فهرست مضمون السور القرانية المصحف الالكتروني


فهرس مضمون السورالرئيسيةفهرس السورفهرس الصفحات001 الفاتحة ►002 البقرة ►003 آل عمران ►004 النساء ►005 المائدة ►006 الأنعام ►007 الأعراف ►008 الأنفال ►009 التوبة ►010 يونس ►011 هود ►012 يوسف ►013 الرعد ►014 إبراهيم ►015 الحجر ►016 النحل ►017 الإسراء ►018 الكهف ►019 مريم ►020 طه ►021 الأنبياء ►022 الحج ►023 المؤمنون ►024 النور ►025 الفرقان ►026 الشعراء ►027 النمل ►028 القصص ►029 العنكبوت ►030 الروم ►031 لقمان ►032 السجدة ►033 الأحزاب ►034 سبأ ►035 فاطر ►036 يس ►037 الصافات ►038 ص ►039 الزمر ►040 غافر ►041 فصلت ►042 الشورى ►043 الزخرف ►044 الدخان ►045 الجاثية ►046 الأحقاف ►047 محمد ►048 الفتح ►049 الحجرات ►050 ق ►051 الذاريات ►052 الطور ►053 النجم ►054 القمر ►055 الرحمن ►056 الواقعة ►057 الحديد ►058 المجادلة ►059 الحشر ►060 الممتحنة ►061 الصف ►062 الجمعة ►063 المنافقون ►064 التغابن ►065 الطلاق ►066 التحريم ►067 الملك ►068 القلم ►069 الحاقة ►070 المعارج ►071 نوح ►072 الجن ►073 المزمل ►074 المدثر ►075 القيامة ►076 الإنسان ►077 المرسلات ►078 النبأ ►079 النازعات ►080 عبس ►081 التكوير ►082 الإنفطار ►083 المطففين ►084 الانشقاق ►085 البروج ►086 الطارق ►087 الأعلى ►088 الغاشية ►089 الفجر ►090 البلد ►091 الشمس ►092 الليل ►093 الضحى ►094 الشرح ►095 التين ►096 العلق ►097 القدر ►098 البينة ►099 الزلزلة ►100 العاديات ►101 القارعة ►102 التكاثر ►103 العصر ►104 الهمزة ►105 الفيل ►106 قريش ►107 الماعون ►108 الكوثر ►109 الكافرون ►110 النصر ►111 المسد ►112 الإخلاص ►113 الفلق ►114 الناس ►/المصحف الإلكتروني www.e-quran.com.



الثلاثاء، 1 فبراير 2022

الفقرة 7- من تفسير ابن كثير سورة ابراهيم

==فقرة 7--===من سورة ابراهيم =====


مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ (43) وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ (44) وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ (45) وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ (46) فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (47) يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (48) وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ (49) سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ (50) لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (51) هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (52) 
تفسير الفقرة 7 من سورة إبراهيم - تفسير ابن كثير
مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ (43) وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ (44) وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ (45) وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ (46)

{ مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ (43) وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ }
يقول [تعالى شأنه] (1) { وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ } يا محمد { غَافِلا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ } أي: لا تحسبه إذ (2) أنظرهم وأجلهم أنه غافل عنهم مهمل لهم، لا يعاقبهم على صنعهم (3) بل هو يحصي ذلك عليهم ويعده عدا، أي: { إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأبْصَارُ } أي: من شدة الأهوال يوم القيامة.
ثم ذكر تعالى كيفية قيامهم من قبورهم ومجيئهم إلى قيام المحشر فقال: { مُهْطِعِينَ } أي: مسرعين، كما قال تعالى: { مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ [يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ ] (4) } [القمر: 8]، وقال تعالى: { يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الأصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلا تَسْمَعُ إِلا هَمْسًا } إلى قوله: { وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا } [طه: 198 -111]، وقال تعالى: { يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الأجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ } [المعارج: 43].
وقوله: { مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ } قال ابن عباس، ومجاهد وغير واحد: رافعي رءوسهم.
{ لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ } أي: [بل] (5) أبصارهم طائرة شاخصة، يديمون النظر لا يطرفون لحظة لكثرة ما هم فيه من الهول والفكرة والمخافة (6) لما يحل بهم، عياذًا بالله العظيم من ذلك؛ ولهذا قال: { وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ } أي: وقلوبهم خاوية خالية ليس فيها شيء لكثرة [الفزع و] (7) الوجل والخوف. ولهذا قال قتادة وجماعة: إن أمكنة أفئدتهم خالية لأن القلوب لدى الحناجر قد خرجت من أماكنها من شدة الخوف. وقال بعضهم: { هَوَاءٌ } خراب لا تعي (8) شيئا.
ولشدة ما أخبر الله تعالى [به] (9) عنهم، قال لرسوله: { وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ } .
{ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ (44) وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الأمْثَالَ (45) وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ (46) }
__________
(1) زيادة من أ.
(2) في ت: "إذا".
(3) في ت، أ: "صنيعهم".
(4) زيادة من ت، أ، وفي هـ: "الآية".
(5) زيادة من أ.
(6) في ت: "والمخافة والفكرة".
(7) زيادة من ت، أ.
(8) في أ: "لا يعي".
(9) زيادة من ت.

(4/515)


يقول تعالى مخبرًا عن قيل الذين ظلموا أنفسهم، عند معاينة العذاب: { رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ } كما قال تعالى: { حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ } [المؤمنون: 99، 100]، وقال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ (1) مِنَ الصَّالِحِينَ } [المنافقون: 9، 10]، وقال تعالى مخبرا عنهم في حال محشرهم: { وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ } [السجدة: 12]، وقال تعالى: { وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ } [الأنعام: 27، 28]، وقال تعالى: { وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ } [فاطر: 37].
وقال تعالى رادا عليهم في قولهم هذا: { أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ } أي: أو لم تكونوا تحلفون من قبل هذه الحال: أنه لا زوال لكم عما أنتم فيه، وأنه لا معاد ولا جزاء، فذوقوا هذا بذاك.
قال مجاهد وغيره: { مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ } أي: ما لكم من انتقال من الدنيا إلى الآخرة، كما أخبر عنهم تعالى: { وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا } [النحل: 38].
{ وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الأمْثَالَ } أي: قد رأيتم وبلغكم ما أحللنا بالأمم المكذبة قبلكم، ومع هذا لم يكن لكم فيهم معتبر، ولم يكن فيما أوقعنا بهم مزدجر لكم (2) { حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ } [القمر: 5].
وقد روى شعبة، عن أبي إسحاق، عن عبد الرحمن [بن دابيل] (3) أن عليا، رضي الله عنه، قال في هذه الآية: { وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ } قال: أخذ ذاك الذي حاج إبراهيم في ربه نسرين صغيرين، فرباهما حتى استغلظا واستعلجا وشبا (4) .
قال: فأوثق رِجْل كل واحد منهما بوتد إلى تابوت، وجوعهما، وقعد هو ورجل آخر في التابوت قال:-ورفع في التابوت عصا على رأسه اللحم -قال: فطارا [قال] (5) وجعل يقول لصاحبه: انظر، ما (6) ترى؟ قال: أرى كذا وكذا، حتى قال: أرى الدنيا كلها كأنها ذباب. قال: فقال: صوب العصا،
__________
(1) في أ: "وأكون".
(2) في ت: "لكم مزدجر".
(3) زيادة من ت، وفي أ: "بن دنيال".
(4) في ت: "فشبا".
(5) زيادة من ت، أ.
(6) في ت: "ماذا".

(4/516)


فصوبها، فهبطا. قال: فهو قول الله، عز وجل: "وإن كاد مكرهم لتزول منه الجبال". قال أبو إسحاق: وكذلك هي في قراءة عبد الله: "وإن كاد مكرهم" (1) .
قلت: وكذا رُوي عن أبي بن كعب، وعمر بن الخطاب، رضي الله عنهما، أنهما قرآ: "وإن كاد"، كما قرأ علي. وكذا رواه سفيان الثوري، وإسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عبد الرحمن بن أذنان (2) عن علي، فذكر نحوه.
وكذا رُوي عن عكرمة أن سياق هذه القصة لنمرود ملك كنعان: أنه رام أسباب السماء بهذه الحيلة والمكر، كما رام ذلك بعده فرعون ملك القبط في بناء الصرح، فعجزا وضعفا. وهما أقل وأحقر، وأصغر وأدحر.
وذكر مجاهد هذه القصة عن بختنصر، وأنه لما انقطع بصره عن الأرض وأهلها، نودي أيها الطاغية: أين تريد؟ فَفَرق، ثم سمع الصوت فوقه فصوب الرماح، فصَوبت النسور، ففزعت الجبال من هدتها، وكادت الجبال أن تزول من حس (3) ذلك، فذلك قوله: { وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ }
ونقل ابن جُريج (4) عن مجاهد أنه قرأها: "لَتَزُولُ منه الجبال"، بفتح اللام الأولى، وضم (5) الثانية.
وروى العوفي عن ابن عباس في قوله: { وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ } يقول: ما كان مكرهم لتزول منه الجبال. وكذا قال الحسن البصري، ووجهه ابن جرير بأن هذا الذي فعلوه بأنفسهم من كفرهم بالله وشركهم به، ما ضر ذلك شيئا من الجبال ولا غيرها، وإنما عاد وبال ذلك على أنفسهم.
قلت: ويشبه هذا إذا قوله تعالى: { وَلا تَمْشِ فِي الأرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الأرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولا } [الإسراء: 37].
والقول الثاني في تفسيرها: ما رواه علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: { وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ } يقول شركهم، كقوله: { تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الأرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدّاً أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا } [مريم: 90 -91]، وهكذا قال الضحاك وقتادة.
__________
(1) تفسير الطبري (13/160)، وصوب العصا: خفضها وأنزلها أ. هـ. مستفادا من حاشية الشعب.
(2) في ت: "أرباب"، وفي أ: "أريان".
(3) في ت: "من حين".
(4) في أ: "ابن جرير".
(5) في ت، أ: "ورفع".

(4/517)


فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (47) يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (48)

{ فَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (47) يَوْمَ تُبَدَّلُ الأرْضُ غَيْرَ الأرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (48) }
يقول تعالى مقررًا لوعده ومؤكدًا: { فَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ } أي: من نصرتهم في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد.
ثم أخبر أنه ذو عزة لا يمتنع (1) عليه شيء أراده، ولا يغالب، وذو انتقام ممن (2) كفر به وجحده { وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ } [الطور: 11] ؛ ولهذا قال: { يَوْمَ تُبَدَّلُ الأرْضُ غَيْرَ الأرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ } أي: وعده هذا حاصل يوم تبدل الأرض غير الأرض، وهي هذه على غير الصفة المألوفة المعروفة، كما جاء في الصحيحين، من حديث أبي حازم، عن سهل بن سعد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يحشر الناس يوم القيامة على أرض بيضاء عفراء، كقرصة النقي، ليس فيها معلم لأحد" (3) .
وقال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن أبي عدي، عن داود، عن الشعبي، عن مسروق، عن عائشة أنها قالت: أنا أول الناس سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية: { يَوْمَ تُبَدَّلُ الأرْضُ غَيْرَ الأرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ } قالت: قلت: أين الناس يومئذ يا رسول الله؟ قال: "على الصراط".
رواه مسلم منفردًا به دون البخاري، والترمذي، وابن ماجه، من حديث داود بن أبي هند، به (4) وقال الترمذي: حسن صحيح.
ورواه أحمد أيضا، عن عفان، عن وهيب (5) عن داود، عن الشعبي، عنها (6) ولم يذكر مسروقًا (7) .
وقال قتادة، عن حسان بن بلال المزني، عن عائشة، رضي الله عنها، أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قول الله: { يَوْمَ تُبَدَّلُ الأرْضُ غَيْرَ الأرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ } قال: قالت (8) يا رسول الله، فأين الناس يومئذ؟ قال: "لقد سألتني (9) عن شيء ما سألني عنه أحد من أمتي، ذاك أن الناس على جسر جهنم (10) (11) .
وروى الإمام أحمد، من حديث حبيب بن أبي عمرة، عن مجاهد، عن ابن عباس، حدثتني عائشة أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن قوله تعالى: { وَالأرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ } [الزمر: 67]،
__________
(1) في ت: "تمتنع".
(2) في ت: "بمن".
(3) صحيح البخاري برقم (6521) وصحيح مسلم برقم (2790).
(4) المسند (6/35) وصحيح مسلم برقم (2791) وسنن الترمذي برقم (3121) وابن ماجة برقم (4279).
(5) في ت: "وهب".
(6) في ت: "عنهما".
(7) المسند (6/134).
(8) في ت، أ: "قلت".
(9) في ت: "سألتني".
(10) في ت: "على حشرهم".
(11) رواه الطبري في تفسيره (13/166).

(4/518)


فأين الناس يومئذ يا رسول الله؟ قال: "هم على متن جهنم" (1) .
وقال ابن جرير: حدثنا الحسن، حدثنا علي بن الجعد، أخبرني القاسم، سمعت الحسن قال: قالت عائشة: يا رسول الله، { يَوْمَ تُبَدَّلُ الأرْضُ غَيْرَ الأرْضِ } فأين الناس يومئذ؟ قال: "إن هذا شيء ما سألني عنه أحد"، قال: "على الصراط يا عائشة".
ورواه أحمد، عن عفان (2) عن القاسم بن الفضل، عن الحسن، به (3) .
وقال الإمام مسلم بن الحجاج في صحيحه: حدثني الحسن بن علي الحلواني، حدثنا أبو تَوْبة الربيع بن نافع، حدثنا معاوية بن سلام، عن زيد -يعني: أخاه -أنه سمع أبا سلام، حدثني أبو أسماء الرَّحَبِي؛ أن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثه قال: كنت قائما عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاءه (4) حَبر من أحبار اليهود، فقال: السلام عليك يا محمد. فدفعته دفعة كاد يُصرَع منها، فقال: لم تدفعني؟ فقلت: ألا تقول: يا رسول الله؟! فقال اليهودي: إنما ندعوه باسمه الذي سَمّاه به أهله! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن اسمي محمد الذي سماني به أهلي". فقال اليهودي: جئت أسألك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أينفعك شيء إن حدثتك ؟" فقال: أسمع بأذني. فنكت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعود معه، فقال: "سل". فقال اليهودي: أين يكون الناس يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هم في الظلمة دون الجسر" (5) قال: فمن أول الناس إجازة؟ قال: فقال: "[فقراء] (6) المهاجرين". قال اليهودي: فما تُحْفَتهُم حين يدخلون الجنة؟ قال: "زيادة كبد النون" قال: فما غذاؤهم في أثرها؟ قال: "ينحر لهم ثور الجنة الذي كان يأكل من أطرافها". قال: فما شرابهم عليه؟ قال: "من عين فيها تسمى سلسبيلا". قال: صدقت. قال: وجئت أسألك عن شيء لا يعلمه أحد من أهل الأرض إلا نبي أو رجل أو رجلان؟ قال: "أينفعك إن حدثتك؟" قال: أسمع بأذني. قال: جئت أسألك عن الولد. قال: "ماء الرجل أبيض وماء المرأة أصفر، فإذا اجتمعا فَعَلا منيُّ الرجل منيَّ المرأة أذكرا (7) بإذن الله -تعالى -وإذا علا مني المرأة مني الرجل أنَّثا بإذن الله" قال اليهودي: لقد صدقت، وإنك لنبي. ثم انصرف، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لقد سألني هذا عن الذي سألني عنه، وما لي علم بشيء منه، حتى أتاني الله به" (8) .
[و] (9) قال أبو جعفر بن جرير الطبري: حدثني ابن عوف، حدثنا أبو المغيرة، حدثنا ابن أبي
__________
(1) المسند (6/117).
(2) في ت، أ: "عثمان".
(3) تفسير الطبري (13/166) والمسند (6/101).
(4) في ت: "فجاء".
(5) في ت: "الحشر".
(6) زيادة من ت، أ، ومسلم.
(7) في أ: "ذكرا".
(8) صحيح مسلم برقم: (315).
(9) زيادة من ت.

(4/519)


مريم، حدثنا سعيد بن ثوبان الكَلاعي، عن أبي أيوب الأنصاري، قال: أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم حَبْر من اليهود فقال: أرأيت إذ يقول الله في كتابه: { يَوْمَ تُبَدَّلُ الأرْضُ غَيْرَ الأرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ } فأين الخَلْق عند ذلك؟ فقال: "أضياف الله، فلن يعجزهم ما لديه" (1) .
ورواه ابن أبي حاتم، من حديث أبي بكر بن عبد الله بن أبي مريم، به.
وقال شعبة: أخبرنا أبو إسحاق، سمعت عمرو بن ميمون -وربما قال: قال عبد الله، وربما لم يقل -فقلت له: عن عبد الله؟ فقال: سمعت عمرو بن ميمون يقول: { يَوْمَ تُبَدَّلُ الأرْضُ غَيْرَ الأرْضِ } قال: أرض كالفضة البيضاء نقية، لم يسفك فيها دم، ولم يعمل عليها (2) خطيئة، ينفذهم البصر، ويسمعهم الداعي، حفاةً عراة كما خلقوا. قال: أراه قال: قياما حتى يُلجِمَهم العرق (3) .
وروي من وجه آخر عن شعبة عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمون، عن ابن مسعود، بنحوه. وكذا رواه عاصم، عن زرّ، عن ابن مسعود، به.
وقال سفيان الثوري، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمون، لم يخبر به. أورد ذلك كله ابن جرير (4) .
وقد قال الحافظ أبو بكر البزار: حدثنا محمد بن عبد الله بن عُبَيد بن عَقِيل، حدثنا سهل بن حماد أبو عتاب، حدثنا جرير بن أيوب، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمون، عن عبد الله، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قول الله، عز وجل: { يَوْمَ تُبَدَّلُ الأرْضُ غَيْرَ الأرْضِ } قال: "أرض بيضاء لم يسقط عليها دم (5) ولم يعمل عليها خطيئة". ثم قال: لا نعلم رفعه إلا جرير بن أيوب، وليس بالقوي (6) .
ثم قال ابن جرير: حدثنا أبو كريب، حدثا معاوية بن هشام، عن سنان (7) عن جابر الجُعْفي، عن أبي جُبَيرة (8) عن زيد قال: أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليهود فقال: "هل تدرون لم أرسلت إليهم؟" قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: "أرسلت إليهم أسألهم عن قول الله: { يَوْمَ تُبَدَّلُ الأرْضُ غَيْرَ الأرْضِ } إنها تكون يومئذ بيضاء مثل الفضة". فلما جاءوا سألهم فقالوا: تكون بيضاء مثل النَّقِي (9) .
وهكذا رَوى عن علي، وابن عباس، وأنس بن مالك، ومجاهد بن جبير: أنها تبدل يوم القيامة بأرض من فضة.
وعن علي، رضي الله عنه، أنه قال: تصير الأرض فضة، والسموات ذهبا.
__________
(1) رواه الطبري في تفسيره (13/164).
(2) في ت، أ: "فيها".
(3) تفسير الطبري (13/164).
(4) تفسير الطبري (13/164).
(5) في ت: "دما".
(6) مسند البزار برقم (3431) "كشف الأستار" وجرير بن أيوب ضعفه الأئمة.
(7) في ت، أ: "شيبان".
(8) في أ: "عن ابن حبرة".
(9) تفسير الطبري (13/164).

(4/520)


وقال الربيع: عن أبي العالية، عن أبي بن كعب قال: تصير السموات جنانا.
وقال أبو مِعْشر، عن محمد بن كعب القرظي، أو عن محمد بن قيس في قوله: { يَوْمَ تُبَدَّلُ الأرْضُ غَيْرَ الأرْضِ } قال: [تبدل] (1) خبزة يأكل منها المؤمنون (2) من تحت أقدامهم (3) .
وكذا رَوَى وَكِيع، عن عمر بن بشير الهمداني، عن سعيد بن جبير في قوله: { يَوْمَ تُبَدَّلُ الأرْضُ غَيْرَ الأرْضِ } قال: تبدل خبزة بيضاء، يأكل المؤمن من تحت قدميه.
وقال الأعمش، عن خَيْثَمة قال: قال عبد الله -هو ابن مسعود-: الأرض كلها يوم القيامة (4) نار، والجنة من ورائها ترى كواعبها وأكوابها، ويُلجِمُ الناس العرقُ، أو يبلغ منهم العرق، ولم يبلغوا الحساب.
وقال الأعمش أيضًا، عن المِنْهَال بن عمرو، عن قيس بن السكن (5) قال: قال عبد الله: الأرض كلها نار يوم القيامة، [و] (6) الجنة من ورائها، ترى أكوابها وكواعبها، والذي نفس عبد الله بيده، إن الرجل ليفيض عرقا حتى ترسخ (7) في الأرض قدمه، ثم يرتفع حتى يبلغ أنفه، وما مسه الحساب. قالوا (8) مم ذاك يا أبا عبد الرحمن؟ قال: مما يرى الناس يلقون (9) .
وقال أبو جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، عن كعب في قوله: { يَوْمَ تُبَدَّلُ الأرْضُ غَيْرَ الأرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ } قال: تصير السموات جنانا، ويصير مكان البحر نارًا، وتبدل الأرض غيرها.
وفي الحديث الذي رواه أبو داود: "لا يركب البحر إلا غاز أو حاج أو معتمر، فإن تحت البحر نارا -أو: تحت النار بحرا" . (10)
وفي حديث الصور المشهور المروي عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "تبدل الأرض غير الأرض والسموات، فيبسطها ويمدها مد الأديم العكاظي، لا ترى فيها عوجا ولا أمتا، ثم يزجر الله الخلق زجرة، فإذا هم في هذه المبدلة" (11) .
وقوله: { وَبَرَزُوا لِلَّهِ } أي: خرجت الخلائق جميعها من قبورهم لله { الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ } أي: الذي
__________
(1) زيادة من أ.
(2) في ت، أ: "المؤمن"
(3) في أ: "قدميه".
(4) في ت: "يوم القيامة كلها".
(5) في ت: "ابن سكن".
(6) زيادة من ت، أ.
(7) في ت: "يرسخ"، وفي أ: "يرشح".
(8) في ت: "فقالوا".
(9) تفسير الطبري (13/164 ، 165).
(10) سنن أبي داود برقم (2489) ولفظه: "فإن تحت البحر نارا، وتحت النار بحرا" رواه من طريق بشر أبي عبد الله، عن بشير بن مسلم ، عن عبد الله بن عمرو مرفوعا، وقد ضعف هذا الحديث جماعة من الأئمة. انظر أقوالهم في: السلسلة الضعيفة برقم (478).
(11) سبق تخريج الحديث عند تفسير سورة الأنعام.

(4/521)


وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ (49) سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ (50) لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (51)

قهر كل شيء وغلبه، ودانت له الرقاب، وخضعت له الألباب.
{ وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الأصْفَادِ (49) سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ (50) لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (51) }
يقول تعالى: { يَوْمَ تُبَدَّلُ الأرْضُ غَيْرَ الأرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ } وتبرز الخلائق لديَّانها، ترى يا محمد يومئذ المجرمين، وهم الذين أجرموا بكفرهم وفسادهم، { مقرنين } أي: بعضهم إلى بعض، قد جمع بين النظراء أو الأشكال (1) منهم، كل صنف إلى صنف، كما قال تعالى: { احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ } [الصافات: 22]، وقال: { وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ } [التكوير: 7]، وقال: { وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا } [الفرقان: 13]، وقال: { وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الأصْفَادِ } [ص: 37، 38].
والأصفاد: هي القيود، قاله ابن عباس، وسعيد بن جبير، والأعمش، وعبد الرحمن بن زيد. وهو مشهور في اللغة، قال عمرو بن كلثوم.
فَآبُوا (2) بالثياب وبالسّبايا وأُبْنَا بالمُلُوك (3) مُصَفّدينا (4)
وقوله: { سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ } أي: ثيابهم التي يلبسونها عليهم من قطران، وهو الذي تُهنأ به الإبل، أي: تطلى، قاله قتادة. وهو ألصق شيء بالنار.
ويقال فيه: "قَطِران"، بفتح القاف وكسر الطاء، وبفتح القاف وتسكين الطاء، وبكسر القاف وتسكين الطاء، ومنه قول أبي النجم.
كأنّ قِطْرانًا إذَا تَلاهَا ... تَرْمي (5) به الرّيح إلى مَجْراها (6)
وكان ابن عباس يقول: القَطران هو: النحاس المذاب، وربما قرأها: "سَرَابيلهم من قَطِران" أي: من نحاس حار قد انتهى حره. وكذا روي عن مجاهد، وعكرمة، وسعيد بن جُبَير، والحسن، وقتادة.
وقوله: { وَتَغْشَى (7) وُجُوهَهُمُ النَّارُ } كقوله: { تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ } [المؤمنون: 104].
وقال الإمام أحمد، رحمه الله: حدثنا يحيى بن إسحاق، أنبأنا أبان بن يزيد، عن يحيى بن أبي
__________
(1) في ت: "النظر والأشكال".
(2) في ت: "فأتوا".
(3) في ت: "وابنا الملوك"، وفي أ: "وأبناء الملوك".
(4) البيت في تفسير الطبري (13/167).
(5) في ت: "يرمى".
(6) البيت في تفسير الطبري (13/167).
(7) في ت: "ويغشى".

(4/522)


هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (52)

كثير، عن زيد، عن أبي سلام، عن أبي مالك الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أربع من أمر الجاهلية لا يُتْرَكن (1) الفخر بالأحساب، والطعن في الأنساب، والاستسقاء بالنجوم، والنياحة، والنائحة (2) إذا لم تتب قبل موتها، تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران، ودرْع من جَرَب". انفرد بإخراجه مسلم (3) .
وفي حديث القاسم، عن أبي أمامة، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "النائحة إذا لم تتب، توقف في طريق (4) بين الجنة والنار، وسرابيلها من قطران، وتغشى وجهها النار" (5) .
وقوله: { لِيَجْزِيَ اللَّهُ } أي: يوم (6) القيامة، كما قال: { لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى } [النجم: 31].
{ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ } يحتمل أن يكون كقوله (7) تعالى: { اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ } ويحتمل أنه في حال محاسبته (8) لعبده سريع النَّجاز؛ لأنه يعلم كل شيء، ولا يخفى عليه خافية، وإن جميع الخلق (9) بالنسبة إلى قدرته كالواحد منهم، كقوله تعالى: { مَا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ } [لقمان: 28]، وهذا معنى قول مجاهد: { سَرِيعُ الْحِسَابِ } [إحصاء] (10) .
ويحتمل أن يكون المعنيان مرادين، والله أعلم.
{ هَذَا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الألْبَابِ (52) }
يقول تعالى: هذا القرآن بلاغ للناس، كقوله: { لأنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ } [الأنعام: 19]، أي: هو بلاغ لجميع الخلق من إنس وجان، كما قال في أول السورة: { الر كِتَابٌ أَنزلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ }
{ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ } أي: ليتعظوا (11) به، { وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ } أي: يستدلوا بما فيه من الحجج والدلالات على أنه لا إله إلا هو (12) { وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الألْبَابِ } أي: ذوو العقول.
__________
(1) في ت: "لا بد لهن"، وفي أ: "لا يزكهن".
(2) في أ: "والنابحة".
(3) المسند (5/342) وصحيح مسلم برقم (934).
(4) في ت: "الطريق".
(5) رواه الطبراني في المعجم الكبير (8/238) من طريق عبيد الله بن زحر، عن علي بن يزيد، عن القاسم، وكلهم ضعفاء - عن أبي أمامة به. وقد قال ابن حبان: "إذا جاء الحديث من طريق عبيد الله بن زحر عن علي بن يزيد، عن القاسم، فهو مما صنعته أيديهم".
(6) في ت، أ: "أي يقسم يوم".
(7) في ت: "قوله".
(8) في ت: "محسباته".
(9) في ت: "الخلائق".
(10) زيادة من ت، أ.
(11) في ت، أ: "يتعظوا".
(12) في ت، أ: "إلا الله".

(4/523) 
 =فقرة ...- ==انتهي==


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الرد على أصول الرافضة جمع وإعداد علي بن نايف الشحود

  الرد على أصول الرافضة جمع وإعداد علي بن نايف الشحود  بسم الله الرحمن الرحيم  الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيد الأنبياء ...