا ما لا أرى فإن الشاهد يرى ما لا يرى الغائب وإن العاقل إذا أبصر شيئاً بعينيه عرف الحق بقلبه " .
نصيحة أعرابي لبنيه في السفرعلّم أعرابي بنيه إتيان الغائط في السفر فقال لهم: اتّبعوا الخلاء وجانبوا الكلاء وآعلوا الضّراء وأفحجوا إفحاج النعامة وامسحوا بأشملكم.
بين عمرو بن العاص والحسن بن عليّ بن أبي طالب
" وقال عمرو بن العاص للحسن بن عليّ بن أبي طالب رحمهما اللّه: يا أبا محمد، هل تنعت الخراءة؟ فقال: نعم، تبعد المشي في الأرض الضّحضح حتى تتوارى من القوم، ولا تستقبل القبلة ولا تستدبرهم ولا تستنج بالرّوثة ولا العظم ولا تبل في الماء الراكد " .
بين ثابت والحسن البصري في المصاحبة في السفرأراد الحسن البصريّ الحج، فقال له ثابت: بلغني أنك تريد الحج فأحببت أن نصطحب. فقال: ويحك! دعنا نتعايش بستر اللّه، إني أخاف أن نصطحب فيرى بعضنا من بعض ما نتماقت عليه.
للنبي في المرافقة في السفروفي الحديث المرفوع عن بقيّة عن الوضين بن عطاء عن محفوظ عن علقمة قال: قال رسول الله لرجل من أصحابه: " أما إنّك إن ترافق غير قومك يكن أحسن لخلقك و أحقّ أن يقتفى بك " .
وصية هشام أخي ذي الرّمة لرجل سأله
أتى رجل هشاماً أخا ذي الرّمّة الشاعر فقال له: إني أريد السفر فأوصني. قال: صلّ الصلاة لوقتهم فإنك مصلّيهم لا محالة فصلهم وهي تنفعك، وإياك وأن تكون كلب رفقتكن فإن لكل رفقة كلباً ينبح دونهم، فإن كان خيراً شركوه فيه وإن كان عاراً تقلّده دونهم.
دعاء في طلب ضالّة
حدّثني محمد بن عبيد عن معاوية عن أبي إسحاق عن عثمان بن عطاء عن أبيه قال: " إذا ضلّت لأحدكم ضالّةٌ فليقل: اللهم ربّ الضالّة تهدي الضالّة وتردّ الضالّة اردد عليّ ضالتي، اللهم لا تبلنا بهلاكهم ولا تتعبنا بطلبهم ، ما شاء اللّه لا حول ولا قوة إلا باللّه. يا عباد اللّه الصالحين ردّوا عليّنا ضالتنا.
وإذا أردت أن تحمل الحمل الثقيل فقل: يا عباد اللّه أعينونا.
" وقال أبو عمرو: إذا ضلّت لأحدكم ضالة فليتوضأ فيحسن الوضوء ثم يصلّي ركعتين ثم يشهد ويقول: بسم اللّه، اللهم يا هم دي الضّال ورادّ الضّال اردد عليّ ضالتي بعزّتكن وسلطانك فإنهم من فضلك وعطائك " .
وللنبيحدّثني محمد بن عبيد عن حمزة بن وعلة عن رجل من مراد يقال له أبو جعفر عن محمد بن عليّ عن عليّ رضي اللّه عنه قال: قال النبي: " يا عليّ، أمانٌ لأمّتي من الغرق إذا ركبوا الفلك أن يقولوا بسم اللّه الملك الرحمن " وما قدروا اللّه حقّ قدره والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة والسّماوات مطويّاتٌ بيمينه سبحانه وتعالى عمّا يشركون " ، " بسم اللّه مجريهم ومرساهم إن ربّي لغفورٌ رحيمٌ " .
كتاب عمرو بن العاص لعمر بن الخطاب عندما أراد الغزو بالبحرحدّثني محمد بن عبيد عن معاوية عن أبي إسحاق عن محمد بن عجلان عن عمرو بن شعيب قال: أراد عمر أن يغزي البحر جيشاً، فكتب إليه عمرو بن العاص: يا أمير المؤمنين، البحر خلق عظيم يركبه خلق ضعيف دودٌ على عود بين غرق وبرق. قال عمر: لا يسألني اللّه عن أحد حملته فيه.
قول ابن عمر في السفروحدّثني أيضاً عن معاوية عن أبي إسحاق عن يزيد بن أبي زياد عن مجاهد قال: كان ابن عمر يقول في السفر إذا أسحر: سمع سامعٌ بحمد اللّه ونعمته وحسن بلائه عليّنا. ويقول: اللهم صاحبنا فأفضل عليّنا ثلاثاً، اللهم عائذٌ بك من النار ثلاثاً، لا حول ولا قوّة إلا باللّه.
قول النبي في سفره حين هم جروعن الأوزاعي عن حسّان بن عطيّة أن رسول اللّه قال في سفره حين هم جر: " الحمد اللّه الذي خلقني ولم أك شيئاً مذكوراً، اللهم أعنّي على أهم ويل الدنيا وبوائق الدهر ومصيبات الليالي والأيام وآكفني شرّ ما يعمل الظالمون في الأرض، اللهم في سفري فآصحبني، وفي أهلي فاخلفني، وفيما رزقتني فبارك لي، ولك في نفسي فذلّلني، وفي أعين الصالحين فعظّمني، وفي خلقي فقوّمني، وإليك ربّ فحبّبني، إلى من تكنلني ربّ المستضعفين وأنت ربّي " .
وحدّثني أيضاً عن معاوية عن أبي إسحاق عن عاصم عن عبد اللّه بن سرجس قال كان النبي إذا سافر يقول: " اللهم إنب أعوذ بك من وعثاء السفر وكآبة المنقلب والحور بعد الكور ودعوة الكظلوم وسوء المنظر في الأهل " .
وزاد غيره: اللهم آطو لنا الأرض وهوّن عليّنا السفر " .
قول مطرّف بن عبد اللّه لابنه
وقال مطّرف بن عبد اللّه لابنه: الحسنة بين السيّئتين، وخير الأمور أوساطهم. وشرّ السير الحقحقة.
وفي الحديث " لا تحقحق فتنقطع ولا تباطأ فتسبق ولكن آقصد تبلغوالحقحقة أشدّ السير.
وفي حديث آخر " إن المنبتّ لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى " .
وقال المرّار:
تقطّع بالنزول الأرض عنا ... وبعد الأرض يقطعه النزول
للأصمعي عن رجل أسرع في سيرهالأصمعيّ قال: قيل لرجل أسرع في سيره: كيف كان مسيرك؟ قال:كنت آكل الوجبة وأعرّس إذا أسحرت وأرتحل إذا أسفرت وأسير الوضّع وأجتنب الملع فجئتكنم لمسي سبع.
مسير ذكوان مولى آل عمر بن الخطابقال أبو اليقظان: من السير المذكور مسير ذكوان مولى أل عمر بن الخطاب، سار من مكة إلى المدينة في يوم وليلة، فقدم على أبي هريرة وهو خليفة مروان على المدينة فصلّى العتمة، فقال له أبو هريرة: حاجٌّ غير مقبول منه. قال له: ولم؟ قال: لأنك نفرت قبل الزوال. فأخرج كتاب مروان بعد الزوال وقال:
ألم ترني كلّفتهم سير ليلة ... من آل منًى نصًّا إلى آل يثرب
فأقسمت لا تنفكّ ما عشت سيرتي ... حديثاً لمن وافى بجمع المحصّب
شعر لقيس بن الخطيم في مسير حذيفة بن بدرومن السير المذكور مسير حذيفة بن بدر، وكان أغار على هجائن " النعمان بن " المنذر بن ماء السماء وسار في ليلة مسيرة ثمان، فقال قيس بن الخطيم:
هممنا بالإقامة ثم سرنا ... كسير حذيفة الخير بن بدر
الشرقي بن القطامي وفتى من أهل الجزيرة صحبه في سفره
قال الشرقي بن القطامي: خرجت من الموصل أريد الرّقّة فصحبني فتى من أهل الجزيرة وذكر أنه ولد عمرو بن كلثوم ومعه مزود وزكوة وعصا، ورأيته لا يفارقهم مشاة كنّا أو ركبانا، وهو يقول: إن اللّه جعل جماع أمر موسى وأعاجيبه وبراهينه ومآربه في عصاه. ويكثر من هذا وأنا أضحك متهم وناً بما يقول، فتخلّف المكاري فكان حمار الفتى إذا وقف أكرهه بالعصا ويقف حماري ولا سيء في يدي فيسبقني إلى المنزل فيستريح ويريح ولا أقدر على البراح حتى يوافيني المكاري، فقلت: هذه واحدة. ثم خرجنا من غد مشاة فكان إذا أعيا توكّأ على العصا وربما أحضر ووضع طرفاً على الأرض فاعتمد عليهم ومرّ كأنه سهم زالجٌ حتى انتهينا وقد تفسّخت من الكلال وإذا فيه فضل كثير، فقلت: وهذه أخرى. فلما كان في اليوم الثالث هجمنا على حيّة منكرة فسارت إلينا فأسلمته إليهم وهربت عنهم فضربهم بالعصا حتى قتلهم ، فقلت: هذه ثالثة، وهي أعظمهنّ " ، وخرجنا في اليوم الرابع وبنا قرمٌ إلى اللحم فاعترضتنا أرنب فحذفهم بالعصا وأدركنا ذكاتهم فقلت: هذه رابعة. فأقبلت عليه فقلت: لو أن عندنا ناراً ما أخّرت أكلهم إلى المنزل. فأخرج عويداً من مزوده ثم حكّه بالعصا فأورت إيراء المرخ والعفار، ثم جمع ما قدر عليه من الغثاء والحشيش وأوقد ناراً وألقى الأرنب في جوفهم فأخرجناهم وقد لزق بهم من الرماد والتراب ما بغّضهم إليّ، فعلّقهم بيده اليسرى ثم ضرب جنوبهم بالعصا وأعراضهم ضرباً رقيقاً حتى انتثر كل شيء عليهم فأكلناهم وسكن القرم وطابت النفس. فقلت: هذه خامسة. ثم نزلنا بعض الخانات وإذا البيوت ملآنة روثا وتراباً فلم نجد موضعاً نظلّ فيه فنظر إلى حديدة مطروحة في الدار فأخذهم فجعل العصا نصاباً لهم ثم قام فجرف جميع ذلك الروث والتراب وجرد الأرض حتى أظهر بياضهم وطابت ريحهم فقلت: وهذه سادسة. ثم نزع العصا من الحديدة فأوتدهم في الحائط وعلّق عليهم ثيابه وثيابي فقلت: هذه سابعة. فلما صرنا إلى مفرق الطريقين وأردت مفارقته قال لي: لو عدلت معي فبتّ عندي! فعدلت معه فأدخلني منزلاً يتصل ببيعة فما زال يحدّثني ويطرفني الليل كله فلما كان السحر أخذ العصا بعينهم وأخذ خشبة أخرى فقرع بهم العصا فإذا ناقوس ليس في الدنيا مثله وإذا هو أحذق الناس به فقلت له: ويحك! أما أنت بمسلم؟ قال: بلى. قلت: فلم ضربت بالناقوس؟ قال: لأن أبي نصراني وهو شيخ كبير ضعيف فإذا شهدت بررته بالكفاية. وإذا شيطان مارد وأظرف الناس وأكثرهم أدباً، فخبرّته بالذي أحصيت من خصال العصا، فقال: واللّه لو حدّثتكن عن مناقب العصا ليلة إلى الصباح ما استنفدتهم .
للنبيوروى يزيد عن هشام عن الحسن عن جابر قال: قال رسول اللّه: : إذا كنتم في الخصب فأمكنوا الرّكاب أسنّتهم ولا تغدو المنازل، وإذا كنتم في الجدب فاستنجوا. وعليكم بالدّلجة فإن الأرض تطوى بالليل. وإذا تغولت لكم الغيلان فنادوا بالأذان، ولا تصلّوا على جوادّ الطرق ولا تنزلوا عليهم فإنهم مأوى السّباع والحيات ولا تقضوا عليهم الحوائج فإنهم الملاعن " .
بين أعرابي أراد السفر وزوجتهوأراد أعرابي سفراً فقال لامرأته:
عدّي السنين لغيبتي وتصبّري ... وذري الشّهور فإنهنّ قصار
فأجابته:
اذكر صبابتنا إليك وشوقنا ... وآرحم بناتكن إنهنّ صغار
فأقام وترك السفر.
شعر لإسحاق الموصليوقال إسحاق بن إبراهيم الموصلي:
طربت إلى الأصيبية الصّغار ... وهم جك منهم قرب المزار
وكلّ مسافر يزداد شوقاً ... إذا دنت الديار من الديار
للنبيوفي الحديث المرفوع قال ابن مسعود: كنّا يوم بدر ثلاثةٌ على بعير فكان عليّ وأبو لبابة زميلي رسول الله فكا إذا دارت عقبتهما قالا: يا رسول اللّه اركب ونمشي عنك. فيقول: " ما أنتما بأقوى منّي وما أنا بأغنى عن الأجر منكما " .
من خطب قتيبة بن مسلم على منبر خراسانخطب قتيبة بن مسلم على منبر خراسان فقال في خطبته: إذا غزوتم فأطيلوا الأظفار وقصروا الأشعار.
لعائشة رضي اللّه عنهم ، ولبعض الشعراء
وقالت عائشة رضي اللّه عنهم: " لا سهر إلا لثلاثة: مصلٍّ أو عروس أو مسافر " .
وقال بعض الشعراء:
سررت بجعفرٍ والقرب منه ... كما سرّ المسافر بالإياب
وكنت بقربه إذ حلّ أرضي ... أميراً بالسّكينة والصّواب
كممطورٍ ببلدته فأضحى ... غنيّاً عن مطالبة السحاب
وقال آخر في معناه:
وكنتم فيهم كممطور ببلدته ... فسرّ أن جمع الأوطان والمطرا
وقال آخر:
إذا نحن ابنا سالمين بأنفس ... كرام رجت أمراً فخاب رجاؤهم
فأنفسنا خير الغنيمة إنهم ... تؤوب وفيهم ماؤهم وحياؤهم
وقال آخر:
رجعنا سالمين كما بدأنا ... وما خابت غنيمة سالمينا
" وما تدرين أيّ الأمر خير ... أما تهوين أم ما تكنرهينا
وقال بعض المحدّثين:
قبّح اللّه آل برمك إني ... صرت من أجلهم أخا أسفار
إن يكن ذو القرنين قد مسح الأر ... ض فإني موكّل بالعيار
التفويز
مسير خالد بن الوليد من العراق إلى الشامحدّثني أبي، أحسبه عن الهيثم بن عديّ قال: لما كتب أبو بكر رضي اللّه عنه إلى خالد ابن الوليد يأمره بالمسير إلى الشأم والياً مكان أبي عبيد ة بن الجراح، أخذ على السّماوة حتى انتهى إلى قراقر، وبين رقراقر وسوى خمس ليال في مفازة، فلم يعرف الطريق، فدلّ على رافع ابن عميرة الطائي وكان دليلاً خرّيتاً فقال لخالد: خلّف الأثقال وآسلك هذه المفازة إن كنت فاعلاً، فكره خالد أن يخلّف أحداً وقال: لا بد من أن نكون جميعاً. فقال له رافع: واللّه إن الراكب النفرد ليخافهم على نفسه وما يسلكهم إلا مغرر مخاطر بنفسه، فكيف أنت بمن معك؟ فقال: لا بد من ذلك. فقال الطائي لخالد: ابغني عشرين جزوراً مسانّ عظاماً. ففعل، فظمّأهن ثم سقاهن حتى روين ثم قطع مشافرهنّ وكعمهنّ لئلا تجترّ، ثم قال لخالد: سر بالخيول والأثقال فكاما نزلت منزلاً نحرت من تلك الجزر أربعاً ثم أخذت ما في بطونهم من الماء فسقيته الخيل وشرب الناس مما تزوّدوا، ففعل. فلما صار إلى آخر المفازة انقطع ذلك وجهد الناس وعطشت دوابّهم، فقال لهم خالد: ويحك، ما عندك؟ قال: أدركت الريّ إن شاء اللّه، أنظروا هل تجدون شجرة عوسج على ظهر الطريق؟ فنظروا فوجدوهم فقال: احفروا في أصلهم فحفروا فوجدوا عيناً فشربوا منهم وتزوّدوا، فقال رافع: واللّه ما وردت هذه الماء قطّ إلا مرة واحدة مع أبي وأنا غلام. فقال راجز المسلمين في ذلك:
اللّه درّ رافع أنّى اهتدى ... فوّز من قرار إلى سوى
أرضاً إذا سار بهم الجيش بكى ... ما سارهم قبلك من إنس أرى
قال: ولما مرّ خالد بموضع يقال له البشر طلع على قوم يشربون وبين أيديهم جفنة وأحدهم يتغنّى:
ألا علّلاني قبل جيش أبي بكر ... لعلّ منايانا قريب وما ندري
ألا علّلاني بالزّجاج وكررا ... عليّ كميت اللون صافيةً تجري
أظن خيول المسلمين وخالداً ... سيطرقك قبل الصباح من البشر
فهل لكم في السير قبل قتالهم ... وقبل خروج المعصرات من الخدر
فما هو إلا أن فرغ من قوله شدّ عليه رجل من المسلمين بالسيف فضرب عنقه. فإذا رأسه في الجفنة، ثم أقبل على أهل البشر فقتل منهم وأصاب من أموالهم.
للنبي في امرىء القيسابن الكلبي قال: أقبل قوم من أهل اليمن يريدون النبي فأضلّوا الطريق ووقعوا على غير ماء فمكثوا ثلاثاً لا يقدرون على الماء فجعل الرجل منهم يستذري بفيء السّمر والطلح يأساً من الحياة، فبينا هم كذلك أقبل راكب على بعير فأنشد بعض القوم بيتين من شعر امرىء القيس:
لمّا رأت أن الشّريعة همّهم ... وأن البياض من فرائضهم دامي
تيممت العين التي عند ضارج ... يفيء عليهم الظلّ عرمضهم طامي
فقال الراكب: من يقول هذا؟ قالوا: امرؤ القيس. قال: واللّه ما كذب، هذا ضارج عندكم. وأشار إليه، فجثوا على الرّكب فإذا ماء غدق وإذا عليه العرمض والظلّ يفيء عليه فشربوا منه ريّهم وسقوا وحملوا حتى بلغوا الماء، فأتوا النبي فأخبروه وقالوا: يا رسول اللّه أحيانا بيتان من شعر امرىء القيس. قال: " ذاك رجل مذكور في الدنيا شريف فيهم منسيّ في الآخرة خامل فيهم ، يجيء يوم القيامة معه لواء الشعراء يقودهم إلى النار.
للأصمعي عن رجل من بني سليم
حدّثني عبد الرحمن بن عبد اللّه بن قريب عن عمه الأصمعيّ عن رجل من بني سليم أن رفقة ماتت من العطش بالشّجي، فقال الحجاج: إني أظنهم قد دعوا اللّه حين بلغهم الجهد فاحفروا في مكانهم الذي ماتوا فيه لعل اللّه يسقي الناس. فقال رجل من جلسائه: إيهم الأمير قد قال الشاعر:
تراءت لي بين اللّوى وعنيزةٍ ... وبين الشّجي مما أحال على الوادي
واللّه ما تراءت له إلا وهي على ماء. فأمر الحجاج عضيدة السلمي أن يحفر بالشجي بئراً فحفر فأنبط، ويقال: إنه لم يمت قوم قطّ عطشا إلا وهم على ماء.
قالت العرب " أن ترد الماء بماء أكيس " .
ويقال في مثل: " برد غداة غرّ عبد اً من ظمأ " .
في الطيرة والفأل
شعر في القدرحدّثني أبو الحاتم عن الأصمعيّ قال: هرب بعض البصريين من الطاعون فركب حماراً له ومضى بأهله نحو سفوان فسمع حادياً يحدو خلفه وهو يقول:
لن يسبق اللّه على حمار ... ولا على ذي ميعةٍ مطّار
أو يأتي الحتف على مقدار ... قد يصبح اللّه أمام السّاري
في إنكار الطيرة وتعييبهمحدّثني أبو حاتم عن الأصمعيّ قال: حدّثني سعيد بن سلابن قتيبة عن أبيه أنه كان يعجب ممن يصدّق بالطّيرة ويعيبهم أشدّ العيب وقال: فرقت لنا ناقة وأنا بالطّف فركبت في أثرهم فلقيني هم نىء بن عتبة من بني وائل يركض وهو يقول: والشرّ يلقي مطالع الأكم ثم لقيني رجل آخر من الحي فقال، وهو للبيد:
ولئن بعثت لهم بغا ... ةً ما البغاة بواجدينا
ثم دفعت إلى غلام قد وضع في صغره في نار فأحرقته فقبح وجهه وفسد، فقلت له: هل ذكرت من ناقةٍ فارق؟ قال: ههنا أهل بيت من الأعراب فانظر. فوجدناهم قد نتجت ومعهم ولدهم .
ويقال: ناقة فارق: قد ضربهم الطّلق، وسحابة فارق: قد دنا هراقة مائهم .
شعر للمرقش في إنكار الطيرةوقال المرقّش:
ولقد غدوت وكنت لا ... أغدوا على واقٍ وحاتم
إذا الأشائم كالأيا ... من والأيامن كالأشائم
وكذلك لا خير ولا ... شرّ على أحد بدائم
ولآخر في انكار الطيرةوقال آخر:
وليس بهيّاب إذا شدّ رحله ... يقول عدانياليوم واقٍ وحاتم
ولكنه يمضي على ذلك مقدما ... إذا صدّ عن تلك الهنات الخثارم
وقال آخر:
تعلم أنه لا طير إلا ... على متطيرّ وهو الثّبور
بلى شيءٌ يوافق بعض شيء ... أحايينا وباطله كثير
لابن عون في الفألحدّثني الرياشيّ عن الأصمعيّ قال: سألت ابن عون عن الفأل فقال: هو أن تكون مريضاً فتسمع: يا سالم، أو باغياً فتسمع: يا واجد.
وفي الحديث المرفوع: " أصدق الطّيرة الفألوفيه " الطّير تجري بقدر " .
في حسن الظن بالفألأراد أبو العالية أن يخرج من البصرة لعلّة كانت به فسمع منادياٌ ينادي: يا متوكل، فحطّ رحله وأقام.
لابن عباس رضي اللّه عنهما في الطيرة والفأل
وقال عكرمة: كنا جلوساً عند ابن عمر وابن عباس رضي اللّه عنهما فمر طائر يصيح، فقال رجل من القوم: خير خير. فقال ابن عباس: لاخير ولا شر.
قال كعب لابن عباس: ما تقول في الطّيرة؟ قال: وما عسيت أن أقول فيه؟ لا طير إلا طير اللّه ولا خير إلا خير اللّه ولا إله إلا اللّه ولا حول ولا قوّة إلا باللّه. قال كعب: إن هذه الكلمات في كتاب اللّه المنزل. يعني التوراة " .
للنبيحدّثني محمد بن يحيى القطعيّ قال: حدّثني عبد الأعلى عن سعيد عن قتادة عن أبي حسان الأعرج أن رجلين دخلا على عائشة رضي اللّه عنهم فقالا: إن أبا هريرة يحدّث أن رسول اله قال: إنّما الطّيرة في المرأة والدار والدابة. فطارت شفقاً ثم قالت: كذب، والذي أنزل الفرقان على أبي قاسم، من حدّث بهذا عن رسول اللّه ، إنما قال رسول اللّه: " كان أهل الجاهلية يقولون أن الطّيرة في الدابة والدار والمرأة " ثم قرأت: " ما أصاب من مصيبةٍ في الأرض ولا في أنفسكم إلاّ في كتابٍ من قبل أن نبرأهم " .
كان عبد اللّه بن زياد صوّر في دهليزه كلباً وأسداً وكبشاً وقال: كلب نابح وكبش ناطح وأسد كالح.
للأصمعي في المقدوروأنشدني أبو حام عن الأصمعيّ:
يأيّهم المضمر همًّا لا تهمّ ... إنك إن تقدر لك الحمّى تحمّ
ولو علوت شاهقاً من العلم ... كيف توقّيك وقد جفّ القلم
بين معاوية وحجر بن عديّ
ولما أمر معاوية بقتل حجر بن عديّ الكنديّ في ثلاثة عشر رجلاً معه قال حجر: دعوني أصلّ ركعتين. فتوضأ وأحسن الوضوء، ثم صلى وطوّل فقيل: أجزعت؟ فقال: ما توضأت قطّ إلا صليت، ولا صليت قط صلاة أخفّ منهم. وإن أجزع فقد رأيت سيفاً مشهوراً وكفناً منشوراً وقبراً محفوراً. فقيل له: مدّ عنقك. فقال: إن ذلك لدمٌ ما كنت لأعين عليه. فقدّم فضربت عنقه. وكان معاوية بعث رجلاً يقال له هدبة لقتلهم، وكان أعور، فنظر إليه رجل من خثعم فقال: إن صدقت الطّيرة قتل نصفنا. فلما قتل سبعة بعث معاوية رسولاً آخر بعافيتهم فلم يقتل الباقون.
بين أعرابي وكثير عزة في الطيرةخرج كثير عزّة إلى مصر يريد عزة، فلقيه أعرابيّ من نهد فقال: يا أبا صخر، أين تريد؟ فقال: أريد عزة بمصر. قال: فهل رأيت في وجهك شيئاً؟ قال: لا إلا أني رأيت غراباً ساقطاً فوق بانة ينتف ريشه. فقال له: توافي مصر وقد ماتت عزة. فانتهره كثير ثم مضى فوافى مصر والناس ينصرفون عن جنازة عزة، فقال:
فما أعيف النّهديّ لا درّ درّه ... وأزجره للطير لا عزّ ناصره
رأيت غراباً ساقطاً فوق بانة ... ينتّف أعلى ريشه ويطايره
فأما غراب فاغتراب ووحشة ... وبانٌ فبين من حبيب تعاشره
ولكثير عزة أيضاً
وهوى بعد عزّة امرأة من قومه يقال لهم: أمّ الحويرث. فخطبهم فأبت وقالت: لا مال لك، ولكن اخرج فاطلب فإني حابسة نفسي عليك. فخرج يريد بعض بني مخزوم، فبينا هو يسير عنّ له ظبي فكره ذلك ومضى فإذا هو بغراب يبحث التراب على وجهه فكره وتطيّر منه، فانتهى إلى بطن من الأزد يقال لهم بنو لهب، فقال: أفيكم زاجر؟ قالوا: نعم، فأرشدوه إلى شيخ منهم فأتاه فقصّ عليه القصة، فقال: قد ماتت أو خلف عليهم رجل من بني عمهم. فلما انصرف وجدهم قد تزوّجت، فقال:
تيممت لهباً أطلب العلم عندهم ... وقد ردّ علم العائفين إلى لهب
فقال جرى الطير السّنيح ببينهم ... فدونك فاهمل جدّ منهمر سكب
فإلاّ تكن ماتت فقد حال دونهم ... سواك خليل باطن من بني كعب
للنبيحدّثثي أبو سفيان الغنويّ قال: حدّثني خالد بن يزيد الصّفّار قال: حدّثنا همّام بن يحيى عن قتادة عن حضرميّ بن لاحق أو عن أبي سلمة أن النبي كتب إلى أمرائه: " إذا أبردتم إليّ بريداً فاجعلوه حسن الوجه حسن الاسم " .
بين عمر بن الخطاب ورجل من جهينةخرج عمر إلى حرّة واقم فلقي رجلاً من جهينة فقال له: ما اسمك؟ قال: شهم ب. قال: ابن من؟ قال: ابن جمرة. قال: وممن أنت؟ قال: من الحرقة. ثم قال: ممن؟ قال: من بيني ضارم. فقال له عمر: أدرك اهلك وما أراك تدركهم إلا وقد احترقوا. فأتاهم وقد أحاطت النار بهم " .
بين بشر بن حسان وابن عامرخرج ابن عامر إلى المدينة فإذا هو في طريقه بنعامات خمس، فقال لأصحابه: قولوا في هذه. فقال بشر بن حسان: بلغني أن رسول الله قال: " لا عدوى ولا طيرة " ومن علم شيئاً فليقله، ولكني أقول: فتنة خمس سنين.
قرأت في كتب العجم أن كسرى بعث وهرز إلى اليمن لقتال الحبشة فلما اصطّفوا قال وهرز لغلام له: أخرج إليّ من الجبعة نشّابه. وكان الأسوار يكتب على كل نشّابة في جعبته، فمنهم ما يكتب عليه اسم الملك، ومنهم ما يكتب عليه اسم نفسه، ومنهم ما يكتب عليه اسم ابنه، ومنهم ما يكتب عليه اسم امرأته. فأدخل العبد يده فأخرج له نشابة عليهم اسم امرأته فتطيّر وقال: أنت المرأة وعليك طائر السوء. ردّهم وهم ت غيرهم. فردّهم وضرب بيده فأخرج تلك النشابة بعينهم ففكر وهرز في طائره ثم انتبه فقال: زنان. وزنان بالفارسية: النساء. ثم قال: زن آن، فإذا ترجمتهم اضرب ذلك قال: نعم الطائر هذا. ثم وضعهم في كبد قوسه ثم قال: صفوا لي ملكهم، فوصفوه بياقوتة بين عينيه ثم إنه مغظ في قوسه حتى إذا مّلأهم سرّحهم فأقبلت كأنهم رشاء منقطع حتى فضّت الياقوتة فطار فضاضهم ثم فلقت هم مته وهزم القزم.
شعر للمعلوطوقال المعلوط:
تنادى الطائران ببين سلمى ... على غصنين من غرب وبان
فكان البان أن بانت سليمى ... وفي الغرب اغتراب غير داني
مثله لأبي الشّيص، وللطائي
أخذ معناهم أبو الشّيص فقال:
أشاقك والليل ملقى الجران ... غراب ينوح على غصن بان
أحصّ الجناح شديد الصياح ... يبكّي بعينين ما تذرفان
وفي نعبات الغرب اغتراب ... وفي البان بينٌ بعيد التداني
وقال الطائيّ:
أتضعضعت عبرات عينك أن دعت ... ورقاء حين تضعضع الإظلام
لا تنشجنّ لهم فإن بكاءهم ... ضحك وإن بكاءك استغرام
هنّ الحمام فإن كسرت عيافةً ... من حائهنّ فانهنّ حمام
للنبيحدّثني أحمد بن الخليل قال: حدّثني موسى بن مسعود عن عكرمة بن عمّار عن إسحاق بن عبد اللّه بن أبي طلحة عن أنس بن مالك قال: جاء رجل منا إلى النبي فقال: يا رسول اللّه إنا نزلنا دارا فكثر فيهم عددنا وكثرت فيهم أموالنا ثم تحوّلنا منهم إلى أخرى فقلّت فيهم أموالنا وقلّ فيهم عددنا. فقال رسول اللّه: " ذروهم وهي ذميمة " .
لأعرابي أضاع ذوداً له
بلغني عن ابن كناسة عن مبارك بن سعيد أخي سفيان الثّوريّ قال: بلغنا أن أعرابياً أضاع ذوداً له فخرج في الطلب حتى أدركه العطش، فمرّ بأعرابي يحتلب ناقة فنشده ضاللّه فقال له: متى خرجت في الطلب؟ أدن مني حتى أسقيك لبناً وأرشدك. قال: قبل طلوع الفجر. قال: فما سمعت؟ قال: عواطيس حولي: ثغاء الشّاء ورغاء البعير ونباح الكلب وصياح الصبيّ. قال: عواطيس تنهم ك عن الغدوّ. قال: فلما طلع الفجر عرض لي ذئبٌ. قال: كسوبٌ ذو ظفر. قال: فلما طلعت الشمس لقيت نعامةً. قال: ذات ريش واسمهم حسن، هل تركت في أهلك مريضاً؟ قال: نعم. قال: ارجع فإنك ستجد ضالتكن في منزلك.
سليمان النبي وشجرة الخروبحدّثني عبد الرحمن عن حفص بن عمر الخبطيّ قال: حدّثنا أبو زرعة يحيى بن أبي عمرو السّيباني عن يثيع عن كعب قال: كانت الشجرة تنبت في محراب سليمان النبي وتكنلمه بلسانٍ ذلق فتقول: أنا شجرة كذا وفيّ دواء كذا. فيأمر بهم سليمان فيكتب اسمهم ومنفعتهم وصورتهم وتقطع وترفع في الخزائن حتى كان آخر ما جاء منهم الخرّوبة فقالت: أنا الخرّوبة. فقال سليمان: الآن نعيت إليّ نفسي وأذن في خراب بيت المقدس.
لأبي تمام الطائي يصف عموريةقال الطائيّ يصف عمّوريّة:
بكرٌ فما اعترفتهم كفّ حادثة ... ولا ترقتّ إليهم همّة النّوب
جرى لهم الفأل برحا يوم أنقرة ... إذ غودرت وحشة الساحات والرّحب
لمّا رأت أختهم بالأمس قد خربت ... كان الخراب لهم أعدى من الجرب
مذاهب العجم في العيافة والاستدلال بهم
للعجم في العيافة
قرأت في الآيين: كانت العجم تقول: إذا تحوّلت السّباع والطير الجبلية عن أماكنهم ومواضعهم دلّت بذلك على أن المشتى سيشتدّ ويتفاقم. وإذا نقلت الجرذان برّاً و شعيراً أو طعاماً إلى رب بيت رزق الزيادة في ماله وولده، و إن هي قرضت ثيابه دلّت بذلك على نقص ماله وولده، فينبغي أن ذلك القرض ويصلح. وإذا شبّت النار شبوباً كالصّخب دلت على فرح شديد، وإذا شبت شبوباً كالبكاء دلت على حزن، وأما النار التي تشتعل في أسفل القدور فإنهم تدل على أمطار تكنثر أو ضيف يحضر. وإذا فشا الموت في البقر وقع الموتان في البشر، وإذا فشا الموت في الخنازير عمّ الناس السلامة و العافية، وإذا فشا الموت في السباع والوحوش أصاب الناس ضيقة، وإذا فشا الموت في الجرذان أخصب الناس. وإذا أكثرت الضفادع النّقيق دلت على موتان يكون. وإذا أنّ ديك في دار فشا فيهم مرض الرجال، وإذا أنّت دجاجة فشا فيهم مرض النساء، وإذا صرخت ديوك صراخاً كالبكاء فشا الموت في النساء، وإذا صرخ الدجاج مثل ذلك الصراخ فشا الموت في الرجال. وإذا نعب غراب أسود فجاوبته دجاجة دل ذلك على خراب يعمر. وإذا قوّقت دجاجة وجاوبهم غراب دل ذلك على عمران يخرب. وإذا غطّ الرجل الحسيب في نومه بلغ سناً ورفعة، ومن نفخ في نومه أفسد ماله، ومن صرت أسنانه في نومه دلّ ذلك منه على نميمة، وينبغي أن يضرب على فيه بخفٍّ متخرّق. ومن سقطت قدّامه حية من جحر أصابته معرّة ومضرة. وإذا رئي في الهواء دخنة وظلمة من غير علة تخوّف على الناس الوباء والمرض. وإذا رئي في آفاق السماء في ليلة مصحية كاختلاف النيران غشي البلاد التي رئي ذلك فيهم عدوّ، فإن رئي ذلك وفي البلاد عدوّ انكشف عنهم. وإذا نبح كلب بعد هدأةٍ نبحة بغتة دل على أن السّرّاق قد اجتمعوا بالغارة على بعض ما في تلك الدار أو ما جاورهم. وإذا صفّق ديك بجناحيه ولم يصرخ دل على أن الخير محتبس عن صاحبه. وإذا أكثر البوم الصراخ في دار برىء مريض إن كان فيهم. وإذا سمع لبيت تنقّض شخص من فيه عنه، وإذا عوت ذئاب من جبال وجاوبتهم كلاب من قرى تفاقم الأمر في التحارب وسفك الدماء. وإذا عوت كلاب وجاوبتهم ذئاب كان وباء وموتان جارف، وإذا أكثرت الكلاب في اليغتات الهرير دلت بذلك على إتيان العدوّ البلاد التي هي فيهم ، وإذا صرخ ديك في دار قبل وقت صراخ الديوك كان ذلك محاولة لدفع بليّة قد شارفت تلك الدار، وإذا صرخت دجاجة في دار كصراخ ديك كان ذلك تحذيراً لمن فيهم من آفة قد أشرفوا عليهم. وإذا أكثر ديك النّزوان على تكنأة رب الدار نال شرفاً ونباهة، وإن فعلت ذلك دجاجة ناله خمول وضعة. وإذا ذرق ديك على فراشه نال مالاً رغيباً وخيراً كثيراً وذلك إذا كان من غير تضييع من حشمة لفراشه، فإن ذرقت دجاجة على فراشه نالت زوجته منه خيراً كثيراً، وكانوا يقولون: إن الموت من المريض الشبيه للصحيح قريب وإن الصحيح الشبيه بالمريض مستشعر للشر وينبغي مباعدته. وينبغي أن يعرف كنه من كان منطقياً لعلّه لا يجيد العمل، وحال من كان سكّيتاً متزمّتاً لعله بعيد الغور.
وكانوا يكرهون استقبال المولود ساعة يوضع إلا أن يكون ناقص الخلق فإن بليته وآفته قد صارتا على نفسه، ويكرهون استقبال الزّمن والكريه الاسم والجارية البكر والغلام الذاهب إلى المكتب، وكانوا يكرهون الثيران المقرونة بقران والحيوان الموثق والدابّة المقودة وحاملة الشراب والحطب والكلب، ويستحبّون الصحيح البدن الرضيّ الاسم والمرأة الوسيمة الثيّب والغلام المنصرف من المكتب والدواب التي عليهم حمولة من طعام أو تبن أو زبل.
وكانوا لا ينحّون عن سمع الملك ألحان المغنيات ونقيض الصواري وصهيل الخيل والبراذين ويتخذون في مبيته ديكاً ودجاجة. وإذا أهديت له خيل سنح بهم عليه من يساره إلى يمينه وكذلك الغنم والبقر، وأما الرقيق والسباع وما أشبههم فكان يبرح من يمينه إلى يساره.
باب في الخيل
للنبي في فضل الخيلحدّثني محمد بن عيينة عن شبيب بن غرقدة " عن عروة " البارقي قال: سمعت النبي يقول: " الخيل معقود في نواصيهم الخير إلى يوم القيامة " .
بين النبي ورجل أراد شراء فرس
حدّثني يزيد بن عمرو قال: حدّثني أسهل بن حاتم قال: حدّثني موسى بن عليّ بن رباح اللّخمي عن أبيه قال: جاء رجل إلى النبي فقال: إني أريد أن أعدّ فرساً. قال رسول اللّه: " فاشتره إذاً أدهم أو كميتاً أقرح أرثم أو محجلا مطلق اليمين " .
وفي حديث آخر " فإنهم ميامن الخيل ثم آغز تسلم وتغنم إن شاء اللّه " .
للنبي في فضل الخيل، وما كان يستحبه ويكرهه منهمحدّثني سهل بن محمد قال: أخبرني أبو عبيد ة أن النبي قال: " عليكم بإناث الخيل فإن ظهورهم حرز وبطونهم كنز " .
قال: وكان النبي يستحب من الدواب الشّقر ويقول: " لو جمعت خيل العرب كلهم في صعيد واحد ما سبقهم إلا أشقر " .
وسأل رجل رسول اللّه: أيّ المال خير؟ قال: " سكة مأبورة " يعني النخل " ومهرة مأمورة " يريد كثيرة النتاج.
قال: وكان يكره الشّكال في الخيل.
قول لأبي ذر" قال أبو ذرّ: ما من ليلة إلا والفرس يدعو فيهم ربه ويقول: اللهم سخرتني لابن آدم وجعلت رزقي بيده فاجعلني أحبّ إليه من أهله وماله، اللهم ارزقه وارزقني على يديه " .
لمطر بن دراج وقد سأله المهدي عن أفضل الخيلسأل المهدي مطر بن درّاج: أيّ الخيل أفضل؟ قال: الذي إذا استقبلته قلت نافر، وإذا استعرضته قلت زافر، وإذا استدبرته قلت زاجر. قال: فأيّ البراذين شر؟ قال: الغليظ الرقبة الكثير الجلبة الذي إذا أرسلته قال أمسكني وإذا أمسكته قال أرسلني. قال: فأيّ البراذين خير؟ قال: ما طرفه إمامه وسوطه عنانه.
لرجل يصف برذوناً
" وصف رجل برذوناً فقال: إن تركته نعس وإن حركته طار " .
لابن أقيصر في أفضل الخيلوقال ابن أقيصر: خير الخيل الذي إذا استقبلته أقعى وإذا استدبرته جبىّ وإذا استعرضته استوى وإذا مشى ردى وإذا عدا دحا.
بين مسلابن عمرو وابن عم له أرسله ليشتري له خيلاً
محمد بن سلاّم قال: أرسل مسلابن عمرو ابن عمّ له إلى الشأم ومصر يشتري له خيلاً فقال: لاعلم لي بالخيل. قال: ألست صاحب قنص؟ قال: بلى. قال " : فانظر، كلّ شيء تستحسنه في الكلب فاطلبه في الفرس. فقدم بخيل لم يك في العرب مثلهم. وقالوا: سمّيت خيلاً لاختيالهم .
لأعرابي يصف فرساً
وذكر أعرابي فرساً وسرعته فقال: لما خرجت الخيل جارى بشيطان في أشطان فلما أرسلت لمع لمعة سحاب فكان أقربهم إليه الذي تقع عينه عليه.
لرجل من بني أسد في الكريم والمقرف من الخيلوسئل رجل من بني أسد: أتعرف الفرس الكريم؟ قال: أعرف الجواد المبرّ من المبطيء المقرف. أما الجواد المبر فالذي لهز لهز العير وأنّف تأنيف السّير، الذي إذا عدا آسلهبّ وإذا قيّد آجعلب وإذا انتصب آتلاب. وأما المبطيء المقرف فالمدلوك الحجبة الضخم الأرنبة الغليظ الرقبة " الكثير الجلبة الذي إن أرسلته قال: أمسكني وإن أمسكته قال: أرسلني.
وأنشد الرياشيّ:
كمهر سوء إذا سكّنت شرته ... رام الجماح فإن رفّعته سكنا
بين عمر بن الخطاب
وسلمان بن ربيعة الباهلي في معرفة عراب الخيلحدّثني عبد الرحمن بن عبد اللّه قال: حدّثني الأصمعيّ عن أبي عمرو بن العلاء أن عمر ابن الخطاب شك في العتاق والهجن، فدعا سلمان بن ربيعة الباهلي فأخبره، فأمر سلمان بطست فيه ماء فوضع في الأرض ثم قدّمت الخيل إليه فرساً فرساً فما ثنى منهم سنبكه فشرب هجّنه، وما شرب ولم يثن سنبكه عرّبه. وذلك لأن في أعناق الهجن قصراً فهي لا تنال الماء على تلك الحال حتى تثني سنلبكهم ، وأعناق العتاق طوال.
لكسرى في أفراسهوحدّثني أبو حاتم قال: حدّثنا الأصمعيّ قال: ذكروا أن كسرى كان إذا أتاه سائسه فقال: الفرس يشتكني حافره، قال: المطبخ. وإذا قال: يشتكني ظهره، قال: البيطار.
شعر النضر بن سلمة يصف الفرسوأنشدني أبو حاتم لأبي ميمون العجليّ وهو النضر بن سلمة في شعر طويل له يصف الفرس، وقال: قرأته على أبي عبيد ة وعلى الأصمعيّ:
الخيل منّي أهل ما أن يدنين ... وأن يقرّبن وأن لا يقصين
وأن يبأبأن وأن يفدّين ... وأن يكون المحض مما يسقين
وأهل أن يعليّن أو يغالين ... بالطّرف والتّلد وأن لا يجفين
وأهل ما صحبننا أن يقفين ... وأهل ما أعقبننا أن يجزين
أليس عزّ الناس فيما أبلين ... والحسب الزاكي إذا ما يقنين
والأجر والزّين إذا ريم الزّين ... كم من كريم جدّه قد أعليّن
وكم طريدٍ خائفٍ قد أنجين ... ومن فقير عائل قد أغنين
وكم برأس في لبان أجرين ... وجسدٍ للعافيات أعرين
وأهل حصنٍ ذي امتناع أرذين ... وكم لهم في الغنم من ذي سهمين
يكون فيما اقتسموا كالرّجلين ... وكم وكم أنكحن من ذي طمرين
بغير مهر عاجل ولا دين ... والخيل والخيرات في قرينين
لاتشتكنين عملاً ما أنقين ... ما دام مخٌّ في سلامى أو عين
ما بلّل الصوفة ماء البحرين
شعر في وصف الفرسوأنشدني أبو حاتم عن أبي عبيد ة، قال: وقال لي أبو عبيد ة: لا أعرف قائل هذا الشعر وعروضه لا يخرّج. قال أبو حاتم: أحسبه لعبد الغفار الخزاعي:
ذاك وقد أذعر الوحوشا ... بصلت الخدّ رحبٍ لبانه مجفر
طويل خمسٍ قصير أربعة ... عريض ست مقلّصٌ حشور
حدّت له تسعةٌ وقد عريت ... تسع ففيه لمن رأى منظر
ثم له تسعة كسين وقد ... أرحب منه اللّبان والمنخر
بعيد عشر وقد قربن له ... عشر وخمس طالت ولم تقصر
نقفيه بالمحض دون ولدتنا ... وعضّه في آريّه ينثر
نصبحه تلرة ونغبقه ... ألبان كومٍ روائم أظؤر
حتى شتا بادناً يقال ألا ... يطوون من بدنه وقد أضمر
موثّق الخلق جرشعٌ عتد ... منضرج الحضر حين يستحضر
حاظي الحماتين لحمه زيمٌ ... نهدٌ شديد الصّفاق والأبهر
رقيق خمس غليظ أربعة ... نائي المعدّين ليّن الأشعر
وقد فسرت هذا الشعر في كتابي المؤلف في أبيات المعاني في خلق الفرس.
لبعض الضبيين في وصف فرسأنشدنا أبو سعيد لبعض الضّبّيين في وصف فرس:
متقاذف عبل الشّوى شنج النّسا ... سبّاق أندية الجياد عميثل
وإذا تعلّل بالسّياط جيادهم ... أعطاك نائله ولم يتعلّل
شعر لعمرو بن العاص بعد انتهم ء وقعة صفينقيل لما وضعت حرب صفّين أوزارهم قال عمرو بن العاص:
شبّت الحرب فأعددت لهم ... مفرع الحارك مرويّ الثّبج
جرشعاً أعظمه جفرته ... فإذا ابتلّ من الماء حرج
يصل الشّد بشدٍّ فإذا ... ونت الخيل من الشدّ معج
من كتاب للروم في علامات فراهة المهرووجدت في كتاب من كتب الروم أن من علامة فراهة المهر الحولي صغر رأسه وشدّة سواد عينيه، وأن يكون محدّد الأذنين أجرد باطنهم كثيف العرف، في عرفه ميل من قبل يمين راكبه. عريض الصدر مرتفع الهم دي معتدل العضدين مكتنز الجنبين طويل الذنب عريض الكفل مستدير الحوافر صحيح باطنهم. ومن علامة فراهة المهر ألا يكون نفوراً " ولا يقف عند دابة إلا مع أمّه " وإذا دفع إلى عين أو نهر ماء لم يقف لتجاوزه دابة فيسير بسيرهم ولكنه يقطع ذلك النهر والعين.
مما يسلّم اللّه به الخيل من العين
قالوا: ومما يسلم اللّه به الخيل من العين وأشباه ذلك أن يجعل في أعناقهم خرزة من قرون الأيايل.
ومثله في رقية الفرس من العينحدّثني محمد بن عبيد عن معاوية عن أبي إسحاق عن سفيان عن حصين بن عبد الرحمن عن هلال بن إساف وعن سحيم بن نوفل قالا: كنا جلوساً عند عبد اللّه بن مسعود ونحن نعرض المصاحف، فجاءت جارية إلى سيّدهم فقالت: ما يجلسك؟ قم فابتغ لنا راقياً فإن فلاناُ لقع مهرك بعينه فتركته يدور كأنه فلك. فقال عبد اللّه: لا تبتغ راقياً ولكن أذهب فآنفث في منخره الأيمن أربعاً وفي الأيسر ثلاثاً، ثم قل: بسم اللّه لا باس لاباس أذهب الباس رب النّاس وآشف أنت الشافي لا يكشف الضراء إلا أنت. قال: فما قمنا حتى جاء الرجل فقال: قد فعلت الذي أمرتني به فبال وراث وأكل.
في مداواة الفرس من بعض العلل
حدّثني أبو حاتم عن أبي عبيد ة أنه قال: إذا كان الفرس صلودا لا يعرق سقيته ماء قد دفت فيه خميرة أو علفته ضغثا من هندباء فإن ذلك يكثر عرقه، فإن حمر أدخلته الحمّام وأشمه عذرةً. فقلت لأبي عبيد ة: ما يدريك أن هذا كذا؟ فقال: خبرني به جلّ الهنديّ وكان بصيراً. قال: فإن أصابته مغلةٌ وهي وجع البطن من أكل التراب أخذ له شيء من بورقٍ فدقّ ونخل فجعل في ربع دورق من خمر فحقن به وبلّ تراب طيّب ببول أتان حتى يصير طيناً ثم لطخ به بطن الدابة.
قال: ومما يذهب العرن دماغ الأرنب.
للهيثم بن مطهّر على باب الخيزران
وقف الهيثم بن مطهّر على باب الخيزران على ظهر دابته، فبعث إليه الكاتب في دارهم: آنزل عن ظهر دابتكن فقد جاء في الأثر: لا تجعلوا ظهور دوابّكم مجالس. فبعث إليه: إني رجل أعرج وإن خرج صاحبي خفت ألاّ أدركه. فبعث إليه: إن لم تنزل أنزلناك. قال: هو حبيس إن أنزلتني عنه إن أقضمته شهراً فانظر أيّما خير له، راحةٌ ساعة أو جوع شهر؟ فقال: هذا شيطان، آتركوه.
باب البغال والحمير
لمسلمة في البغالقال مسلمة: ما ركب الناس مثل بغلة قصيرة العذار طويلة العنان.
وكتب رجل إلى وكيله: آبغني بغلة حصّاء الذنب طويلة العنق سوطهم عنانهم وهواهم أمامهم .
بين الفضل بن الربيع وبعض بني هم شم في ركوب البغلةعاتب الفضل بن الربيع بعض بني هم شم في ركوبه بغلة، فقال له: هذا مركب تطأطأ عن خيلاء الخيل ولآرتفع عن ذلّة الحمار وخير الأمور أوساطهم .
حدّثني أبو حاتم عن الأصمعيّ قال: أخبرنا أبو عمرو بن العلاء، قال: دفع أبو سيّارة بأهل المزدلفة أربعين سنة على حمار لايعتلّ، فقال العرب: " أصح من عير أبي سيّارة " .
إيثار الفضل الرقاشي ركوب الحمير على سواهمقال رجل للفضل الرّقاشي وهو جدّ معتمر لأمّه: إنك لتؤثر الحمير على جميع المركوب، فلم ذلك؟ قال: لأنهم أكثرهم مرفقا. قال: وما ذاك؟ قال: لاتستبدل بالمكان على قدر اختلاف الزمان، ثم هي أقلهم داء وأيسرهم دواء وأسلم صريعا وأسهل تصريفاً وأخفض مهوىً وأقل جماحاً وأشهر فارهم وأقل نصيرا ويزهى راكبه وقد تواضع بركوبه، ويكون مقتصداً وقد أسرف في ثمنه.
لخالد بن صفوان في وصف حماروقال خالد بن صفوان في وصف حمار: قد أركبه عيرا من بنات الكداد أصحر السّربال محملج القوائم يحمل الرّجلة ويبلغ العقبة ويمنعني أن أكون جبّاراً عنيداً.
لرجل يطلب حماراً
وقال رجل لنخّاسٍ: اطلب لي حماراً ليس بالكبير المشتهر ولا القصير المحتقر ولا يقدم تقحّماً ولا يحجم تبلّداً، يتجنب بي الزحام والرّجام والإكام. خفيف اللجام إذا ركبته هم م وإذا ركبه غيري قام، إن علفته شكر، وإن أجعته صبر. فقال له النخاس: إن مسخ اللّه القاضي زياداً حماراً رجوت أن أصيب لك حاجتكن إن شاء اللّه.
لرجل يوصي رجلاً
وقال رجل لآخر يوصيه: خذ من الحمار شكره وصبره ومن الكلب نصحه لأهله ومن الغراب كتمانه للسّفاد.
جرير بن عبد اللّه عن أبيه قال: لا تركب حماراً فإنه إن كان فارهم أتعب يديك وإن كان بليداً أتعب رجليك.
باب في الإبلالهيثم قال: قال ابن عياش: لا تشتر خمسة من خمسة: لاتشتر فرساً من أسديّ ولا جملاً من نهديّ ولا عيراً من تميمي ولا عبد اً من بجلي. ونسى الهيثم الخامس، يريد أن أهل هذه القبائل عظام الجدود في هذه الأشياء.
لبني عبس في الإبلقيل لبني عبس: أيّ الإبل أصبر عليكم في محاربتكنم؟ قال: الرّمك الجعاد. قيل: فأيّ الخيل وجدتم أصبر؟ قالوا: الكمت الحوّ. قيل: فأيّ النساء وجدتم أصبر؟ قالوا: بنات العم.
بين شبّة بن عقال ورجل من أهل اليمن
أقسام الكتاب 1 2 3 4 5 6*
============
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق